top of page

1/10/2021

الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.. نحو مسار جديد للتعاون

بالنظر إلى كونهما منظمتين متعددتي الجنسيات ومؤلفتين من دول تتشارك في التفكير، وتمثل كل منهما منطقة معينة، فيجب أن يكون «الاتحاد الأوروبي»، و«مجلس التعاون الخليجي»، مؤسستين متعاونتين بشكل خاص؛ لتعزيز التعاون الدولي حول عدد واسع من القضايا، تتراوح من التعليم إلى الدفاع. وعلى الرغم من أن العلاقات بينهما كانت عنصرًا أساسيا في السياسة العالمية، إلا أن التعاون الأوسع المأمول لم يؤت ثماره بعد.

 

ولبحث هذه المسألة، عقد «معهد دول الخليج العربي»، بواشنطن، ندوة بعنوان «الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.. مسار جديد للتعاون»، بهدف مناقشة التعاون المستقبلي بينهما، وكيف يمكن تفعيله وتعميقه؛ أدارتها «إيما سوبريير»، من «معهد دراسات الشرق الأوسط»، وشارك فيها عادل عبدالغفار، من مركز «بروكينجز»، و«سيلفيا كولومبو»، من «معهد الشؤون الدولية» وهناء المعيبد، من مركز «الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية»، وعمر العبيدلي، من معهد دول الخليج.

 

في البداية، أوضحت «سوبريير»، أن العلاقات بين «الاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون، تعود إلى عام 1985. حيث الاجتماع الوزاري الأول المشترك، واتفاق التعاون الذي أعقب ذلك عام 1988. ومع ذلك، كان التعاون المباشر مع الوقت محدودًا، وتم اتخاذ معظم الإجراءات بينهما بشكل ثنائي، وليس متعدد الأطراف. وعليه، وصفت «التأخير» و«المثابرة» من أجل تعزيز التعاون بأنه «مفاجئ» و«مخيب للآمال»، ولا سيما بالنظر إلى العديد من المخاوف المشتركة بينهما. وبالتالي، سألت حول «كيف سيبدو الطريق إلى الأمام» للتعاون؟.

 

ومن جهتها، أشارت «كولومبو»، إلى أنه من الضروري فهم «ما تحقق وما لم يتحقق» في العلاقة بين المنظمتين حتى الآن، وذلك لتطوير آليات جديدة «لإطلاق العنان لإمكانيات» شراكات مستقبلية، موضحة أنه مع حدوث «تحولات» في الجغرافيا السياسية العالمية، فإن الأحداث الخارجية، مثل تراجع النفوذ العالمي للاتحاد الأوروبي في أعقاب خروج بريطانيا منه، والانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، أصبحت وسيلة «ضغط»؛ على أوروبا «لإعادة النظر» في علاقاتها «مع الخليج، وخاصة أن الأخيرة الآن أكثر انخراطًا في الاقتصاد السياسي والأمني الأوسع للشرق الأوسط.

 

علاوة على ذلك، أوضحت أنه على الرغم من أن المحادثات بين الكيانين في الثمانينيات كانت «طموحة»، فإن المزيد من التقدم في العلاقات بينهما ظل «بمنأى» عن المنظمتين؛ بسبب ما وصفته بـ«التعارض الهيكلي». وفي هذا الصدد، تحدثت عن كيف أن «التعارض المستمر» بين المسائل الاقتصادية والسياسية لم تتم معالجتها، حيث إن المفاوضات المحتملة من الاتحاد الأوروبي تستند إلى «طلبات كثيرة جدًا» بشأن دول الخليج، وبالتالي يختلف الطرفان حول «عدد من الأولويات».

 

ووفق هذا المعنى، أوضحت أن محاولات التعاون بينهما تم «استيعابها» من خلال اعتماد الدول على الاتفاقيات الثنائية، مع ملاحظة أن دولا، مثل فرنسا تفضل انتقاد دول الخليج عبر المنظمات متعددة الجنسيات، مثل الاتحاد الأوروبي. ونظرًا إلى أن الاتصالات بين الاتحاد الأوروبي والخليج كانت تحدث دائمًا على «مستوى النخبة»، فإن الفهم الثقافي المناسب للأخيرة من قبل المفاوضين أو السياسيين الأوروبيين غير موجود، وبالتالي ليس لديهم أي اتفاق حقيقي «معرفة وتصورا دقيقا عن الطرف الآخر».

 

وفي الواقع، عكست هذه الأفكار ما ذكرته «كولومبو»، و«عبدالغفار»، من أنه بعد ثلاثين عامًا من أول اتصال بينهما، فإن مجموعة من العوامل المحلية والإقليمية وداخل أوروبا، فضلا عن عوامل دولية جعلت دول مجلس التعاون على هامش السياسة الخارجية لأوروبا على الرغم مما وصفوه بـ«مركزية الخليج على المشهد الجيوسياسي الإقليمي». وبالنسبة إلى مستقبل العلاقات بين الطرفين، حثت «كولومبو» على تدشين «عصر جديد بينهما»، حيث يتم فتح «قناة اتصال» ثابتة في جميع الأوقات لتسهيل قدر كبير من التعاون في القضايا الأمنية، والاقتصادية، والسياسية المشتركة. وخلصت إلى أن «الاتحاد الأوروبي»، يمكن أن يقدم «الكثير كمؤسسة»، في هذه العملية، وخاصة أن «مرونته» يمكن أن تساعد في «تجديد» هذه العلاقات.

 

وفي إطار هذا الواقع، أشارت «المعيبد» إلى ضرورة التعاون بين أوروبا والخليج في مجال التعليم، موضحة أن دول الخليج عمومًا تسعى إلى «حل واحد يناسب الجميع» لتحسين أنظمة التعليم، ولكن ذلك من خلال العمل بشكل أوثق مع البلدان الأوروبية، مشيرة إلى أن وجود المدارس والجامعات الأوروبية في منطقة الخليج، يمكن أن يكون وسيلة مهمة يمكن من خلالها إقامة علاقة طويلة الأمد بين الدول الغربية وهذه الدول في مجال التعليم.

 

ومع ذلك، أقرت بوجود «عدم توافق» بين توقعات وأولويات أوروبا والخليج بشأن التعليم، حيث يتم «دعم» الجهود الخليجية الحالية في مجال التعليم من خلال «التركيز على العنصر البشري»، حيث تسعى الدول الخليجية لخفض عائدات تصدير الوقود في المستقبل، وبالتالي يبحثون عن «حلول سريعة» لتدفقات مصادر دخل أخرى اقتداء بالنماذج الغربية. وبالتالي، أوصت بضرورة «حوار فعال» لدول المجلس لمعرفة المزيد عن تطورات التعليم الأوروبي، كوسيلة لخدمة أهداف التعليم عندهم بشكل أفضل.

 

ومن جانبه، أشار «العبيدلي»، إلى القضايا الاقتصادية التي يوليها الاتحاد الأوروبي اهتمامه، وأنه من المهم ملاحظة كيف أنه على مدار سياسته التجارية العريقة «خلق مزيجًا بين تحقيق أهدافه الاقتصادية وبين غيرها من الأهداف السياسية الاستراتيجية في آن واحد»، فقد كانت بعض اتفاقاته التجارية هي سبيله لتحقيق أهداف استراتيجية وسياسية بعيدة كل البعد عن النواحي الاقتصادية، مستشهدًا بإبرامه اتفاقيات تجارية مع كل من فلسطين وإسرائيل كمثال على ذلك. وفي السياق نفسه، أوضح أن هذا النهج الأوروبي قد ألقى بظلاله على المنظور الخليجي في هذا الصدد؛ حيث بات لدى أعضاء مجلس التعاون الرغبة أيضا في «استخدام العلاقات الاقتصادية» كوسيلة لحماية مصالحهم من «العديد من التهديدات الأمنية» في المقام الأول.

 

ومع ذلك، أكد أن هناك العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك بين الطرفين، مثل الاقتصاد، وحماية البيئة، وتعزيز حقوق الإنسان، وجميعها توفر فرصًا لتوثيق العلاقات بين الكيانين في الوقت الراهن، وخاصة بعد تصاعد التوترات مؤخرًا حول اتفاق «أوكوس» للدفاع العسكري المبرم بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة.

 

وعليه، رجح «العبيدلي»، احتمالية إبرام اتفاق تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أنه بالإمكان التغلب على العقبات التفاوضية التي وقفت حائلا أمام إبرام هذا الاتفاق عام 2008. ومن بينها الاختلاف حول حصص التصدير والتعريفات الجمركية فحسب، ولم يكن الأمر له علاقة بأي اختلافات سياسية، وخاصة أن التعاون المشترك في مجال حماية البيئة توفر «فرصة كبرى» للمنظمات متعددة الجنسيات، ومن بينهم الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون «لرفع راية» حماية البيئة بكل عناصرها عالميا.

 

وفي حديثه عن التعاون الأمني المشترك بين أوروبا والخليج؛ أشار «عبدالغفار»، إلى أن «الأوضاع المشتعلة» الراهنة في الشرق الأوسط يمكن أن تعمل على تعزيز التعاون بينهما. وأنه على الرغم من وجود «الكثير من الانتقادات لمسألة انسحاب الولايات المتحدة» من الشرق الأوسط، فإنها لا تزال الشريك الأمني الأساسي لدول الخليج، ولا سيما أن كلا من روسيا والصين، «لا تستطيع»، أو «لا تريد»، أن تحل محلها في المنطقة.

 

وحول ما إذا كان بإمكان أوروبا أن تلعب دورًا أمنيا أكبر نطاقًا في الخليج خلال الفترة المقبلة؛ أجاب «عبد الغفار»، أنه «من الصعب في الوقت الراهن حدوث ذلك»، وخاصة أن دول الاتحاد الأوروبي تتمتع «بنفوذ واضح» في المنطقة، حيث يتركز نفوذها في «المجال الاقتصادي». لكن لا يزال لها دور «محدود» في المشاركة في حماية الأمن الإقليمي لدول الخليج، وذلك باستثناء مهام المشاركة التقليدية في الحماية البحرية لمضيق هرمز. وبشكل أساسي، ذكر أن التعاون بين الطرفين في مجال الأمن يتم بشكل ثنائي، وليس بشكل مشترك، ومتعدد الأطراف، ولعل وجود نوع من العلاقات الدفاعية الوثيقة بين كل من فرنسا والإمارات أوضح مثال على ذلك.

 

ومع ذلك، أشار إلى أن هناك اقتراحات كفيلة بجعل الاتحاد الأوروبي يقوم بدور أكبر في حماية أمن الخليج، من بينها؛ أولاً، «تكثيف» الحماية البحرية من جانبها في مياه الخليج والشرق الأوسط بشكل أوسع نطاقًا، وثانيًا العمل على «إعادة تشكيل الاتفاق النووي» مع إيران، وممارسة المزيد من النفوذ الدبلوماسي عليها من أجل نزع فتيل التوترات بينها وبين دول مجلس التعاون. فيما شدد على أن أي تعاون مستقبلي بينهما «كمنظمة» يعتمد على عمليات صنع القرار لـ«القادة الحاليين» لدول مجلس التعاون، ومدى أهمية المجلس في القيام بعمل جماعي إقليمي متعدد الأطراف، بدلاً من الحفاظ على الوضع الراهن والمعني بإنشاء علاقات ثنائية مع أوروبا.

 

وفي سؤال حول الكيفية التي يمكن بها إطلاق العنان للإمكانات الحقيقية لتعزيز العلاقة بين أوروبا والخليج؛ ذكرت «كولومبو»، أنه «من الصعب الإجابة عن ذلك»، بالنظر إلى أنها «متشككة» في أن الاتحاد الأوروبي يعتبر دول الخليج «شركاء استراتيجيين رئيسيين بالفعل». مضيفة أن الخليج «لا يتصدر جدول أعمال» السياسة الخارجية لأوروبا، وبدلا من ذلك، أشارت إلى أن الأحداث في منطقة الساحل الإفريقي تعد مصدر قلق أمني مباشر لـ«بروكسل وباريس وروما ومدريد».

 

واستكمالا للنقاش، علق «العبيدلي»، على تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مسار العلاقات بين كل من أوروبا والخليج، أشار إلى أن منطقة الخليج تراجعت من كونها خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي إلى ثامن أكبر شريك بعد خروج المملكة المتحدة من التكتل، لكون الأخيرة تتمتع بالحصة الكبرى من العلاقات والتبادلات التجارية مع دول الخليج أكثر من نظيراتها الأوروبية الأخرى.

 

ومع ذلك، لاحظ أنه إذا نجحت لندن في التفاوض بشأن عدد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول الخليج، فقد يوفر هذا الأمر «زخمًا» لبروكسل في أن تحذو حذوها. علاوة على ذلك، ذكر «العبيدلي»، أنه لم يفهم حقًا سبب انتظار الاتحاد الأوروبي طويلا أمام محاولة إبرام اتفاق تجارة حرة مع دول المجلس، واصفًا الأمر بـ«الفرصة السهلة»، التي من شأنها أن تفيد الجانبين بوضوح.

 

وفي سؤال حول كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعمق مشاركته وتفاعله مع شعوب دول الخليج من أجل فهم ثقافة المنطقة بشكل أفضل؛ أكدت «المعيبد»، أن فهم ثقافة الخليج ومستوى تقدمه يعد أمرًا مهمًا لأوروبا من أجل الموافقة على أي اتفاق مستقبلي بشأن التجارة أو التعليم أو التعاون بشكل عام في أي مجال، ولكن لا يعتمد الأمر على الموافقة، فحسب بل من الضروري، وقوف المؤسسات المعنية بجانب مواطني الخليج عند محاولة إقناعهم باقتفاء أثر النماذج الغربية التي حققت نجاحًا في مجالات التعليم والتكنولوجيا والصناعة. وفي هذا الصدد، علق «العبيدلي»، على أن هناك سوء تقدير من جانب أوروبا إزاء حجم الفرص المتاحة لها للتعاون المشترك مع دول الخليج، وخاصة في «مجال المعرفة» -أي التعليم ونقل تقنياته- إذ إنه لا يزال هناك «آليات بلا حدود» لتبادل المعلومات والثقافة والتعاون المحتمل بين الطرفين.

 

على العموم، قدمت الندوة عرضًا شاملا للعلاقات بين دول «مجلس التعاون»، و«الاتحاد الأوروبي»، والصعوبات التي تواجه تلك العلاقات فيما يتعلق بالاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. وفي حين تم التأكيد بوضوح على فوائد التعاون المشترك بينهما، فقد تم الإقرار أيضًا باستمرار وجود صعوبات، وخاصة أن كلا الجانبين بحاجة إلى زيادة جهودهما حتى يصبح ذلك التعاون المشترك حقيقة واقعة.

 

ومع ذلك، فإن ما ذكرته «المعيبد» من مقترحات بشأن التعاون المحتمل في مجال التعليم، وما ذكره «العبيدلي» بشأن سبل تعزيز التعاون الاقتصادي، يمثل أهم الوسائل الحالية التي يمكن من خلالها الاستمرار في إيجاد أرضية مشتركة للتعاون، والمنوطة بنجاح التوصل لإبرام اتفاق للتجارة الحرة، فضلاً عن قدرتها على الوفاء بمزيد من التعهدات بتحقيق قدر أكبر من التعاون في قضايا، مثل الاقتصاد، وتنمية حقوق الإنسان، وتوفير الأمن في الشرق الأوسط.

{ انتهى  }
bottom of page