28/8/2021
انهيار أفغانستان وتداعياته على التطرف والإرهاب
أدى صعود حركة طالبان وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان إلى زيادة القلق الدولي من أن تصبح البلاد مرة أخرى «ملاذًا آمنًا» للإرهاب الدولي. فبين عامي 1996 و2001، عندما كانت الحركة تسيطر على البلاد أقام المسلحون علاقات وثيقة مع عدد من الجماعات المتطرفة الدولية، أبرزها تنظيم القاعدة. ووفقا لشبكة «بي بي سي»، تلقى 20 ألف مجند إرهابي من جميع أنحاء العالم تدريبات بمعسكرات القاعدة هناك. لذلك، مع عودتهم، تتزايد المخاوف حول إمكانية أن يعيد التاريخ نفسه، الأمر الذي يجعل من الضروري وضع استراتيجيات لمواجهة هذا التهديد كما تقول الندوة.
ولمناقشة هذا الأمر، عقد «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، ندوة بعنوان «انهيار أفغانستان وتداعياته على التطرف والإرهاب»، بهدف مناقشة الأسئلة المتعلقة بمستقبل الإرهاب في أفغانستان، رأسها «تشارلز ليستر» مدير قسم مكافحة الإرهاب بالمعهد، وشارك فيها «ديفيد كيلكولن» من «مجموعة شركات كورديليرا لتحليل المخاطر»، و«كارين جرينبرج» من «مركز الأمن القومي» بجامعة فوردهام، و«آن ليكوسكي» من «مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية»، و«أسفنديار مير» من «معهد الولايات المتحدة للسلام».
في البداية، تساءل «ليستر» كيف إن مهمة واشنطن قد «انهارت» في أفغانستان، حيث كان سقوط كابول «انتصارًا هائلاً» للجهاديين العالميين. وبالنظر إلى أن ذلك يتماشى مع الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 سبتمبر، «كان من الممكن أن يكون هذا الانتصار مجرد حلم لأمثال القاعدة». وبشكل عملي، أشار إلى أن إطلاق سراح سجناء من السجون الأفغانية من طالبان يعدّ «مضاعفة القوة البشرية للجماعات الجهادية».
من جانبها، أكدت «جرينبرج» أهمية «الرؤية الشاملة» للاستراتيجية والتكتيكات في عمليات مكافحة الإرهاب المستقبلية، والحاجة إلى إدراك «العلاقة بين الدروس المستفادة والآليات الدولية الجديدة لكي نضع في اعتبارنا إمكانية المضي قدمًا». وتابعت قائلة إن «استراتيجيات مكافحة الإرهاب القديمة المستخدمة من قبل أمريكا «ليست بالضرورة الشيء الصحيح للمضي قدمًا»، وأنه في المستقبل سيحتاج المجتمع الدولي إلى التمييز بين عمليات مكافحة الإرهاب وعمليات مكافحة التمرد، مؤكدة أن «استراتيجية مكافحة الإرهاب المنظمة» ستكون أفضل وسيلة لمواجهة الجماعات في أفغانستان في المستقبل.
وحول تهديد الإرهاب العالمي، أضافت أن المشهد الدولي «منقسم». وأصرت على أن قدرة واشنطن على تعطيل المنظمات الإرهابية لا تزال «قوية». وسلطت الضوء على كيفية حدوث آليات مكافحة الإرهاب جنبًا إلى جنب مع أزمة إنسانية، وأن استراتيجيات مكافحة الإرهاب الفعالة في أفغانستان يجب أن تعالج «الأسباب الأساسية» للإرهاب حتى تنجح، والتي تشمل الفقر والتعرض للعنف.
وفي ضوء هذه المخاطر، انتقد «كيلكولن» طريقة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، واصفاً إياها بأنها «خيانة» للحكومة الأفغانية، مؤكدا بشكل خاص أن الغرب كان «متخبطًا» في رده على تقدم طالبان، وخاصة أن «المجتمع الدولي لم يفعل شيئًا» لمساعدة الجيش الأفغاني ضد المسلحين، كما انتقد «إلقاء اللوم على الضحية» من قبل الحكومات الغربية للجيش الوطني الأفغاني، واصفًا ذلك بأنه «مقزز».
وفيما يتعلق بطريقة الهجرة الجماعية من كابول؛ رفض مقارناتها بسقوط سايجون -العاصمة السابقة لفيتنام- بسبب أن هذا الإخلاء كان «مُخططًا بشكل أفضل» مما حدث في كابول. وبدلاً من ذلك، قارن هذه الكارثة بواقعة إجلاء الأمريكيين من العاصمة الكمبودية «بنوم بنه» عام 1975، بعد أن سقطت في أيدي شيوعيي «بول بوت» دكتاتور كمبوديا، وبأزمة الرهائن الإيرانية في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، وبموقف حلف الناتو من «أزمة السويس» عقب عدوان 1965.
ومتابعةً لتحليله، وصف الانسحاب نفسه بأنه «غير ضروري»، وأشار إلى أن واشنطن «لم تكن بحاجة إلى المغادرة في المقام الأول» بحجة أن الحفاظ على تواجد بسيط في أفغانستان كان يمثل استراتيجية مستدامة، من ثم،ّ خلص إلى أن «الطريقة التي فعلنا بها تحولت إلى كارثة هائلة وإذلال».
وحول تأثير سقوط أفغانستان على مكافحة الإرهاب العالمي، وصف «كيلكولن» هزيمة واشنطن بأنها «دفعة هائلة ومعنوية» لكل المتطرفين في العالم». كما كان أكثر تشككًا في استراتيجية مكافحة الإرهاب «عن بعد» -حيث يتم تنفيذ العمليات في أفغانستان من بعيد، وليس على الأرض- نظرًا إلى أنه، في رأيه، تتطلب الاستراتيجية الناجحة العمل مع شركاء محليين، لكي تُكلل بالنجاح على المدى الطويل. فيما رأى أن قرار بايدن بسحب الوجود العسكري من أفغانستان «ربما أضاف عشر سنوات أخرى للحرب على الإرهاب».
على النقيض من ذلك، سعت «ليكوسكي» لتقديم رؤية «أكثر تفاؤلاً» للمستقبل؛ موضحة أنها «متشككة في حجة التاريخ الذي يعيد نفسه»، فيما يتعلق بتسهيل طالبان الوجود للجماعات المتطرفة داخل أفغانستان. إذ أشارت إلى أن الظروف التي وجدت طالبان نفسها فيها أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أقل أهمية اليوم، نظرًا إلى أنها تتمتع الآن «بخبرة إضافية في العلاقات الدولية»، بينما «حركة التطرف العالمية أصبحت أكثر انقسامًا من أي وقت مضى». ومن هذا المنطلق، رأت أنه «من غير المحتمل» أن تصبح البلاد مرة أخرى مركزًا للتطرف العالمي.
وفيما يتعلق بالتهديد الأمني المحتمل للقاعدة، زعمت أنهم «لا يمثلون تهديدًا للغرب»، و«أنهم في الأساس شيء من الماضي». وأوضحت أيضًا أن استراتيجية «بن لادن» لشن هجمات على الغرب لم تكن أبدًا «الهدف الأساسي» للقاعدة، وأنه منذ وفاته عاد هؤلاء إلى «جذورهم» من خلال «إعطاء الأولوية للقتال المحلي». ومع وضع هذا في الاعتبار، اعتبرت أنه «من غير المحتمل تمامًا» أن يكون هناك «حشد كبير للمقاتلين الأجانب» في البلاد؛ لأن المواقف الإقليمية لطالبان والقاعدة ليست كما كانت عليه قبل أكثر من عشرين عامًا. ومن ثمّ، تجاهلت أي فرضية للتعاون بين طالبان وداعش، مشيرًا إلى أن الأخيرة «عدو بالفعل» لحكام أفغانستان الجدد، وأن الفصيلين يتناحران هناك منذ «سنوات».
بدوره، وصف «مير» مشهد الإرهاب العالمي الحالي بأنه «ديناميكي»، مع وجود تهديدات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. وعلى الرغم من الإشارة إلى أن علاقة طالبان دائمة مع الجماعات المتطرفة، ووجود بعض أعضاء القاعدة في البلاد، فإنه أكد أن حركة طالبان الباكستانية هي حاليًا المجموعة الأكثر تهديدًا التي تعمل في المنطقة؛ بسبب دعمها للجماعات المتطرفة عير آسيا الوسطى.
واستمرارًا للنقاش، أشار إلى أنه على الرغم من بدء العديد من الجماعات الإرهابية «التعافي لمعاودة نشاطها» لا يزال هناك تنافس «حاد» بين كل من داعش وطالبان، ولا سيما في ضوء وجود «تقارير» تثبت قيام مقاتلي داعش بإعدام مسلحي طالبان وإعدام الأخيرة لأمير داعش أبو عمر الخراساني في أفغانستان بعد الكشف عن وجود سجن كان معتقلاً فيه. وهكذا، فإنه رغم إشارته إلى أن هذا الاقتتال لا «يؤكد تمامًا مدى الانحدار والتدهور واحتمالية قضاء تلك الجماعات الإرهابية بعضها على بعض»؛ تظل «احتمالات مشاهد التهديد التي قد تمثلها مؤكدة، وربما ستزداد سوءًا مستقبلاً».. ومع ذلك، لا تزال تلك الجماعات في أفغانستان «تواجه قيودًا بشأن ممارسة أنشطتها»، وربما يرجع هذا إلى التنافس الشرس بين المتطرفين المتشددين.
وبشكل أعمق، سأل «ليستر» عن جهود مكافحة الغرب للأنشطة الإرهابية في مرحلة ما بعد الانسحاب. وأجاب «كيلكولن»، مشككا في تعهد واشنطن بتبنى استراتيجية «ما وراء الأفق» لمواجهة الإرهاب. وترتكز هذه الاستراتيجية على مواجهة التنظيمات الإرهابية داخل أفغانستان عبر شن العمليات الجوية من الدول المجاورة لها. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تتطلب توفير المزيد من الطائرات وتخصيصها لمكافحة الإرهاب، وهو ما لن تتمكن الطائرات الأمريكية من القيام به، حيث ستستهلك الكثير من الوقود، ما يقلل من الفرص المتاحة للتحليق. ومن ثمّ، تحتاج إلى مزيد من الدعم، وهو ما يمكن أن يحدث من خلال وضع حاملة للطائرات بشكل دائم في المياه الباكستانية. وهنا، أشار «مير» إلى موافقته على أن مثل هذه الاستراتيجية سيكون «من الصعب جدًا» تحقيقها على أرض الواقع.
وفي إطار هذا الواقع، أضاف «كيلكولن» أن أفغانستان «بالفعل تعاني من حرب أهلية» في إشارة إلى وجود أعداد من قوات الحكومة السابقة قوامها 7000 مقاوم بقيادة أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود في ولاية بنجشير. موضحا أنه «متشكك للغاية» في أن طالبان قادرة على تأمين البلاد كلها، وبث الاستقرار والأمن بين ربوعها.. محذرا أيضا من أن «القضية المقلقة» في الوقت الراهن تكمن في التسريع في وتيرة إجلاء المواطنين الغربيين من المناطق التي تسيطر عليها طالبان، إذ من المحتمل أن «يتحولوا إلى رهائن»، أو أن يتم إطلاق سراحهم أو أن يتم قتلهم انتقامًا من الضربات الأمريكية والغربية الجوية الموجعة للحركة في أفغانستان.
بعد ذلك، أشار «ليستر» إلى حجم التطورات الإيجابية الأخيرة التي طرأت على «الحركة والتحسن في سياستها وآلية العلاقات العامة الخاصة بها»، وكذلك ضعف الأنشطة الإرهابية التي مارستها القاعدة منذ سقوط كابول. وبناء على هذه النتيجة، لاحظت «ليكوسكي» كيف إن «تنظيم القاعدة» في الماضي «استغرق بعض الوقت ليعود ليظهر مجددًا» ليؤثر سلبًا على التطورات الإقليمية، بما في ذلك ما سُمي الربيع العربي عام 2011، ولعل الكثير من الأمثلة السابقة والحالية تعكس «القيود الكثيرة» التي شلت قيادة تنظيم الإرهابيين وأنه «يعاني حالة من الضعف والتدهور».
وعن ملامح العلاقة بين طالبان وتنظيم القاعدة؛ أوضح «مير» أنه بينما في الماضي كان يقدم التمويل للمسلحين الأفغان والحركة ذاتها، «انقلبت الأمور الآن»، وطالبان هي التي بات «لها اليد العليا»، مشيرا إلى أن العلاقات «ظلت على حالها»، كما يتضح من رفض طالبان قطع العلاقات مع القاعدة، أثناء مفاوضاتها مع الإدارة الأمريكية، وأن التنظيم قد يكون مُقلاً في ممارسة أنشطته الإرهابية بسبب تعليمات من طالبان.
وفيما يتعلق بأساليب مكافحة الإرهاب الأمريكية في المستقبل، علقت «جرينبرج» بأن الولايات المتحدة يمكنها استخدام الوسائل الدبلوماسية وغير العسكرية بشكل أفضل، مشيرة إلى أن «المجتمع الدولي يمكنه حشد قواته بطرق غير عسكرية» من خلال «استخدام المساعدات الإنسانية والقوة الناعمة» بموجب شروط وقيود مشددة لإكراه حركة طالبان على الانصياع للسلم، مؤكدة أن الدبلوماسية -الآن- يجب أن «تعيد تأكيد نفسها» في أعقاب الإخفاقات العسكرية الأمريكية الأخيرة في نشر الاستقرار والأمن الدوليين.
وحول دخول المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان، أشارت «جرينبيرج» إلى أن الخبراء «لا يعرفون حقًا ما سيحدث» فيما يتعلق بهذا الأمر، لكنهم أكدوا أنه يتعين على المجتمع الدولي مكافحة الإرهاب العالمي من خلال محاربة «منابعه» الأساسية؛ لأن هذه ليست قضية يمكن حلها بالوسائل العسكرية وحدها. ولفتت «ليكوسكي» إلى مسألة فتح الحدود، والتي اعتبرتها حاسمة لتقييد معدل تنقل المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان. لهذا، أوضحت أنه في حالتي سوريا والشيشان، كانت الحدود المفتوحة تسمح بالتنقل ودخول أعداد من المقاتلين الأجانب إلى تلك المناطق المستعرة من التوتر والصراع. وحول هذه النقطة، أضاف «مير» أن طالبان كانت تتقبل استضافة ما يسمونه «المنشقين المسلمين»، وأنها منفتحة على فكرة دعم المسلحين الذين لا يملكون القدرة على العمل في بلدانهم الأصلية.
على العموم، ألقت الندوة الضوء على تداعيات سقوط أفغانستان على جهود مكافحة الإرهاب العالمية، وبدا واضحا خلال المناقشة أن أي انتصار لطالبان يمثل انتصارًا كبيرًا للتطرف في العالم، وأن هزيمة واشنطن بهذا الشكل والانسحاب المزري بمثابة «إذلال»، وهنا، بات هناك احتمال قوي بأن تصبح أفغانستان ملاذًا آمنًا للتطرف، وخاصة أن قدرة الولايات المتحدة على إجراء مزيد من عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة آسيا الوسطى قد انخفضت جذريًا بشكل غير مسبوق الآن. وربما يكون الشيء الإيجابي الوحيد المتبقي هو أن طالبان مازالت لم تؤمن سيطرتها على أفغانستان بالكامل. وفي النهاية، كان هناك اتفاق على أن الكارثة الإنسانية في أفغانستان من غير المرجح أن تتعافى قريبًا.