top of page

18/8/2021

تحولات جذرية في المنطقة العربية بسبب التغيرات المناخية

في ظل تغير احتياجات الطاقة في العالم، ولا سيما في الغرب، أصبح الاستخدام المستقبلي لهذه الموارد، وعلى الأخص، النفط الخام، والبترول، والهيدروكربونات، موضع اهتمام المحللين الدوليين. وبالنسبة للشرق الأوسط ودول الخليج، يعد هذا السيناريو معقدا بلا شك؛ ففي حين أن هذه البلدان تستفيد اقتصاديًا من صادرات النفط الخام، فقد بدأت في تسريع الجهود لإيجاد بدائل متجددة، تحسبا للتغيرات المناخية العالمية، التي تعتبر جزءًا من الاحتباس الحراري.

 

ولتحليل هذه الآلية، صدر تقرير عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» بواشنطن، بعنوان «ثورة جديدة في الشرق الأوسط»، أعده «جون ألترمان»؛ بهدف بحث آثار التغير المناخي بالمنطقة، والتغيرات التي تطرأ على صناعات إنتاج وتصدير النفط، وكيف تؤثر التغيرات العالمية في استخدام الطاقة على اقتصاديات دول الخليج على المدى الطويل.

 

في البداية، صرح «ألترمان» بأنه «لا توجد منطقة في العالم متأثرة بعواقب تغير المناخ العالمي أكثر من منطقة الشرق الأوسط». وأرجع ذلك إلى أن المنطقة مسؤولة حاليًا عما يقرب من 30% من إنتاج النفط في العالم، وأن هذه الإيرادات تستخدم لتوظيف نسب كبيرة من السكان، وبالتالي، «في حال تحول العالم بعيدًا عن النفط، ستتغير اقتصاديات الشرق الأوسط بشكل كبير».

 

وكجزء من ظاهرة الاحتباس الحراري الأوسع نطاقاً؛ قدم وصفًا للتغير المناخي الذي بدا واضحًا بالفعل في الشرق الأوسط، إذ تعاني المنطقة ككل من «فقر مائي شديد»، وتقع تسع من الدول العشر الأكثر فقرًا بالمياه في العالم في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، «يدفع الجفاف المزارعين بعيدًا عن أراضيهم، في حين أن العديد من المدن الساحلية مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر، كما أن تزايد ارتفاع درجات الحرارة يعرض الإنسان للخطر». ومع ذلك، أشار إلى أن هذه القضايا ليست بيئية فقط، بل ذات منظور اقتصادي؛ لأنه «مع جفاف المياه، وارتفاع درجات الحرارة، وهجر الأراضي الزراعية، قد ترتفع واردات البلدان الغذائية، ما يؤدي إلى إجهاد احتياطيات العملات، بينما من حيث السياسة الإقليمية، فإن تدفق سكان الريف على المدن يؤدي إلى عدم الاستقرار».

 

ولمكافحة التغير المناخي الحالي على المستويين المحلي والإقليمي، وصف قدرة العديد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط بأنها «منخفضة، نظرًا إلى أن بنيتها التحتية غالبًا ما تكون غير كافية»، كما أنه «لا يبدو أن أي حكومة في المنطقة مستعدة تمامًا لدفع أعداد كبيرة من العاملين الحكوميين إلى القطاع الخاص، كما أن الأخير ليس لديه القدرة على استيعابهم. وأنه، مع تغير أنماط الاستهلاك العالمية، سيتغير الشرق الأوسط بشكل عميق، ومع تغير المناخ، ستتغير المنطقة بشكل أكبر أيضًا».

 

ولاستكشاف القضية، أوضح أن أحد أهم العوامل التي يجب فهمها في عملية التغيير العالمية في استهلاك الطاقة، والتي ليست مجرد عملية إقليمية، هو «السرعة»، أي المدة التي تستغرقها طلبات الطاقة العالمية للتغيير، وما الذي ستبدو عليه هذه التغييرات. ومن ثمّ، حدد وجهتي نظر مختلفتين حول كيفية حدوث هذا التغير.

 

تفترض الأولى أن «التحول العالمي في استهلاك الطاقة سيحدث قريبًا، وأن الوعي الأوسع نطاقًا بأضرار تغير المناخ حفّز الحكومات والمواطنين للتخلي الجاد عن الهيدروكربونات». إلى جانب ذلك، «أدركت الأوساط المالية أهمية هذا التغير وابتعدت عن استخدام النفط والغاز»؛ بينما يتم الآن «إنفاق المليارات في مصادر الطاقة المتجددة»، وهو ما يتضح من كيفية نظر الصين حاليا إلى هذه القضية باعتبارها «ضرورة للأمن القومي». وبالتالي، تشير وجهة النظر هذه إلى أنه «قريبًا، سيتجاوز إنتاج النفط الطلب عليه»، ومع انخفاض الأسعار، «سيزداد إنتاجه لتعويض نقص السيولة المادية الناتجة عن البيع بسعر منخفض، ما يؤدي إلى انهيار أسعار النفط».

 

أما وجهة النظر الثانية فتتمثل في أن «انتقال الطاقة سيستغرق عقودًا، بينما ستظل البنية التحتية لاستهلاك الهيدروكربونات سوقًا قويًا لسنوات عديدة». ولهذا، أشار إلى حقيقة أن السيارات التي تعمل بالوقود الزيتي لا تزال تشكل حوالي 90% من مبيعات السيارات الجديدة، وأن البنية التحتية الجديدة المصممة للسيارات الكهربائية «لا تزال في حاجة إلى مليارات الدولارات». ومن ثمّ، خلص إلى أنه «في حين أن الأثرياء يمكن أن ينفقوا الآلاف على المنتجات المستدامة، فإن النفط والغاز سيظلان الوقود المتاح بأسعار معقولة».

 

وفي الواقع، يجب تذكر أن قطاع الطاقة العالمي قد انتعش مرة أخرى -أقوى مما توقعه العديد من الخبراء- بعد جائحة كورونا، إذ ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 30% من بداية عام 2021 حتى أغسطس من نفس العام، وبات العديد من أكبر منتجي النفط يسجلون أرباحًا قياسية، من بينهم شركة «أرامكو» السعودية، التي سجلت زيادة في صافي الدخل بنسبة 288% (18 مليار جنيه إسترليني) للربع الثاني من عام 2021 وحده، كما سجلت شركة «إكسون موبيل»، الأمريكية، زيادة في الأرباح بلغت 4,7 مليارات دولار عن ذات الفترة، في حين أعلنت شركة «رويال داتش شل»، الهولندية في يوليو 2021، أعلى أرباح ربع سنوية لها منذ أكثر من عامين.

 

ومع ذلك، عزز إرث الوباء الإيمان بمستقبل الطاقات المتجددة، كما أوضح «فرانشيسكو لا كاميرا» المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) أن أزمة كوفيد-19 سلطت الضوء على تكلفة ربط الاقتصادات بالوقود المعرض لصدمات الأسعار، وأنه «وسط هذا، أظهرت مصادر الطاقة المتجددة مرونة ملحوظة»، ما يجعل السعي وراء التقدم في الاعتماد عليها مغامرة أقل خطورة مما كان يعتقد في السابق».

 

من جانبها، علقت «إيما ريتشاردز»، كبيرة محللي النفط والغاز في «فيتش سوليوشنز»، بأن «الهيدروكربونات ستستمر على الأرجح في الهيمنة على قطاع الطاقة خلال العقد القادم على الأقل، ومن المحتمل لفترة أطول»، بيد أنه «على المدى الطويل، ستواصل الطاقة النظيفة والمتجددة صعودها نحو مزيج طاقة أكثر توازنا واستدامة وتنوعا»، مع بقاء الهيدروكربونات «حجر الزاوية في اقتصادات المنطقة»، وإن كان «بطريقة أكثر وعياً».

 

من جهته، خلص «ألترمان» إلى أن هاتين النظريتين تمثلان «حججا معقولة»، لكن في النهاية «لا يمكن لأحد أن يبت يقينا كيف ستتكشف التكنولوجيا أو التنظيم أو سلوك المستهلك». وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، فإن أي سيناريو سيؤتي ثماره أقرب سيكون له أهمية عميقة». ومن ثمّ، اعتبر أن «اقتصاديات المنطقة مرتبطة بعائدات النفط، كما أن الاهتمام الاستراتيجي العالمي بالمنطقة مرهون أيضًا بإنتاج الطاقة.

 

وفيما يتعلق بمنطقة الخليج، حذر من أن «المدن البراقة التي تم بناؤها في نصف القرن الماضي قد تجد نفسها تحت مستوى سطح البحر بعد نصف قرن من الآن بفعل التغيرات البيئية. ومن وجهة نظر اقتصادية فإن «من شأن الانخفاض المستمر في الاستهلاك العالمي الضغط على هذه الدول لزيادة الإنتاج في محاولة لإخراج المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة من السوق، والتأكد من عدم تركهم النفط المنخفض القيمة في باطن الأرض»، فضلا عن أن «الانتقال من العمال ذوي الإنتاجية العالية والأجور المنخفضة إلى عمال يتميزون بالإنتاجية المنخفضة والأجور المرتفعة سيستغرق سنوات». كما توقع أن «نزوح ملايين العمال المغتربين في الخليج يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في حجم الاقتصاد لسنوات»، وأن «العمال المحليين الذين سيحلون محلهم سيكونون أكثر كلفة، فضلا عن أنماط الاستهلاك الخاصة بهم».

 

ورغم أن التقرير أشار إلى أن «العديد من حكومات الشرق الأوسط كانت تستعد لعالم ما بعد النفط منذ سنوات عدة»، فإنه أوضح أنها «لا تزال بعيدة عن تحقيق كافة أهدافها»، مؤكدا أنه «بالنسبة إلى بعض كبار مصدري الطاقة من دول المنطقة»، فإنه يجب أن تظل على حالها «كمصدرين للطاقة في عالم ما بعد النفط»، بالتزامن مع اعتمادها على موارد الطاقة المتجددة والنظيفة». وهنا، سلط الضوء على كيفية قيام الإمارات والسعودية بالفعل «بالاستثمار في مزارع الطاقة الشمسية حول العالم»، بالإضافة إلى تبني الأخيرة لمبادرة «الرياض الخضراء»، لتعزيز كفاءة إنتاجها من الطاقة المتجددة، والتي بلغت نسبتها 0,3% فقط في عام 2019، ومن المقرر لتلك المبادرة في حال تنفيذها أن توفر نصف إنتاج المملكة المرتقب من الطاقة الشمسية.

 

وبالمثل، تهدف «استراتيجية الإمارات 2050» إلى زيادة إنتاجها من الطاقة المتجددة بنسبة 44% بحلول عام 2050. علاوة على ذلك، فإنها تعمل بشكل منسق على «مواءمة وتهيئة نفسها لقيادة الجهود العالمية لتعزيز الطاقة المتجددة». وخير دليل على ذلك، استضافتها للمقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة. وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى أن «المهارات التي تكتسبها هذه البلدان في نشر مشروعات الطاقة الشمسية على نطاق واسع في الداخل والخارج يمكن أن تجعلها قادة عالميين في إنشاء وإنتاج هذه الطاقة».

 

على الجانب الآخر، أشار التقرير إلى أحد أشكال الطاقة المتجددة، وهو «الهيدروجين»، مؤكدا أن «مسألة جعله مصدرا للوقود تعتمد على مدى الجدوى المالية، والتقدم العلمي والتطور التكنولوجي الذي لم يتم تحقيقه بعد في الشرق الأوسط». ومع ذلك، فقد بدأت دول الخليج في قيادة هذه العملية، إذ قدمت كل من السعودية والإمارات خططًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين كوقود.. فيما أنشأت سلطنة عُمان في 12 أغسطس2021 تحالفا من 13 مؤسسة رئيسية من القطاعين العام والخاص ستعمل معا على دعم وتسهيل إنتاج الهيدروجين النظيف ونقله والاستفادة منه محليّا، وتصديره كجزء من أهدافها الخاصة بتنويع الطاقة ضمن الخطة الاقتصادية لرؤية «عمان 2040».

 

ولأن كافة التحولات الاقتصادية في منطقة الخليج لها الدور الأكبر في تحديد ملامح الجغرافيا السياسية العالمية على نطاق واسع؛ فقد أشار «ألترمان» إلى أن «عملية تحول الطاقة والاعتماد على مواردها النظيفة ستكون أمرًا بالغ الخطورة ليس لمنطقة الشرق الأوسط فحسب»، وللتدليل على ذلك، فإنه في حال قررت الصين بصدق الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة، وإدراك أن أمن طاقتها ليس مستمدًا من المناجم الإفريقية وآبار النفط الشرق أوسطية، فإننا سنشهد تحولا وتراجعا جذريا في حجم رأس المال الصيني».

 

وفي مثل هذه الحالة لاحظ أنه «إذا استمر الاعتماد على موارد النفط والغاز كمصدر للطاقة العالمية، فمن الممكن حدوث مزيد من التنافس بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الإقليمي». وهكذا، فإن سيناريو الاعتماد على موارد الطاقة النظيفة سيفرض واقعًا بموجبه «ستبتعد الدول الغربية عن مصادر التلوث من الهيدروكربونات النفطية لأسباب بيئية»، وبالتالي، «يمكن أن تتنازل واشنطن عن دورها المستقبلي في الشرق الأوسط، مع تحمل بكين الكثير من الركود في حال اختيارها المسار ذاته».

 

على العموم، اختتم «ألترمان» تقريره بالتأكيد أنه «بينما تمتلك حكومات الشرق الأوسط الفاعلية نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة، فإن هناك الكثير من التحديات «التي تتجاوز بكثير قدرتها على تشكيل هذا الاتجاه بشكل كامل». ومع ذلك، فقد حذر من أن هذا التحول قادر على «تشكيل طريقة وملامح العلاقات التي ترتبط بها المنطقة ببقية دول العالم»، بالإضافة إلى توقع بعض «التأثيرات العميقة»، «التي يمكن أن تشهدها المنطقة والعالم في القريب العاجل».

 

ومع ذلك، فإن مثل هذه التوقعات والسيناريوهات لا تزال تخمينية، بما أن مستقبل الطاقات المتجددة، على المدى الطويل، في اقتصادات الشرق الأوسط لا يزال غير معروف إلى حد ما، وهو ما يجعل من الصعب محاولة استنتاج ملامح الجغرافيا السياسية المستقبلية للمنطقة. لكن تبقى الحقيقة الوحيدة أن الوسائل التقليدية من الطاقة ستظل تعمل جنبًا إلى جنب مع المصادر المتجددة فترة من الزمن على الأقل.

{ انتهى  }
bottom of page