7/8/2021
الهجوم الإيراني على السفينة «ميرسر ستريت».. وجهات نظر غربية
عقب تعرض ناقلة النفط «ميرسر ستريت» -التي تحمل علم ليبيريا، وتديرها شركة إسرائيلية، والتي كانت مُبحرة من دار السلام في تنزانيا إلى دولة الإمارات -لهجوم قبالة سواحل عُمان، وهو ما وصفه «مارتن تشولوف»، و«دان صباغ» في صحيفة «الجارديان»، بأنه «سرب من عدة طائرات مُسيرة»؛ كانت هناك تأكيدات من الحكومات الغربية والمحللين والمعلقين حول مسؤولية إيران عن الهجوم، الذي أودى بحياة مواطن بريطاني، وآخر روماني كانا على متن الناقلة.
وعلى الرغم من اعتراضاتها -غير المقنعة- حول مسؤوليتها عن الحادث، فإن التغطية الإعلامية الغربية وتحليل الخبراء للأحداث استندت إلى افتراض قوي بمسؤولية طهران عن الهجوم. وانطلاقًا من هذا، تم التركيز على ما يسمى بـ«حرب الظل» الجارية بين إسرائيل، وإيران.
ومع أن الهجوم تم تنفيذه عبر تقنية بسيطة نسبيًا؛ غير أنها ضارة جدًا، حيث تمت باستخدام طائرات بدون طيار تحمل رؤوسا حربية، أو متفجرات تم تفجيرها بعد ذلك بالقرب من السفينة. يقول «باتريك كينجلسي»، و«رونين بيرغمان» في صحيفة «نيويورك تايمز»، «يبدو أن الهجوم قد تم بواسطة عدة طائرات مُسيرة إيرانية لم يُذكر نوعها، والتي اصطدمت بأماكن المعيشة بالقرب من قمرة قيادة الناقلة»، في حين أضافت «فرانس 24»، أنه «يعد أول هجوم دامي معروف بعد سنوات من الاعتداءات على سفن الشحن التجاري في المنطقة المرتبطة بالتوترات مع إيران بسبب اتفاقها النووي الممزق».
وبصورة تراكمية، هناك سابقة لشن إيران هجمات بأساليب مماثلة ضد أهداف في الخليج العربي وشمال المحيط الهندي، وأشار «تشولوف»، و«صباغ»، إلى أن «الضربة بدت وكأنها تناسب نمطًا من الهجمات السابقة على حركة النقل البحري المتورط فيها كل من إيران وإسرائيل في إطار حرب الظل المُستعرة بين العدوين». وبالتالي، ليس من المستغرب أن يسارع الغرب بإلقاء اللائمة على طهران، بل والذهاب إلى أبعد من ذلك، كما قالت مجلة «الإيكونوميست»، بأنه نظرًا إلى أن من المُرجح أن تكون إيران هي من وراء الهجوم، «فمن المحتمل أن يكون من عمل قوات الحرس الثوري الإيراني».
وفي أعقاب الحادث، أصدرت كل من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، توبيخًا شفهيًا قويًا لإيران. وقال وزير الخارجية البريطاني، «دومينيك راب»، إن الهجوم من «المرجح بشدة أن تكون إيران قد نفذته»، وأكد أنه «متعمد ومستهدف، كما يمثل «انتهاكا واضحا للقانون الدولي»، كما قال: إن «إيران يجب أن تتوقف عن مثل هذه الهجمات، ويجب السماح للسفن بالإبحار بحرية». كما دعا رئيس الوزراء، «بوريس جونسون»، طهران إلى «مواجهة عواقب ما فعلوه»، واصفًا الهجوم بأنه «غير مقبول وشائن على الشحن التجاري». ومن جهته، أشار وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكين»، إلى أن واشنطن «واثقة من أن إيران قامت بذلك»، وتعهد بأن يكون هناك «رد جماعي».
وفي المقابل، حاولت إيران رسميا، أن تنأى بنفسها عن الهجوم، رغم فشلها في إقناع الحكومات الغربية. ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية، المزاعم بأنها «مغامرة محتملة»، نافيا مسؤولية بلاده عن الهجوم، مضيفا أن تلك المزاعم «متناقضة وكاذبة واستفزازية». بيد أن، صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلت عن قناة «العالم» الإيرانية المملوكة للدولة، وصفها «الهجوم بأنه رد على الضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد مطار عسكري في سوريا».
ومن نواحٍ عديدة، تم التركيز بشكل كبير على الهجوم، باعتباره جزءًا من «حرب الظل» الأوسع نطاقًا بين إسرائيل وإيران والمواجهات المتكررة بينهما حول دخول السفن التجارية. ورأت شبكة «بي بي سي»، أنه يعد «التصعيد الأخير» بين إسرائيل وإيران». وقال «تشولوف»، و«صباغ»، إنه: «سواء على البر أو في البحر، لا يدعي أي من الجانبين عادةً المسؤولية عن الضربات التي يشنها، مفضلين سلسلة من ردود الفعل المتواضعة، وعدم إصدار أي بيانات والذي يُمكن أن يُسفر عن أي تصعيد»، واصفين هذه المواجهة بـ«الخفية».
ووفقا للعديد من المحللين، فإن الهجوم على «ميرسر ستريت»، بعيد كل البعد عن الهجمات الأولى لمهاجمة إيران لسفن تُبحر تحت علم دولة مُحايدة، إما في الخليج العربي أو المحيط الهندي. ووفقًا لـ«فرانس24»، فإنه في أوائل يوليو2021، تعرضت السفينة «ميرسر ستريت»، المملوكة لشركة «زودياك ماريتيم» الإسرائيلية، إلى انفجار غير مبرر أثناء تمركزها في المحيط الهندي.
وفي ردها على الهجوم الأخير، أكدت «الخارجية البريطانية» اعتقادها الراسخ، بأن إيران هي المسؤولة عنه، «مثلما هي مسئولة عن الهجمات التي استهدفت سفينتين في خليج عمان عام 2019. ووفقًا لكل من «أندرو إنجلاند»، و«نجمة بوزورجمهر» بصحيفة «فاينانشال تايمز»، فإن تلك الهجمات «أزعجت صناعة الشحن والنفط العالمية»؛ بسبب قربها من مضيق هرمز والطرق التجارية الدولية، التي تربط بين منطقة الخليج العربي وبقية العالم أجمع.
وعلّق كل من «كريم فهيم»، و«شيرا روبين» من صحيفة «واشنطن بوست»، على أن «حرب الظل بين «تل أبيب»، و«طهران»، باتت تبدو «علنية بشكل متزايد»، حيث إن الهجوم الأخير «يمثل تصعيدًا كبيرًا، كما أنه المرة الأولى التي تنجم فيها وفيات جراء الهجمات بينهما». وفي هذا الصدد، أشار «هانز هانسن»، من شركة «ريسك إنتليجنس»، للتحليل الأمني، إلى أن «نمط الهجوم ونتائجه يبدو، وكأنه «تصعيد خطير في نهج التعامل بين إسرائيل وإيران، وهو المعاملة بالمثل»، وهو النهج الذي تم تبنيه من قبل الأخيرة من خلال شن هجمات لشل حركة المجال البحري والإضرار بالمصالح الإسرائيلية على مدى العامين الماضيين».
ومع ذلك، رأى البعض أن الرد الغربي على الهجوم الأخير، لم يكن يتناسب مع تصرفات إيران غير المبررة، التي أودت بحياة أناس أبرياء. وأوضحت «ديبورا هاينز»، في «سكاي نيوز»، أن «الحلفاء بحاجة إلى ردع المزيد من مثل هذه الاعتداءات»، لكن كلاً من المملكة المتحدة والولايات المتحدة»، ترغبان في خلق نوع من «الموازنة بين إنزال عقوبة ذات مغزى، وبين الرغبة في عدم تفاقم الأمر إلى حد إثارة أزمة أكثر خطورة مع إيران». وتابعت، إن «شن غارات جوية، على سبيل المثال، ضد البنية التحتية التي تستخدمها إيران لتحليق طائراتها بدون طيار من شأنه أن يبعث برسالة قوية بعدم استهداف أية سفن تجارية في المستقبل».
وفي هذا الصدد، قالت «هاينز»، إن توجيه «نبرة التوبيخ الدبلوماسية القاسية» من جانب لندن، وواشنطن «إلى جانب العقوبات الاقتصادية الجديدة يمكن أن تعتبره إيران أمرًا مؤقتًا، وهو ما يقلل من احتمالية أن يكون لها أي نوع من التأثير الرادع». وفي ضوء ذلك، أعادت «هاينز»، ابتكار فكرة «رد أكثر قوة» من قبل المملكة المتحدة، «مثل شن هجوم إلكتروني ضد قدرات الطائرات بدون طيار الإيرانية»، والذي من شأنه أن «يرسل رسالة لردعها»، ولكنه «لا يجب أن يكون مدمرًا بشكل صريح، بحيث يجعل طهران، وكأنها يجب أن ترد».
وعلى الجانب الآخر، يبدو أن حزب العمال المعارض في بريطانيا، يفضل أيضًا أن يكون هناك رد أكثر صرامة من لندن تجاه طهران، حيث حثت وزيرة الخارجية في حكومة الظل «ليزا ناندي»، الحكومة على «توضيح الأمر للرئيس الإيراني القادم، مؤكدا أن الأعمال الخارجة عن القانون ستترتب عليها تكاليف لا يحمد عقباها»، وأن «هذه هي اللحظة التي يجب أن نظهر فيها أننا حازمون في تصميمنا على إنهاء هذا النمط من السلوك العدائي».
وحول ما يمكن أن تفعله إسرائيل ردا على الهجوم الأخير. أشارت شبكة «فرانس24»، إلى أن «الاعتداء يمثل أول مواجهة كبيرة مع إيران يشهدها رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينيت»، وأن المحللين يعتقدون أنه «يمكن أن يسعى إلى شن هجوم كبير انتقاميًا». وأوضح «عاموس هاريل»، من صحيفة «هآرتس»، أن «إسرائيل قد ترغب في توجيه ضربة مدوية ضد إيران وهو ما يمكن أن يزيد من حدة التصعيد».
ومع ذلك، أثار محللون آخرون قضية أخرى، وهو أن أي رد ملموس على هذا الهجوم سيهدد المفاوضات النووية الجارية مع إيران، والتي وصفتها «واشنطن بوست»، بأنها «في طريق مسدود» حاليًا، لاسيما مع «إشارة إيران إلى أنها لن تعود إلى طاولة المفاوضات إلا بعد تولي الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، مهام منصبه فعليا». وفي ضوء ذلك، أكد «فرانك جاردنر»، من شبكة «بي بي سي»، أنه «لا بريطانيا، ولا الولايات المتحدة تريدان إرسال أية ردود قوية لإيران، بحيث قد ينسحب الإيرانيون من تلك المحادثات جراء ذلك»؛ ولكن مع ذلك، فإن إسرائيل «تريد في نفس الوقت إرسال رسالة قوية إليها أبعد من مجرد توجيه صفعة دبلوماسية لها في الأمم المتحدة».
وبالاتفاق مع هذا المنظور، علقت «الإيكونوميست»، بأن «واشنطن، ولندن، قد ترغبان في الحد من توجيه أي رد على خلفية الهجوم على «ميرسر ستريت»، من أجل الحفاظ على محادثات الاتفاق النووي على قيد الحياة».
على العموم، بينما من الواضح أن إيران هي المسؤولة عن التدمير الذي لحق بالناقلة «ميرسر ستريت»، فإن وضع حد لـ«حرب الظل» الإيرانية، الإسرائيلية يبدو قضية من غير المرجح أن تتدخل فيها أو تحلها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة على حد سواء، رغم تزايد التوترات بينهما. وبالتالي، يبدو وقوع المزيد من العنف أمرًا أكثر احتمالاً، خاصة إذا كان هناك رد انتقامي إسرائيلي على هذا الاستفزاز الأخير. علاوة على ذلك، فإن رفض طهران قبول الاعتراف بمسؤوليتها عن الهجوم - على الرغم من كل الأدلة القطعية التي تشير إلى تورطها - يجعل حل هذه القضية مستحيلًا.
وهذا هو الحال في كثير من الأحيان في ردود الحكومات الغربية على الأعمال الخبيثة من قبل النظام الإيراني، لكن يبقى إذا ما كانت هذه التحذيرات الشفهية القوية سيكون لها أي أساس لدعمها أم لا.