21/7/2021
المملكة العربية السعودية.. التوقعات الاقتصادية والتحديات المستقبلية
في 8 يوليو 2021، صدر تقرير خبراء صندوق النقد الدولي في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2021 بشأن المملكة العربية السعودية، الذي حلل الآثار الاقتصادية على المملكة واستجابتها لجائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى تقديم توقعات للنمو والتحديات المستقبلية.
ولتوفير مزيد من التحليل لنتائج هذا التقرير، عقد «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، ندوة بعنوان «المملكة العربية السعودية.. التوقعات الاقتصادية والتحديات المستقبلية»، بهدف البحث في تحديات السياسة المالية الأوسع للرياض، التي تتشارك العديد منها مع الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، وتشمل، على سبيل المثال، التقلب المستمر في أسعار النفط، والإصلاحات الاقتصادية المستقبلية، ونمو الوظائف في القطاع الخاص، ومسار الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد السعودي. أدارت الندوة «كارين يونج»، مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة التابع للمعهد، وشارك فيها «تيم كالين»، مساعد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، و«فارس السليمان»، الباحث في «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية».
في البداية، حدد «كالين» النتائج الأولية للتقرير، وقدم توصيات الصندوق للمستقبل، التي تتضمن حساب تأثير جائحة كوفيد-19 على النمو الاقتصادي، والتوقعات الاقتصادية المستقبلية، فضلاً عن التحديات الرئيسية المتوسطة الأجل، بما في ذلك زيادة انتشار انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري؛ بدءًا من سرد التأثير قصير المدى للجائحة على الاقتصاد السعودي، موضحا أن التقرير لم يقدم «شيئًا جديدًا»، حيث إن الاقتصاد السعودي، مثل جميع الاقتصادات العالمية الرئيسية الأخرى، قد تأثر بسبب الجائحة.
وبشكل عام، أوضح التقرير أن الاقتصاد السعودي «قد دخل معترك جائحة كورونا مسلحًا بهوامش أمان قوية وفرتها السياسات، وبزخم إصلاحات إيجابي، حيث أثنى على السلطات لاستجابتها السريعة والحاسمة التي ساعدت على تخفيف أثر الجائحة». كما توقع الصندوق أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيكون 4.8% في عام 2022، ارتفاعًا من 2.4% المتوقعة لعام 2021، مقابل -4.1% عام 2020.
ومع ذلك، أشار «كالين» إلى أن القطاع غير النفطي في الاقتصاد السعودي تضرر كثيرا في الربع الثاني من السنة المالية 2020، وأن هناك تداعيات على قطاع النفط في البلاد نتيجة اتفاقية (أوبك+) للحد من إنتاج النفط في البلاد، أملًا في الحفاظ على أسعار تصديره المستدامة؛ لكن مع تخفيف عمليات الإغلاق جراء الجائحة في العالم، شهد الاقتصاد «انتعاشًا» في الربع الثالث من السنة المالية 2020، واستمر ذلك حتى الربع الأول من عام 2021. وفيما يتعلق بالطلبات المحلية على النفط، أوضح أن الاستهلاك للطاقة «تراجع بشكل كبير» في بداية الجائحة. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تدابير السلامة الصحية التي تقيّد السفر، ولكن هذا القطاع أيضًا «انتعش بقوة» منذ ذلك الحين.
وفيما يتعلق بالتأثير الاقتصادي للجائحة، أوضح أنه داخل الاقتصاد السعودي كانت هناك «اختلافات كبيرة بين القطاعات»، حيث تلقت قطاعات النقل، والضيافة، والتجارة، بشكل غير مفاجئ «الضربات الكبيرة»، بينما كان قطاعا البناء والتمويل «أقل تأثراً». ومع ذلك، أشار إلى حدوث انتعاش في جميع هذه القطاعات، وأن مستويات الناتج المحلي الإجمالي في البلاد للقطاعات غير النفطية في الوقت الحالي «أعلى مما كانت عليه قبل أزمة كوفيد-19».
وحول دراسة التأثير على سوق العمل، أوضح مسؤول صندوق النقد، أن الوباء أظهر تباينًا بين توظيف المواطنين السعوديين والعمالة الوافدة غير السعودية، حيث «تأثر الأخير» بشكل أكبر في مشاكل التوظيف الناتجة عن الوباء. ومع ذلك، شدد أيضًا على الاعتراف بأنه في فترة التعافي من الوباء شهدت المملكة «زيادة مستمرة في معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة»، ومن ثم استمرار اتجاه التنمية مدة خمس سنوات على الأقل.
وفيما يتعلق بسياسات الدعم المالي من الرياض للسعوديين أثناء الوباء، أشار إلى أنه تم تنفيذ العديد من البرامج لحماية العمالة بالتعاون مع البنوك الوطنية، حيث كان مستوى الدعم المالي للمقيمين السعوديين «على مستوى» مقارب تقريبًا لما تم تقديمه للمقيمين في الاقتصادات الرائدة على مستوى العالم، وكذلك ما تقاضته الشركات من دعم مالي «للتغلب» على العاصفة المالية لكوفيد-19، موضحا أيضًا أن الزيادة في صفقات الرهن العقاري شهدت «نموًا ائتمانيًا قويًا» خلال عام 2020، حيث «اسهم هذا في تحقيق نتائج جيدة نسبيًا في القطاع غير النفطي».
وبالانتقال إلى التوقعات الاقتصادية المستقبلية للمملكة، أوضح أن اقتصادها يشهد «انتعاشًا في كل من ثقة مجتمع الأعمال والمستهلكين» إلى مستوى «مقارب بشكل كبير لما كان عليه في أواخر عام 2019»، وذلك من حيث مدخرات الأسر، وانخفاض إنفاق المستهلكين خلال عام 2020، وعلى الرغم من عدم وجود قياس متاح لمقدار الأموال التي يوفرها العمال، فإنه من المؤكد أن هناك «إمكانات استهلاكية مؤجلة» للنمو المستقبلي في الاقتصاد السعودي.
وبالنسبة إلى التنبؤات المستقبلية لمسار نمو الناتج المحلي الإجمالي، أكد «كالين» أنه من المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي السعودي غير النفطي انتعاشًا «قويًا» خلال الفترة المتبقية من عام 2021، بما يعادل نموًا بنسبة 4.3%، بينما سيشهد قطاع النفط نموا «متواضعًا» خلال الفترة نفسها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اتفاق «أوبك+» 2020 -المذكورة أعلاه- ولكن مع ذلك، بعد انقضاء هذه الصفقة في أبريل 2022، من المتوقع أن يعود النمو إلى سابق مستوياته المتوقعة قبل الوباء.
وفيما يتعلق بالتضخم، صرح مسؤول صندوق النقد الدولي بأنه على الرغم من أن هذا كان «جيدا نسبيًا» خلال الوباء فإنه «شيء يجب مراقبته». وهكذا، خلص إلى أن التوقعات المالية المستقبلية للمملكة فيما يخص المخاوف بشأن التوقعات طويلة الأجل المتوقعة في عام 2020 أضحت الآن «أقل أهمية»، لكن نظرًا إلى الطبيعة غير المتوقعة للأحداث العالمية فقد تظل عُرضة للتغيير المفاجئ.
وبالنسبة إلى التحديات الرئيسية على المدى المتوسط للاقتصاد، أوضح أن استيعاب المتغيرات الدورية (وهو ميل المتغيرات المالية إلى الدوران والتذبذب حول اتجاه بعينه أو عدة اتجاهات اقتصادية) داخل الاقتصاد يجب أن ينصب بشكل رئيسي على اقتصاد البلاد، على الرغم من أنه سلط الضوء أيضًا على أن الإطار المالي قد «تم تعزيزه بشكل كبير» في السنوات الأخيرة من خلال زيادة الإنفاق الحكومي.
واستمرارًا لمسألة إجمالي فاتورة الرواتب الوطنية، وصفها بأنها «مرتفعة»، وكرر توصية تقرير صندوق النقد حول الأجور والإنتاجية الاقتصادية بأن «تتماشى بشكل أفضل» في قطاعات الاقتصاد النامية حديثًا. وفي الواقع، تشير تقديرات الصندوق الحالية إلى أن الأجور «أعلى مما هو مبرر»، مقارنة بمستويات الإنتاج، ولا سيما في القطاع الخاص، وأنه من أجل تسوية هذين المتغيرين فإن إيجاد طرق لزيادة الإنتاجية سيكون أكثر فائدة للاقتصاد السعودي على المدى الطويل.
واختتم «كالين» تحليله بالحديث عن الانتشار المتزايد لانبعاثات الغاز المُسببة للاحتباس الحراري في الحسابات الاقتصادية، مشيرًا إلى وجود «الكثير من الإصلاحات» خلال السنوات الأخيرة، وأنه «فوجئ» بمدى التقدم الذي أحرزته، وخاصة فيما يتعلق بتحسين كفاءة السيارات ووحدات التكييف ومحطات الطاقة. ومع ذلك، أشار إلى أن مستويات الانبعاثات للفرد مرتفعة جدًا، مُقارنة بالمستوى العالمي، وأنه لا يزال هناك «طريق طويل لتقطعه» للحد من هذا في السنوات القادمة.
من جانبه، ركز «السليمان» على القضايا الاقتصادية التي لم يتم التطرق إليها بالتفصيل في التقرير، أو في تصريحات «كالين». وعلى وجه الخصوص أشاد بالمخصصات المالية التي قدمتها الحكومة لمواطنيها خلال الوباء، مشيرًا إلى أنه تم تحقيق «خطوات كبرى» فيما يتعلق بتوفير حصيلة من الإيرادات غير النفطية لا يستهان بها، لكنه، مثل «كالين»، حذر من أن «أصعب الأوضاع لا تزال محتملة الحدوث حتى تاريخه، نظرًا إلى استمرار عدم القدرة على التنبؤ بمستقبل الجائحة ومدى شراستها وتحورها».
علاوة على ذلك، أشار إلى أن برنامج حساب المواطن (أحد برامج الحماية الاجتماعية) «لا يحظى بالتقدير والاهتمام الكافي» كجزء من برامج الضمان الاجتماعي الوطنية، التي تهدف إلى تحديد «الحد الأدنى من الدخل الملائم» لجميع السعوديين، وأكد بقوة أن مثل هذا البرنامج سيمثل مستقبلاً «تطورًا اقتصاديًا كبيرًا لمنطقة الخليج برمتها»، وسيوفر بدوره للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأوسع «فرصة للترويج لهذا البرنامج» وفكرته عالميًا.
وفي سعيه لشرح الدور القوى للدولة في تشكيل اقتصادها، الذي أسماه «النموذج الذي تحركه الدولة»، لاحظ أن هذا التقدم ما هو إلا انعكاس ومحاكاة للنماذج الاقتصادية التي تبنتها دول شرق آسيوية سريعة النمو اقتصاديًا، بدلاً من الانقياد وراء دول الاقتصاديات الغربية الليبرالية. وخلص إلى أن النموذج الذي تنتهجه الرياض يبدو أنه «يناسب بشكل أفضل» المستقبل الاقتصادي لمنطقة الخليج في مرحلة ما بعد النفط». وعلق «كالين» على النقاط التي أثارها «السليمان»، ولا سيما فيما يتعلق بأهمية برنامج حساب المواطن، مضيفًا أنه من المتوقع «إجراء إصلاحات في قطاعي الكهرباء وإمدادات المياه من قبل الحكومة السعودية».
وفي سؤال حول مستوى التقدم في قطاع الطاقة المتجددة، ولا سيما فيما يتعلق بالطاقة الشمسية، ودراسة الجدوى البيئية للمشروعات الاستثمارية، أوضح «السليمان» كيف تشارك وزارة الطاقة السعودية في «المشروعات الاستثمارية الضخمة» لتعزيز توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث إن 30% من تلك الطاقة يتم استخدامها في مشروعات عامة وخاصة مختلطة تضم العديد من الشركات الأجنبية، في حين أن الـ70% المتبقية منها يتم استخدامها وتمويلها مباشرة من خلال صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF).
وحول جدوى هذه الاستراتيجية من عدمه، أوضح كيف يتم «ترسيم مشهد تطور قطاع الطاقة المتجددة في الخليج من الصفر في الوقت الراهن»، ومن ثم لا يوجد مثال حقيقي سابق للمملكة العربية السعودية ضمن منطقتها الإقليمية لتتبعه وتقتفي أثره، وبناء عليه فإن تجارب تعزيز السعوديين لقدراتهم في مجال الطاقة المتجددة ستوفر مخططًا حيًا لدول الخليج الأخرى والصناعات الناشئة لتتبناه وتحذو حذوه.
وفي سؤال حول ما يتعلق بأهمية برامج الحماية الاجتماعية، مثل برنامج حساب المواطن، وكيف سيغير صورة الاقتصاد السعودي، وكيف سـيعالج فجوة عدم المساواة من الناحية الاقتصادية والمالية للمواطنين»، أشار «كالين» إلى أن هذا البرنامج جزء من «شبكات الأمان الاجتماعية». ومن ثم يتم تنفيذه بجانب العديد من البرامج الأخرى طويلة الأمد، التي تخضع جميعها للمراجعة والإصلاح حاليًا لتلبية المتطلبات الاقتصادية للمواطنين.
من جانبه، أضاف «السليمان» أنه نظرًا إلى أن المشروع تم إنشاؤه لاستهداف 12 مليون شخص في البداية، لكنه يعمل حاليًا لخدمة حوالي 10 ملايين شخص، ونتيجة لذلك «سيحتاج بدوره إلى التكيف» لحماية السعوديين من العواقب والتداعيات الاقتصادية طويلة المدى للوباء، موضحًا أنه مع ذلك فإن البنية التحتية التي تم إنشاؤها تظل «عنصرًا مهمًا لتطور منطقة الخليج»، وتمثل «أساسًا جيدًا» لمواكبة التطورات والإصلاحات المستقبلية في المملكة.
على العموم، قدمت ندوة «معهد الشرق الأوسط»، نظرة ثاقبة للتحديات الاقتصادية الحالية والمستقبلية للمملكة العربية السعودية، وخاصة الوضع الاقتصادي في مرحلة ما بعد الوباء، فضلاً عن التوقعات المستقبلية لتطور القطاعات النفطية وغير النفطية بالاقتصاد السعودي في ضوء الاعتماد على أحدث البيانات المتاحة.
وفي حين أن البيانات التي قدمها تقرير صندوق النقد الدولي تظهر أن الاقتصاد السعودي قد تأثر بسبب الجائحة، فمن الواضح الآن أيضًا أن جميع المؤشرات تؤكد أن اقتصاد المملكة قد انتعش بقوة في جميع الصناعات، وهو الآن في طريقه لمواصلة التعافي الذي كان موجودًا قبل ربيع عام 2020.