26/6/2021
الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الصحافة الغربية
لم يكن انتخاب رجل الدين المحافظ «إبراهيم رئيسي» لرئاسة إيران مفاجأة على الإطلاق للمطلعين على السياسة الإيرانية؛ نظرًا إلى وجود دعم قوي من المرشد الأعلى لطهران «آية الله خامنئي»، واستبعاد المعارضين الإصلاحيين من الانتخابات.
وينبع عدم الارتياح في ردود الفعل على انتخاب رئيسي إلى حد كبير من التحول الملحوظ في إيران من حكومة معتدلة (بالنسبة إلى المعايير الإيرانية على الأقل) إلى حكومة متشددة بقوة، والتي ستؤكد فقط سلطة المرشد الأعلى، وقد رأى أندرو إنجلاند ونجمة بزرجمهر، من صحيفة فاينانشال تايمز، أن نتيجة الانتخابات «تمنح النظام المتشدد سيطرة كاملة على جميع قطاعات الدولة لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في حين أن المعتدلين في الوقت نفسه يتم تهميشهم بدرجة أكبر». وخلص باتريك وينتور من صحيفة الجارديان إلى أن فوز رئيسي «يعني أن كل أذرع الحكومة، المنتخبة وغير المنتخبة، أصبحت في قبضة المحافظين».
كما سارع المحللون إلى القول إن انتخاب رئيسي سيعزز سلطة خامنئي، فقد وصفت وكالة أسوشيتد برس رئيسي بأنه «تلميذ» للمرشد الأعلى الإيراني، بينما جادلت فيفيان يي، من صحيفة نيويورك تايمز، بأنه «سيكون هناك في النهاية رئيس للبلاد ولكن بضمان عدم تحديه لخامنئي، وبالتالي تُرك التيار الوسطي الإيراني «من دون من يمثلهم في السلطة». علاوة على ذلك، علق علي فائز، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية قائلاً: «هذه هي الحكومة الأولى المملوكة بالكامل لآية الله خامنئي، وإن المرشد الأعلى الإيراني خلق وضعًا داخل المجتمع لإحداث التغييرات التي يعتقد أنها ضرورية لإرثه».
وفيما يتعلق بالاختلافات السياسية بين حكومة رئيسي القادمة وحكومة حسن روحاني، أشارت صحيفة فاينانشيال تايمز إلى أن أولويات رئيسي من المرجح أن تكون «محلية»، حيث يواجه الرئيس الحالي «مهمة شاقة» في إنعاش الاقتصاد الإيراني، بالإضافة إلى «الضغوط الاجتماعية» النابعة من اللامبالاة للنظام السياسي الديني في طهران. وعلقت الصحيفة أيضًا: أنه على عكس روحاني، «لن يحاول رئيسي تقليص دور الحرس الثوري القوي، الذي يهيمن على العمليات العسكرية في الخارج ويسيطر على إمبراطورية اقتصادية مترامية الأطراف في الداخل».
وبالنظر إلى مكانته البارزة في سياسات الشرق الأوسط بمجرد انتخابه، فقد سلطت جميع الصحف الغربية الضوء على السجل الإيراني لانتهاكات حقوق الإنسان، وسجلت صحيفة ذي إندبندنت أن رئيسي كان جزءًا من «لجنة الموت» التي حكمت على آلاف السجناء بالإعدام بعد الحرب العراقية الإيرانية. وانعكاسًا لكل هذه الانتهاكات، سيكون رئيسي أول رئيس إيراني يتولى منصبه يخضع للعقوبات الأمريكية.
وفيما يتعلق بالانتخابات نفسها، رأى المعلقون الغربيون أنها انتخابات شكلية، ولاحظت هولي داجريس، الزميلة البارزة في برنامج الشرق الأوسط التابع لمركز أبحاث المجلس الأطلسي، أن فوز رئيسي «لم يكن انتخابًا على الإطلاق... لقد كان تتويجًا»، بينما وصف ماثيو كرونيغ، نائب مدير مركز سكوكروفت للشؤون الاستراتيجية والأمن التابع للمجلس الأطلسي الانتخابات بأنها «خدعة متقنة». بينما أوضح إنجلاند وبزرجمهر كيف قاطع مؤيدو المرشحين المعتدلين «المحبطين» التصويت، معتقدين أنه «مُحدد سلفًا»، خاصة بعد استبعاد المرشحين الإصلاحيين البارزين من قِبَل مجلس صيانة الدستور غير المنتخب في إيران. وأضافا أن «المشاركة المنخفضة ستقوِّض الشرعية الشعبية التي يسعى قادة إيران للمطالبة بها من الانتخابات» في وقت «تتسع» الهوة بين فئة الشباب وآيديولوجية النظام. وعلى الرغم من فوز رئيسي بـ62% من جميع الأصوات، إلا أن نسبة المشاركة كانت 48.8% فقط، مع بطلان 3.7 ملايين بطاقة اقتراع، وهذا العدد وحده يعادل نسبة ثاني أعلى فائز بالأصوات.
وقدّم المعلقون الغربيون تحليلًا عن كيفية تأثير رئيسي على تفاعل طهران مع بقية العالم، فوفقًا لإيزابيل ديبري وجون جامبريل، من وكالة أسوشيتد برس، تم تقديم «شكل فظ عن كيف يمكن لإيران أن تتعامل مع العالم الأوسع في السنوات الأربع المقبلة»، وذلك في أول مؤتمر صحفي له كرئيس منتخب، حيث دعا إلى رفع الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على إيران، بينما يرفض تمامًا التفكير في أي لقاء وجها لوجه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وذكرت باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي، أن «حقبة من الجهود التي تبذلها أطراف مؤثرة في إيران للمصالحة مع الولايات المتحدة توشك على نهايتها، وأن خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPAO) ستمثل أقصى ملامح العلاقات الأمريكية الإيرانية وليست أرضية يُمكن الانطلاق منها لجني مكاسب أخرى» خلال السنوات القليلة المقبلة. كما توقعت سلافين أن يعزز رئيسي «من العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع الصين»، ويعيد تأكيد «تحالف بلاده الاستراتيجي مع روسيا»، فضلًا عن «دعم الميليشيات الشيعية في العراق ولبنان وسوريا». بينما توقع بريت ستيفنس، من صحيفة نيويورك تايمز، أن «مليارات الدولارات من الأموال ستتدفق إلى وكلاء إيران في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان واليمن» بمجرد تولي الرئيس الجديد منصبه.
وتماشيًا مع السياسة الخارجية الإيرانية المتوقعة الأكثر عدوانية في الشرق الأوسط، فإن مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة يبدو الآن أكثر غموضًا مما كان عليه في السابق، وأفادت وكالة أسوشيتد برس أنه في الوقت الذي شهد «انهيار الصفقة» تراجعا لشعبية روحاني والأصوات المعتدلة، فإن «صعود متشدد معاد للغرب أثار مخاوف بشأن مستقبل الاتفاق والاستقرار الإقليمي».
وعلى الرغم من أن رئيسي، وفقًا لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، قال «إن حكومته ستواصل جهودها لاستمرار المفاوضات»، إلا أنه أكد أن أي التزامات تنبثق عن مثل هذه المفاوضات لن تُطبَّق إلا على الموقِّعين الحاليين على الاتفاق، وهم كل من: (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا)، وبالتالي ستكون واشنطن خارج تلك اللعبة التفاوضية. كما رفض رئيسي فرض أي قيود على تطوير قدرات إيران الصاروخية ومسألة دعمها للمليشيات المسلحة الإقليمية مؤكدا أن هذه القضايا «غير قابلة للتفاوض والنقاش». ولعل هذا الرفض المبدئي لتمهيد أي أرضية مشتركة لبدء مفاوضات مستقبلية سيكون بالقطع، حسب ما وصفته صحيفة نيويورك تايمز، علامة واضحة على مدى «ضعف بايدن»؛ حيث ستنتشر الروايات بأنه «استطاع فقط استعادة اتفاق قديم، ولكنه فشل في الحصول على المزيد من التنازلات، وهنا ستنهال عليه موجات من الانتقادات اللاذعة؛ لكونه أعاد تنفيذ الاتفاق ذاته مجددًا من دون أدنى حل للقضايا الشائكة مع إيران».
وعلى الرغم من نبرة التشاؤم المتوقعة من الخبراء الغربيين التي أعقبت فوز رئيسي، إلا أن هناك بعض التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي في إطار مفاوضات «فيينا» في بداية يوليو المقبل. فقد أشارت الجارديان البريطانية إلى أن «انتخاب رئيسي في ظل قيود العقوبات الأمريكية الراهنة والمفروضة على طهران من المرجح أن تفتح المحادثات في فيينا الباب أمام عودة الولايات المتحدة المفترضة إلى الاتفاق النووي، حيث» أصر المسؤولون الإيرانيون طوال الحملة الانتخابية على وجود «إجماع داخلي» داخل إيران بأن «انتخاب رئيسي لن يغير من هذا الإجماع شيئا». وبالمثل، دافع كل من «ديفيد إي سانجر» و«فرناز فاسيحي»، بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن حجة أن نتيجة الانتخابات أدت إلى ما يسمى بحالة من «الدراما الدبلوماسية غير المتوقعة»، حيث إنه من المتوقع خلال «الأسابيع الستة التالية قبل تنصيب «رئيسي» أن تكون هناك مرحلة تقدم نحو التوصل إلى اتفاق نهائي مع القيادة الإيرانية، والذي ستراه بأنه قرار مؤلم تم تأخيره طويلاً».
ومن جانبها، حافظت الإدارة الأمريكية على لهجتها المتشددة الممزوجة ببعض التفاؤل الحذر في أعقاب انتخاب رئيسي. فقد صرح مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض «جيك سوليفان»، بأنه لا يزال من «الأولوية القصوى» بالنسبة لواشنطن أن تمنع جذريًّا إيران من تطوير أسلحتها النووية، وبدوره قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين، إن الولايات المتحدة لا تزال «واثقة» من أنه سيتم التوصل إلى اتفاق، وأنه «في الواقع، سنكون في وضع أفضل مما نحن عليه الآن».
ومع ذلك، فإن مثل هذا الاتفاق المستقبلي سيأتي بعواقب سياسية كبرى، وفقًا لما أكده كل من «سانجر» و«فاسيحي» فإن «القوى المعتدلة في إيران سيتم إلقاء اللوم عليها جراء الاستسلام للمطالب الغربية»، وبالتالي «قد يتحملون وطأة الغضب الشعبي داخل إيران» إذا لم يتم رفع العقوبات بعد إبرام ذلك الاتفاق، وبالتالي، لن يؤدي مثل هذا السيناريو إلا إلى زيادة ترسيخ نفوذ المعسكر المتشدد في إيران على مدار سنوات عديدة قادمة.
في النهاية، تعكس لهجة ردود الفعل الغربية تجاه فوز «رئيسي» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية نظرة العديد من الحكومات والمنظمات التي تعتبر المحادثات في فيينا خطوة إيجابية نحو استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة وترويض العدوان الإيراني المستشري بمنطقة الشرق الأوسط بطريقة ما. ومع ذلك، يبدو أن تولي رئيسي للسلطة في غضون شهر من الآن لا يترك أمام واشنطن سوى وقت محدود نحو إحراز تقدم ملموس في المفاوضات المقرر انعقادها يوليو المقبل. وعلى الرغم من تفاؤل كل من «وينتور» و«سانجر» و«فاسيحي» المحدود بإمكانية تحقيق ذلك، فإن حقيقة عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق على مدى عدة سنوات ماضية تقلل إلى حد كبير من احتمالية إبرام اتفاق في غضون شهر واحد فقط. وعلى هذا النحو، من المرجح أن تؤدي فترة رئاسة «رئيسي» إلى إعادة القضية النووية الإيرانية إلى وضعها السابق المليء بالشكوك وانعدام الثقة.