23/6/2021
المتحوّر الهندي لكورونا يؤجل التخفيف للقيود في بريطانيا
كان من المتوقع منذ فترة طويلة في المملكة المتحدة أن تكون أشهر صيف عام 2021 هي الوقت الذي سيتم فيه رفع جميع القيود الاجتماعية المتبقية المتعلقة بكوفيد-19، لتعود بعض مظاهر الحياة الطبيعية مرة أخرى. ومع ذلك يبدو أن هذه الخطط حاليًا قد باءت بالفشل إثر ظهور سلالة جديدة لفيروس كورونا تُعرف باسم «متحور دلتا»، أو «المتحور الهندي»، حيث إنها أكثر انتشارا، وأدت إلى ارتفاع معدلات الإصابة إلى مستويات غير مسبوقة منذ بداية العام، وذلك في ظل سوء تقدير الحكومة بشأن قيود السفر والثغرات في برنامج طرح اللقاح في البلاد.
نشأ ما يُسمى بـ«متحور دلتا» في الهند، وتم اكتشافه لأول مرة في ديسمبر 2020، واسمه الطبي B.1.617.2. ويعتبر سلالة أقوى من السلالات السابقة، وبالتالي هو أكثر عدوى بين الناس، وأكثر فتكًا إذا لم يعالج بالأدوية اللازمة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، انتشر في أكثر من ثمانين دولة، بما في ذلك جميع اقتصادات العالم الرئيسية.
ومنذ وصوله بريطانيا، ارتفع تدريجيا عدد الحالات بها لتصبح السبب الأبرز للإصابة في جميع أنحاء البلاد، حيث يعتبر الآن مسؤولا عن 96% من جميع الحالات الجديدة. وحتى 15 يونيو 2021، بلغ العدد الإجمالي لحالات «متحور دلتا» في بريطانيا 42000 حالة. وفي يوم 17 يونيو 2021 وحده، تم اكتشاف أكثر من 11000 إصابة مؤكدة جديدة، فيما يصل إلى أعلى رقم في هذا الصدد منذ ما يقرب من أربعة أشهر.
ويكمن خطر المتحور الجديد في أنه قابل للانتقال بنسبة60% أكثر من السلالة الأصلية لكوفيد-19. وخلال الأسبوع الأول من يونيو 2021، أصيب ما يقرب من 12% من الأشخاص به، ممن كان قد أصيبوا بالسلالة الأصلية للفيروس، وذلك مقارنة بـ 8% من الأشخاص الذين أصيبوا بما يسمى بـ«متحور كينت»، الذي تسبب في حالة من الذعر مماثلة لمتحور دلتا خلال شتاء 2020-2021.
وعلى الرغم من معدلات الإصابة المتزايدة، تظل الأعداد الحالية للوفيات جراء كوفيد-19 في المملكة المتحدة منخفضة نسبيًا. وفي الأول من يونيو 2021 لم يتم تسجيل أي وفيات بسبب كورونا لأول مرة منذ بدء الجائحة على الرغم من أن الأرقام تتراوح الآن ما بين 23 حالة وفاة يوميا. كما أن معدلات دخول العناية المركزة بالمستشفيات منخفضة نسبيًا أيضًا. وبالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عامًا، يبلغ المعدل حاليًا 1.9 لكل 100.000 من السكان، بينما يبلغ المعدل في الفئة العمرية 20-29 عامًا فقط 0.8 لكل 100.000 من السكان.
وبالنظر إلى أن «متحور دلتا»، يثير قلقًا بشأن ارتفاع عدد الإصابات، لكن لا يبدو أيضًا أنه يؤدي إلى زيادة الحالات التي تستدعي الدخول إلى المستشفي، حيث يمثل الجدل الدائر في المملكة المتحدة حول ما إذا كان يجب على الدولة تخفيف أو زيادة قيود الصحة العامة، قد عاد إلى الظهور على نحو غير مفاجئ مرة أخرى، خاصة بعد أن أجّل «بوريس جونسون» تخفيف القيود المخطط له في الحادي والعشرين من يونيو 2021.
ومن منظور طبي، علق «مارك وولهاوس»، أستاذ علم الأوبئة في جامعة إدنبرة، أنه في حين أن «الانتقال من مرحلة تصنيف الفيروس كجائحة إلى التعايش معه ليس أمرًا سهلاً، حيث جعل المتحور الجديد العملية أكثر صعوبة إلى حد كبير». وعند تحديد قراره بتأجيل رفع القيود، حذر «جونسون» من أن البلاد ستضطر إلى الانتظار «لفترة أطول قليلاً». وفي تفسيره لهذا القرار يرى «ستيفن كاسل» و«بنجامين مولر» من صحيفة «نيويورك تايمز» أن «جونسون لم يكن لديه أي خيار تقريبًا سوى المطالبة بالتأجيل في ظل إجماع الخبراء الطبيين على أن رفع جميع القيود سيكون عملاً طائشًا».
وفي الوقت الحالي تحول الجدل إلى من يقع على عاتقه تحمل المسؤولية الأكبر عن هذا السيناريو. وبشكل خاص، تم التركيز على الشباب ممن لم يتلقوا اللقاح. وفي لندن وحدها ارتفع معدل الإصابة بكوفيد-19 لدى الأشخاص ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا إلى أكثر من 300 شخص لكل 100.000 من السكان في مقاطعات: لامبث (التي بلغت الإصابات بها 351.7 من 90.1 في بداية الشهر)، وكذلك هامرسميث، وفولهام، وواندسوورث. كما أوضحت «جيني هاريز»، الرئيسة التنفيذية لوكالة الأمن الصحي في بريطانيا أن «الزيادة في المقام الأول بين الفئات العمرية الأصغر سنًا، ونسبة كبيرة منها غير مُحصنة، ولكن تمت دعوتها الآن لتلقي اللقاح».
ومع ذلك تبقى هناك أمور يجب مراعاتها في هذا الصدد. أولاً، الشباب أقل فئة تلقت التطعيم، وبالتالي هم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس؛ لكنهم أيضًا أقل عرضة للمعاناة من عواقب صحية خطيرة مقارنة بمن تم تطعيمهم بالفعل من الفئات العمرية الأعلى. علاوة على ذلك فإن الزيادة في الإصابة بالمتحور الجديد لا تعني بالضرورة كسر المواطنين للقيود الصحية. وفي جميع أنحاء بريطانيا، النقاط الساخنة الحالية للإصابات الجديدة هي «بولتون»، و«بلاكبيرن»، وكلاهما بالقرب من مانشستر، وكذلك مدينة «بيدفورد». ولاحظت شبكة «بي بي سي نيوز»، أن المناطق التي تكون نسبة الإصابة بالفيروس فيها عالية تحتوي على نسب منخفضة من الأشخاص الذين يعملون من المنزل، ومن ثم فإن مخاطر انتشار الفيروس من خلال التفاعلات أعلى بكثير.
علاوة على ذلك، يعد سببا رئيسيا لتوجيه الانتقادات الشديدة للحكومة البريطانية، هو عدم فرض قيود السفر إلى الوجهات ذات معدلات الإصابة المرتفعة إلا بعد فوات الأوان. وعلى سبيل المثال، تمت إضافة الهند إلى «القائمة الحمراء» إلى البلدان التي يحظر السفر منها وإليها في 23 أبريل 2021، في الوقت الذي كانت فيه الهند تشهد أكثر من 100.000 حالة إصابة جديدة بكوفيد-19 كل يوم. ومن جانبه، وصف «هيو موريس» من صحيفة «التلغراف»، إدارة وستمنستر بـ«غير الكفء والمخادعة فيما يخص السفر الدولي»، حيث ربط بشكل مباشر بين سياسة السفر الحكومية والارتفاع الطفيف في الحالات، مضيفا أنه «بفضل تراخي الحكومة في التعامل مع متغير دلتا، فقد أصبح لدى المملكة المتحدة الآن معدل إصابة هو الأعلى في أوروبا، باستثناء جورجيا، وبالتالي طبقًا للأرقام، فليس هناك مكان أسوأ من بريطانيا».
من جانب آخر، تم انتقاد خطة لضمان تلقيح جميع موظفي الرعاية الطبية في البلاد علنًا من قبل «الجمعية الطبية البريطانية»، و«هيئة الخدمات الصحية الوطنية»، و«كلية التمريض الملكية»؛ بسبب مخاوف بشأن الآثار المترتبة على حرية الاختيار ونقص الموظفين. وبالنظر إلى ما جرى كشفه من مزاعم بأن «جونسون» قد وصف وزير صحته «مات هانكوك» بأنه «ميؤوس منه تمامًا» في الرسائل المُرسلة إلى مستشاره السابق «دومينيك كامينغز»، فليس من المفاجأ أن الإيمان بقدرة الحكومة على الاستجابة بفعالية للوباء يتضاءل مرة أخرى».
علاوة على ذلك، لا يزال هناك إجماع قوي بين المهنيين الطبيين على أن زيادة التطعيمات هي أسرع طريقة لاستئناف وتيرة الحياة الطبيعية. ويعكس هذا الأمر تحديدًا حقيقة أن من بين الـ 806 مصابين بمتحور «دلتا» من فيروس كورونا ممن تم إدخالهم إلى المستشفيات قبل 14 يونيو 2021؛ كان 65% منهم لم يتلقوا اللقاح تمامًا، بينما كان 17% منهم قد تلقوا جرعة اللقاح الأولى فقط.
وعلى الرغم من أنه تمت الإشادة ببرنامج تلقي التطعيم في بريطانيا في العديد من الأوساط، لكن لا يزال هناك طريق طويل قبل تحقيق النجاح الكامل لهذا البرنامج. ووفقًا للمجلة الطبية البريطانية، «بريتش ميديكال جورنال»، تم إعطاء أكثر من 71 مليون جرعة لقاح ضد كوفيد-19. وفي جميع أنحاء البلاد تلقى حوالي أربعة أخماس البالغين أول جرعتين مطلوبتين. وفي 16 يونيو 2021، تقدم 195.565 شخص لتلقي جرعتهم الأولى، بينما تلقى في اليوم ذاته 234.834 جرعتهم الثانية.
علاوة على ذلك، كانت هناك نجاحات ملحوظة في إقناع عامة المواطنين من الجماعات الدينية والعرقية بقبول تلقي اللقاح. وأفادت «هايدي لارسون»، مديرة مشروع الثقة باللقاحات، وهي منظمة بحثية تقيس الآراء حول استخدام اللقاحات حول العالم، أن من بين متلقي اللقاح الذين كانوا غير راغبين في تلقيه سابقًا، تقدم أكثر من 21% من المسلمين، و18% من المسيحيين لتلقي جرعة اللقاح الأولى. واعتبارًا من يوم 18 يونيو سيتمكن جميع البالغين (فوق 18 عامًا) من حجز كافة التطعيمات.
ومع ذلك، فإن اللقاحات وحدها ليست العلاج الشافي والنهائي لمنع انتشار الفيروس، وذلك مع تأكيد «هيئة الصحة العامة» في إنجلترا أن الجرعتين الكاملتين من لقاح «استرازينكا»، و«فايزر بيونيتك»، قادران على توفير الحماية أقوى بنسبتي (92% و96% على التوالي) ضد احتمال دخول المستشفى جراء الإصابة بمتغير «دلتا». وبدوره، حذر «نيل فيرغسون»، مدير مركز «إم آر سي كوليدج»، لتحليل الأمراض المعدية العالمية، من أنه لا يزال هناك الكثير من الشعور بعدم الثقة في فعالية اللقاح في التصدي لـحالات الإصابة بالمتحور الجديد الأكثر خطورة، مضيفا أن هناك «احتمالات أن نشهد موجة ثالثة أخرى، لكنها ربما لا تكون شديدة مثل الموجة الثانية».
من ناحية أخرى، لا تزال هناك مشاكل في مسألة تطعيم جميع البالغين، سواء من يريدون تلقي اللقاح ولكن الفرصة لم تسنح لهم حتى الآن، أو الذين مازالوا يرفضون تلقيه. ووفقًا لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، هناك حوالي مليوني بريطاني تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عامًا لم يتلقوا الجرعة الأولى من اللقاح. وبالنسبة للعاملين في دور الرعاية المذكورة أعلاه (وكثير منهم من فئة الشباب)، فإن معدلات التطعيمات تبدو أكثر إثارة للقلق؛ حيث إنه في لندن وحدها هناك 23% فقط من دور الرعاية هي التي تلقى أكثر من 80% من موظفيها اللقاح. وفي ضوء ذلك، قال «جورج سميث»، مدير وحدة علم الأوبئة التكاملية في جامعة «بريستول»، «هناك عمل يجب القيام به لتقليل مستويات القلق لدى المواطنين، وإن معالجة هذا الأمر لن يتحقق إلا بطريقة «تدريجية».
وكانت تنبؤات المهنيين الطبيين المستقبلية مختلفة. ففي حين صرح كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا البروفيسور «كريس ويتي» بأن ارتفاع نسب العدوى بشكل نهائي خلال هذه الموجة الجديدة «لا يزال غير مؤكد»، وأنه سيكون هناك على الأرجح «موجة إصابة شتوية» أخرى في نهاية عام 2021 وبداية عام 2022؛ توقع «تيم سبيكتور»، أستاذ علم الأوبئة الجينية بـكينجز كوليدج لندن، بدلا من ذلك، أن تصل موجة الإصابة إلى ذروتها في غضون 10 إلى 14 يومًا تقريبًا ثم تبدأ في الانخفاض، بحيث بحلول أربعة أسابيع قادمة نكون أقل بكثير من مستوى الإصابة الذي نحن فيه الآن»، على الرغم من أنه أقر بأن «هذا السيناريو لن يكون ممكنًا إلا إذا سارت الأمور الصحية والإجراءات الاحترازية على ما يرام».
على العموم، لا تزال هناك صورة معقدة ومشوشة تحيط بحالة ومدى انتشار الفيروس التاجي وتحوره في المملكة المتحدة في المستقبل. ففي حين حذر بعض الخبراء من وقوع كارثة مستقبلية وتفاقم حالات الإصابة مجددًا، يتوقع آخرون تطورًا إيجابيًا آخرًا. لكن ما هو واضح حاليًا هو تزايد أعداد الإصابة بالعدوى بسبب الإصابة بمتغير «دلتا» الجديد، وإذا ما تم اتباع المزيد من الأخطاء فمن المرجح أن نكون بصدد موجة إصابة جديدة أشد قوة وأكثر انتشارًا في ضوء أنه من المتوقع أن يصل إلى جموع البريطانيين.