2/6/2021
الذكرى الأربعون لتأسيس مجلس التعاون وآفاق المستقبل
واحتفالًا بهذه المناسبة، عقد المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، ومقره لندن، منتدى افتراضيًّا؛ لمناقشة الأعمال الحالية لدول مجلس التعاون الخليجي وآفاقها المستقبلية، أدارته سانام وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية، وانضم إليها بدر السيف، زميل غير مقيم في مركز مالكولم إتش كير- كارنيجي للشرق الأوسط، وكريستيان كوتس أولريتشسن، زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس بتكساس وزميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية، وكذلك كريستين سميث ديوان، وهي كبير باحثين مقيمة في معهد دول الخليج العربي بواشنطن.
ونظرًا إلى مشاكل تقنية في موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية الإلكتروني، لم تكن الدقائق الأولى من المنتدى مرئية للجمهور الافتراضي، وعندما أصبح المنتدى متاحًا للمشاهدين، كان أولريتشسن يعلق على الوضع الحالي لدول مجلس التعاون الخليجي، مشيرًا إلى الخلاف بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في الفترة ما بين 2017 و2021، والذي يعكس أنه على الرغم من المشكلات الداخلية للمنظمة إلا أن التقدير المتبادل للتعاون يظل قائمًا ومستمرًا حتى يومنا هذا.
بعد ذلك تحدثت كريستين سميث ديوان مشيرة إلى أن السيناريو الجيوسياسي الحالي للعالم يمثل «تحديًا خاصًّا» لدول مجلس التعاون الخليجي، لافتة إلى أن فكرة «السلام الأمريكي» (أي أن الولايات المتحدة هي القوة الدولية الرئيسية والتي لم يتم تحديها منذ نهاية الحرب الباردة) آخذة في الضعف، ونتيجة لذلك فإن دول الخليج «لا تثق كثيرًا في التوجهات الراهنة لأمريكا لضمان أمنها بشكل كامل»، وادعت ديوان أن هذه الدول تحاول إيجاد طريق خاص لها؛ للحفاظ على أوراقها المالية الوطنية.
وكان بدر السيف المتحدث الأخير، قد أدلى بملاحظات افتتاحية، منها أن دول مجلس التعاون الخليجي تتصرف ببطء في بعض القضايا المهمة، وأنها تمتلك «إمكانيات غير مستغلة»، وأنها تعيش «أزمة منتصف العمر» نظرًا إلى«عدم ملاءمة» اتخاذ إجراءات استراتيجية أحادية الجانب من قِبَل بعض الدول الأعضاء في الماضي القريب، داعيا إلى ضرورة إعادة ضبط إجراءات المجلس خلال السنوات القادمة، وأشار إلى أن هناك أيضًا شعورًا بالحنين إلى الماضي داخل المجلس؛ لوجود جيل جديد من القادة يحل محل الذين أسسوه قبل أربعين عامًا، مؤكدًا أن «روح التعاون ما زالت موجودة في مواجهة التحديات الحالية».
واتجهت سانام وكيل إلى الحديث عن الاقتصاد، ووجهت إلى أعضاء المنتدى سؤالا وهو: «كيف جعلت دول مجلس التعاون الخليجي التنوع الاقتصادي جزءًا من مهمتها، وما إذا كان الاستمرار فيه يمكن أن «يعيد إحياء الاهتمام» بالتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء؟» وفي هذا الصدد، صرح كوتس أولريتشسن بأنه لا يوجد «نهج اقتصادي واحد يناسب الجميع» من حيث المصادر المالية والموارد الاقتصادية لكل من هذه الدول، مشيرًا إلى أن عُمان والبحرين تمتلكان احتياطيات نفطية أقل من جيرانهما، لافتا إلى أنه من أجل «التعافي من الآثار الاقتصادية للجائحة» كانت هناك رغبة في الحصول على موارد قيّمة وتصديرها مما يعني «زيادة التنافسية» بين الدول الأعضاء.
وأضافت كريستين ديوان أن الدولة الوطنية في منطقة الخليج تظل «المحرك الأكبر للاقتصاد»، من خلال الاستثمار في الصناعات والبنى التحتية، وأنه من غير المرجح أن يتغير الوضع في المستقبل القريب.
أما السيف فقد تحدث عن كيف أن رؤية المعارضة المحلية في الكويت لعواقب «حقبة ما بعد النفط» المحتملة للبلاد يجب أن تكون مقياسًا لمدى صعوبة مثل هذه العملية بالنسبة إلى حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في المستقبل، مشيرا إلى عدم وجود إجماع فيما بينها بشأن ما تعنيه مفاهيم التعاون والتكامل بالضبط، ولهذا دعا إلى «حوار صريح» بين هذه الدول بشأن دورها المستقبلي، مؤكدا أن «الوقت قد حان لإعادة النظر» في ميثاق مجلس التعاون الخليجي «لتحديد واختيار» جوانب «رؤية خليجية»، بحيث تُمنَح لكل عضو «ضوء» خاص يُمثل تطوره الاقتصادي المستمر.
وتطرقت المناقشة بعد ذلك إلى الآثار اللاحقة لمحادثات العُلا في يناير 2021، حيث استؤنفت العلاقات بين السعودية والبحرين والإمارات ومصر مع قطر لأول مرة منذ عام 2017، وتساءلت وكيل عن التقدم الذي تم إحرازه منذ ذلك الحين، خاصة من وجهة نظر أمنية.
وردًّا على ذلك، أشار كوتس أولريتشسن، إلى أنه تم تعلم الدروس من الخلاف السابق بين دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2014، وأن محادثات العلا تمت متابعتها بمزيد من الاجتماعات بين الدول المعنية بـ«معالجة نقاط المشكلة التي لم يتم حلها»، وهو ما يمثل «علامة إيجابية» تُظهِر أن دول مجلس التعاون يمكن أن تبدي مرونة في حل الخلافات الإقليمية.
وفيما يتعلق بالأمن، أكد أولريتشسن أن هناك حالة من «عدم اليقين» حاليًا أكثر مما كان عليه الحال سابقًا «بشأن دور الولايات المتحدة» في المنطقة، على المديين المتوسط والبعيد، ولكن في أوقات «عدم اليقين الاستراتيجي» لا يزال أعضاء مجلس التعاون الخليجي يُظهرون ميلًا إلى تنحية خلافاتهم جانبًا والاتحاد أمام التحديات.
وطلبت وكيل بعد ذلك من السيف أن يوضح التغييرات أو التحديثات المتوقعة التي يمكن إجراؤها على ميثاق دول مجلس التعاون الخليجي، وردًّا على ذلك، أوصى السيف «بضرورة إجراء مزيد من التغييرات والتحديثات»، مؤكدًا أن «الكثير من الأهداف لا يمكن أن تُحقَّق بالطريقة التي كان ينتهجها المجلس»، مشيرًا إلى أن عددًا من دول الخليج تصرفت سابقًا على أساس «دوافعها الشخصية» لتكوين شراكات ما، وأن هذه الطريقة غير الرسمية لممارسة الدبلوماسية هي في حد ذاتها «جزء من المشكلة التي أصبح يعاني منها المجلس» والتي تعيق أوجه التكامل الوثيق بين أعضائه، وأكد أنه من المهم لمجلس التعاون الخليجي أن يتصرف بطريقة «تعزز مصالح جميع أعضائه من الدول»، وتُبقِي التعاون الإقليمي بينهم، فضلاً عن حالة الانفتاح والصدق التي ستصاحب هذا التكامل.
وسألت وكيل بعد ذلك أعضاء المنتدى عما إذا كانت هناك «طموحات جيوسياسية» لدول مجلس التعاون الخليجي خارج منطقة الخليج في المستقبل، وهنا علق السيف على ذلك بالقول إن من الطبيعي أن تنقل دول مجلس التعاون الخليجي اهتمامها إلى «مستوى آخر» وهو «الساحة الدولية»، وإنه «من الواضح أن هناك رغبة حقيقية» في توسيع نطاق المصالح الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي، مشيرًا إلى أنه لم يكن مترددًا في وصف الخطط الأمنية المستقبلية للمجلس بأنها «جريئة» و«طموحة»، واستشهد بعد ذلك بموقف ضم اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطوة ستوفر «أوجه تآزر وتعاون ستعود بالفوائد على كلا الجانبين». وحينما سألت وكيل «السيف» عن ما إذا كان هناك أي مرشحين آخرين للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل، علق السيف بأنه لن يكون المجلس قادرا على مناقشة ضم أي دولة أخرى، وأنه «لن يكون من الجيد» أن تسرع دول مجلس التعاون الخليجي إلى إضافة أعضاء جدد موجودين خارج نطاق الخليج جغرافيًّا.
وتحول النقاش بعد ذلك مرة أخرى إلى التعاون الاقتصادي داخل دول مجلس التعاون الخليجي، حيث سألت وكيل «كيف يمكن دمج الاقتصادات الخليجية بشكل أكبر، وهل يدخل «ضمن اهتمامات دول المجلس» خلْق سوق أو عملة خليجية مشتركة أم «تم التخلي عن هذا الأمل»؟ وردًّا على ذلك أشارت ديوان إلى أنه من المهم الاعتراف بالتقدم الذي أحرزه المجلس فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، ولكن لا تزال هناك مطالب اقتصادية لكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي المختلفة، التي تشعر بمسؤولية أكبر حيال تحسين اقتصاداتها أكثر من مسؤوليتها إزاء «الإطار الجماعي» الذي يصوره مجلس التعاون الخليجي، وتماشيًا مع ذلك، ذكرت أن الحديث عن سوق أو عملة خليجية مشتركة بات «خارج الطاولة»، ومع ذلك، أشارت ديوان إلى أن توسيع شبكة السكك الحديدية في جميع أنحاء منطقة الخليج والتنسيق بين دولها لتوفير التدابير الصحية أثناء جائحة كوفيد -19 دليل على أن التعاون الاقتصادي لا يزال نشطًا بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وطرحت وكيل السؤال الأخير إلى أعضاء المنتدى بشأن المحادثات الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة مع إيران في فيينا، ووجهات نظر دول مجلس التعاون الخليجي إزاء هذه المحادثات. وفي هذا الصدد، أشار كوتس أولريتشسن، إلى أن المحادثات أدت إلى «تزايد» حجم الاعتراضات الخليجية حيال التوصل إلى أي اتفاق نووي إيراني جديد، وكان من المهم أن يحصل مجلس التعاون على مقعد بطاولة المفاوضات في هذا الشأن، من أجل طمأنته ومعالجة المخاوف الأمنية لدى أعضائه. وأضافت ديوان أن دول مجلس التعاون الخليجي تتخوّف من أن تتوصُّل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران بشأن تطلعاتها النووية، ثم تمضي قُدُمًا وتترك المخاوف الأمنية الخليجية من دون معالجة. وقد اتفق السيف مع هاتين الحجتين، وأضاف أنه يجب أن تكون هناك «رسالة واضحة من الأمريكيين» إلى إيران مفادها أنه لن يتم إبرام اتفاق من دون استشارة واشنطن دول مجلس التعاون الخليجي.
في النهاية قدّم المشاركون بالمنتدى نظرة متوازنة بشأن الحالة الراهنة لدول مجلس التعاون الخليجي، وأشادوا بإجراءاتها في مجال الاقتصاد والأمن، بينما انتقدوا فيها بطء وتيرة العمل المشترك، وتفضيل اتخاذ الإجراءات الأحادية من قِبَل الدول الأعضاء لتحل محل العمل التعاوني. وفيما يتعلق بالمستقبل، كان هناك أيضًا إجماع على أن المنظمة باتت تتحرك بقوة وتتسم بالفاعلية بعد حالة الانقسام الخليجية عام 2017، وأن الفترة المستقبلية توفر آفاقًا لمزيد من التعاون في مجالات الأمن والتنويع الاقتصادي وتحقيق المخططات الاستراتيجية الجيوسياسية المشتركة.