8/5/2021
بايدن بعد مائة يوم على توليه الرئاسة.. وعود قليلة وإنجازات عديدة
غالبًا ما توصف الأيام المائة الأولى من الإدارة الجديدة في السياسة الرئاسية الأمريكية بأنها أكثر فترات الإصلاح التشريعي ثراءً، وعلى الرغم من أنها لا تعكس بأي حال من الأحوال وضع إدارة ما، إلا أنه يمكن بلا شك أن تكون مؤشرًا على المسار السياسي الذي سيسلكه ساكن البيت الأبيض الجديد.
وفي حالة الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة «جو بايدن» سيكون من العدل القول إن المائة يوم الأولى تضمنت سياسات ذات خلفية وطنية ودولية فريدة، فقد تسلم جو بايدن البلاد في يناير 2021، وهي ترزخ تحت وطأة فيروس كورونا، واقتصاد يتهاوى، وانقسامات سياسية عديدة.
ومنذ اليوم الأول شرعت إدارته في العمل، حيث أصدر قائمة بالأوامر التنفيذية بشأن قضايا أهملتها إدارة ترامب، مثل جائحة كورونا والبيئة، حيث تم توفير مئات الملايين من جرعات اللقاح حتى الآن وسط طفرة اقتصادية، كما اتخذ إجراءات بشأن قضية المناخ وملف السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بأفغانستان وإيران.
الانطباع العام للخبراء في الأيام المائة الأولى كانت بمثابة إعجاب، حيث لم ينل نقد الكثيرين، الذين وضعوا في الاعتبار أن كبر سنه واعتدال نهجه سياسيًّا لا يُمكنه من إحراز تقدم قوي في وقت الأزمة، وقد لاحظ معلقون أن رئاسة بايدن أعادت إحياء التفاؤل الوطني؛ فرأى جيوفاني روسونيلو، من نيويورك تايمز، أن «جو بايدن يراهن على حالة التفاؤل بين الأمريكيين، وحتى الآن يحظى بالكثير من التأييد في أنحاء البلاد»، مشيرًا إلى بيانات الاستطلاع التي تشير إلى أن ما يقرب من ثلثي الأمريكيين متفائلون الآن بشأن الاتجاه المستقبلي للبلاد، وهو أعلى مستوى بيانات للتفاؤل الوطني منذ ديسمبر 2006، وفسرت ميشيل كوتل، من نيويورك تايمز، ذلك بأن بايدن «يتعهد بالقليل، لكنه يُحقق الكثير»، بما يمثل تناقضًا حادًّا مع سلفه.
ولا شك في أن النجاح الأبرز لإدارة بايدن تمثَّل في تعاطيها مع ملف جائحة كورونا؛ ففي حين اتسم تصرف إدارة دونالد بالبطء والتردد في الاستماع إلى النصائح العلمية، فإن إدارة بايدن قلبت ميزان الأمور من خلال وضع برنامج تطعيم بدَّل وضع الولايات المتحدة من كونها أسوأ دولة في تعاملها مع الوباء إلى الأفضل إحصائيًّا، وفي تعهُّد بحملة لتقديم 100 مليون لقاح للأمريكيين في أول 100 يوم له، حطّمت الحكومة الجديدة هذا التعهُّد وقدمت بدلاً من ذلك 290 مليون جرعة، مع أكثر من 96 مليون أمريكي الآن تم تطعيمهم بالكامل ضد الفيروس.
وبالمثل، تم الترحيب بالنمو الاقتصادي الأمريكي خلال رئاسة بايدن، وقد علق جيف كوكس من قناة (سي ان بي سي) قائلاً: «حتى الآن في الأيام الأولى من فترة رئاسته، عزز بايدن مكاسب سوق الأسهم بشكل كبير»، مع مستوى نمو اقتصادي، بنسبة 24.1%، والذي فاق أعلى ما حققته البلاد في عهد الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور في 1953. وعلى سبيل المقارنة، نما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 11.4% خلال أول 100 يوم من تولي ترامب منصبه.
وتمثل العمود الفقري لهذا الانتعاش الاقتصادي في (مشروع قانون التحفيز) بقيمة 1.9 تريليون دولار الذي أصدره بايدن بعد أسابيع من التردد في الكونجرس، حيث من المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي للولايات المتحدة في عام 2021 إلى أعلى رقم له منذ عام 1984، عند 7%، مُقارنة بانخفاض بنسبة 3.5% التي تمت مصادفتها في عام 2020.
ويبدو أن هذا الانتعاش ليس سوى البداية، مع الحكومة الجديدة التي على وشك تنفيذ إصلاح اقتصادي شامل، فقد علقت لورين جامبينو، من صحيفة الغارديان، بأن «حل بايدن للأزمات التي لا تعد ولا تحصى هو أجندة اقتصادية طموحة تعد بامتلاك المستقبل، من خلال توسيع دور الحكومة بشكل كبير في الحياة الأمريكية».
وفيما يتعلق بتغير المناخ أيضًا، أشاد المحللون الغربيون بتعهد بايدن بخفض الولايات المتحدة انبعاثاتها الكربونية بنسبة 50% على الأقل بحلول عام 2030، فضلا عن حرصه على تأكيد الريادة الدولية مع العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك كندا واليابان، فيما قدّمت المملكة المُتحدة أيضًا تعهدات جديدة في نفس الوقت، ولعل الأهم من ذلك، على المستوى المحلي، لاحظ مارشال شيبرد، من مجلة فوربس، أن صانعي السياسة الديمقراطيين «يتحدثون أخيرًا باللغة التي يفهمها الناس العاديون بشأن تغير المناخ».
نجاح آخر أشار إليه المحللون يتعلق بانتصار بايدن وأنصاره الديمقراطيين حتى الآن في اللعبة السياسية في واشنطن، فعلى ما يبدو أن الرئيس تعلم دروسًا من باراك أوباما، الذي أهدر «أغلبية ساحقة» في وقت مبكر من رئاسته؛ فقد قام بايدن بعمل تغييرات تشريعية مهمة، مثل إغاثة كوفيد والإصلاح الاقتصادي، كما أشار ديفيد سميث، من صحيفة الغارديان، إلى أنه «بالنسبة للديمقراطيين، فقد مر مائة يوم من التشريعات الكاسحة، والتعيينات التي تتخطى الحواجز، والجرأة على الحلم الكبير»، بينما بالنسبة للجمهوريين الذين لا يزالون موالين لدونالد ترامب، فقد مر مائة يوم عليهم بدون أي تواجد أو سُلطة تُذكر.
علاوة على ذلك، تجنب بايدن العديد من الزلات التي هددت بعرقلة حملته، فقد لاحظ سميث، في الغارديان، أن «التهكمات التي وجهها ترامب فشلت في تحقيق مآربه، في حين أن الزلات اللفظية للرئيس البالغ من العمر 78 عامًا كانت نادرة نسبيًّا».
وعلى جانب آخر يتطلع العديد من المحللين في واشنطن إلى الانتخابات الأمريكية المقبلة، وعلق بوب شروم، أحد المحللين الاستراتيجيين من الحزب الديمقراطي قائلاً: «إن بايدن ماضٍ في مسار ثابت بشأن التعامل مع الوباء وفتح الاقتصاد، وإذا فعل ذلك جيدًا فستكون لديه فرصة ليكون الرئيس الثالث في مائة عام يحقق أداءً جيدًا في منتصف المدة بعد فترة انتخابه الأولى». ومع ذلك، وبالنظر إلى الطبيعة المتقلبة رأسًا على عقب للسياسة الأمريكية، فإن الحذر في هذا الصدد سيخدم الديمقراطيين الأمريكيين بشكل جيد.
ويعد من الخطأ الاعتقاد بأن مشاكل أمريكا الرئيسية قد جرى حلها، في الشعار الانتخابي الرئيسي لبايدن، لتوحيد الشعب الأمريكي بعد سنوات من الانقسام، فبيانات استطلاعات الرأي تشير إلى أنه لا يزال هناك الكثير للقيام به في هذا الشأن، حيث يعتقد 48% من الأمريكيين أن البلاد لم تصبح أكثر اتحادًا منذ تولى بايدن السلطة، و28% يعتقدون أن البلاد أصبحت أكثر انقسامًا، ومع ذلك، أشاد المؤرخ الرئاسي الأمريكي دوغ برينكلي بالخطاب السياسي الحالي لبايدن، مشيرًا إلى أن الرئيس «يتحدث بطريقة حازمة وهادئة بشكل من المستحيل الاعتراض عليها، وكان هادئًا للغاية ومطمئنًا في وقت الفتنة الكبرى».
بالإضافة إلى ذلك، أشار جون سوبيل، محرر شبكة بي بي سي في أمريكا الشمالية، في تحليله، إلى أن «القضية الدائمة للسيطرة على السلاح ستؤدي إلى الكثير من الجدال والتراشق»، وأن الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك من المحتمل أيضًا أن تبقى مشكلة رئيسية طيلة فترة ولايته. وبالنسبة لكوفيد 19 أيضًا، فلا يزال هناك سبب للقلق، فقد أشارت لورين جامبينو، من صحيفة الغارديان، إلى أن «الوباء لا يزال يمثل تحديًا لا مفر منه»، وأن «المشكلة تتحول بسرعة إلى لقاحات كثيرة، ولا يوجد عدد كافٍ من الأشخاص المستعدين للتطعيم».
كما كان ملف السياسة الخارجية هو الآخر موضع نقاش كبير بين الخبراء، فأشارت رويترز إلى أن «بايدن أثبت أنه صارم بشكل غير متوقع فيما يتعلق بالسياسة الخارجية إزاء المنافسين الرئيسيين لأمريكا»، حيث شدد من مواقف الولايات المتحدة ضد روسيا والصين، وقد علق أندرس فوغ راسموس، الأمين العام السابق لحلف الناتو، بأنه «على الرغم من الأجندة المحلية المزدحمة، إلا أن بايدن قطع خطوات كبيرة لاستعادة القيادة العالمية الحازمة للولايات المتحدة».
ويُمكن القول إن أكبر قرار اتخذه بايدن في السياسة الخارجية حتى الآن هو الانسحاب المخطط لجميع الأفراد العسكريين الأمريكيين من الخارج بحلول سبتمبر 2021. وبرزت الاختلافات بين الخبراء والأكاديميين، ففي حين أن أنتوني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يرى أنه «لا توجد طريقة جيدة يمكن للولايات المتحدة أن تنسحب بها من أفغانستان، كما لا يمكنها أن تنتظر إلى أجل غير مسمى بعض أشكال السلام التجميلية»، انتقد مارفن جي وينباوم، من معهد الشرق الأوسط بواشنطن، هذه الخطوة، باعتبار قرار الانسحاب يندرج تحت مبدأ سياسة «أمريكا أولاً، وهو خطأ، وقرار قصير النظر، وضيق في فهمه للمصالح الأمنية الأمريكية على المدى الطويل». وهكذا، وعكسًا للانقسامات، يرى بول سالم، من معهد الشرق الأوسط أيضًا، أن القرار «كان مفهومًا بالنظر إلى التعهدات المتكررة بإنهاء حروب أمريكا إلى الأبد، ولكنه مع ذلك قد يعود ليطارد الإدارة بشكل كبير».
وعلاوة على ذلك، كان هناك أيضًا قرار بايدن بشن ضربات ضد الميليشيات المدعومة من إيران، والتي دافع عنها ميك مولروي، خبير الدفاع والأمن في الشرق الأوسط في معهد الشرق الأوسط، ووصفها بأنها «صحيحة، وأنها إجراء أظهر لإيران أنه ستكون هناك عواقب لاستخدامها قوات بالوكالة ضدنا، وبالتالي تجنبت عواقب تصعيد الوضع في العراق، من خلال الرد باستهداف قواتنا في سوريا».
وأخيرا يبدو أن الغالبية العظمى من المعلقين الغربيين أشادت بأول 100 يوم لبايدن في البيت الأبيض، باعتبارها نجاحًا كبيرًا في ظل الأوقات العصيبة، خاصة فيما يتعلق بإطلاق لقاح فيروس كورونا والانتعاش الاقتصادي للبلاد، ومع ذلك، لا تزال هناك تحفظات على الوحدة الوطنية وسياسته الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. وفي حين أنه من غير المرجح أن تستمر هذه الفترة من الود من وسائل الإعلام الغربية تجاه رئاسة بايدن بسبب النجاحات غير المتوقعة حتى الآن، إلا أن رئاسته يمكن أن تصبح في نهاية المطاف إدارة تُثير حقد وحسد دونالد ترامب.