top of page

28/5/2021

تأثير جائحة فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي

تعد‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬لعام‭ ‬2020‭-‬2021‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأحداث‭ ‬كارثية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية؛‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬تسجيل‭ ‬167‭ ‬مليون‭ ‬إصابة‭ ‬حتى‭ ‬مايو‭ ‬2021،‭ ‬وما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬حالة‭ ‬وفاة؛‭ ‬تعرضت‭ ‬صناعات‭ ‬عالمية‭ ‬بأكملها‭ ‬للانهيار،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ملايين‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬والاقتصادات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تدعمها،‭ ‬حيث‭ ‬تأثرت‭ ‬صناعة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬وصناعة‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وقطاع‭ ‬الضيافة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬انهيار‭ ‬بورصة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1929،‭ ‬أو‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬‮«‬الركود‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬في‭ ‬2007‭-‬2009،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ناجمة‭ ‬عن‭ ‬المضاربة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬التقدير‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بدأ‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬تعاف‭ ‬طويل‭ ‬الأجل،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬التسارع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توزيع‭ ‬اللقاحات‭ ‬وما‭ ‬يصاحبها‭ ‬من‭ ‬تخفيف‭ ‬للقيود‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬طريقًا‭ ‬طويلاً‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬وبالمثل،‭ ‬فإن‭ ‬تأثير‭ ‬الجائحة‭ ‬على‭ ‬الأعراف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والممارسات‭ ‬التجارية‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬يعطي‭ ‬أيضًا‭ ‬احتمالية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بعد‭ ‬الجائحة‭ ‬مختلفًا‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬الأشهر‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وكانت‭ ‬‮«‬ريما‭ ‬شريتا‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬طب‭ ‬المناطق‭ ‬الحارة‭ ‬والصحة‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬حذرت‭ ‬أوائل‭ ‬أبريل‭ ‬2020،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التداعيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لهذه‭ ‬الجائحة‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تعيق‭ ‬حتى‭ ‬أكثر‭ ‬الأسواق‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الصمود،‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬النمو‭ ‬الوطني‭ ‬والعالمي‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معروفًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬ستستمر‭ ‬الجائحة‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬آثارها‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التحذير‭ ‬قد‭ ‬تحقق‭ ‬بطريقة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بالإمكان‭ ‬فهمها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬كان‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬هو‭ ‬ذروة‭ ‬التراجع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬الجائحة‭. ‬ووفقًا‭ ‬لتقرير‭ ‬‮«‬الآفاق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬البنك‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2021،‭ ‬‮«‬انكمش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بنسبة‭ ‬4‭.‬3‭%‬،‭ ‬ولم‭ ‬يقابل‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬سوى‭ ‬الكساد‭ ‬الكبير‭ ‬والركود‭ ‬العظيم‭ ‬والحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التقييم‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬لم‭ ‬يوضح‭ ‬الصورة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭. ‬وكما‭ ‬أشارت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ذي‭ ‬إيكونوميست‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬النمو‭ ‬المستقبلي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سيحدث‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬الجائحة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مقياس‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬يقيس‭ ‬سقوط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة،‭ ‬وليس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سيصبح‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬انتشارها‮»‬،‭ ‬لذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬نموذج‭ ‬حسابي‭ ‬جديد،‭ ‬قدّرت‭ ‬المجلة‭ ‬خسائر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بـ‭ ‬5‭.‬6‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وانكماشه‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬6‭.‬6‭%‬‭.‬

ووفق‭ ‬هذا‭ ‬المعنى،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬التداعيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للجائحة‭ ‬انهيار‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬دولارًا‭ ‬تحت‭ ‬الصفر‭ ‬للبرميل‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أبريل‭ ‬2020،‭ ‬والأرقام‭ ‬المرتفعة‭ ‬للبطالة‭ ‬بها،‭ ‬حيث‭ ‬طالب‭ ‬20‭%‬‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬العاملة‭ ‬بدعم‭ ‬الحكومة‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬26‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬فيما‭ ‬تأثرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصناعات،‭ ‬أبرزها‭ ‬الطيران،‭ ‬والتشغيل‭ ‬الآلي‭ ‬للجمارك‭ ‬والضيافة‭ ‬والسياحة‭. ‬وخلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الإصابات‭ ‬المؤكدة‭ ‬بكوفيد‭-‬19‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬تم‭ ‬تعليق‭ ‬قطاعات‭ ‬مؤثرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬سجلت‭ ‬معظم‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المتوسطة‭ ‬والمتقدمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬انخفاضًا‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬بنسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬5‭%‬‭ ‬و15‭%‬‭. ‬وكانت‭ ‬الصين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرئيسي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬سجل‭ ‬نموًا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭.‬3‭%‬‭ ‬فقط‭. ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬‮«‬جون‭ ‬شارمان‮»‬‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬ذي‭ ‬اندبندنت‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬كوفيد‭-‬19‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬أكبر‭ ‬انخفاض‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬300‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬انخفض‭ ‬بنسبة‭ ‬9‭.‬8‭%‬‮»‬‭. ‬وحتى‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬ضوابط‭ ‬مُحكمة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس‭ ‬تراجعت‭ ‬اقتصادياتها‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تراجع‭ ‬اقتصاد‭ ‬اليابان‭ ‬بنسبة‭ ‬5‭.‬1‭%‬‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬وسط‭ ‬انخفاض‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬صادراتها‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬والتكنولوجيا‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لدول‭ ‬الخليج،‭ ‬فإن‭ ‬الانخفاضات‭ ‬الحادة‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬لعام‭ ‬2020،‭ ‬سلطت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬حساسية‭ ‬الاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬الصادرات‭ ‬النفطية‭ ‬لتحقيق‭ ‬نمو‭ ‬الإيرادات‭ ‬المالية‭. ‬وتوقع‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬‮«‬انكماشًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬إقليميًا‭ ‬بنسبة‭ ‬4‭.‬1‭%‬‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2020‮»‬‭. ‬وبالنسبة‭ ‬لمستقبل‭ ‬اقتصاد‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الجائحة،‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬نادر‭ ‬قباني‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬بروكينجز‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬جائحة‭ ‬الفيروس‭ ‬التاجي‭ ‬وانخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬العالمي‭ ‬تسببا‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬للمضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وتطوير‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬الهيدروكربونية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬لاقتصاداتها‭ ‬أن‭ ‬تنافس‭ ‬فيها‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬سؤال‭ ‬يصعب‭ ‬الإجابة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تجربة‭ ‬وتدارك‭ ‬الأخطاء‮»‬‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬قلة‭ ‬الطلب‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬إغلاق‭ ‬الشركات‭ ‬وحث‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬قد‭ ‬أثر‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭. ‬ووفقًا‭ ‬لتقرير‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬خدمة‭ ‬أبحاث‭ ‬الكونجرس‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2021،‭ ‬فقد‭ ‬‮«‬انخفضت‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬5‭.‬3‭%‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬الصادرات‭ ‬الدولية‭ ‬بنسبة‭ ‬7‭.‬8‭%‬‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأول،‭ ‬وبنسبة‭ ‬11‭.‬6‭%‬‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثاني‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الانتعاش‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭.‬7‭%‬‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثالث،‭ ‬ظل‭ ‬النمط‭ ‬العام‭ ‬للتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬يشهد‭ ‬انخفاضًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2019‮»‬‭. ‬كما‭ ‬خلصت‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تجارة‭ ‬الوقود‭ ‬والمعادن‭ ‬انخفضت‭ ‬بنسبة‭ ‬38‭%‬،‭ ‬وتجارة‭ ‬المنتجات‭ ‬الزراعية‭ ‬بنسبة‭ ‬5‭%‬‭ ‬على‭ ‬الأقل‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الرابحين‭ ‬القلائل‭ ‬اقتصاديا‭ ‬من‭ ‬الجائحة‭ ‬عمالقة‭ ‬الأدوية‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬لقاحاتهم‭ ‬وعلاجاتهم‭ ‬مطلوبة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬ملايين‭ ‬الأرواح‭. ‬وسجلت‭ ‬شركة‭ ‬الأدوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬موديرنا‮»‬‭ ‬وحدها‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬الأسهم‭ ‬بنسبة‭ ‬715‭%‬‭. ‬وفتح‭ ‬ظهور‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العلاجات‭ ‬واللقاحات‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬تعاف‭ ‬اقتصادي‭ ‬عالمي‭ ‬طويل‭.‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬ذلك،‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬تنبؤات‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المستقبلي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬وما‭ ‬بعده‭. ‬وتوقعت‭ ‬مؤسسة‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬‮«‬جولدمان‭ ‬ساكس‮»‬،‭ ‬نموًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬ضخمًا‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لعام‭ ‬2021‭ ‬بنسبة‭ ‬6‭.‬8‭%‬،‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الـ4‭.‬5‭%‬‭ ‬التي‭ ‬توقعها‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬الذين‭ ‬شملهم‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الذي‭ ‬أجراه‭ ‬‮«‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‮»‬‭ ‬بفرجينيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2021،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬جان‭ ‬هاتزيوس‮»‬،‭ ‬كبير‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬المرجح‭ ‬للغاية‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬معدل‭ ‬نمو‭ ‬مرتفعا‭ ‬للغاية‮»‬‭.‬

وكدليل‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بالتفاؤل‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي،‭ ‬تم‭ ‬تمرير‭ ‬حزمة‭ ‬1‭.‬9‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬إغاثة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬للمواطنين‭ ‬والشركات‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬بقيمة‭ ‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬لتحديث‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وخطة‭ ‬إضافية‭ ‬بقيمة‭ ‬1‭.‬8‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬للإغاثة‭ ‬المالية‭ ‬للأسر‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المنخفض‭.‬

ومنذ‭ ‬مطلع‭ ‬العام،‭ ‬حظيت‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬أيضًا‭ ‬بما‭ ‬وصفه‭ ‬‮«‬كريس‭ ‬وليامسون‮»‬،‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬آي‭ ‬اتش‭ ‬إس‭ ‬ماركت‮»‬،‭ ‬بـ«طفرة‭ ‬نمو‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬ومستوى‭ ‬قياسي‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬التجاري‮»‬‭. ‬وكما‭ ‬توقع‭ ‬‮«‬فيليب‭ ‬شو‮»‬‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬إنفيستك‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬سينمو‭ ‬بإجمالي‭ ‬7.5‭%‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭. ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬فرصة‭ ‬واقعية‭ ‬بأن‭ ‬يتجاوز‭ ‬النمو‭ ‬8‭%‬‮»‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل،‭ ‬قام‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2021،‭ ‬بتغيير‭ ‬توقعاته‭ ‬بشأن‭ ‬الانكماش‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬لعام‭ ‬2021‭ ‬ليكون‭ ‬أقل‭ ‬بنسبة‭ ‬3‭%‬‭ ‬فقط‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬يناير2020،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬بالتغييرات‭ ‬الصارخة‭ ‬عن‭ ‬نسبة‭ ‬الانكماش‭ ‬6‭.‬5‭%‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متوقعة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعلقين‭ ‬أكثر‭ ‬حذرا‭ ‬في‭ ‬تقييماتهم‭ ‬المستقبلية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بكيفية‭ ‬استمرار‭ ‬تأثير‭ ‬الصدمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لكوفيد‭-‬19‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬قادمة‭. ‬واستنادًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2020،‭ ‬توقع‭ ‬‮«‬نيكولاس‭ ‬كريستاكيس‮»‬،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬‮«‬ييل‮»‬،‮ ‬أن‭ ‬الآثار‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬تقدير،‭ ‬حيث‭ ‬ستظل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأعراف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬أورثها‭ ‬الوباء،‭ ‬مثل‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬وتوصيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬ممارسة‭ ‬معتادة‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬ملامح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬برمته‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬مخاوف‭ ‬بين‭ ‬الخبراء‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬التعافي‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭ ‬تخفي‭ ‬الحجم‭ ‬الحقيقي‭ ‬للأضرار‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الذي‭ ‬أحدثها‭ ‬الوباء‭. ‬وكتب‭ ‬‮«‬مارتن‭ ‬وولغ‮»‬‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬ذا فاينانشيال‭ ‬تايمز‮»‬،‮ ‬أن‭ ‬‮«‬الانتعاش‭ ‬في‭ ‬إجمالي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬يخفي‭ ‬ما‭ ‬يواجه‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تحديات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬مناطق‭ ‬أنهكها‭ ‬بطء‭ ‬حالات‭ ‬التعافي‭ ‬بها‮»‬‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب،‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬وولف‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تنفس‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الغنية‭ ‬الصعداء‭ ‬فلا‭ ‬يزالون‭ ‬يديرون‭ ‬أعينهم‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التحديات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬يواجهونها،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬التجاهل‭ ‬لضمان‭ ‬التوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للتطعيمات‭ ‬واللقاحات‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بأسرها‭ ‬وعدم‭ ‬حلحلة‭ ‬أزمات‭ ‬الديون‭ ‬الطاحنة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬جراء‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‮»‬‭. ‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬طفرة‭ ‬اقتصادية‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬والتي‭ ‬أظهرت‭ ‬بالفعل‭ ‬علامات‭ ‬على‭ ‬تراجع‭ ‬تداعيات‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬إتاحة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬770‭ ‬ألف‭ ‬وظيفة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬تم‭ ‬توفير‭ ‬266‭ ‬ألفا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬أبريل‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬قائمة‭ ‬رغم‭ ‬الجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬بذلتها‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬الانهيار،‭ ‬مثل‭ ‬الحزم‭ ‬المالية‭ ‬ومخططات‭ ‬الدعم‭ ‬المالي،‭ ‬والتي‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬أمل‭ ‬متجدد‭ ‬في‭ ‬التعافي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أوائل‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أحداث‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬دائمًا‭ ‬بمثابة‭ ‬تحذير‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬بمأمن‭ ‬الآن،‭ ‬وأن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬عرضة‭ ‬للتذبذب،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬الفيروس‭ ‬التاجي‭ ‬وآثارها‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬باقية‭ ‬لسنوات‭ ‬قادمة‭. ‬

{ انتهى  }
bottom of page