top of page

5/5/2021

مخاطر برنامج التسلح الإيراني في مجال الصواريخ والطائرة المسيرة

في الوقت الذي تقع فيه تطلعات إيران النووية في مقدمة الاهتمامات الأمنية في معظم دول العالم ومنها المنطقة العربية وخاصة الخليج؛ أصبحت قدراتها الصاروخية قضية رئيسية أخرى يمكن إدراجها في أي اتفاق مستقبلي لتخفيف التوترات في المنطقة.

ولمناقشة هذه القضية، عقد «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، ندوة عبر الإنترنت بعنوان: «قدرات إيران الصاروخية والطائرات المُسيرة»، رأسها «مارك فيتزباتريك»، مدير برنامج منع الانتشار والسياسة النووية التابع للمعهد، وشارك فيها «دوغلاس باري»، الزميل المتخصص في الفضاء العسكري بالمعهد، و«فابيان هينز»، الخبير المستقل في الاستخبارات مفتوحة المصدر، و«جون كرزانياك»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، واستند المشاركون في مناقشتهم إلى تقرير نُشر حديثًا من قبل المعهد نفسه يتعلق بمسألة القدرات الصاروخية الإيرانية بعنوان: «تحليل مفتوح المصدر لقدرات إيران الصاروخية والطائرات المُسيرة وانتشارها».

في البداية، أوضح «فيتزباتريك» أن التقرير المشار إليه لم يُكتب بقصد التأثير في المفاوضات مع إيران بشأن القضية النووية، ولكن نظرًا إلى الاهتمام المتزايد بالمحادثات بشأن الصواريخ وإجراءات طهران الإقليمية، وأن النتيجة الرئيسية له هي أن قدرات إيران الصاروخية مصممة لغرض القتال، وليس للدفاع، مع تغيير طريقة الاهتمام بدورها «بإعطاء الأولوية لتحسين دقتها»، بدلاً من مجرد استهداف المراكز السكانية لمنافسيها. وفيما يتعلق بإنتاجها الصواريخ الجديدة، وصفه بأنه «تطور ملحوظ»، حيث طورت ثلاثة أنواع جديدة في غضون أربع سنوات فقط بينما كانت تخضع لعقوبات دولية شديدة.

واستكمالا لذلك، وصف دعم إيران للجماعات الإقليمية غير الحكومية بأنه «الركيزة الأساسية» لموقفها العسكري، موضحا أن انتشار الصواريخ بين مجموعات، مثل حزب الله،، والحوثيين يثير تساؤلات جدية حول القيادة والسيطرة والإسناد، وأن إيران «مستعدة لتزويد هذه الجماعات بهذه الأنظمة الصاروخية»، وبالتالي فإنها تظهر قدرًا كبيرًا من الميل إلى «المخاطرة» في استخدامها. وفيما يتعلق بالمفاوضات المستقبلية، أشار إلى أنه نظرًا إلى أن إيران تفتقر إلى قوة جوية فعالة مقارنة بخصومها الإقليميين، «لن تتخلى تحت أي ظرف من الظروف» عن مخزونها الحالي من الصواريخ والقذائف، خاصةً في ظل «صناعة الصواريخ المحلية المتطورة لها»، حيث يُسمح لها بتصميم وبناء الصواريخ الخاصة بالمدى الذي فرضته، وهو 2000 كيلومتر.

ومن جانبه، علق «باري»، بأن تطوير الصواريخ الإيرانية هو تطور حديث نسبيًا، وأنها كانت «أقل نجاحًا» في الماضي في تعزيز قدرة الصواريخ الجوالة (صواريخ كروز) لاستخدامها ضد منافسيها الإقليميين، موضحا أن نماذجها للصواريخ الجوالة تستند إلى صواريخ سوفيتية الصنع تم استيرادها سرًا من أوكرانيا عام 2000. ومع ذلك، فقد أشار إلى أن استخدام الحوثيين للأسلحة التي تقدمها إيران قد سمح «باختبار ميداني» لها مع خضوعها لمُساءلة محدودة. وفيما يتعلق بقدرات طائراتها المُسيرة، أوضح أنها تمتلك «مجموعة واسعة» من الطائرات المُسيرة الصغيرة والمتوسطة الحجم، وأنها تبذل باستمرار جهودًا لتحسين مداها وقدراتها التدميرية.

وأثناء عرضه لمعالجة قضية انتشار الصواريخ الإيرانية في الشرق الأوسط؛ أشار «هينز»، إلى أن الحوادث المتكررة للوكلاء الذين يستخدمون صواريخ إيرانية الصنع ضد أهداف في الخليج هي مجرد «طريقة واحدة» لفهم نوايا إيران، موضحا أنه مع عمليات التهريب التقليدية لإرسال الذخائر بين إيران ووكلائها؛ بدأت أيضًا عملية تحويل المخزونات الحالية من الصواريخ القديمة إلى الصورايخ الموجهة، حيث تستخدم مجموعات مثل حزب الله بالفعل هذه الذخائر الفتاكة الجديدة. 

علاوة على ذلك، أوضح أن إيران تحاول «تمكين جميع وكلائها من إنتاج مدفعية موجهة بالصواريخ، محققًة مستويات متفاوتة من النجاح حتى الآن، وأن الضربات العسكرية الدقيقة والتكتيكية» في اليمن لها تمت باستخدام هذه الأسلحة، مشيرا إلى أن استراتيجية إيران بالوكالة فيما يتعلق بالصواريخ تسمح «بإنكار» استخدامها الإقليمي، وبسبب هذا فإن جانب القيادة والسيطرة في استخدامها «محفوف بالمخاطر»، خاصة وأن سبب استخدامها ليس مفهومًا دائمًا. وهكذا، لا يعرف المحللون حاليًا ما إذا كان هناك تسلسل قيادي راسخ فيما يتعلق بالصواريخ والقذائف، و«مدى السيطرة الإيرانية المباشرة» عليها، وهو أمر يمثل مصدر قلق فيما يتعلق بالتصعيد الإقليمي في المستقبل.

وحول تطورات برنامجها الفضائي، أشار «كرزانياك» إلى أنه في السنوات الماضية، واصلت وكالة الفضاء المدنية والحرس الثوري «جهودهما الخاصة» فيما يتعلق بتطوير الصواريخ، لكن المشاريع الجديدة «خرجت من الظل وظهرت مؤخرًا»، وعلى الأخص عام 2020 عندما أطلقت أول قمر صناعي عسكري لها في الفضاء باستخدام صاروخ «متقدم» يعمل بالوقود الصلب بشكل جزئي. وفيما وصفه بأنه تطور «أكثر أهمية»، أطلقت في فبراير 2021 لأول مرة صاروخًا يضم أكبر محرك يعمل بالوقود الصلب حتى الآن اختبرته. وحسب تقديره، سيسمح ذلك بالحصول على مدى 5000 كيلومتر مع رأس حربي متصل، ما يمثل «مسارًا محتملا إلى الحصول على صاروخ باليستي عابر للقارات».

وفي رده على سؤال حول فعالية الجهود الإسرائيلية لتعطيل وتدمير عمليات نقل الأسلحة في سوريا بين إيران وحزب الله، أوضح «هينز» أن هناك «روايات متناقضة من إسرائيل وحزب الله»، لكنه رأى أدلة على الضربات الجوية الإسرائيلية «المدمرة تمامًا» لإنتاج الصواريخ في سوريا بقصد استخدامها من قبل حزب الله ضد إسرائيل، مؤكدا أن ما يثير القلق هو النقل الواسع النطاق لمكونات الصواريخ الصغيرة عبر سوريا إلى لبنان، ما يسمح بإجراء عمليات تحديث لمخزونات صواريخ حزب الله الحالية، محذرا من أن عمليات التهريب أصعب بكثير في التعقب بسبب طبيعتها السرية منخفضة المستوى.

وفيما يتعلق بالمنشآت المحلية للجماعات التي تعمل بالوكالة لصالح إيران ومدى قدرتها على إنتاج صواريخها وقذائفها بدعم من طهران؛ أشار «هينز»، إلى أنه «من السهل جدًا» على مثل هذه الجماعات إنتاج الصواريخ بشكل عام، ولكن يصعب عليها إنتاج صواريخ موجهة متقدمة، مشيرا إلى أهمية تطوير المدفعية الصاروخية بعيدة المدى دقيقة التوجيه كوسيلة لوكلاء إيران لتحقيق الاستفادة القصوى من قوة الصواريخ والقذائف في آن واحد. وفيما يتعلق بالإنتاج تحديدًا، أكد أن المصانع التي أقيمت في سوريا «كان يتم قصفها باستمرار» من قبل إسرائيل طيلة سنوات عديدة.

وحول قلق دول الخليج بشأن تطوير الذخائر والقذائف الإيرانية؛ أشار «فيتزباتريك»، إلى أن قضية المدى «لا تهم كثيرًا» لكون الصواريخ قصيرة المدى يمكن أن تصل إلى دول الخليج، كما أن القدرات الدقيقة لهذه الأنظمة الصاروخية قد تمثل مصدر قلق أكبر، خاصة وأن طهران يمكن أن تستخدم الصواريخ الموجهة بدقة لاستهداف القواعد الجوية، وهو ما يعني بداية تقليل أوجه القصور التي كانت سائدة في سلاحها الجوي ووصوله إلى درجة كفاءة بعض الدول الإقليمية الأخرى.

وفيما يتعلق بتأثير استخدام إيران لاستراتيجية الردع بالعقاب في ضوء التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط، أوضح «فيتزباتريك»، أنه عند شن عملياتها الهجومية، عادة ما تلجأ طهران إما إلى إطلاق أعداد هائلة من الصواريخ، أو استخدام الأساليب والشراك الخداعية والمنازل المفخخة والألغام أو عمليات اختراق سريعة لتحقيق مزايا عديدة، وحتى الآن استخدمت الخيارين الأول والثالث، ولن يكون من الصعب بالنسبة إليها أن تخلق أساليب خداعية لمحاولة خداع الأقمار الصناعية والرادارات الأمريكية بشأن عدد الصواريخ التي تمتلكها بالفعل. ومع ذلك، أكد، أن الأهم من الأرقام الإجمالية لهذه الصواريخ هو العدد الذي يمكن أن تطلقه إيران في المرة الواحدة خلال هجوم ما. 

ومع وضع ذلك في الاعتبار، أشار إلى أنه بالنسبة إلى دول الخليج، يمكن استخدام خيارين لتقليل الأضرار المحتملة من جراء أية ضربات صاروخية إيرانية.الأول سيكون «دفاع صاروخي منسق» بين دول الخليج، والثاني، خطة أو مبادرة دفاع مدني شبيهة بتلك التي تستخدمها إسرائيل، حيث يمكن إجلاء المدنيين بسرعة وتأمينهم داخل المخابئ، مؤكدا أن هذا الإجراء وحده من شأنه أن يقلل الخسائر حال شن أي هجوم «بنسبة 50% على الأقل».

وردًا على سؤال حول طبيعة صواريخ إيران الأكثر تطورًا -والتي يُزعم أنها منقولة عن تصميم وضعه خبراء كوريون شماليون- أفاد «كرزانياك»، أن «مثل هذا التطور سيكون جزءًا من استراتيجية التحوط الإيرانية الأوسع نطاقًا»، حيث يتم تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات في الوقت الراهن، وأنها تقوم حاليًا بإعداد «الأسس والقدرات التكنولوجية» اللازمة لذلك، لكنه قلل من المخاوف إزاء هذا الأمر إذ اعتبره «مشروعًا تطويرًيا غير ناجح»، حيث فشلت جميع جهودها حتى الآن لتحقيق ذلك..

وعن المفاوضات الجارية ومدى تقدمها بشأن الأنظمة الصاروخية، علق «فيتزباتريك»، أن هناك بعض الأنظمة التي قد تكون إيران «مستعدة للتفاوض بشأنها»، ولكن من المرجح أن تكون هذه الأنظمة في مراحل التطوير والبحث، مثل إنتاجها للصواريخ البالستية العابرة للقارات. مؤكدا أن الجانب «الأكثر أهمية» بشأن التفاوض في المستقبل سيكون حول انتشار الصواريخ الإيرانية الصنع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأن هذا «ينبغي حتمًا أن يكون على طاولة المفاوضات»، مؤكدا أن هذا يمثل «جرمًا»، حيث ترفض الاعتراف دوليًا بنشرها الصواريخ والتقنيات المرتبطة بإنتاجها لوكلائها في المنطقة.

وحول أهداف صادرات الأسلحة الإيرانية إلى وكلائها الإقليميين؛ علق «هينز»، أن إيران تريد «توسيع نطاق ردعها بشكل أكبر» في المنطقة، بما في ذلك جعل سوريا مثل لبنان لتكون بمثابة قاعدة تقوم من خلالها بشن عمليات هجومية ضد إسرائيل من على أراضيها. وبالتالى، تحاول  «لبننة» سوريا لجعلها طرفًا في خط المواجهة، مضيفا أن هناك روابط «غامضة للغاية» بين كل من طهران ودمشق، فضلاً عن حقيقة أن معظم الصواريخ التي استخدمها حزب الله في حربه عام 2006 ضد إسرائيل تم تصميمها في سوريا بمواد وتكنولوجيا إيرانية، وهو ما ينبئ باحتمالية تحول سوريا إلى دولة أشبه بلبنان لخدمة الأهداف الإيرانية.

وعن «عمليات وأساليب حروب المناطق الرمادية التي تتبناها طهران» وإمكانية استخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية لصواريخها لشن هجمات ضد السكان المدنيين؛ اعترف «هينز»، أن طهران تسمح لوكلائها بتنفيذ مثل هذه العمليات والحروب من عمليات سيبرانية، وتجسس إلكتروني، ومحاولات اختراق، وأنه من «الخطير» السماح بهذه العمليات، حيث يمكن أن يؤدي هجوم ضد أي منشأة أو مرافق حيوية إلى وقوع ضحايا مدنيين، وبالتالي تصعيد التوترات في المنطقة من دون أي داع.

وربما كان أحد الموضوعات التي لم يتمكن المحللون من تقديم الكثير من المعلومات عنها هو عدد الصواريخ التي تمتلكها إيران ووكلائها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى القيود المفروضة على الحصول على مثل هذه المعلومات. ومع ذلك، أشار «فيتزباتريك»، إلى أنها تمتلك ما لا يقل عن 20 صاروخًا يعمل بالوقود السائل و12 يعمل بالوقود الصلب، لكنها مع ذلك تمتلك «أكبر ترسانة من الصواريخ وأكثرها تنوعًا» في الشرق الأوسط. وعند سؤاله عن قدرات «حزب الله» الصاروخية، قال «هينز» إن الأرقام الدقيقة «يصعب الإجابة عنها»، حيث زعمت بعض المصادر أنها تزيد على200 صاروخ بينما مصادر أخرى قالت إنها لا تمتلك سوى اثنى عشر تقريبا، مشيرا إلى أن هناك أنواعا من الصواريخ يستخدمها الحوثيون لاستهداف السعودية «يحصلون عليها من إيران» عن طريق التهريب وإعادة التجميع، كما أن الصواريخ قصيرة المدى «من المرجح جدًا» أن تكون قد صنعت داخل اليمن نفسها بتوجيهات إيرانية.

على العموم، قدم «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» وصفًا شاملاً ومفصلاً لانتشار الصواريخ الإيرانية عبر الشرق الأوسط، وسلط الضوء على نوايا طهران في تطوير الصواريخ ومداها المستقبلي المحتمل الذي يمكن توقعه في السنوات القادمة. علاوة على ذلك، كان من المفيد معرفة المزيد من المعلومات حول برنامجها الفضائي، وكيف يؤثر ذلك بشكل مباشر في تطوير منظومة صواريخها؛ وإن كان هذا البرنامج يعد أحد القضايا التي لم يتم تفصيلها بإسهاب من قبل المعلقين.

{ انتهى  }
bottom of page