top of page

30/4/2021

قمة المناخ وآفاق التحول من الصراع إلى التعاون

هل تؤدي الأزمات الدولية إلى إنهاء حالة الصراع التي تسود العلاقات الدولية في مناطق عديدة، ليحل محلها نسق تعاوني، كالذي ساد وقت نهاية الحرب العالمية الثانية، وأنشأ نظام الأمم المتحدة؟ وهل يتيح الخطر الذي يتهدد كوكب الأرض بفعل التغير المناخي، متزامنًا مع جوائح كجائحة كورونا، إنشاء حالة من توحيد الجهود والطاقات، والدفع بها بشكل منسق في مواجهة هذا الخطر؟ في مواجهة جائحة كورونا رأينا العالم يتوحد مستمعًا لمنظمة الصحة العالمية، وتتسابق قواه نحو إنتاج مصل يقي من الإصابة بالعدوى، ثم العمل على إتاحة هذا المصل لكل الشعوب بغض النظر عن الكلفة، إنقاذًا لأرواح الناس واقتصاديات الدول والاقتصاد العالمي، وفي أجواء كورونا يفوز بإيدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويقرر بعد فوزه إعادة أمريكا إلى اتفاقية باريس للمناخ الخاصة بتخفيض انبعاثات الكربون العالمية، والتي كان قد انسحب منها سلفه دونالد ترامب في أول يونيو 2017.

يذكر أنه بمناسبة يوم الأرض الذي يتم الاحتفال به في 22 أبريل وقع 175 من رؤساء دول العالم في 2016 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك اتفاقية باريس للتغير المناخي، وكان ذلك الحدث الأكبر لاتفاق عدد كبير من بلدان العالم في يوم واحد، جاء هذا الاتفاق كأول اتفاق عالمي بشأن المناخ، عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في باريس 2015، وعد هذا الاتفاق مناسب ودائم ومتوازن وملزم قانونيًا، وهدف إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من 2 درجة، وسيسعى للحد منه عند 1.5 درجة مع إعادة النظر بعد 5 سنوات، ووضع الاتفاق كحد أدنى 100 مليار دولار كمساعدات مناخية للدول النامية سنويًا مع إعادة النظر في هذا الرقم في 2025.

وبعد أن ارتفعت الغازات الدفيئة على الأرض إلى مستوى لم تشهده من قبل، بدأت في 22 أبريل في واشنطن تزامنًا مع اليوم العالمي للأرض، بدعوة من بايدن فعاليات قمة المناخ العالمية عبر الإنترنت، بحضور قادة وزعماء أكثر من 40 دولة بينهم الزعماء الذين تتصدر بلدانهم قائمة الدول المتسببة في الجانب الأكبر من الانبعاثات، وانطلقت القمة بتنبه من الرئيس الأمريكي بايدن بمخاطر الاحترار التي يتعرض لها الكوكب، حيث عدها مخاطر وجودية، وضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات قبل فوات الأوان، وركز بايدن في كلمته على الفرص الاقتصادية الهائلة وفرص العمل الكبيرة في مجالات مكافحة الاحترار، ومع التوافق العالمي بشأن المخاطر التي يخلقها هذا الاحترار، فلا يوجد من ينكرها أو يقلل من أهميتها، أعلن الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة لن تنتظر، مقترحًا استثمارات ضخمة في البنية التحتية، ومن الأمثلة التي ضربها للفرص الاقتصادية: إنتاج السيارات الكهربائية ومحطات الشحن، فيما حث بايدن الدول التي تشكل أكبر مصدر للانبعاثات على أن تحد منها، وأعلن أن بلاده لن تتأخر في هذا الشأن، معلنًا أن العقد الثالث من الألفية الجديدة هو عقد كبح الاحترار والتصدي للأخطار الناشئة عنه.

تعرضت القمة للعديد من الملفات المهمة: خفض الانبعاثات، مواجهة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، سبل تنفيذ الدول تعهداتها في هذا الشأن خاصة البلدان الصناعية الكبرى المتسببة في الجانب الأكبر من الانبعاث، وتمويل برامج الطاقة النظيفة، والابتكارات، والتحول إلى ما يعرف بالمشاريع الخضراء، ودور أسواق رأس المال في هذا التمويل، ويعد مؤتمر أبريل في واشنطن تمهيدًا لمؤتمر آخر يعقد في نوفمبر باسكتلندا، ووضع هدف له الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.

وإذا كانت الصين هي أكبر منافسي الولايات المتحدة في الوقت الحالي، كقوة اقتصادية غدت الثانية عالميًا، وتسعى لأن تكون الأولى عبر انتهاج التصنيع المتوجه للتصدير، وفيما غدت تعرف بمصنع العالم، مع مسؤولية الصناعات عن ارتفاع مستوى الغازات الدفيئة، فقد أعلن الرئيس الصيني في المؤتمر احترام بلاده القوي للطبيعة، مقرًا بالتحديات الكبيرة التي يفرضها تغير المناخ في العالم، وأن بلاده تلتزم بخفض الانبعاثات.

وحيث جمعت قمة واشنطن للمناخ ما فرقته الأزمات السياسية، فمع التصريحات الواعدة للرئيس الصيني، ومثله الكوري، وعد الرئيس الروسي بوتين أن تقدم بلاده تفضيلات للشركات الأجنبية الراغبة للعمل في بيئة صديقة، وتقديم مجموعة من المشروعات لمواجهة الاحتباس الحراري معلنًا أن الكفاح من أجل الحفاظ على الكوكب يقتضي توحيد جهود المجتمع الدولي بأسره، وأن التنمية المقبلة لا يمكن أن تكون خضراء فحسب، بل ينبغي أن تكون مستدامة لجميع البلدان من دون استثناء.

وفيما يشكل تغير المناخ تهديدا وجوديا فإن الأمين العام للأمم المتحدة صرح لدى القمة بأن الكوكب على حافة الهاوية وأن الحاجة الآن هي إلى كوكب أخضر، مؤكدا ضرورة بناء ائتلاف يعمل على الوصول إلى هدف صفر انبعاثات كربونية، ووقف تمويل محطات إنتاج الطاقة بالفحم، ودعا الدول المتقدمة إلى الالتزام بتعهداتها المادية تجاه الدول النامية، كما دعا القيادات السياسية لدول العالم إلى التحرك سويًا للقضاء على تهديد أزمة التغير المناخي.

ترأس العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وفد بلاده في قمة واشنطن، وفيما كانت المملكة العربية السعودية في مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته 22 في مراكش في 2016، قد جددت التزاماتها تجاه قضية تغير المناخ بعد إتمامها إجراءات المصادقة على اتفاقية باريس قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، مع تخطيطها اتخاذ خطوات إضافية للتصدي لتغير المناخ، كونها عضوا في اتفاقية باريس، وبما يتماشى مع رؤيتها 2030 بشأن التنويع الاقتصادي وزيادة الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة.

هذا الأمر قد انتهجته كل دول مجلس التعاون الخليجي، والإمارات العربية المتحدة التي كانت حاضرة أيضًا القمة، كانت قد استضافت في مستهل ابريل حوارًا إقليميًا بشأن التغير المناخي بمشاركة مجموعة بارزة من مسؤولي العمل المناخي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحضور جون كيري المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون التغير المناخي، وأصدر المشاركون بيانًا مشتركًا أكدوا من خلاله التزامهم بضمان إنجاح اتفاقية باريس، وبناء المزيد من التوافق تحضيرًا للقمة التي دعا إليها بايدن، وهدف هذا الحوار إلى تمكين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من مناقشة سبل إطلاق مسارات جديدة للتنمية منخفضة الكربون، وتعزيز التعاون مع المجتمع الدولي لتمويل ما يلزم من إجراءات وفرص اقتصادية في هذا الشأن، وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات كانت أول دولة في المنطقة تصادق على اتفاقية باريس للمناخ، كما أصبحت أول دولة في المنطقة تلتزم بالحد من انبعاثات في مختلف جوانب الاقتصاد، والتزمت بخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بنسبة 23.5% حتى عام 2030.

ومن المعلوم أن 21 دولة عربية عملاً باتفاقية باريس بشأن تغير المناخ كانت قد قدمت في 2016 خطط مساهمتها المحددة وطنيًا، شملت تدابير التخفيف والتكيف، ومنذ هذا الوقت حتى الآن اتخذت هذه الدول جملة من الإجراءات والقرارات، دون التأثير على استمرارية أنظمتها المعتمدة على النفط والغاز، المصدر الرئيسي لإيراداتها، وبالإضافة إلى ما أعلنته الإمارات، فقد شكلت الكويت الهيئة الوطنية للتأهب والتصدي لتأثيرات تغير المناخ والكوارث البيئية على الصحة، وأعلنت السعودية في قمة العشرين الافتراضية الأخيرة التي ترأستها في نوفمبر 2020 إطلاق برنامج وطني للحد من الانبعاثات الكربونية، كما أطلقت مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، وفيما تعد الدول الجزر الأكثر عرضة لمخاطر التغير المناخي، وارتفاع منسوب البحر والظواهر المناخية القصوى، فقد كانت البحرين في مقدمة الدول الموقعة على اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي، وشارك الدكتور محمد بن مبارك بن دينه المبعوث الخاص لشؤون المناخ ورئيس المجلس الأعلى للبيئة في اجتماع الطاولة الوزارية المستديرة لقمة القادة بشأن تغير المناخ، الذي نظمته الولايات المتحدة بحضور المبعوث الرئاسي الخاص للمناخ جون كيري، مؤكدا حرص مملكة البحرين على دعم كافة الجهود الدولية من أجل التقدم في مجال المناخ، ومن المعلوم أن البحرين قد نفذت مجموعة واسعة من الخطط والدراسات الاستراتيجية والمشاريع البيئية، التي تؤكد التزام البحرين بالمواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بالحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ.

إن تعهدات الدول في قمة واشنطن التي دعا إليها بايدن، تمهد الطريق أمام قمة جلاسجو في نوفمبر القادم، التي ستراجع مدى التقدم الذي تحقق، أو مدى الفشل في تحقيق أهداف اتفاقية باريس 2015، والتي كانت بمثابة خطة تسابق لتجنيب الإنسانية كارثة مناخية إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار أعلى من 2 درجة متوسط درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، في هذه القمة يجتمع الجميع للعمل بروح الفريق في مناقشة التكتيكات والتأكد من قيامهم جميعًا بدورهم، وتم تحديد أهداف مقاومة الكارثة في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة والحفاظ على درجة الحرارة فلا ترتفع فوق 2 درجة مع وضع مستهدف حد الارتفاع عند 1.5 درجة، والالتزام بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة للتعامل مع تأثير التغير المناخي، وقد كان من المفترض أن تعقد قمة جلاسجو في 2020، ولكنها تأجلت بسبب جائحة كورونا، وتتيح الفرص الاقتصادية الهائلة التي تفتحها إجراءات مواجهة التغير المناخي مجالات كبيرة للتعاون بين دول العالم، وهذه الفرص تحتاجها دول العالم للخلاص من حالة الكساد وتباطؤ النمو الذي تسببت فيه جائحة كورونا. 

{ انتهى  }
bottom of page