top of page

9/4/2021

المجتمع المدني البحريني في مواجهة جائحة كورونا

أبرزت جائحة كورونا الدور المركزي لحكومات دول العالم في مواجهة هذه الجائحة، سواء لجهة استخدام آلياتها لفرض الالتزام بالإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي والإغلاق وفرض حظر التجوال، أو لجهة مواجهة التداعيات الاقتصادية، والتخفيف من حدة وطأتها، أو لجهة الحصول على اللقاحات من مصادرها، بعد أن تم إنتاج هذه اللقاحات، وخضوع توزيعها للتسييس، غير أن هذا الدور المركزي للحكومات لا يعني قدرتها بمفردها على هذه المواجهة، فهناك أدوار مكملة ضرورية لا تستطيعها غير منظمات المجتمع المدني.

فهذه المنظمات الأهلية التي تمتد بين الأسرة والدولة، وتنتشر في ربوع المجتمع بتنوعيات عديدة، وتمثل جوهر الرأسمال الاجتماعي لأي دولة، ويقوم نشاطها على التطوع ولا تسعى للربح، أصبح واقعًا عليها في مواجهة جائحة كورونا واجبات عديدة، سواء في مرحلة الانتشار المجتمعي لفيروس كوفيد – 19 عن طريق العدوى، أو في مرحلة الانتشار الوبائي، حين يصبح انتقال الفيروس على نطاق شديد الاتساع، أو لجهة التخفيف من الآثار الاقتصادية لبعض الشرائح الاجتماعية الأكثر تضررًا، أو لجهة دعم المجهود الطبي، أو لجهة الدعم النفسي،  وقيام المجتمع المدني بدوره في هذه المجالات يوفر على الحكومة الكثير من الإجراءات التي تستهلك طاقتها، حتى تتفرغ لدورها الاستراتيجي بدلاً من مواجهة توابع الأزمة، وهذه الأدوار جعلت منظمة الصحة العالمية تطلب من الدول التأكيد على أهمية حشد جهود المجتمع المدني، والالتفات إلى توصيات منظمات هذا المجتمع، خاصة فيما يتعلق بتوفير الحماية اللازمة للمجموعات الأكثر عرضة لخطر الإصابة، كاؤلئك الذين تزيد أعمارهم عن 60 عام، والنساء الحوامل، والأشخاص الذين يعانون من حالات صحية مزمنة كمرضى السكر والقلب والرئة والأورام، ومواجهة ارتفاع معدلات العنف المنزلي، وتأتي في مقدمة المهام التي يقوم بها المجتمع المدني التوعية بمخاطر الفيروس ووسائل مواجهته وطرق الوقاية منه، هذا فضلاً عن الدور الاقتصادي والاجتماعي لمنظمات المجتمع المدني.

ومن المعلوم أن مملكة البحرين تحظى بخبرة واسعة في الدور المجتمعي الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني، ووراء هذه الخبرة تاريخ طويل يرجع إلى عام 1913 حين تأسس نادي «إقبال إوال» ثم النادي الهندي في 1915، والنادي الأدبي في 1920، والنادي البريطاني في 1935، وشهدت الخمسينيات من القرن الماضي ظهور أول جمعيتين نسائيتين (نادي السيدات في 1953 وجمعية نهضة فتاة البحرين في 1955، وفي بداية الألفية كان عدد الجمعيات الأهلية قد بلغ 105 جمعيات، ومع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك قفز هذا العدد إلى ما يزيد عن 640 جمعية في عام 2020، ضمن سياسة دعم التنمية المستدامة التي يشملها هذا المشروع، وتتنوع هذه الجمعيات بين خيرية واجتماعية وثقافية وتنموية، وشبابية ونسائية ومهنية وجمعيات جاليات أجنبية).

ولتحسين أداء هذه المنظمات فإنها تحظى بدعم مادي وفني من قبل المركز الوطني لدعم المنظمات الأهلية التابع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ويعمل هذا المركز أيضًا على توفير بيئة دافعة لأفراد المجتمع تحثهم على الانخراط في منظمات العمل الأهلي، وغرس المفاهيم الصحيحة للعمل التطوعي لدى جميع أفراد وفئات المجتمع، كما يساعد المنظمات الأهلية في تنمية قدراتها وإكسابها المهارات والخبرات اللازمة، وتمكينها على أن تكون شريكًا فاعلاً في تنمية المجتمع، وفي برنامج هذا المركز لتقديم الدعم المالي للمنظمات الأهلية أسست وزارة العمل والتنمية الاجتماعية صندوق العمل الاجتماعي الأهلي، انطلاقًا من مبدأ الشراكة الاجتماعية، ويعتمد الصندوق على مخاطبة الطرف الثالث في هذه الشراكة وهو القطاع الخاص لتمويل المشاريع التنموية للجمعيات الأهلية.

وفي بداية الجائحة في 28 فبراير 2020 التقى وزير الداخلية الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بنخبة من أبناء الوطن ضمت ممثلي منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ورؤساء تحرير الصحف في إطار الشراكة المجتمعية، للعمل المشترك بين الحكومة والمجتمع للتصدي لكل ما من شأنه تهديد السلامة العامة، وبما يسمح بالتعاون في نشر التوعية وتوحيد جهود عبور الازمات، حيث أكدت السيدة أحلام جناحي رئيسة جمعية سيدات الأعمال البحرينية أهمية هذا اللقاء، كونه مبادرة تعبر عن الحرص الحكومي على مشاركة المجتمع المدني في دعم جهود المملكة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، وتضمن اللقاء أهمية ودور المجتمع المدني في حملات التوعية، وإرسال المعلومات الصحيحة، واتباع الإرشادات، والإقبال على التسجيل في منصة التطوع التي دشنها وزير الداخلية، وكان هذا اللقاء تأكيدًا على اعتبار الشراكة المجتمعية التي تحتفل بها البحرين يوم 18 مارس من كل عام محورًا رئيسيًا في منظومة الأمن الشامل، حيث يجسد تكاتف الشعب البحريني من خلال الإقبال المكثف على التطوع في الحملة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، يذكر أن وزير الداخلية كان قد أطلق مبادرة الاحتفال بالشراكة المجتمعية في 2006 في إطار المشروع الإصلاحي لجلالة الملك كصورة من صور التلاحم الوطني.

وفي بادرة وطنية مرئية من خلال التواصل الإلكتروني أقامت جمعية البحرين للعمل التطوعي حوارًا مرئيًا في 25 إبريل 2020 مع قيادات مجلس الشباب العربي والإفريقي، حول جهود شباب المملكة والتطوع في مواجهة أزمة كورونا من خلال منصة التطوع الرسمية، وكافة المجالات التطوعية المتعددة، والمجتمع المدني بمنظماته، وأثمرت جهود هذه المنظمات عن وصول اعداد المتطوعين إلى أكثر من 30 ألف متطوع، هذا فضلاً عن نشاط هذه المنظمات في التوعية بالفيروس وطرق انتقاله والحد من انتشاره ومعرفة أعراضه، وانتجت لذلك مواد مقروءة ومسموعة ومرئية، كما قامت بالمساعدة في إيصال المواد الغذائية للمواطنين غير القادرين على الحصول عليها، ومساعدة الكوادر الطبية، وتهيئة مراكز العزل ورعاية المرضى والمصابين، وتعقيم الشوارع والمحلات.

وإذ تعد مواجهة جائحة كورونا أحد تجليات حماية حقوق الإنسان، فقد أعلنت وزارة الخارجية البحرينية المجتمع المدني البحريني شريكًا في إعداد خطة العمل الوطنية لحقوق الإنسان، في ورشة العمل الرابعة لهذه الخطة بعنوان «دور المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز وتطوير حقوق الإنسان» في أكتوبر 2020 بمشاركة أكثر من 173 ممثلاً لمنظمات المجتمع المدني في المملكة وممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والبرلمانيين والصحافيين والإعلاميين، حيث أكدوا أهمية دور المجتمع المدني في نشر الوعي بهذه الحقوق، ووضع خطة العمل الوطنية لحقوق الإنسان.

وكما كانت منظمات المجتمع المدني شريكًا في وضع وتنفيذ الاستراتيجية البحرينية لاحتواء أزمة كورونا وتداعياتها، فقد شكلت مرتكزًا رئيسيًا في تنفيذ الحملة الوطنية التي أطلقها المجلس الأعلى للمرأة «متكاتفين» لدعم المرأة والأسرة البحرينية لمواجهة فيروس كورونا، وتعزيز العمل بين فئات المجتمع بروح الفريق، ورصد الاحتياجات الطارئة للمرأة وأسرتها والعمل على تلبيتها، وصولاً لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي لجميع أفراد الأسرة، واستهدفت الحملة المرأة بجميع فئاتها، خاصة المطلقة والأرملة والمهجورة والمعيلة لنفسها وأقاربها والمتقاعدة والموظفات الحوامل والمرضعات، وأمهات من هم دون العاشرة، والمصابات بأمراض تنفسية ونقص المناعة والأمراض المزمنة، ومن ذوي الإعاقة، واللاتي يرعين ذوي الإعاقة من أبناء وأقارب وكبار سن، بالإضافة إلى الأسر من ذوي الدخل المحدود وصاحبات المشاريع الخاصة المتعثرة، وشملت مجالات الحملة الدعم الأسري والدعم الاقتصادي، فضلاً عن الترويج الإعلامي.

كما كانت منظمات المجتمع المدني البحريني أيضًا شريكًا أساسيًا في تنفيذ مبادرة «مجتمع واعي» حيث حرصت الحكومة البحرينية في هذا التطبيق على اتباع جميع إرشادات منظمة الصحة العالمية، وهذا التطبيق كما هو معلوم مخصص لأجهزة الهاتف، ويستخدم تقنيات السحابة، وتحديد الموقع، ومن ثم يمكنه تحديد الأشخاص المخالطين لحالة ظهرت عليها الأعراض، وتتبعهم بسرعة وكفاءة، ويمثل الالتزام بهذا التطبيق واحدًا من أهم عناصر احتواء انتشار الفيروس.

ولتدعيم الجهود الوطنية للتصدي لجائحة كورونا وتداعياتها دشنت المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية حملة تحت عنوان (فينا الخير)، ومنظمات المجتمع المدني قامت بالترويج والإسهام في تنفيذ هذه الحملة، ما أمكن من جمع نحو 100 مليون دولار خلال أسبوعين فقط من إطلاقها في أواخر ابريل 2020، وفي إطار هذه الحملة قامت منظمات المجتمع المدني بتوزيع وجبات إفطار الصائمين في رمضان، ووزعت في منطقة العاصمة نحو 400 ألف وجبة، وعززت هذه الحملة دور مؤسسات المجتمع المدني في جمع المساعدات المالية والعينية أو إيصال المساعدات لمستحقيها، وقامت كثير من الجمعيات بتوفير كوبونات وسلال رمضان داخل السوبر ماركت، أو عن طريق تخصيص بطاقة للأسر المتعففة، أو تقديم المساعدات لهم في منازلهم. برز في هذا المجال على وجه الخصوص جمعية الإصلاح، وجمعية شهركان الخيرية الاجتماعية، وجمعية التربية الإسلامية، كما لعبت الجمعيات النسائية، كجمعية رعاية الطفل والأمومة وجمعية سيدات الأعمال دورًا بارزًا في دعم عمل المرأة من المنزل وتسويق منتجاتها.

وكانت جمعية الهلال الأحمر البحرينية في طليعة منظمات المجتمع المدني البحريني في مواجهة كورونا، فقد خصصت 15 عنصرًا من كوادرها بدوام كامل في الصفوف الأمامية لمواجهة جائحة كورونا في مطار البحرين الدولي في إطار مساهمة الجمعية في دعم الجهود الوطنية، وكانت الجمعية في مقدمة الجهات الوطنية المعززة للدعم المادي والتطوعي، إضافة إلى استمرار أنشطتها الإنسانية، وحملاتها التوعوية، وتنمية قدرات المتطوعين، ومساندة الكوادر الطبية والقيام بالزيارات المنزلية، وزيارة مركز الحجر الصحي في الحد، وقامت بتدريب أكثر من 900 متطوع البحريني على التعامل مع الجائحة، كما قامت بتوصيل المساعدات العينية لأكثر من 4500 أسرة من خلال فرق صغيرة، وفق جدول الأسر المتعففة المسجلة في قوائم الجمعية، وغطى التوزيع 73 منطقة في أنحاء البحرين.

وإذ تتعدد إسهامات المجتمع المدني البحريني، كل جمعية ومؤسسة حسب إمكاناتها وقدراتها، فإنها أكدت أن مملكة البحرين قد قدمت من خلال مواجهة جائحة كورونا نموذجًا للتلاحم المجتمعي حكومة وشعبًا، جعلها تعمل بروح الفريق، وأمكنها تحقيق نجاحات في احتواء الجائحة واحتواء تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وإذا كان شمول التطعيم يضع البلاد على طريق الانفراج من الأزمة وتداعياتها، فإنه بمشاركة جهود منظمات المجتمع المدني تجاوز مجموع المتلقين للجرعة الأولى حتى 3 ابريل نصف مليون شخص، والجرعة الثانية ربع مليون، مع استمرار منظمات المجتمع المدني في الحث على الإقبال على التطعيم مع ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية لخفض معدلات الإصابة. 

{ انتهى  }
bottom of page