3/4/2021
"مؤشر السعادة العالمي 2021" في تقرير الأمم المتحدة
في عام 2020م واجه العالم ربما أكبر تحد جماعي له منذ الحرب العالمية الثانية، هو جائحة فيروس كورونا، التي تسببت في أحسن الأحوال بالنسبة إلى الكثيرين في التمسك باتباع قواعد التباعد الاجتماعي والعزل، وفي أسوأ الأحوال أدت إلى وفاة مئات الآلاف وملايين الإصابات. لذلك، ليس من المستغرب أن يظهر تأثير الجائحة بشكل كبير في تقرير مؤشر السعادة العالمي لعام 2021.
صدر تقرير السعادة لعام 2021 عن شبكة «حلول التنمية المستدامة» التابعة للأمم المتحدة، ويعمل المؤشر على تصنيف 149 دولة حول العالم بناء على عوامل؛ أهمها إجمالي الناتج المحلي للفرد، والحياة الصحية المتوقعة، بالإضافة إلى آراء سكان الدول، وشارك فيه مجموعة من الخبراء المستقلين، من بينهم الاقتصادي الكندي «جون إف هيليويل»، والعضو البريطاني في مجلس اللوردات «ريتشارد لايارد»، والأستاذ في جامعة أكسفورد «جان إيمانويل دي نيفي»، وتم نشره بالتزامن مع احتفال الأمم المتحدة باليوم الدولي للسعادة، الذي يصادف 20 مارس من كل عام، تأكيدا لأهمية السعادة في حياة الشعوب.
وفي نسخته السنوية التاسعة يصنف المؤشر دول العالم على أساس السعادة الذاتية لمواطنيها، حيث يعتبر الهدف هو «قياس واستخدام الرفاهية الذاتية لتتبع وتوضيح نوعية الحياة في جميع أنحاء العالم»، من خلال الاستطلاع العالمي الذي أجرته مؤسسة «جالوب» الأمريكية باعتباره الأداة الرئيسية التي يعتمد عليها لتحقيق ذلك. وتتضمن منهجيته في الوقت نفسه حساب الآثار الإيجابية والسلبية على سبل العيش، بالإضافة إلى حساب «التركيبة السكانية الوطنية والهياكل الاجتماعية والسياسية» لفهم عواقب جائحة كوفيد-19. ومثلما حدث في السنوات السابقة، احتلت الدول الأوروبية المراكز الأولى في القائمة، في حين جاءت دول مجلس التعاون الخليجي في المراكز فوق المتوسطة.
وفي جدوله الخاص بتصنيفات الدول بناءً على تقييمات متوسط العمر -وهي فئة أخذت في الاعتبار قضايا مثل المشاكل الصحية، وإقامة الصداقات، والحريات، وتفشي الفساد، والوضع الوظيفي، ومستويات التعليم، والثقة المؤسسية- احتلت البحرين المرتبة الـ35 من بين 149 دولة، بحصولها على 6.173 درجات من 10. ويمثل ذلك تراجعا عن ترتيبها عن الفترة ما بين 2017 و2019، حيث كانت في المركز الـ22 عالميا بدرجة 6.657. كما تراجعت الإمارات العربية المتحدة أيضًا من المركز التاسع عشر عالميًا بين عامي 2017 و2019، بحصولها على 6.791 درجات، إلى المركز الـ27 عالميًا في عام 2020، بإجمالي 6.458 درجات. ومع ذلك صعدت المملكة العربية السعودية لتصبح الدولة الأعلى تصنيفًا في منطقة الخليج وفقًا لتقرير السعادة، حيث احتلت المرتبة الـ21 عالميًا في عام 2020، بدرجة 6.560 من 10، وهو ما يعني صعودها خمس مراتب من المرتبة الـ26 التي احتلتها بين عامي 2017 و2019، مع حصولها على مجموع نقاط 6.406. فيما لم يرد ذكر جدول الترتيب بالنسبة إلى قطر أو الكويت أو سلطنة عُمان.
وكانت إسرائيل هي الدولة الأعلى تصنيفًا في الشرق الأوسط، حيث احتلت المرتبة الـ11 عالميًا بنتيجة 7.195 من 10. وعلى الجانب الآخر جاء الأردن في المرتبة الـ93 بدرجة 4.094، ومصر في المرتبة الـ87 بدرجة 4.472. بينما جاءت البلدان الثمانية الأولى في تصنيف تقرير السعادة العالمي كلها من أوروبا، وتصدرتها فنلندا، وأيسلندا، والدنمارك، وسويسرا، وهولندا والسويد وألمانيا والنرويج على التوالي. وفي الوقت نفسه، احتلت كل من الولايات المتحدة المرتبة الـ14 برصيد 7.028 درجات، والمملكة المتحدة المرتبة الـ18 برصيد 6.798 درجات، والصين المرتبة الـ51 بنتيجة 5.788 درجات، وروسيا المرتبة الـ60 بدرجة 5.495.
وبالنسبة إلى جدول الترتيب الثاني لتقرير السعادة، الذي يمثل السعادة الوطنية بين عامي 2018 و2020؛ فقد صعدت البحرين لتكون الدولة الأعلى تصنيفًا في منطقة الخليج، بمجموع 6.647 درجات، وترتيب عالمي 22، مع الولايات المتحدة، في حين احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الـ25 بنتيجة 6.561 درجات متقدّمة بمركز واحد على السعودية التي حصلت على 6.494 درجات. وجاءت الكويت في المرتبة الـ47 بنتيجة 6.106 درجات، فيما لم تتوافر بيانات خاصة عن قطر أو عمان.
وبالنظر إلى الطبيعة النسبية لمفاهيم السعادة والرفاهية فقد أوضح واضعو التقرير أنهم استعانوا بثلاثة مؤشرات رئيسية لتحقيق الإحصاءات في هذا المجال. كان أولها «تقييم الحياة»، حيث طلب القائمون على استطلاعات الرأي من المشاركين ترتيب نوعية حياتهم على مقياس من 0 إلى 10. وكان المؤشر الثاني هو «المشاعر الإيجابية»، حيث سُئل المستجيبون عن عدد المرات التي يبتسمون فيها ويختبرون المتعة، مع استخدام الأرقام كمقياس لهذا. وبالمثل، استخدم المؤشر الثالث «المشاعر السلبية» نفس النموذج، مع سؤال المستجيبين عما إذا كانوا قد مروا مؤخرًا بمشاعر سلبية معينة.
وعلى الرغم من ذلك كانت هناك «تحديات كبيرة» في الحصول على بيانات عام 2020؛ بسبب جائحة كوفيد-19، حيث اعتمد تقرير السعادة العالمي إلى حد كبير على البيانات التي تم جمعها بواسطة «استطلاع المخاطر العالمي»، واستطلاع مؤسسة «جالوب»، وشركة «يوجوف» لبحوث الأسواق، و«إمبريال كولدج» لندن، حيث أشار معدوه إلى أن استطلاع «جالوب» «لم يكن قادرًا على إجراء المقابلات وجهًا لوجه والتي تم استخدامها سابقًا لأكثر من ثلاثة أرباع البلدان التي شملها الاستطلاع»، ونتيجة لذلك فإن حجم عينة البيانات الذي كان متاحًا لتقرير السعادة لعام 2021 هو فقط ثلثا حجم ما كان يمكن أن يكون عليه.
وبصرف النظر عن إصدار لائحة للدول على أساس إسعاد مواطنيها كرس التقرير أيضًا اهتمامًا كبيرًا لكيفية تعامل البلدان والمناطق المختلفة مع جائحة كوفيد-19 بنجاح أكثر من غيرها، وما ترتب من آثار على مستويات السعادة، مع استخدام منطقة شرق آسيا كمثال على ذلك في كل من الجوانب الإيجابية والسلبية. وبالمثل تناول أيضًا قضية الصحة النفسية الناتجة عن الجائحة، وكيف أثر ذلك سلبا على السعادة، ولا سيما بسبب قضايا «الوحدة والقلق والحزن». وعلى الرغم من النظرة القاتمة التي طغت إلى حد كبير على غالبية التقرير، فإنه قدم أيضًا المزيد من الأخبار الإيجابية، ولا سيما في كيف أن الأرقام لم تشهد التراجع الكبير الذي كان يمكن توقعه في ضوء أحداث العام الماضي. وذكر أيضًا أنه من «الواضح أنه منذ 2006 حتى 2008 حدث انخفاض كبير في عدم المساواة في الرعاية الاجتماعية بين البلدان، حيث أصبح متوسط العمر المتوقع أكثر مساواة».
وانعكس هذا الموقف في التعليقات على نتائج التقرير، حيث أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى «صورة مفاجئة للمرونة العالمية في التعامل مع الأحداث الجارية». وأضافت «سونيا ليوبومريسكي» أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا أنه «لدينا أكبر التغييرات في السلوك الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى في حياتنا، والتي نشهدها خلال هذه الجائحة، ولذا كنت أتوقع انخفاضات أكبر بكثير في مستوى الرفاهية، ولكن نحن لا نرى ذلك». وبالمثل، أوضحت مجلة «ذي إيكونوميست» أنه «من اللافت للنظر أن البلدان التي كانت في صدارة ترتيب مؤشر السعادة قبل الجائحة مازالت تحتفظ بمراكزها على الرغم من تباين نجاحهم في مكافحة الفيروس».
على العموم، فإنه على الرغم من أن جائحة كورونا حالت دون إتمام استطلاعات مؤشر السعادة العالمي 2021 على أوسع نطاق ممكن، فانحصرت هذا العام على 95 دولة فقط، فـإنه لم يحدث تغير كبير في ترتيب الدول عما قبل الجائحة، حيث مازال العديد منها يحتفظ بمراكزه. وفي حين أن دول الخليج ربما شهدت انخفاضًا طفيفًا في نتائجها عن السنوات السابقة، إلا أن ذلك يشير في المجمل إلى صمودها، كما أن وجود الأمل في التحسن بالمستقبل يعد بمثابة الدرس الرئيسي من نتائج هذا التقرير.