top of page
28/1/2021

اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن

مع انتهاء الرئاسة المضطربة لدونالد ترامب ووصول الإدارة الديمقراطية لجو بايدن لتأخذ مكانها في البيت الأبيض، من المقرر أن تشهد السياسة الخارجية الأمريكية تحولًا في الأولويات ووجهات النظر منها تغيير سياسة ترامب «أمريكا أولاً» لصالح سياسة أكثر مرونة تتمثل في إعادة تأكيد العلاقات مع الحلفاء وتجديد الأساليب الدبلوماسية لحل الأزمات الدولية. ومع ذلك، ستظل التحديات والمواقف المشتركة قائمة، وعلى الأخص فيما يتعلق بالمنافسة مع الصين وإدانة الهجمات الإلكترونية الروسية.

 

لفهم ودراسة مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، استضاف المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، ومقره لندن، مناقشة، عبر الانترنت، يوم 19 يناير 2021 ضمت محللين وأكاديميين وخبراء. وهم الدكتورة ليزلي فينجاموري، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، والدكتور بيتر تروبويتز من كلية لندن للاقتصاد، والدكتورة كيلي جرينهيل من جامعة هارفارد. ومعهم جوزيف ستيرنبرغ من صحيفة وول ستريت جورنال، وباتريك ستيل، رئيس تحرير مجلة بوليتيكو. أدار المناقشة الدكتور جوناثان مونتين، أستاذ مشارك في العلوم السياسية بكلية لندن الجامعية.

 

بدأ مونتين النقاش بسؤال المشاركين حول ما يجب توقعه بشأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في السنوات الأربع القادمة. أجابت على السؤال الدكتورة ليزلي فينجاموري. بعرض صورة للنقاش حول ما إذا كان ترامب من مظاهر التغيير في السياسة الخارجية الأمريكية أم سببًا له؛ واستدلت بالقول بأن «الإجابة هي كلاهما»، حيث سيستمر الموقف الدولي للولايات المتحدة في التغيير حتى عندما يكون ترامب خارج المنصب. وأضافت: إنه «لا عودة إلى الوضع الدولي السابق»، وإن المشكلات المحلية «الخطيرة» ستقيّد تطلعات بايدن بشأن السياسة الخارجية. لهذا السبب، ادعت فينجاموري أنه لن يكون هناك «إعادة ضبط فورية» لمواقف الولايات المتحدة على الصعيد الدولي مثلما يتوقع العديد من الخبراء والمعلقين.

 

وتابعت فينجاموري بالقول إن المعلقين قللوا من أهمية الاختلافات بين باراك أوباما وجو بايدن في سياساتهما وأجندتهما، مشيرة إلى أنهما «رئيسان مختلفان للغاية ولهما أولويات مختلفة». وتابعت: «إن فترة ترامب غير العادية، التي تعد «استثناء وليس القاعدة»، عملت على تقريب المقارنات بين أوباما وبايدن أكثر مما كانت ستصل إليه من خلال مقارنة مباشرة للسياسة والأفكار».

 

فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المستقبلية للولايات المتحدة في ظل وجود بايدن، أوضحت فينجاموري أن «عودة التركيز على القيم»، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، يجب أن «يوضع ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وأن يتم دفعه نحو العودة إلى قمة جدول الأعمال»، كما كان الحال قبل أن يؤدي ترامب اليمين الدستورية في عام 2017. وأضافت: إن الصين ستكون «منافسًا مهمًا للغاية» للولايات المتحدة على المستوى الجيوسياسي وعلى مستوى القيم، حيث أصبحت حكومة بكين تمثل نموذجًا منافسًا «قويًا» لنموذج واشنطن للديمقراطية والحرية.

 

ثم بدأ المتحدث الثاني وهو الدكتور «بيتر تروبويتز»، تعليقاته بالتأكيد على «الأوقات العصيبة التي تمر بها الولايات المتحدة»، لإظهار مدى «صعوبة التحديات السياسية» التي يواجهها بايدن خلال سنته الأولى في المنصب. وأشار أيضًا إلى أن الولايات المتحدة، وبقية دول العالم، «تعلّق الكثير من الآمال على كيفية أداء بايدن».

 

سلط تروبويتز بعد ذلك الضوء على مدى تركيز بايدن «الشديد» على ما أسماه «الجبهة الداخلية»، حيث تحتاج أمريكا إلى فترة طويلة للتعافي بعد سنوات ترامب الأربع من «التوتر». ولذلك، قال تروبويتز إنه ستكون هناك «قيود صارمة للغاية» على رأس المال السياسي المتاح لبايدن لمسائل السياسة الخارجية، وبالتالي، يجب أن يحدد وفريق السياسة الخارجية أولوياتهما.

 

ومع ذلك، سعى تروبويتز أيضًا إلى تحديد الخطوط العريضة لما يرى أنه سيكون المبادئ الثلاثة الرئيسية لسياسة بايدن الخارجية. وكان أولها «إعادة ترتيب أولويات حلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا وآسيا» كطريقة واضحة لا لبس فيها «لإثبات أن واشنطن» تطوي صفحة عهد ترامب. ثانيًا، ادعى تروبويتز أن إدارة بايدن ستحاول صرف الانتباه عن سياسات «أمريكا ترامب» وبدلاً من ذلك تسليط الضوء الدولي على الحكومة الصينية. وأوضح أن ترامب «لعب دور قوة الصين» من خلال تنفير الحلفاء والعمل بمفرده ضد بكين، وأن نهجًا جديدًا بشأن التجارة وحقوق الإنسان في ظل الديمقراطيين سيصاحب «التخلي» عن أحادية ترامب.

 

وثالثًا، أضاف تروبويتز أنه من موقعه كرئيس للولايات المتحدة، سيعمل بايدن «بجهد أكبر بكثير من ترامب»، وحتى أوباما، على جعل السياسة الخارجية لبلاده تعمل في صالح الأمريكيين العاديين. ووصف هذه المعضلة على وجه الخصوص بأنها «التحدي الأكبر الذي يواجهه»، موضحًا أن إيمان الأمريكيين بالتعددية قد فقد في السنوات الأخيرة، وأنه سيتعين على بايدن استعادة ذلك من خلال التأكيد بأن السياسة الخارجية الأمريكية «تؤتي ثمارها» للمواطنين الأمريكيين العاديين. وكجزء من هذا، ستمثل البنية التحتية للاستثمار والتعليم «دفعة سياسية هائلة»، مما سيمكن الولايات المتحدة من التعافي اقتصاديًا من جائحة كورونا والحفاظ أيضًا على الوظائف الأمريكية في البلاد. وخلص تروبويتز إلى أنه إذا تم إجراؤها «بذكاء»، يُمكن لهذه العملية أيضًا أن تخفف إلى حد كبير من الضغوط السياسية المناهضة للعولمة والتي كانت حافزًا لانتخاب شعبوي مثل ترامب في عام 2016.

 

وكانت المتحدثة الثالثة كيلي جرينهيل في البداية أيدت ما قاله سابقًا فينجاموري وتروبويتز، شجبت جرينهيل «الأداء السيئ لإدارة ترامب» في ملف السياسة الخارجية، وأضافت: إن التحديات التي ستواجه بايدن في هذا المجال «قد تكون أكبر مما تم تحديده سابقًا».

 

وفيما يتعلق بالسياسة، زعمت جرينهيل أن إدارة بايدن سترغب في «إنقاذ» الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من جهود إدارة ترامب في الأسابيع الأخيرة في منصبه، التصعيد مع طهران. ومن بين القضايا الأخرى التي سلطت جرينهيل الضوء عليها بشكل أكبر كان الهجوم الإلكتروني الأخير على حكومة الولايات المتحدة والذي يُعتقد أن وراءه روسيا. وقالت إن هذا قد يعيق خطط بايدن لتنفيذ اتفاقيات جديدة للحد من التسلح مع الحكومة الروسية. وخلصت جرينهيل إلى أنه من المهم أيضًا أن ترسل إدارة بايدن «إشارات إلى العالم» بأن انتخابه لم يكن «مفاجئا» وأن رئيسًا شعبويا آخر في قالب ترامب (يشار إليه باسم «ترامب 2») لن يكون أمرًا وارادا في انتخابات عام 2024.

 

وكان المتحدث قبل الأخير جوزيف ستيرنبرغ من صحيفة وول ستريت جورنال. وحرص في حديثه على التعامل مع مسألة كيفية صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد بايدن، بحجة أن امتلاك وسائل قوية لتطوير السياسة الخارجية والاستراتيجية الدولية واجهت صعوبات من إدارتي أوباما وترامب، نظرًا إلى أن النظام السياسي الأمريكي لديه طريقة فريدة إلى حد ما في ممارسة تأثير داخلي كبير للغاية فيما يخص الشؤون الخارجية. وأضاف أن ترامب في هذا الصدد كان أكثر تمثيلا للإجماع الموجود بالفعل في الولايات المتحدة بشأن مختلف قضايا السياسة الخارجية؛ مثل زيادة المعارضة للصين ورفض البقاء في الاتفاق النووي مع طهران.

 

ومع وضع هذا في الاعتبار، ادعى ستيرنبرغ أن التحدي الرئيسي لإدارة بايدن في السياسة الخارجية سيكون أنها لن ترغب في استهلاك رصيد سياسي مهم في محاولة لتغيير وجهة نظر الإجماع السياسي الأمريكي في قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، مثل صفقة إيران النووية. ولهذا السبب، زعم ستيرنبرغ أنه على الرغم من أن لهجة الخطاب من البيت الأبيض ستتغير بشكل كبير في عهد بايدن، فإن جوهر عمل السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد لا يطرأ عليه الكثير من التغيير. وبالتالي، هناك خطر على شعوب العالم من أن تُمنى بخيبة أمل من التقدم المحدود الذي سيحرزه بايدن في قضايا السياسة الخارجية.

 

وكان آخر المتحدثين من المحللين هو باتريك ستيل من مجلة بوليتيكو الأمريكية. وافتتح ستيل حديثه بملاحظة كيف فاز بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 من خلال تشكيل «تحالف» من الليبراليين لهزيمة مرشح آخر ينتمي إلى التيار المحافظ الأمريكي، مضيفًا أن «بايدن الذي ينتمي إلى تيار الوسط داخل الحزب الديمقراطي» استطاع إفساح المجال لإدارة ديمقراطية جديدة في البيت الأبيض. وأعرب عن المشاعر نفسها التي أبداها المتحدثون الآخرون؛ حيث أكد مجددًا أن فريق بايدن للسياسة الخارجية سيكون «ملتزمًا بشدة» باحترام مؤسسات الولايات المتحدة، فضلاً عن التزامه بالتمسك بالتحالف عبر الأطلسي بين كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وأن الإدارة الأمريكية الجديدة قادرة على «إصلاح» العلاقات المضطربة مع العديد من الحلفاء الرئيسيين لواشنطن.

 

علاوة على ذلك، أشاد ستيل بفريق السياسة الخارجية القادم لبايدن، مشيرًا إلى أنه من الصعب العثور على فريق «أكثر خبرة وحنكة» من الشخصيات البارزة التي تم تعيينها أمثال «أنتوني بلينكين» و«جيك سوليفان» و«ويليام بيرنز» و«جون كيري». وأضاف ستيل أن بايدن، على الرغم من تقدمه في العمر بالنسبة لتولي منصب الرئاسة، فإنه «مؤهل بشكل فريد» لأداء هذا الدور نظرًا إلى شخصيته وخبرته وحكمته السياسية، وأن احتمالات وجود مزيد من الإيجابية والفعالية للدور الأمريكي مع تولي بايدن مهام الرئاسة باتت «مرتفعة للغاية» وذلك على عكس ترامب. وهكذا خلص ستيل إلى أن جو بايدن لديه «فرصة جيدة» للنجاح وإثبات كفاءته كرئيس46 للولايات المتحدة.

 

كان هناك سؤال من الجمهور يتعلق بمدى التهديد الذي يشكله ترامب على بايدن مع مغادرته منصبه. وفي هذا الصدد، علق ستيرنبرغ بأن «الكارثة الحقيقية» التي لحقت بترامب في الأسابيع الأخيرة «قضت عليه تمامًا كقوة سياسية»، نظرًا لأنه فقد مصداقيته عند زملائه وعند السياسيين وحظره من مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت سلاحًا بيديه لنشر رسائله المثيرة للانقسام.

 

وأضاف تروبويتز: إن «القضية الأهم» تتعلق بكيفية محاولة الحزب الجمهوري «إعادة تشكيل مواقفه» بعد الإرث الذي خلفه ترامب. ورغم هذا الإرث، فقد حذر تروبويتز أيضًا من أن الرئيس السابق لديه قاعدة من المؤيدين «لا يستهان بها».

 

وقدم المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس» من خلال هذه الحلقة النقاشية نظرة تفصيلية لوجهات نظر المحللين الغربيين البارزين لمستقبل السياسة الخارجية الأمريكية والاستراتيجية التي ستتبعها إدارة بايدن في مسائل مثل التعاون الدولي ومواجهة الصين. ومع ذلك، أوضحت المناقشة كيف سيكون التركيز الأساسي لإدارة بايدن على القضايا المحلية التي تهيمن حاليًا على اهتمام واشنطن، مثل جائحة الفيروس التاجي والاقتصاد والعنصرية وعدم المساواة العرقية، وبالتالي سوف ينخفض الاهتمام بالشؤون الخارجية نسبيًا.

{ انتهى  }
bottom of page