top of page
26/1/2021

لماذا يسارع «بايدن» إلى إلغاء أبرز قرارات «ترامب»؟

لم يهدر «جو بايدن»، منذ توليه منصب رئيس الولايات المتحدة الكثير من الوقت قبل أن يقوم بإصدار العديد من الأوامر التنفيذية الرئيسية كمؤشر على المسار السياسي المنشود للإدارة الجديدة، وتغيير العديد من السياسات المثيرة للجدل للإدارة السابقة، والتي كان من ضمنها إعادة الانضمام إلى الاتفاقيات والمؤسسات الدولية التي تم الانسحاب منها، علاوة على العديد من القرارات التي تناهض مشروع ترامب الشعبوي. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات كانت متوقعة فإن عدد الأوامر التنفيذية التي أصدرها في اليوم الأول فقط فيما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية تعد مؤشرا واضحا على أنه سيكون هناك نهج مناقض تماما لما قام به سلفه.

 

ويعد توقيع 17 أمرًا وإعلانا تنفيذيًا من قبل «بايدن» في نفس يوم تنصيبه يفوق بكثير عدد الإجراءات المماثلة من قبل أي رئيس حديث آخر. وعلى سبيل المقارنة، أصدر «ترامب» ثمانية أوامر تنفيذية، و«باراك أوباما» تسعة أوامر في أول أسبوعين من رئاستهما، في حين أصدر «جورج دبليو بوش» أمرين فقط خلال أول أسبوعين من رئاسته.

 

وبعيدًا عن تصوير الرئيس الأمريكي بأنه يتبنى «إصلاحا جذريًا». تشير هذه الإحصائيات إلى إظهار رغبة الإدارة الجديدة في الدفع نحو التغيير الشامل عن سابقاتها ومعالجة الأزمات المحلية المُلحة. وإدراكًا لذلك، كتب «ميشيل شير»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن بايدن «شن هجومًا واسع النطاق على إرث ترامب بمجرد توليه منصبه، حيث يتحرك على نحو عاجل لم يقم به أي رئيس حديث آخر».

 

وعلى الصعيد المحلي، اتخذ إجراءات فورية ضد جائحة كورونا، وأعاد مجموعة الأمن الصحي العالمي والدفاع البيولوجي التي حلّها ترامب سابقًا، وأصدر أيضًا تفويضًا وطنيًا بشأن ارتداء أقنعة الوجه في المباني التابعة للحكومة الفيدرالية، كما سيتم التوقيع على عشرة أوامر تنفيذية أخرى تخص التعامل مع الجائحة في المستقبل، ولا سيما فيما يتعلق بتمويل الدول للتصدي للجائحة، وكذلك إطلاق برنامج تطعيم شامل، فيما أقر تدابير لبرنامج الهجرة المؤجل للقادمين في مرحلة الطفولة، والذي يحمي الأطفال من الترحيل.

 

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وقع أمرًا تنفيذيًا لإلغاء «حظر دخول مواطني عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة إلى أمريكا، والذي فرضه ترامب على دول مثل نيجيريا، والسودان، وإريتريا. وتشير الوثيقة التي وقعها إلى أن هذا التصرف «عرّض للخطر شبكتنا العالمية من التحالفات والشراكات»، كما أنه يعد «آفة أخلاقية أضعفت قوة نموذجنا في جميع أنحاء العالم»، فضلا عن وقف بناء الجدار الفاصل بين حدود أمريكا والمكسيك، والذي وصفه بأنه «ليس حلاً سياسيًا جادًا ويستهلك الكثير من المال».

 

يضاف إلى أهمية ذلك، إلغاؤه مغادرة منظمة الصحة العالمية. وكشف وزير الخارجية الأمريكي الجديد «أنتوني بلينكين» أن الولايات المتحدة ستشارك الآن في الجهد الدولي لتوزيع اللقاحات عبر منصة كوفاكس. وفي هذ الصدد، قال «جيه ستيفن موريسون»، مدير مركز سياسة الصحة العالمية في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إن «هناك مشاعر مختلطة، ففي الوقت الذي سترحب منظمة الصحة العالمية بخطوة إدارة بايدن إلا أنه ستبقى هناك حاجة لتسوية العديد من الخلافات».

 

وعلى هذا النحو، أمر أيضا بإعادة الانضمام إلى اتفاقية «باريس للمناخ» بعد فترة ثلاثين يومًا. وفي هذا الصدد قال «أوليفر ميلمان» في صحيفة «الجارديان»، إن «العودة إلى اتفاق باريس ينهي فترة أصبحت فيها الولايات المتحدة شبه منبوذة على المسرح الدولي مع رفض ترامب معالجة الكارثة الناشئة عن ارتفاع درجات الحرارة العالمية». وبالفعل، كان من بين القادة الدوليين الذين رحبوا بهذا القرار الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» الذي علق قائلا: «في ظل وجودنا معًا، سنكون أقوى لمواجهة تحديات عصرنا، وأقوياء لبناء مستقبلنا، وأقوى لحماية كوكبنا، أهلا بكم مجددا في اتفاق باريس».

 

وجاءت إجراءات «بايدن» التنفيذية، عقب حفل التنصيب الذي كان مختلفًا تمامًا عما كان متوقعًا في ظل الظروف العادية. وبدا مركز التسوق الوطني في واشنطن -الذي كان ممتلئًا عادةً بآلاف المؤيدين- فارغًا، وامتلأت العاصمة الأمريكية نفسها بالجنود وسط مخاوف متزايدة من اشتباكات أكثر عنفًا مع المتظاهرين المؤيدين لترامب.

 

وعلى الرغم من ذلك، لم يعكر صفو حفل التنصيب مثل هذه الأحداث. وبدلاً من ذلك، كان الرئيس الأمريكي الجديد قادرًا على تقديم رسالة قوية عن «أهمية الوحدة الأمريكية، وبقاء الديمقراطية خلال فترة الفتنة والمحنة». وكتب «ديفيد سانجر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «في النهاية انتصر حفل التنصيب على الانتفاضة، وكان أول خطاب رئاسي له «دعوة لاستعادة الخلاف الطبيعي للديمقراطية، مع التذكير بأنه ليست السياسة هي أن تكون نارا مستعرة تأتي على الأخضر واليابس».

 

ودعما لهذه الخطوات، سعى الرئيس الجديد أيضًا إلى نقل ما اسماه «ويليام جالستون»، من معهد «بروكينجز»: بـ«استحضار الحقيقة كأساس للوحدة»، حيث أشار في خطابه إلى تصرفات ترامب في الحكومة بالقول: «هناك حقيقة وهناك أكاذيب؛ أكاذيب تُقال من أجل السلطة ومن أجل الربح». لكن بدا الأمر في مجمله شأنًا سياسيًا تم فيه وقف إرث ترامب لصالح السعي وراء الانفصال التام عن أخطاء الحقبة الماضية. وعلق «جيمس ليندسي» من «مجلس العلاقات الخارجية»، على أن بايدن «قاوم بحكمة إغراء البدء في إدراج مسودات مشاريع القوانين، والمبادرات السياسية، والأوامر التنفيذية التي ستتبعها إدارته في خطاب تنصيبه، وبدلاً من ذلك أصر على أن التحدي الأكبر هو استعادة سحر ديمقراطيتنا».

 

ومع ذلك، أشار «شير» في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن تصرفات بايدن مرة واحدة في المكتب البيضاوي لا تتوافق تمامًا مع رسالة الوحدة هذه، حيث إن «قراراته الأولى في منصبه لم تكن تهدف إلى التسوية والتعاون مع خصومه، ولكن بدلاً من ذلك أقدم على إلغاء الكثير وبسرعة مما اتخذه ترامب من قرارات تنفيذية».

 

وفي لمحة أخرى مختلفة عن الفترة السابقة، يمكن الجزم بأن البيت الأبيض في عهد بايدن يمثل بالفعل تناقضًا صارخًا عن سلفه من حيث كل من اللهجة الخطابية والسلوكيات العدائية، حيث لن توجد أي من إشارات الفوضى والارتباك التي سادت في عهد ترامب. وأوضح «بايدن»، لموظفي إداراته أن «أي شخص يتبين أنه لا يحترم زملاءه وشركاءه في العمل يمكن طرده فورًا»، وذلك في محاولة منه لاستعادة عنصري «التواضع والثقة» للحكومة الأمريكية. فضلا عن ذلك، فقد تحسنت علاقة الإدارة الجديدة مع وسائل الإعلام الأمريكية بشكل ملحوظ مقارنة بسابقتها، حيث لا تحمل السكرتيرة الصحفية الجديدة للبيت الأبيض والمتحدثة باسمه «جين ساكي»، أي ملامح تشابه في اللهجة أو المواجهة مع أسلافها الجمهوريين. وفي الواقع، امتدحتها قناة «فوكس نيوز» الإخبارية واصفةً إياها بـ«نسمة من الهواء النقي»، و«هادئة بشكل منعش».

 

وعلى النقيض من نجاح يوم تنصيب بايدن وكافة التدابير الأمنية المتعلقة به؛ فقد انسحب «ترامب» من البيت الأبيض ولا يصاحبه سوى القليل من المؤيدين نسبيًا، رافضا حضور حفل التنصيب، وبدلاً من ذلك، حاول تنظيم حفل وداع رئاسي صاخب، لكن انتهى هذا الحدث بالفشل ليكون مجرد آخر مشهد هزلي له في فترة رئاسته المنتهية، حيث تجاهل كبار القادة الجمهوريين دعواته، مثلما فعل نائبه، «مايك بنس»، وبدلاً من ذلك، فضلوا حضور حفل تنصيب بايدن.

 

وردًا على ذلك، علق «بريان بينيت»، في مجلة «تايم» قائلاً: «حتى لو كان حفل الوداع على نطاق ضيق، فإن المشهد يعكس ولع ترامب بزخرف الاستبداد والتمسك بالسلطة»، بينما وصف «ديميتري سيفاستوبولو»، في صحيفة «فايننشال تايمز»، حفل الوداع بأنه «نهاية مزعجة»، وأضافت صحيفة «الجارديان»، أنه «ظل ضئيلاً حتى آخر لحظة في رئاسته، مفضلاً الهروب والعودة إلى منتجعه في فلوريدا، بدلاً من مواجهة واقع هزيمته». وبالتالي خرج «ترامب» من المشهد السياسي في واشنطن كشخصية مأساوية يائسة، ولم يقدم سوى وعود غامضة بالعودة في وقت ما خلال الانتخابات الرئاسية المستقبلية لإثارة حفيظة الحشود الصغيرة المتجمعة لرؤية خروجه من البيت الأبيض.

 

وفي الواقع، لم يتبع «ترامب» أيا من التقاليد الراسخة في يوم تنصيب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه اختار إصدار عدد كبير من قرارات العفو الرئاسي قبيل مغادرته للبيت الأبيض؛ كان أبرزها لمستشاره السابق، «ستيف بانون»، المتهم بالاحتيال على متبرعين، ومستثمرين مؤيدين لترامب في حملة لجمع التبرعات عبر الإنترنت لبناء جدار على الحدود مع المكسيك. وإجمالاً، أصدر «74» عفوًا رئاسيًا في نهاية رئاسته، بما في ذلك صديق شخصي لـ«جاريد كوشنر»، وعمدة ديترويت السابق، «كوامي كيلباتريك»، المتهم بتهم فساد ورشوة، فضلاً عن العفو عن العديد من مغني الراب الأمريكيين البارزين على خلفية تهم تتعلق بحيازتهم أسلحة بشكل غير قانوني.

 

وفي هذا السياق، كتب كل من «إريك ليبتون»، و«كينيث فوغل»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «في حين استخدم الرؤساء الآخرون سلطات العفو الخاصة بهم على نطاق واسع، فقد كانوا يعتمدون في ذلك بشدة على عمليات المراجعة والمحاكمة السابقة لوزارة العدل الأمريكية والتي تجاهلها ترامب إلى حد كبير». ومع ذلك، فمن الملاحظ أنه لم يصدر أي عفو عن ترامب نفسه أو مرؤوسيه أو أفراد أسرته، ولم يتم إصدار أي عفو أيضًا عن العديد من المشاغبين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول بعنف بناء على تحريضاته.

 

على العموم، على الرغم من أن تنصيب «بايدن»، سيهيمن على التركيز المباشر لوسائل الإعلام ومراكز الفكر نظرًا إلى أهميته التاريخية؛ فإنه لا ينبغي تجاهل دعوته إلى الوحدة والعمل الجماعي في خطابه الافتتاحي، وتوقيعه عشرات الأوامر التنفيذية الرئيسية؛ بهدف العدول عن بعض السياسات التي تحمل توقيع سلفه كإجراء رئاسي لإلغاء العديد من الأخطاء، وكمؤشر على المسار السياسي المنشود للإدارة الجديدة.

 

وبالتالي، عكس هذا اليوم إلى حد كبير تغييرًا سياسيًا أمريكيًا، وعودة إلى طبيعة وضع كان معتادًا قبل أربع سنوات بعد أن أنهى التدابير الانقسامية والعنصرية والجدالات اللا نهائية التي كان لا يمكن إيقافها.

{ انتهى  }
bottom of page