22/1/2021
رغم انتخاب بايدن.. تحديات كبيرة تواجه العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران
منذ بداية حملته الرئاسية، جعل الرئيس الجديد للولايات المتحدة «جو بايدن» عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ركيزة أساسية في تطلعات سياسته الخارجية، لكن في الأسابيع الأخيرة، واجه هذا النهج، المعاكس لسياسات دونالد ترامب، تحديات متجددة، في ظل تصاعد المواجهة بين واشنطن وحلفائها وطهران. وتعد محاولات إيران الأخيرة لزيادة تخصيب اليورانيوم مرة أخرى، بما يتجاوز المستويات المتفق عليها في الاتفاق النووي لعام 2015، واحدة من أبرز العقبات الدبلوماسية التي يواجهها بايدن بعد توليه منصبه يوم 20 يناير 2021.
وتسعى حكومات المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، فضلاً عن باقي دول الاتحاد الأوروبي، إلى انتقاد إيران؛ بسبب أفعالها المخالفة للاتفاق، كما تطالب هذه الحكومات الولايات المتحدة بتأكيد نواياها في العودة إلى الاتفاق، ومع ذلك فإن فرصة إعادة تبنّي الصفقة بشكلها لعام 2015 تختفي بسرعة.
وليس هناك الكثير مما يمكن لتلك الدول فعله لمواجهتها، فقد أوضح لوفداي موريس وإيرين كننجهام، من صحيفة واشنطن بوست، أن «الحلفاء الأوروبيين لواشنطن يأملون أن تتخذ إدارة بايدن خطوات سريعة بهذا الخصوص، على الرغم من أنها ترى فرصة العودة ضعيفة». وعلّق أوميد نوريبور، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، قائلاً: «الوقت ينفد لدينا، وكل يوم لا تُجرى فيه محادثات، ولا توجد فيه عمليات تفتيش، ستعمل فيه أجهزة الطرد المركزي بشكل أسرع». وأعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، عن قلقه أيضًا من أنه لم تتبق سوى أسابيع قليلة فقط لاستعادة الاتفاق النووي قبل أن تصل الانتهاكات الإيرانية إلى نقطة اللا عودة.
وقد أثار تطوير طهران لمعدن اليورانيوم انتقادات قوية؛ ففي 16 يناير 2021، أصدرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بيانًا مشتركًا قالت فيه إن «إنتاج معدن اليورانيوم له تداعيات عسكرية خطيرة، وأنه يجب على طهران العودة إلى الامتثال لالتزامات خطة العمل المشتركة دون تأخير إذا كانت جادة في الحفاظ على الاتفاق». وأضاف البيان أن «إيران ليس لديها استخدامات مدنية موثوق بها لمعدن اليورانيوم». بعد ذلك حاولت طهران ادعاء «سوء فهمه» فيما يتعلق بتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن هذه المسألة، لكن هذه الأعذار لن تفعل شيئًا يُذكر لاستعادة الثقة بين الموقِّعين على الاتفاق. وكان البرلمان الإيراني قد أقرّ سابقًا اتخاذ إجراءات لزيادة تخصيب اليورانيوم بشكل أكبر إذا لم يتم رفع العقوبات المفروضة على طهران في فبراير 2021، بعد اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده.
إن أكبر مشكلة بالنسبة إلى الأوروبيين في هذا السيناريو هي أنهم يمتلكون طرقًا دبلوماسية محدودة لإحداث التغيير. وعندما تُقدِم إيران على مثل هذه المخالفات والانتهاكات فإن الإدانات ذات الصياغة الغامضة تثبت أنها غير كافية لردع طهران عن سياستها المتمثلة في تصعيد التوترات، على أمل اكتساب المزيد من قدرات المساومة في وقت لاحق. على سبيل المثال، في 11 يناير صرح جوزيب بوريل رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بأن الاتحاد «يأسف بشدة للخطوات المقلقة التي اتخذتها إيران على مدار العامين الماضيين»، وأن تصعيدها في إنتاج اليورانيوم يُعد «مسألة تثير قلقًا عميقًا». ولم تكن سياسات إيران قادرة في التأثير على إدارة ترامب لتخفيف بعض العقوبات، لذلك ترى الحكومات الأوروبية أن إجراءات بايدن المبكرة ستكون لحظة فاصلة للاتفاق النووي، وبالتالي، فإن جزءًا مهمًّا من معادلة الأوروبيين لمستقبل الاتفاق النووي هو ما إذا كانت إدارة بايدن ستفي بتعهداتها المتكررة للانضمام إليه. لطالما كان بايدن مدافعًا عن عودة الولايات المتحدة إلى الصفقة، لكن هذا الوعد كان دائمًا يعتمد على وفاء إيران بالتزاماتها. وفي مقال لشبكة (سي إن إن) في سبتمبر 2020، حدد بايدن سياسته تجاه إيران لطمأنتها، فقد كتب بايدن أنه «سيجعل العالم منتبها ومطلعا على برنامج إيران النووي، وسيوقِف مساعي إيران نحو امتلاك سلاح نووي».
وقد تجلى استعداد بايدن، لإدارة إعادة الانخراط الدبلوماسي مع إيران، من خلال تعيين كبار المسؤولين الذين شاركوا في تشكيل الصفقة في عهد أوباما. ومن بين هؤلاء وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكين ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية المرتقب ويليام بيرنز، بالإضافة إلى ذلك، عيّن ويندي شارمان نائبةً لوزير الخارجية الأمريكية، وكانت شيرمان المفاوض الرئيسي لجهود إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق نووي مع النظام الإيراني. وعلى الرغم من هذه التعيينات فإن الصعوبات الدبلوماسية الحالية التي سيواجهها بايدن لم تغب عن المعلقين الغربيين. وجادل جوليان لي من وكالة (بلومبيرج) بأن «أبسط طريق للعودة سيكون أن يتراجع كلا الجانبين عن خطواتهما السابقة» والعودة إلى الصفقة «كما كان الحال قبل أربع سنوات، ولكن إذا وضعت الولايات المتحدة بدلاً من ذلك تخفيف العقوبات مشروطًا بإنهاء إيران دعم حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن، فمن الصعب أن نرى كيف سيتغلب الطرفان على خلافاتهما». لهذا السبب دعا مايكل آيزنشتات وكريستين ماكفان من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بايدن إلى التصرف بحزم مع إيران؛ لأن «الانطباعات الأولى مهمة، واستجابة الرئيس الجديد للاختبارات المبكرة ستحدد النهج الذي ستمضي قُدمًا عليه علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء والخصوم على حد سواء».
ومع ذلك، فإن التشكك الأوروبي في انخراط الولايات المتحدة في لعبة طويلة مع إيران يجب مواجهته أيضًا، حيث لا تزال حكومات المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا مستاءة للغاية من الطرق التي انسحبت بها إدارة ترامب من الاتفاقية في 2018، وقد أوضح براين أوتول، من المجلس الأطلسي، أن إدارة بايدن ستواجه صعوبة في إعادة بناء الجسور التي أحرقها الرئيس ترامب وإدارته.
علاوة على ذلك، يظل من غير الواضح بالنسبة للدول الأوروبية ما هو موقف الولايات المتحدة بالضبط حيال المفاوضات المستقبلية، وما استراتيجية إيران حيالها أيضًا. وهنا تشير الكاتبتان «لوفداي موريس» و«إيرين كننغهام»، من صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إلى أنه «من غير الواضح مدى استجابة القيادة الإيرانية لإعادة التفاوض مع القوى العالمية بعد انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي»، وقد جادل سايمون هندرسون، زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بأن «طهران ستستمر في المناورة لتأمين التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إدارة بايدن، باستخدام مزيج من أساليب الخداع والتصعيد على الأرجح خلال الأسابيع المقبلة لإبراز قوتها في إدارة دفة المفاوضات مع بايدن». وهناك عامل آخر ربما سيؤدي إلى تقويض عملية إعادة إبرام الاتفاق النووي، وهو ما سيتطلب أيضًا مشاركة روسيا والصين، وخاصة أن البلدين أظهرا لإدارة بايدن القليل من المودة، وسيسعيان لمواجهتها ومعارضتها دوليًّا. وبالتالي، وكما يقول برايان أوتول، من المجلس الأطلسي، «من المستحيل أن يقنع فريق بايدن الصين وروسيا بدفع إيران بنفس القوة التي كانتا عليها قبل إبرام الاتفاق النووي».
وبطبيعة الحال، فإن تصرفات إيران نفسها تشكل أيضًا عائقًا رئيسيًّا أمام التوصل إلى أي اتفاق مستقبلي. فعلى وجه الخصوص، باتت سياسة حافة الهاوية في الدبلوماسية التي يمارسها النظام الإيراني إجراء غير ضروري في أعين الموقِّعين الأوروبيين على الاتفاق.
ويشير سايمون هندرسون إلى أنه بالنسبة إلى إيران، تشكل أفعالها الأخيرة «لعبة دبلوماسية خطرة» ربما تستدعي «دعوة للتدخل الدولي» و«شن عمل عسكري» ضدها. كما أضاف إيلي جيرانمايه، الخبير في الشؤون الإيرانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن «هناك مخاوف من أن إيران تمارس أساليب من الخداع والتلاعب»، وأنه «إذا تم تقييد مسألة دخول المراقبين الدوليين للتفتيش، فسيكون ذلك أمرًا مقلقًا للغاية».
وهناك مخاوف لدى الدول الأوروبية بشأن مدى ملاءمة خريطة الجدول الزمني لاستعادة الاتفاق النووي أو إعادة التفاوض بشأنه، وخاصة أن إيران نفسها من المقرر أن تُجري انتخابات رئاسية في يونيو 2021، ومن المتوقع أن يتم الاستغناء عن الرموز المعتدلة في الحكومة ليحل محلهم آخرون من القيادات المتشددة، والذين هم أقل احتمالا للنظر في العودة مجددًا إلى شروط اتفاق 2015، حتى لو عادت إدارة بايدن إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى. وفي الواقع، أشار جوليان لي، من وكالة أنباء «بلومبرج»، إلى أن الرئيس الإيراني الجديد، على الأرجح سيكون عضوًا في قيادة الحرس الثوري الإيراني (IRGC)، وبالتالي «سيكون أقل استعدادًا لإبرام اتفاق يحد من دور إيران في المنطقة، أو أسلحتها التقليدية، ومن المرجح أن يجعل عملية المفاوضات أكثر صعوبة».
وعلى الجانب الآخر، يبين نيسان رافاتي، كبير المحللين للشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية أن «التغيير في الإدارة الإيرانية القادمة لا ينهي بالضرورة العملية الدبلوماسية؛ لأن عملية صنع القرار النووي في إيران في نهاية المطاف ليست في يد السلطة التنفيذية فقط»، ولكن مع ذلك، لا تزال الدول الأوروبية حريصة على «الحصول على أكبر قدر ممكن من التقارب والتفاعل مثلما كان الأمر مع نفس الرموز الإيرانية التي تعاملت معها في الماضي».
إن حالة الانتظار الطويلة من قِبَل الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة لترقب وجود إدارة أكثر ودية في واشنطن لإعادة تأكيد عضوية الولايات المتحدة في الاتفاق النووي يمكن أن تذهب سدى، وهو الشعور الذي يشاركه الكثيرون من الدول الغربية، بالإضافة إلى المشرعين الأمريكيين في الكونجرس الأمريكي والحزب الديمقراطي على حد سواء. وعلى الرغم من أن بايدن وفريقه لشؤون السياسة الخارجية لديهم تاريخ في تبنّي أسلوب الدبلوماسية في التعامل مع النظام الإيراني، فضلاً عن الالتزام باستعادة هذا النهج مع وصوله إلى السلطة، إلا أن بعض الأحداث الخارجة عن سيطرته قد تنتهي بإرغامه على اعتماد أمور لا يرغب في تنفيذها. ومن الجدير بالذكر أن رفض إيران التصرف وفقًا للاتفاق النووي، الذي لا يزال جزء منه اسميًّا، سيكون أكبر صداع للديمقراطيين بعد وصولهم إلى السلطة، وكذلك لحلفائهم الأوروبيين. وفي نهاية المطاف، لا يزال مسار الأحداث المستقبلية مجهولاً مثلما كان منذ أشهر حتى تاريخه.