top of page
12/1/2021

المصالحة الخليجية ظروفها ودلالات التوقيت.. وجهـات نظر غـربية

منذ بدايتها عام 2017 نظرت واشنطن إلى ضرورة حل الأزمة بين بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي وقطر كجزء من حملتها ضد التجاوزات الإيرانية في المنطقة؛ لذلك، ليس من المستغرب أن أنباء التوصل إلى اتفاق ينهي هذه الأزمة التي استمرت ثلاثة وأربعين شهرًا؛ قد لقيت ارتياحا وترحيبا من العديد من دول العالم، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية.

 

وفي إطار الاتفاقية الموقعة في مدينة «العلا»، السعودية يوم 5 يناير2021 لإعادة ما اسماه ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» بـ«التضامن والاستقرار الخليجي والعربي والإسلامي»، سيعاد فتح الحدود الجوية والبرية والبحرية وعودة العلاقات الدبلوماسية مع قطر. ووفقا لصحيفة «الجارديان» فقد اتفقت جميع الأطراف على احترام مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين مع احتفاظ كل دولة بحريتها في إدارة سياستها الخارجية.

 

وبصرف النظر عن تفاصيل الاتفاق، فقد انصب تركيز معظم المحللين الغربيين على دور الولايات المتحدة في إنهاء الأزمة داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الأخص فيما يتعلق بتوقيتها؛ حيث سعت إدارة «ترامب» لتحقيق نجاح دبلوماسي آخر قبل مغادرته البيت الأبيض، بينما سعت دول الخليج إلى إنهاء خلافاتها قبل أن تؤدي إدارة «جو بايدن»، اليمين الدستورية في يوم 20 يناير 2021 وفق العديد من المحللين.

 

وفي هذا الإطار، علق «نبيل خوري»، السفير الأمريكي الأسبق في البحرين قائلاً: «إن أي خفض للتوترات وإعادة فتح الحدود في منطقة شديدة التوتر يمثل مصدر ارتياح، ويمكن أن يؤدي إلى تحسن الأوضاع، وبالتالي فإن مجلس التعاون الخليجي يسير نحو مسار أكثر إيجابية». وأشارت «باربرا سلافين»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أنه كانت هناك شكوك في «أننا سنشهد عودة التعاون بين دول مجلس التعاون، غير أن ما حدث يقلل التوترات في المنطقة وهو موضع ترحيب، وبالتالي هناك أمل أن يؤدي إلى مزيد من الدبلوماسية ويقلل من أعمال العنف».

 

وفي الوقت نفسه، كتب «جون ألترمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أنه «في حين أن الاتفاق لا يعيد الوحدة إلى مجلس التعاون؛ فإنه ينهي الانقسام الذي قوض أي عمل جماعي». في حين قالت صحيفة «ذي إندبندنت»، إن «المملكة العربية السعودية وشركاءها الإقليميين يرون الآن أن القضية الرئيسية أصبحت إعادة العلاقات إلى طبيعتها وتحقيق الوحدة والتضامن بين دول المجلس».

 

وفي إشارة إلى الفوائد الاقتصادية للاتفاق أكد «أمجد أحمد»، من «مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط»، أنه «لا يمكن تجاهل الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجلبها هذا الاتفاق لجميع الأطراف المعنية، باعتبار تخفيف حدة النزاعات، يعد لبنة أساسية لجذب الاستثمار لدفع التنويع الاقتصادي الذي تحتاج إليه منطقة الخليج». ومع وضع ذلك في الاعتبار زعم أنه «لم يكن من الممكن أن تأتي هذه الاتفاقية في وقت أفضل».

 

ومع ذلك، فقد أدرك الخبراء الغربيون أن هذا الاتفاق وحده لن يرأب صدع مقاطعة دول مجلس التعاون الخليجي لقطر. وذكرت «وكالة بلومبرج» أن «الاتفاقية كانت خطوة رئيسية، ولكن ليس من الواضح إلى أي مدى ستمضي المصالحة أو إلى متى ستستمر». وبالمثل، علق «فرانك جاردنر»، مراسل «بي بي سي»، أنه في حين أن المقاطعة «كانت مكلفة للغاية للاقتصاد القطري، إلا أنها أضرت أيضًا بـفكرة وحدة الخليج». كما وصف الاتفاق بأن الأمر «أكثر من مجرد هدنة سلام، وسيستغرق بناء الثقة سنوات»، بينما أقرت «نهى أبو الدهب» من «معهد بروكينجز»، بأن «إعادة البناء ستستغرق وقتًا».

 

وفي السياق ذاته استشهد «فيفيان يي» و«مايكل كراولي» من صحيفة «نيويورك تايمز»، أيضًا بآراء المحللين باعتبارهم غير مقتنعين بأن هذا الاتفاق سيُثني قطر عن تصرفاتها في المنطقة، حيث أكدا أنه «لا يوجد ما يشير إلى أن الدوحة ستغير سلوكها عندما يتعلق الأمر بالممارسات التي تحبط جيرانها، ولا تسيطر بشكل كامل على شبكة الجزيرة الإعلامية، التي تستخدمها لنشر رسالتها، ولا الابتعاد عن إيران وتركيا». وحذر «حسين إيبش» من «معهد دول الخليج العربية» بواشنطن، من أنه «نظرًا إلى عدد القضايا التي من المرجح أن تبقى دون حل، يبقى هناك احتمال كبير لحدوث خلاف في المستقبل، وربما أزمة أخرى بشأن السياسات القطرية في وقت ما في المستقبل المنظور». ومع وضع هذا في الاعتبار أشار «باتريك وينتور» في «صحيفة الجارديان»، أيضًا إلى أن الاتفاق على إنهاء الموقف الحالي تم التوصل إليه بدرجات متفاوتة من الحماس من قبل دول الخليج ومصر.

 

وفي إطار هذا الواقع يبقى واضحًا أن أي استنتاج من هؤلاء المعلقين بشأن «المنتصر» الفعلي من وراء هذه الاتفاقية، قد انصب إلى حد كبير على الولايات المتحدة، حيث استفاد كل من الرئيس المنتهية ولايته «ترامب»، والرئيس المنتخب «بايدن» من إعادة العلاقة بين دول الخليج رسميًا؛ وهو ما يعني أن واشنطن كانت قادرة على تحويل دفة الأمور لما تراه، وهو ما أشار إليه كل من «يي، وكراولي»، بأنه «اختبار للدبلوماسية الأمريكية لأكثر من ثلاث سنوات».

 

وعلى نطاق واسع تم الاعتراف بالجهود الدبلوماسية الأمريكية لحل الخلاف من قبل الغرب؛ باعتباره حافزًا رئيسيًا لهذا الاتفاق قبل أن يترك ترامب منصبه. وأوضح «غاردنر» أنه كانت هناك «تحركات عاجلة بشكل متزايد من البيت الأبيض مع اقتراب رئاسة ترامب من نهايتها»، وأضافت شبكة «بي بي سي» أن «إدارة ترامب كثفت الضغط على جميع الأطراف لإنهاء المواجهة، كما تم التأكيد على الدور الذي لعبه مستشاره، جاريد كوشنر». وأشار «ألترمان»، إلى أنه «في الأسابيع الأخيرة، وضع كوشنر الأمر نُصب عينيه كأولوية قصوى في أيامه الأخيرة في منصبه»، وأكد «ديفيد جي روز» من صحيفة «التليجراف»، أنه من المرجح أن يقدم كوشنر الصفقة في صفحة إنجازات السياسة الخارجية التي حققتها إدارة ترامب قبل أن يغادر والد زوجته منصبه.

 

وبالتالي، يمكن الجزم أن الاتفاق هو «مثال نادر» على حالة التقارب غير المعهودة بين أهداف السياسة الخارجية لكل من «بايدن» و«ترامب» على حد سواء، وهو الأمر الذي أكده كل من «يي، وكرولي»، بشأن القرار السعودي بفتح الأجواء والحدود البرية والبحرية مع قطر، مشيرين إلى أن «اتفاق التصالح يكمن في تقارب نادر بين اهتمامات الرئيس ترامب، الذي تحث إدارته حلفاءها على وقف الخلاف والتوحد كجبهة واحدة ضد إيران، وبين اهتمامات إدارة الرئيس المنتخب بايدن التي لا ترغب وراثة أزمة منطقة تعتبر الأكثر استراتيجية في العالم أجمع».

 

علاوة على ذلك، أشار المحللون أيضًا إلى أن الاتفاق جاء لإعادة تأكيد دور الولايات المتحدة كوسيط في حل صراعات الشرق الأوسط. وبالنسبة إلى «مارك كاتز»، من «المجلس الأطلسي»، فإن «رعاية واشنطن للمصالحة بين مختلف دول الشرق الأوسط تقوض ادعاء موسكو أن روسيا هي الوسيط الأفضل للشرق الأوسط من الولايات المتحدة»، وبالتالي هذا الأمر يخدم هدفًا استراتيجيا مهمًا يتجاوز مسألة تعزيز المقاومة ضد إيران في الأهمية.

 

ومع ذلك، لم ينس المحللون الغربيون دور الكويت كوسيط طوال الأزمة. وأشار «فرانك جاردنر»، مراسل «بي بي سي»، إلى أن «مقاطعة قطر استغرقت شهورًا من الجهود الدبلوماسية المضنية من الكويت»، وقال «ريتشارد ليبارون»، من «المجلس الأطلسي»، «سأشكر الكويتيين على العمل الجاد المتمثل في التحدث إلى كافة الأطراف».

 

ولعل الجانب الآخر من الاتفاق الذي نوقش بين مختلف المعلقين والمحللين، هو كيف سيسمح الآن مجلس التعاون الخليجي بتركيز غالبية جهوده على مواجهة تدخلات إيران. وفي حين يمكن القول أن واشنطن هي المستفيد الأكبر من إنهاء مقاطعة معظم دول المجلس لقطر؛ فإن طهران ستكون الخاسر الأكبر. وبالفعل، أوضح «سينا أزودى»، من «المجلس الأطلسى»، أنه «بالنظر إلى أن إيران دعمت قطر بعد المقاطعة وحاولت الاستفادة من الخلاف بين الدول العربية في المنطقة»، فإن هذا التقارب سيكون بمثابة أنباء سيئة لها. كما لاحظ «جوزي بيلايو»، من «الواشنطن بوست»، أنه إذا كانت «خطوة إنهاء المقاطعة تأتي في الاتجاه الصحيح، إلا أنها أيضا جاءت كأخبار سيئة لكل من إيران وتركيا نظرًا إلى طموحاتهما الإقليمية».

 

على العموم، رحب المحللون الغربيون بالاتفاق الموقع بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر، والذي يسمح بتشكيل صفحة جديدة في المنطقة قبل تولي إدارة بايدن المنصب. ومع ذلك، فإنهم يتوخون الحذر، حيث يعتقد البعض منهم أن الاتفاق مجرد خطوة أولى ضمن مجموعة من الإجراءات الضرورية لاستعادة الوحدة بين دول المجلس، كما كانت قبل 5 يونيو 2017.

{ انتهى  }
bottom of page