top of page
9/1/2021

مخاطر نمو الشبكات الإرهابية عبر الإنترنت

منذ عام 2014، كشف تنظيم «داعش» للعالم عن القوة والتأثير اللذين تتمتع بهما الأنشطة التي تُمارَس عبر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي التي يبسط من خلالها المتطرفون والجماعات الإرهابية نفوذهم، حيث يستخدمون مواقع شهيرة مثل (تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب)؛ لنشر دعايتهم وفظائعهم، ويعد «داعش» أكثر ممارسي هذا النوع من الاتصالات شهرة. وبسبب الروابط بين هذه التحركات عبر الإنترنت والهجمات الإرهابية العالمية، أصبح تعطيل هذه الأنشطة الإلكترونية ضرورة للدول والشركات والمواطنين على حد سواء.

 

ولمناقشة هذه التحديات، عقد «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» (RUSI) بلندن ندوة بعنوان «نمو الشبكات الإرهابية عبر الإنترنت»، بهدف مناقشة كيفية استخدام الجماعات الإرهابية الفضاء الإلكتروني لمصلحتها الخاصة، رأستها «إليزابيث بيرسون» من مركز «أبحاث التهديدات الإلكترونية» بجامعة «سوانسي»، وتحدث فيها خبيران من مستشاري تكنولوجيا المعلومات من منظمة Human Cognition، عن نمو الشبكات، هما «علي فيشر، مستكشف العوالم المتطرفة بالمنظمة، و«نيكو بروشا»، أمين المحتوى الرئيسي.

 

في البداية، أوضح «فيشر»، كيف أظهرت الأبحاث أن البشر مخلوقات تحكمهم العادة، من خلال عودتهم لنفس مصادر المعلومات من أجل الاتساق، وأن هذا الجانب هو ما تسعى الجماعات الإرهابية لاستغلاله في أنشطتها على الإنترنت، موضحًا أن المنظمات التي تسعى إلى تعطيل مثل هذه الأنشطة ومنعها، مثل منظمة «Human Cognition»، تكافح هذه الأنشطة بنفسها من خلال «نهج تبادلي»، يأخذ في الاعتبار البيانات التحليلية ووجهات النظر الأكاديمية، لتخترق الجماعات الجهادية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتحصل على المعلومات، وفي النهاية يتم إغلاق هذه الشبكات، وهذه العملية مستمرة منذ عام 2013.

 

ومن جانبه، أشار «بروشا»، إلى الآيديولوجية الكامنة وراء هذه الجماعات الإرهابية، وكيف يشكل ذلك أنشطتها على الإنترنت، موضحًا أن القاسم الأكثر شيوعًا بين الجماعات الإرهابية هو المحتوى الذي تعرضه وتنشره، وهو في الغالب مواد دينية أو نصوص باللغة العربية، وأن ما يعادل 300 ألف إلى 400 ألف صفحة من الوثائق قد سبق أن صدرت عن الجماعات الإرهابية، مثل «داعش»، و«القاعدة»، ويعود أصل الكثير من هذه المواد إلى ما قبل نشأة هذه المنظمات، حيث تشكل جزءًا من «محددات دينية»، أكثر من كونها «وصفا تفصيليا»، لكيفية تنفيذ الهجمات الإرهابية أو تنظيم أنفسهم عبر الإنترنت.

 

أما عن تطور استخدام الإنترنت من قِبَل الجماعات الإرهابية، وما وصفه بـ«الصلة السلفية الجهادية»، استشهد «بروشا»، بتنظيم «القاعدة»، في أوائل القرن الحادي والعشرين على أنه لا يمكن لأي تنظيم جهادي دولي أن ينجح من دون جانب إعلامي، وإلا سيفتقر إلى إحداث «صدى» خارج منطقته المحلية، مضيفا أنه من خلال إنتاج مواد لتنظيمي القاعدة وداعش بلغات متعددة، مثل «الألمانية، والروسية، والفرنسية، والإنجليزية»، يمكن لهذه الجماعات توجيه الدعاية لجمهور أكبر، مسلطًا الضوء على تمكن فرد في «هولندا» من التواصل باللغات العربية، والفارسية، والإنجليزية، والفرنسية، مع ضحاياه. وتمكنه من توسيع نطاق حملاته الدعائية لداعش وتوصيلها لجمهور جديد على الإنترنت.

 

ومع التسليم بذلك، أوضح أيضا أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ظل داعش أصبح «عملاً معتادًا»، بينما طوّرت «القاعدة» «تقليدًا عميقًا» في استخدام مثل هذه الأساليب سابقًا، بما في ذلك استخدام المنتديات الإلكترونية. وشرح المتحدثان بالأمثلة كيف تطورت هذه العملية من عام 2006 حتى عام 2012 عندما أدى تصعيد الحرب الأهلية السورية إلى زيادة النشاط الإرهابي عبر الإنترنت بشكلٍ كبير.

 

بعد ذلك تطرق «بروشا»، إلى ما اسماه «عصر تويتر»، حيث كان هناك نمو ملحوظ في استخدام المحتوى غير العربي الذي أصدرته الجماعات الإرهابية عبر هذا الموقع الإلكتروني، وأصبح «النبراس الرئيسي» لنشر المواد المتطرفة عبر الإنترنت، وخاصة أن الإرهابيين استخدموا عددًا كبيرًا من الحسابات لها متابعون قليلون؛ لتشكيل شبكة أكبر بكثير، بدلاً من التمركز حول عدد قليل من الحسابات الإرهابية الكبيرة التي يمكن حظرها بسرعة من المنصة، وبالتالي أصبح هذا الهيكل يشبه «قطرة هلامية كبيرة» من دون نقطة محورية، الأمر الذي جعل الشبكة بأكملها أكثر صمودا في مواجهة أنشطة التعطيل.

 

ومع تضييق موقع «تويتر»، الخناق على تنظيم داعش وحسابات الإرهابيين الأخرى منذ عام 2014 فصاعدًا، بدأ أعضاء الجماعات الإرهابية الانتقال إلى تطبيقات ومواقع إلكترونية جديدة مكّنتهم من مواصلة عملياتهم، حيث إن هذه المجموعات كانت بفعلها ذلك «تتعلم الدروس» من نهاية «عصر تويتر»، حيث تنتشر شبكاتها عبر منصات أخرى مختلفة مع تبنّي نهج متعدد المنصات لزيادة مرونة شبكاتها. ومن وجهة نظر مسؤولي مكافحة الإرهاب، وصف «فيشر»، تعليق الحسابات على تويتر بأنه «نجاح تكتيكي»، لكنه لم يمنع بشكل كامل عملياتها الواسعة النطاق والمدمرة.

 

وفيما يتعلق بكيفية اعتماد «داعش» والمنظمات المتطرفة الأخرى موقع «تليغرام» -وهو خدمة مراسلة فورية توفر تشفيرًا شاملاً للرسائل للاتصالات الخاصة تم إصداره في عام 2013 من قِبَل فريق من المطورين الروس- كنقطة محورية جديدة لعملياتهم الإلكترونية، أوضح «بروشا» أن بعض الحسابات الإرهابية لديها ما يزيد على 20 ألف عضو وعشرات الآلاف من المشاهدات على محتواها، فضلا عن سهولة إتاحة المواد الإرهابية على المنصة، مؤكدا أن الأنشطة الإرهابية لم يتم منعها من على موقع «تليغرام»، وأن انتشار المواد المتطرفة لا يزال مستمرا، حيث يحوي التطبيق أكثر من 50 ألف قناة، ومجموعة «أساسية» تم تحديدها منذ يونيو 2017، وأن متوسط عمر قناة تليغرام المتطرفة هو 66 يومًا، وأن أكثرها ديمومة استمرت لمدة تصل إلى 1200 يوم، وأنه حتى عندما تكون المجموعات مستهدفة من قِبَل تكتيكات التعطيل فإنها تستطيع «تجاوز» هذه الأساليب وإعادة إنشاء شبكاتها.

 

علاوة على ذلك، أشار إلى أن العديد من المواقع الأخرى تُستخدم الآن بشكل متزامن من قِبَل الجماعات الإرهابية، مثل «واتساب»، و«فيسبوك»، بالإضافة إلى خدمات الاتصال الأقل شهرة، مثل برامج «تام تام»، و«هوب»، و«ثريما». وبالتالي، تظل الشبكات الإرهابية قادرة على الصمود أمام محاولات الإغلاق والاستمرار في «توزيع نفوذها» على أتباعها، حيث استشهد بأنه من بين 234685 اتصالاً تم تحديدها والتعرف عليها على تليغرام منذ عام 2017، كان 99% منها مرتبطًا بالجماعات المتطرفة مثل «داعش»، و«القاعدة»، و«طالبان»، موضحا كيف استغلت مثل هذه الجماعات جريمة قتل مدرس اللغة الفرنسية، «صامويل باتي»، مؤخرًا عبر الإنترنت، ونشرت صور جرافيك مصاحبة للنصوص الدينية في رسائل دعائية.

 

وعندما سُئل «فيشر» عن «تهاون» مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر، وفيسبوك»، مع المحتوى المتطرف على منصاتها وإجراءات التعطيل اللاحقة التي تم اتخاذها لمواجهة ذلك؛ أجاب بأنه لا يزال هناك «طريق طويل يجب أن نقطعه» لتحقيق تعاون حقيقي بين منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة أن هذه المنصات لديها أنظمة تشغيل وإجراءات منفصلة خاصة بها للتصدي للتطرف، ومن ثمّ فإن هذه «العملية البيروقراطية» تعمل على إبطاء الإجراءات المنسقة لمكافحة التطرف، مشيرًا إلى أنه من الناحية العملية فإن الكمية الكبيرة من المواد الإرهابية التي تتم مشاركتها على هذه المواقع يصعب تعقبها وإزالتها على الرغم من أن مواقع مثل «تويتر» توظف مئات المراجعين للمحتوى عبر الإنترنت، ولهذا السبب تظل معتمدة على وصول المستخدمين إلى هذا المحتوى والإبلاغ عنه حتى تتم إزالته.

 

وفي ظاهرة جديرة بالملاحظة، أوضح «فيشر» أن بعض المحتوى المتطرف المنشور منذ عامي 2010 و2011، لا يزال نشطًا على مواقع التواصل الاجتماعي الرائدة. وكانت إحدى القضايا البارزة الأخيرة هي الكشف عن مقطع فيديو تعليمي عن صناعة القنابل التي استخدمها مرتكبو تفجير «مانشستر أرينا» عام 2017 ظل على الإنترنت في عام 2020، وشوهد أكثر من 17 ألف مرة، بما في ذلك على «تليغرام» وعلى موقع المكتبة الرقمية المجاني (أرشيف الإنترنت).

 

على العموم، قدمت الندوة معلومات ثرية ومدققة حول كيفية استخدام المنظمات الإرهابية لشبكة الإنترنت في بث دعايتها وأعطت خطًّا زمنيًّا مفصلاً لتطور استخدامها هذه المواقع، ووسائل التواصل الاجتماعي لصالح جهودها الدعائية. وكانت النقطة الرئيسية التي ذكرها «فيشر»، و«بروشا»، هي حقيقة أن الغالبية العظمى من المواد الإرهابية المنتشرة على الإنترنت يتم نشرها باللغة العربية، وهذا عائق كبير أمام الأكاديميين الغربيين الذين يسعون إلى دراسة وفهم الإرهابيين عبر الإنترنت، ومن ثم محاربتهم.

 

وعلى الرغم من ذلك لم تتم مناقشة طرق الوقاية بشكل واضح، وكانت الرسالة للمستقبل تتمثل في استمرار مثل هذه الأنشطة وغياب منعها على نطاق واسع، وخاصة في ظل استمرار شركات التكنولوجيا الخاصة في انقسامها حول الاتفاق على رد فعل موحد لاستخدام مواقعها الإلكترونية من قِبَل الإرهابيين والمتطرفين، وبالتالي لا يزال هناك الكثير من العمل المطلوب في هذا المجال لمواجهة التطرف عبر الإنترنت.

{ انتهى  }
bottom of page