19/12/2020
قبل تولي السلطة.. إدارة بايدن تواجه أولى العقبات مع إيران
هناك سياسات متناقضة تجاه إيران بين ما يراه دونالد ترامب الرئيس الذي تنتهي ولايته يوم 20/1/2021 وجو بايدن الرئيس المنتخب الذي ستبدأ رئاسته يوم 21/1/2021 حيث واصل ترامب سياسة الضغوط القصوى على طهران وربما يوجه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية قبل مغادرته البيت الأبيض، في حين يرى بايدن ضرورة أن تجدد واشنطن التزامها بالاتفاق النووي لعام 2015 وأن تعمل على منع طهران من امتلاك أسلحة نووية.
وقد أظهرت إدارة ترامب في السنوات الأربع الماضية الالتزام بمحاربة النظام الإيراني، ولكن هزيمته المفاجئة في الانتخابات الرئاسية جعلته ربما سمح باغتيال أحد كبار علماء إيران النوويين بهدف إحراج إدارة بايدن ولتوريط إيران في رد قد يقود إلى حرب معها، لكن الأخيرة تجنبت الرد وحرصت على ضبط النفس انتظارًا لتولي بايدن منصبه.
على العموم تبدو حتمية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني بمجرد أن يكون بايدن في مكتب الرئاسة قد تزعزعت، حيث حاول النظام الإيراني تقديم مطالبه الخاصة إلى واشنطن، وأبرزها أنه لن يعود للامتثال لشروط اتفاقية 2015 إلا إذا تم رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران مسبقًا، ومن غير المرجح أن تحقق هذه الحيلة الدبلوماسية نتائجها، نظرًا لأن العديد من العقوبات مرتبطة باتهامات الإرهاب، وبالتالي قد يكون هذا الإجراء بمثابة اختبار للإدارة الديمقراطية القادمة ومدى استعدادها للتنازل لطهران من أجل إعادة الاتفاق النووي إلى وضعه السابق. وفي ضوء ذلك، ليس من المستغرب أن العديد من المحللين الغربيين قد حثوا الرئيس المنتخب على الصمود والحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة في أي مفاوضات مستقبلية.
وفي حديثه بمؤتمر افتراضي في الثالث من ديسمبر، انتقد وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» سياسة إدارة ترامب وإدارة بايدن القادمة تجاه إيران. ووصف حكومة ترامب بأنها «نظام مارق يجب أن يكف عن انتهاكه للقانون الدولي». وزعم ظريف مشيرًا إلى بايدن، إن الولايات المتحدة «ليست في وضع يسمح لها بوضع شروط» على إيران، وأن الحكومة الإيرانية لن تمتثل للشروط المنصوص عليها في عام 2015 إلا إذا تم رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. كما أوضح أن طهران ستطلب ضمانات من الولايات المتحدة بعدم الانسحاب مرة أخرى مثلما فعلت في عهد دونالد ترامب في مايو 2018. ويرى باتريك وينتور، من صحيفة الجارديان، أن ذلك «مجرد تظاهر من جانب إيران باستبعاد التفاوض بشأن الاتفاق الحالي»، على الرغم من أن البنود الجديدة ستكون مطلوبة قبل انتهاء صلاحية الاتفاق الحالي في عام 2025.
يمكن أن يؤدي هذا الخطاب من النظام الإيراني الآن إلى إفشال خطط بايدن للعودة إلى اتفاق عام 2015 قبل أن يتولى منصبه؛ لأن خططه لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق مشروطة بالتزام طهران أولاً بجميع بنوده، وخاصة فيما يتعلق بإنتاج المواد النووية، وقد أوضح توماس فريدمان، من صحيفة نيويورك تايمز، أن «وجهة نظر بايدن وفريقه للأمن القومي أنه بمجرد العودة إلى الاتفاق من كلا الجانبين، ستكون هناك في وقت قصير جولة من المفاوضات للسعي إلى إطالة مدة القيود المفروضة على إنتاج إيران للمواد الانشطارية، التي يمكن استخدامها لصنع القنابل، وكذلك «للتصدي لأنشطة إيران الإقليمية العدوانية، من خلال وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغيرها».
كما أكد بايدن نفسه أنه «بالتشاور مع حلفائنا وشركائنا -عليه ألا يتجاهل إشراك دول الخليج- سنشارك في مفاوضات واتفاقيات متابعة لتشديد وإطالة القيود النووية الإيرانية، فضلاً عن معالجة برنامج الصواريخ». وفي حين أن فريق بايدن قد ألمح إلى التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة على إيران، لم يقدم الشكل النهائي لما ستكون عليه تلك الخطوة.
ويبدو الآن أن الجانبين قد أصبحا بصدد ما قد يكون أول عقبة في طريق عودتهما المحتملة إلى الاتفاق النووي. وكما كتبت شبكة «بي بي سي نيوز»: «يبدو أن كلا الجانبين يريد أن يعيد الطرف الآخر إلى الموافقة على شروط الاتفاقية أولاً»، وقد قوبلت محاولات إيران الواضحة لاختبار القدرة الدبلوماسية للرئيس المنتخب بدعوات من الخبراء والمحللين لبايدن بتبنّي نهج صارم.
فقد دعت مجلة الإيكونوميست بايدن إلى استخدام قوة ونفوذ الولايات المتحدة ضد طهران، مشيرة إلى أن تخفيف القيود سيكون «خطأ»، وأن على الرئيس المنتخب بدلاً من ذلك أن «يطالبهم بالتخلي عن إطلاق الصواريخ البعيدة المدى. ونقل الصواريخ إلى وكلائهم الإقليميين». وأشارت أيضًا، أن الولايات المتحدة يمكن أن «تخفف تدريجيًّا من مصاعب إيران الاقتصادية وتقدم المزيد من التسهيلات، مثل الوصول إلى الدولار والمزيد من التعاون النووي للأغراض السلمية».
ولكن على الناحية الأخرى لا يتفق البعض حول هذه الرؤى؛ حيث يرى ميسم بهرافيش وإروين فان فين، من المعهد الهولندي للعلاقات الدولية في مجلة «فورين بوليسي»، أن «من الأفضل الاستفادة من الفرصة القصيرة التي تبدأ في 20 يناير من خلال تقديم عقوبات مُبررة كخطوة لبناء الثقة، وخطوة تتيح للمعتدلين الإيرانيين مرونة أكبر لتمهيد الطريق لمفاوضات متابعة محتملة».
وقد يبدو هناك القليل من الشك في أن احتمال تخفيف العقوبات سيكون بمثابة حافز لإيران للعودة إلى الصفقة، لكن السؤال الأبرز يدور حول مدى استعداد واشنطن للإقدام على تلك الخطوة للعودة إلى ما كان عليه في 2015 لم يجد إجابة بعد. وعن ذلك أفادت جولنار موتيفالي وأرسلان شهلا، من وكالة «بلومبرج»، أن إيران «تستعد بالفعل لزيادة إنتاج النفط» مع توقع تخفيف العقوبات بمجرد تولي بايدن المكتب البيضاوي. وفي حال مضت الأمور في نفس الطريق، توقع مصرف «جي بي مورجان تشيس» أن طهران يمكن أن تستفيد مما يصل إلى 1.2 مليون برميل نفط يوميًّا، في وقت تسعى فيه أوبك للحد من الإنتاج للحفاظ على استقرار الأسعار.
ومن الاعتبارات الأخرى التي يجب أن تلقى أولوية لدى الديمقراطيين في البيت الأبيض، الحاجة إلى تجنب تنفير حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط؛ حيث صرحت المملكة العربية السعودية بالفعل بأنه يجب استشارة دول الخليج من قِبَل إدارة بايدن القادمة إذا ما اختارت إحياء الاتفاق النووي الإيراني، حيث علق وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قائلاً: «بشكل أساسي، ما نتوقعه هو أن يتم التشاور معنا ومع أصدقائنا الإقليميين بشأن ما يحدث في ما يتعلق بالمفاوضات مع إيران». ويرى دانيال شابيرو السفير الأمريكي السابق في إسرائيل بين عامي 2011 و2017، أنه ستكون هناك حاجة أيضًا للولايات المتحدة وإسرائيل لتطوير «استراتيجية مشتركة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية تتجاوز السنوات المتبقية من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وتعتمد أيضًا على العناصر الدبلوماسية والاقتصادية والسرية والعسكرية لدى البلدين».
كما ستكون هناك أيضًا حاجة واضحة لبايدن للحفاظ على شكل من أشكال الدعم السياسي الداخلي لمثل هذه الخطوة، وهو أمر لا يمكن ضمانه. وفي هذا الصدد، أشار «جيمس إم. ليندسي» من مجلس العلاقات الخارجية، إلى أن «مجرد العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني سيخلق أيضًا صداعًا سياسيًّا لبايدن في الداخل»، وأن الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء والذين عارضوا اتفاق عام 2015 «ليسوا على الأرجح على استعداد لاحتضان» أمر العودة إلى اتفاق مثله في عهد بايدن في عام 2021، وخاصة إذا استمرت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في التصاعد في الأسابيع الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب.
وعلى الرغم من أن النظام الإيراني أوضح حتى الآن أنه يعتقد أنه قد تجاوز سياسة ترامب المتمثلة في ممارسة «أقصى الضغوط»، إلا أن الهجمات الأخيرة ضده، فضلاً عن التهديد المفترض باستخدام القوة من قِبَل الولايات المتحدة بشكل مباشر، يؤدي إلى استمرار الأجواء المتوترة في المنطقة.
ويرى المحللون الغربيون، أن عملية اغتيال العالم النووي الإيراني «محسن فخري زاده» تهدف إلى استفزاز إيران للقيام بعملية عسكرية خاصة بها، والتي من المحتمل أن تستبعد إمكانية قيام بايدن بالتفاوض في السنوات الأولى من رئاسته مع طهران؛ فقد أوضح المحلل الإسرائيلي «يوسي ميلمان» في مقال له بموقع «ميدل إيست آي» أنه بالنسبة لإسرائيل، فإن «السيناريو المأمول» لاغتيال فخري زاده هو جعل طهران «تنتقم من الولايات المتحدة، الأمر الذي لن يترك أمام ترامب أي خيار سوى إعلان الحرب على إيران»، وهذا الشيء من شأنه أيضًا أن يؤدي إلى «إحراج الرئيس المنتخب جو بايدن». وأوضح الكاتب «باتريك وينتور»، بصحيفة الجارديان البريطانية، أن «صراعًا في السلطة جاريًا في طهران بين المتشددين الذين يريدون من إيران تقليص التزامها بالاتفاق النووي والإصلاحيين الذين يحذرون من رد أمريكي وإسرائيلي قبل أن يتولى بايدن منصبه».
وأضافت داليا داسا، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة راند الأمريكية، أنه «من المؤكد أن الانتقام الذي يستهدف أمريكيين في مسرح مثل العراق سيخلق تعقيدات خطيرة لفريق بايدن».
وهكذا، فقد اهتزت السياسة التي كان يخطط «جو بايدن» لاعتمادها بالفعل تجاه إيران جراء النهج العدائي المتوقع لدونالد ترامب تجاه إيران في الأسابيع الأخيرة له في منصبه. وفي وقت تتصاعد فيه التوترات في الشرق الأوسط، فإن رفض النظام الإيراني شروط بايدن بانضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاق يشكل اختبارًا لما يمكن أن تحققه المفاوضات المستقبلية. ومع ذلك، تظل الحقيقة الأساسية أنه إذا ردت طهران على أي استفزاز لها من قِبَل الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن المعارضة السياسية الداخلية التي تواجه بايدن يمكن أن تفسد خططه لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. وهذا، بالطبع، ما ستهدف إليه الإدارة الجمهورية الراهنة والمنتهية ولايتها.