top of page
11/12/2020

رئاسة بايدن ومستقبل الحروب الأمريكية الأبدية

إن صعود الإدارة الديمقراطية بقيادة جو بايدن إلى السلطة في واشنطن يعني أنه سيتم قريبًا إدخال مجموعة كبيرة من سياسات الأمن الخارجية والوطنية الجديدة، حيث تتناقض الغالبية العظمى منها بشكل كبير مع سياسات إدارة ترامب السابقة. وفي الواقع، أصبحت السياسات المستقبلية تجاه قضايا مثل التعاون الدولي والصين وإيران محل نقاش المحللين على نطاق واسع لمزاياها وعيوبها.

 

وتعد إحدى القضايا، التي حظيت باهتمام محدود، تتعلق بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وعلى الأخص في أفغانستان والعراق؛ فمع إعلان كل من ترامب وبايدن عن رسالة مماثلة تجاه الموضوع خلال الحملة الرئاسية الأمريكية لعام 2020 تم إبعاد المسألة لاحقًا في المناقشات. ومع ذلك، فإن إعلان ترامب الأخير بأن الولايات المتحدة ستعمل على تقليص وجودها المتضائل بالفعل في مناطق الصراع يطرح الآن معضلة سياسية خارجية رئيسية للإدارة القادمة، وهي ما إذا كان سيتم خفض أعداد القوات في الخارج أم لا ثم حساب التداعيات الأمنية المترتبة على قرارها.

 

ولدراسة هذه المعضلة، عقد معهد بروكنجز، ومقره واشنطن، مناقشة عبر الإنترنت يوم 24 نوفمبر 2020 شارك فيها خبراء السياسة الخارجية، أدار النقاش مايكل إي أوهانلون، زميل أقدم ومدير الأبحاث في السياسة الخارجية بمعهد بروكنجز. تضمنت المناقشة أيضًا تعليقات المشاركين، وهم كريستوفر بريبل وهو المدير المشارك لمبادرة المشاركة الأمريكية الجديدة في مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن بالمجلس الأطلسي، ومديحة أفضل زميلة في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز، وجاستن لوجان زميل باحث ومدير البرامج في مركز دراسات الحكمة السياسية في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية بواشنطن، وفاندا فلباب براون زميلة بارزة في مركز الأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا التابع لمعهد بروكنجز.

 

افتتح أوهانلون المناقشة مشيرًا إلى أن المشاركين جميعًا اتفقوا بدرجات متفاوتة على أن الولايات المتحدة يجب أن تقلل من تأثيرها الخارجي على المستوى الدولي، وبالتالي فإن الاختلافات تتراوح حول المستوى «المعقول» و«المرغوب فيه» لنشر القوات الأجنبية الذي ينبغي أن يكون. لذلك، ادعى أوهانلون، بالنسبة إلى المحللين الأمريكيين المعاصرين، أن صنع القرار يدور حاليًا حول «الخيار الأقل سوءًا». بعد ذلك، بالانتقال إلى أعضاء النقاش، وطرح سؤالا عاما وهو هل تمكنت الولايات المتحدة من التدخل بشكل صحيح في السنوات العشرين الماضية؟ وأين أخطأت؟

 

كان بريبل أول المتحدثين مشيرًا إلى أن سياسة أمريكا بشأن التدخل لم تتغير بشكل جذري في العقدين الماضيين، وأن هذه الاستمرارية عانت منها السياسة الخارجية الأمريكية، حيث «لم يكن هناك ما يكفي» من الحافز السياسي لتغيير هذا الوضع. وتساءل عما إذا كان من الضروري في عام 2020 الحفاظ على مثل هذه المستويات من نشر القوات في الخارج؛ لضمان الأمن القومي للولايات المتحدة، وأن الأموال التي أُنفقت على ذلك ربما كان من الأفضل استخدامها في موضع آخر.

 

وانتقل أوهانلون بعد ذلك إلى مديحة أفضل، التي أكدت أنها «ليست من مؤيدي البقاء في حرب أبدية» في أفغانستان، لكنها حذرت بعد ذلك من أن احتمال انسحاب سريع وشامل للولايات المتحدة من الدولة التي مزقتها الحرب سيكون خطأ.

 

وقالت إن الوجود العسكري الأمريكي المستمر في أفغانستان من شأنه أن يوفر «نفوذًا» لكابول في مفاوضاتها مع طالبان، كما أنه سيفيد الولايات المتحدة بشكل مباشر في تجنب صياغة «رواية» كارثية يمكن بموجبها توجيه اللوم على أي حالة من عدم الاستقرار بالبلاد في المستقبل على الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، زعمت أيضًا أن «الحرب الأبدية» في أفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة قد «تراجعت بشكل أساسي» مع بقاء أقل من 2% من القوات النشطة في البلاد من أعلى عدد مشاركة للولايات المتحدة. ورأت أن مغادرة أمريكا لأفغانستان الآن «تضيع فرصة رئيسية»، وأن الكُلفة ستكون «عالية» في حالة «صعود» طالبان.

 

وعن قرار ترامب الأخير بسحب المزيد من القوات من البلاد في الأسابيع الأخيرة له في منصبه، صرحت أفضل بأنه لم تكن هناك حاجة فورية للقيام بذلك، ومن ثَم فقد «تسبب في ضرر حقيقي» و«أضعف الموقف الأمريكي». وبالنسبة إلى المستقبل، أشارت إلى أن قرار ترامب يعني أن بايدن «لن يكون لديه سوى مساحة صغيرة جدًّا للمناورة» وأنه على الرغم من أن الرئيس الجديد «لن يرغب في زيادة القوات»، فقد يضطر إلى زيادتها؛ بسبب المواقف المستقبلية الخارجة عن سيطرة واشنطن.

 

وجادل جاستن لوجان بقوة من أجل الإنهاء الفوري لـ«الحروب الأبدية»؛ بالنظر إلى أنها «فشلت» في ضمان أمن الولايات المتحدة ضمن «سياق استراتيجي أوسع»، وزعم كذلك أنه في الشرق الأوسط لا يمكن لأي دولة «أن تعرض قوتها خارج حدودها بطريقة تحقق من ورائها أهدافا».

 

وأخيرا، دعت فاندا فيلباب براون، إلى نهج جديد في أفغانستان. وتساءلت براون عما إذا كان من الأفضل إنفاق عشرات المليارات من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على قضايا أخرى، مثل وقف إزالة الغابات ومكافحة الأوبئة القاتلة، وادعت أن الانسحاب الفوري لمزيد من القوات الأمريكية في أفغانستان سيزيد من حالة انعدام الأمن في البلاد، حيث لا يزال ما يصل إلى 40 ألف شخص يموتون كل عام، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي احتمال» حاليًا لوقف نفوذ طالبان في البلاد، وأن إعادة انتشار القوات لن يؤدي إلا إلى إبطاء عملياتهم، بدلاً من هزيمتهم عسكريًّا.

 

بعد ذلك، وجه أوهانلون السؤال إلى بريبل عن المكان الذي يجب أن تقلل فيه الولايات المتحدة من وجودها العسكري المادي، وبالعكس أين يجب أن تبقى. وفي رده، شدد بريبل على «الحاجة إلى التفريق» بين الوجود الأمريكي في الخارج الذي كان يسبق أحداث 11 سبتمبر والوجود الإضافي الذي كان جزءًا من «حروب ما بعد 11 سبتمبر»، لكنه أكد أن «الوجود المادي للقوات الأمريكية في المنطقة أصبح مانعا لاستهداف التطرف والإرهاب للولايات المتحدة».

 

وفيما يتعلق بالحجة السابقة لـ«أفضل» بأن استمرار وجود القوات الأمريكية يعزز الموقف التفاوضي للحكومة الأفغانية مع طالبان، رد بريبل بأنه «لا يوجد الكثير من الأدلة التجريبية» لدعم هذا التأكيد، وأن الدعم الأمريكي للحكومات المتحالفة مكّن تلك الحكومات من التصرف بتهور، معتقدة أن القوة الأمريكية تدعمها.

 

استمرارًا لذلك، تحدث لوجان عن موافقته على «اتفاقيات الوصول» للأفراد العسكريين الأمريكيين في الدول الحليفة، ولكن أيضًا عن حاجة دول الشرق الأوسط ذات الوجود العسكري الأمريكي لإثبات بشكل أكبر أنها «بحاجة للدفاع» من قِبَل الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بـ«الحروب الأبدية»، صرح أيضًا بأنه لا يستطيع «أن يتصور الوقت الذي قد تغادر فيه آخر القوات الأمريكية الأراضي السورية أو أفغانستان»، وأن هذه الصراعات «يبدو أنه تم تدبيرها وإعدادها للاستمرار إلى الأبد»، وقد تمت صياغة السياسة الأمريكية حيالها في «غياب نوايا تحقيق النصر فيها» أو «غياب ملامح الأهداف النهائية» لمستقبل هذه البلدان.

 

وردًّا على سؤال من مايكل هانلون للتعليق على هذه الآراء والحجج المتبناة من قِبَل «بريبل» و«لوجان»، أشارت مديحة أفضل إلى أن «الوضع النهائي» لحل الصراع في أفغانستان سيكون بانسحاب الولايات المتحدة من البلاد، وزعمت أن المنطقة بأسرها تريد ذلك، وأنه بمساعدة من الحكومة الباكستانية، يمكن أن يحدث الانسحاب في غضون ما بين 3 و5 أعوام مع وجود «نوع من اتفاق تقاسم السلطة». ومع ذلك، فقد حذرت أيضًا من أن المفاوضات الراهنة لا تزال لديها «احتمالات حقيقية» بالفشل، وخاصة أن الحكومة الأفغانية وطالبان لا تزالان «تعربان عن معارضتهما» إزاء بعض القضايا الرئيسية. وانتقادا منها لعملية السلام هذه، أضافت فيلباب براون أن الاتفاق الراهن والمقترح في أفغانستان «غير واقعي تمامًا» وأن تشكيل حكومة أفغانية مع طالبان يظل «احتمالاً بغيضًا».

 

وردًّا على سؤال حول الوضع في العراق، علقت فيلباب براون قائلة إن تلك الدولة لا تعاني من «نفس الضغوط التي تعاني منها أفغانستان»، لكن سياسة ترامب في سحب القوات الأمريكية في ظل تصاعد التوترات مع إيران المجاورة هي «الأسوأ على الإطلاق»؛ لأنها لا تجعل العراق في أمان واستقرار بل وتخاطر تلك السياسة أيضًا باندلاع الصراعات مع المليشيات المدعومة من إيران.

 

وركز القسم الأخير من المناقشة على ما يمكن أن تفعله إدارة بايدن القادمة، فبالإشارة إلى التعيينات الجديدة المحتملة فيما يتعلق بحقيبة السياسة الخارجية ومجلس وزراء بايدن القادم نفسه، علق «بريبل» على تأثير ذلك على كافة الصراعات في المنطقة قائلاً إن «الأمر كله يعود إلى ما تعلموه» من تحليل نهج السياسة الخارجية الأمريكية الأخيرة، كما يعتمد على ما إذا كانوا «يعتقدون أن هذه الحروب قد أدت إلى تقدم الأمن الأمريكي». ولكنه سرعان ما سأل نفسه و«إذا لم يكن الأمر كذلك، فما هو النهج المختلف الذي يتبناه هذا المجلس في الواقع؟». وهنا أشار إلى أنه على الرغم من أن بايدن ستكون له الكلمة الأولى والأخيرة على الإطلاق كونه رئيسا للولايات المتحدة، إلا أن هناك احتمال لحدوث «تحول سريع في تقلد الأجيال الجديدة» زمام السياسة الخارجية الأمريكية، نظرًا إلى أن الديمقراطيين الشباب يفضلون بشكل متزايد تبني خيار الدبلوماسية والأعمال التجارية بديلاً عن التدخل العسكري كوسيلة لتعزيز القيم الأمريكية في الدول الأخرى الخارجية. وبالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أنه من المحتمل أن تكون هناك «ضغوط قصوى» على الميزانية العسكرية الأمريكية، وخاصة مع تخصيص المزيد من الأموال لقضايا الشؤون الداخلية بدلاً من ذلك.

 

وختاما، كان النقاش بشأن «الحروب الأبدية» محدودًا، ولم تتم مناقشة تعريف المصطلح بشكل صحيح مطلقًا، حيث استخدم المشاركون مصطلحات أخرى مماثلة مثل «حروب 11 سبتمبر» و«النزاعات المفتوحة»، علاوة على ذلك، كان تركيز المناقشة راسخًا بقوة على حالة أفغانستان، مع استخدام قدر محدود من الوقت لمناقشة حالة العراق والسياسات المستقبلية لإدارة بايدن نفسها. وعلى الرغم من أن الخيارات والأهداف المحتملة لإدارة بايدن كانت مدروسة وواضحة جيدًا، إلا أن تحليل المسار الذي قد تسلكه الإدارة الديمقراطية لتحقيق ذلك كان مبهمًا. لذلك، وبشكل عام، فعلى الرغم من محدودية نطاق الأحداث الجارية التي يتناولها، قدم هذا الحدث منظورًا واضحًا للمعضلة التي يواجهها صانعو القرار في السياسة الخارجية بشأن استمرار وجود الولايات المتحدة في بلدان غير المستقرة، وأكد هذا الحدث أن القضية لن تكون سهلة ولا سريعة الحل.

{ انتهى  }
bottom of page