top of page
27/9/2019

التحالف الدولي للأمن البحري في الخليج ومواجهة التحديات

بدا موقف العديد من المُحللين متشائما على وقع صدى رغبة الرئيس الأمريكي ترامب في بناء تحالف أمني بحري لحماية الممرات البحرية في الخليج العربي لمواجهة الأعمال العدائية الإيرانية؛ ففي منتصف سبتمبر عقدت القيادة المركزية الأمريكية مؤتمرًا على متن سفينة النقل البريطانية «كارديجان باي» -المتوقفة في الشرق الأوسط- حيث بدأت فيها المراحل الأولى من التخطيط لإنشاء (التحالف الدولي للأمن البحري -IMSC)، بحضور ممثلين عن 25 دولة، وقد نوقشت فيها الخطط اللوجيستية الأمريكية لدوريات مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان والخليج العربي.
وقد وافقت كل من البحرين والسعودية والإمارات على المشاركة في التحالف الدولي، وأعلنت الكويت يوم 22 سبتمبر أنها تدرس الانضمام إلى هذا التحالف، ويهدف التحالف إلى مُساندة الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة تهديدات الملاحة البحرية والتجارة العالمية، لضمان استمرار تدفق إمدادات الطاقة للاقتصاد العالمي.
ويرى المراقبون أن هذه الخطة المثيرة للجدل مؤشر على تدهور وضع الأمن في الخليج، وهو ما خلص إليه التحليل الأخير، الذي أجراه مركز ستراتفورد الاستخباراتي الأمريكي، فهو «يسلط الضوء على المخاوف السائدة بين دول الخليج العربي من تشكيل إيران تهديدًا مستمرًا لمصالح النقل البحري».
وقد شهدت منطقة الخليج موجة من هجمات السفن ومصادرة ناقلات النفط وإسقاط الطائرات من دون طيار، وآخرها الاعتداءات على منشآت شركة أرامكو النفطية في شرق المملكة من جانب النظام الإيراني؛ فهي منطقة حيوية وتمثل أهمية خاصة لدول العالم؛ نظرًا إلى اعتمادها على صادرات النفط؛ حيث يمر عبر الخليج يوميا 21 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات النفطية، أو ما يعادل 20% من الإجمالي العالمي، ومعظمه يأتي من الموانئ الإماراتية والمصافي السعودية، وقد تضرر إنتاج الدولتين بسبب أعمال إيران الإرهابية، مما عجل في طلبهم مزيدا من الضمانات لأمنهم، نظرًا إلى الأضرار الاقتصادية التي قد تحدث إذا توقفت صادراتهم من الطاقة. وتتمحور خطة الأمريكيين في تأمينهم مضيق هرمز عبر التنسيق والمراقبة، بينما يقوم الحلفاء الآخرون بدوريات في المياه المجاورة، ومرافقة السفن التجارية الخاصة بهم. 
يعد القيام بقياس النجاح المحتمل للتحالف -من خلال النظر في فعاليته المُحتملة للوفاء بمهامه- عاملا مهمًّا للحكم على نجاحه أو إخفاقه، وحتى هذه اللحظة يمكن القول: إن حيثيات التأسيس الجارية الآن والرامية إلى التكتل الدولي قد نجحت بالفعل في خدمة أهدافه؛ حيث لم تتأثر حركة الشحن التجاري في الخليج منذ أن بدأ التحالف في التعبئة أوائل أغسطس، كما حدث خلال شهري مايو ويونيو، رغم تعدد أعمال إيران العدوانية الأخرى. 
ومرد التراجع العدواني الإيراني ينبع من خوف طهران من إثارة رد بحري قوي على أي هجمات، بعد أن قررت أمريكا وعدد من الحلفاء حشد قواتهم، وستظل البحرية الإيرانية تكافح لإدامة أمد الصراع أو حتى التصدي لهجوم محدود من قبل دول التحالف، إلا أن القوة البحرية الأمريكية وحدها كافية لردعها عن استفزازها وحلفائها في الخليج، فلغة الأرقام وحدها تظهر قوة الردع الأمريكية في أنها على أهبة الاستعداد لمواجهة الهجمات الإيرانية، وأن هذه المقارنة الحسابية كفيلة بترجيح مزايا البحرية الأمريكية وتفوقها العسكري مقارنة بإيران؛ حيث إن قواتها المسلحة أكثر تطورًا، وتملك مزايا تكنولوجية في مجالات عدة مثل: قدرات الرادار، والطائرات المُسيرة، والخبراء يتفقون على أن البحرية الإيرانية لا يمكنها الصمود في حالة نشوب مواجهة عسكرية مفتوحة بين الطرفين.
وثمة تعزيزات أخرى قوية تصب في صالح التحالف الدولي كرادع أمام الاستفزازات الإيرانية، تتمثل في التحديثات البحرية الخليجية الأخيرة، التي قام بها الحلفاء في الخليج، وبخاصة السعودية والإمارات، فقد أقامت السعودية مؤخرا شراكات مع الشركات الفرنسية والإسبانية في مجال الهندسة البحرية، وتعاقدت على 50 قارب دورية جديدا سريعا من ألمانيا، ومع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية عام 2018 من أجل التصميم والمواد اللازمة لبناء أربع سفن متعددة المهام القتالية، بقيمة 282 مليون دولار، بينما وقعت الإمارات عقدًا بقيمة 850 مليون دولار مع شركة سفن فرنسية، لبناء أربعة فرقاطات جديدة، وهذه التحديثات الخليجية الرادعة تُحسن قدرة هذه الدول وفاعلية التحالف في الرد الفوري.
ومع ذلك، تظهر معوقات وتبقى تحديات واضحة داخل التحالف، تعيق فعاليته، حيث -وفقا لتقرير ستراتفورد- إن «البرنامج حتى في حال تم تدشينه بنجاح لا يضمن بأي حال من الأحوال أن إيران ستنهي أو تقلل من هجماتها على ناقلات النفط، التي تشق طريقها عبر الخليج العربي»، كما أن ثمة معوقا آخر يلازم جميع التحالفات العسكرية، ويتمثل، كما يقول هيلر من معهد الخليج في واشنطن، في كون أن «الدول المشاركة لديها قيود قانونية وإجراءات تشغيلية مُختلفة» يمكن أن تعيق قابليتها على التنفيذ، أضف إلى ذلك أن «الوحدات الداعمة للعملية لها أولويات ائتلافية ووطنية على السواء قد تتعارض مع بعضها البعض»، وثمة مشاكل أخرى أيضًا تتمثل في «تقويض السرية المُفرطة للمعلومات الاستخباراتية والقيود المفروضة على المعلومات»، وفي «الاختلافات المتوقعة على غرار الحواجز اللغوية، ودرجة تحمل المخاطر، وأساليب الإدارة». 
وهذه المعوقات -بدورها- ستقلل من استجابة التحالف للرد على التصرفات العدائية الإيرانية، وتقلل من فعاليته كرادع، كما أن الاعتماد المفرط للتحالف على أمريكا سيضعفه، وبخاصة أن فترة ترامب تتميز بالتذبذب المستمر والتناقض، فقد أصبح التقلب هو السمة المميزة لأمريكا فيما يخص سياساتها الخارجية، ومن ثم فليس من المُستبعد إقدام واشنطن على سحب دعمها للتحالف، مما يجعل حلفاءها عُرضة للخطر، وبدون القوة العسكرية الأمريكية، ليس هناك ما يضمن مقدرة دول الخليج على صد هجوم إيراني، وهو ما أشار إليه نيك تشايلدز- زميل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- قائلا: «سواء كانت المملكة المتحدة أو غيرها من المُشاركين المحتملين،... يبقى اللاعب الوحيد الذي لا يزال قادرًا على توفير القدرة الشاملة وحجم القوات المطلوبة لقيادة جهد دولي قوي لحماية الأمن البحري في الخليج، هو الولايات المتحدة».
ويقوي من إشكالية ضعف التحالف ما يطرأ من تعارضات في الموقف الأوروبي والأمريكي تجاه الملف الإيراني؛ فقد تجنب الأوروبيون الانضمام إلى التحالف، وتوقف التعاون فيما بينهم، ويشير كل من لارا سليجمان وكيث جونسون -مُحللي الشؤون الخارجية في تقرير لمجلة فورين بوليسي- إلى تبعات هذه المسألة فيقولا: «لقد كافحت الدول الأوروبية للحفاظ على الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، وحاولت أن تنأى بنفسها عن رحيل واشنطن من جانب واحد عن الصفقة وحملة (أقصى ضغط) التي تمارسها بحق إيران»، وهذا الاختلاف مبعثه توجس الأوروبيين من نوايا ترامب بخصوص الملف النووي الإيراني وعدم مسايرتهم لقراراته؛ حيث رفضوا الانضمام للتحالف خوفًا من استخدامه- من قبل ترامب - لشن هجوم ضد إيران.
ويرى محللون أن التحالف يبدو عديم الفاعلية، لأن ترامب حريص على تجنب الحرب مع إيران بشتى الطرق، وأن سيناريو الاستفزازات البحرية في الخليج -وحدها- لن تدفعه إلى مهاجمة إيران عسكريًا إلا في حالة قيام طهران بخطوات إضافية في تطوير السلاح النووي، وهذا ما يؤكده هادي فتح الله -زميل في معهد كورنيل للشؤون العامة- قائلا: «تركز سياسة «أقصى ضغط» التي تتبعها إدارة ترامب نحو إيران على التطور النووي لإيران وليس على أمن الخليج»، فقد صرح الرئيس ترامب «مرارًا وتكرارًا بأنه على استعداد لخوض حرب مع إيران لمنعها من امتلاك أسلحة نووية»، لكنه «ترك الباب مفتوحا حول ما إذا كان سيصرح باستخدام القوة لضمان أمن الخليج».
ويبدو إلى الآن وفقا لهذه المعطيات أن تأمين مسار الطاقة العالمي في الخليج العربي غير محفز على توجيه فوهات الأسلحة الأمريكية نحو الشواطئ الإيرانية لردعها، على الرغم من كون أمريكا تقوم بحماية ممرات الملاحة العالمية إلا أن ترامب لا يؤمن بأن هذه المهمة هي مصلحة أمريكية، بل على الدول الأخرى-المستفيدة من النفط- حماية هذا الممر الملاحي، وهذا ما أشار إليه ستيفن كوك- في معهد الدراسات الخارجية- حيث يشير كوك إلى أن الرئيس دونالد ترامب كتب تغريدة في 24 يونيو، قال فيها: «تحصل الصين على نسبة 91% من نفطها عبر المضيق، واليابان 61% وعدد آخر من الدول، فلماذا نحمي ممرات الملاحة للدول الأخرى ومن دون عوائد؟ ويجب على هذه الدول كلها حماية سفنها في رحلة دائما كانت خطيرة»، ووجهة النظر هذه تلتقي مع ما صرح به ترامب نفسه من أن بلاده لا تسعى للحرب مع إيران.
وفي تطور جديد دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم 23 سبتمبر 2019 في نيويورك إلى تشكيل تحالف دولي لضمان الأمن في منطقة الخليج، يضم كلا من إيران والسعودية والعراق والبحرين والإمارات وقطر وعمان والكويت برعاية الأمم المتحدة، وهذه الدعوة قد تعبر عما تعانيه إيران، التي تئن تحت وطأة العقوبات الأمريكية، وتعبر عن شعور بالخوف من هجوم عسكري وشيك، حيث سبقتها دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني، يوم 22 سبتمبر بأنه سيتقدم - خلال مشاركته في أعمال الدورة الـ(74) للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة لإنشاء تحالف لضمان أمن الخليج ومضيق هرمز، على أساس التعاون بين دول المنطقة، وتوقيت هذه المبادرة الإيرانية يأتي استغلالا لهذا التجمع العالمي، والمراد منه فك الحصار والضغط المتواصل نتيجة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والبحث عن ثغرة لتخفيفها ولتجنُّب أي رد عسكري أمريكي، إلا أن هذه المبادرة- وفقا للمعطيات السياسية السلبية من قبل الدولة الإيرانية- مرفوضة سلفا، باعتبارها دولة معتدية، تسببت في زعزعة أمن المنطقة، وتدخلها المخالف للأعراف والمواثيق الدولية في شؤونها، وتعطيل الممرات الملاحية وتخريبها، وتمويل الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
وفي الأخير: تواجه مبادرة التحالف وفق حيثيات تكوينه بعض التحديات الكبيرة، رغم أن القوة العسكرية المشتركة لأمريكا وحلفائها قد ردعت حتى الآن المزيد من الهجمات الإيرانية في الخليج، إلا أنها ليست مضمونة بأن تكون رادعة مستقبلا، أضف إلى ذلك أن التحالف يواجه صعوبات لوجستية متأصلة؛ بسبب الفجوات التشغيلية بين أعضائه؛ حيث يعتمد على أمريكا المتقلبة، ويفتقر إلى الدعم الأوروبي الواسع، مما يجعله عرضة للتراجع المفاجئ لقدراته وقوته.
ومن غير الواضح معرفة موقف ترامب في ظل رغبته في تجنُّب الدخول في صراع طويل الأمد في المنطقة، كما أن وجود التحالف قد يثير بحد ذاته حربًا إذا شعرت إيران بأنها محاصرة في الخليج، ومن ثم تقوض تلك الاحتمالات قدرته على تحقيق الأهداف المُحددة، ومنها حماية الممرات المائية من الاستفزازات الإيرانية، وبصرف النظر عن كل ما سبق، ليس أمام دول المنطقة، وبخاصة أمام العمل الإرهابي الأخير، سوى القليل من الخيارات لكن عليها المحاولة والمقاومة ودعم التحالف بأي طريقة ممكنة لردع أفعال إيران الإرهابية.

{ انتهى  }
bottom of page