14/11/2020
نجاح أول لقاح لكورونا في الغرب يعطي أملا في نهاية هذه الجائحة العالمية
بعد ثمانية أشهر من تسبب جائحة فيروس كورونا في دمار غير متوقع للعالم، حدث أول تقدم في تطوير لقاح ناجح لمنع انتشاره وآثاره الصحية، وهو ما تم من خلال التعاون بين شركة الأدوية الأمريكية العملاقة «فايزر» وشركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية «بايونتيك». وقد قوبل إعلان اللقاح الجديد بالكثير من الحماس والارتياح باعتباره إنجازًا هائلاً للعالم في استعادة شكل من أشكال الحياة الطبيعية بعد كوفيد-19.
ووسط الثناء على مطوري اللقاح، كان هناك أيضًا الكثير من الحذر فيما يتعلق بالحاجة المستمرة إلى الحفاظ على تدابير الصحة العامة المتبعة حاليًا إلى أن يُختبر اللقاح بشكل أكبر، ثم يتم توزيعه على نطاق واسع، نظرًا إلى أن هذه العملية قد تستغرق عدة أشهر. وعلى الرغم من أن اللقاح ليس نهاية الحلول للجائحة فإنه يمثل المرحلة الأولى في بداية النهاية، كما يوضح بالتأكيد تميز العلم الحديث في إيجاد حلول للقضية التي ظلت فترة طويلة فوق قدرات البشرية.
وبناءً على المعلومات المحدودة التي قدمتها الشركتان حتى الآن، أبدى الخبراء الطبيون والمعلقون رد فعل متحمسًا تجاه إمكانات هذا اللقاح. وأظهرت نتائج اختبارات اللقاح أنه فعال بنسبة 90% في حماية الأفراد من انتقال الفيروس. وبنفس القدر من الأهمية، لا توجد حتى الآن مخاوف صحية خطيرة حوله، لعدم اكتشاف آثار جانبية كبيرة في المرضى الذين خضعوا للعلاج باللقاح في التجارب الطبية. ووصف «مايكل إيرمان»، من «رويترز»، الأخبار بأنها «نصر كبير في الحرب ضد فيروس أودى بحياة أكثر من مليون شخص وضرب الاقتصاد العالمي».
ووفقًا لصحيفة «التايمز»، فإن نتائج التجارب السريرية «فاقت إلى حد كبير آمال معظم العلماء». وأشار «جوناثان تام»، نائب كبير الأطباء في إنجلترا، إلى اللقاح باعتباره «علامة فارقة للغاية».. بينما أشاد «جون بيل» أستاذ الطب بجامعة «أكسفورد» «بالمستوى المذهل من الفعالية لمطوري اللقاح، متوقعا عودة الحياة الطبيعية بحلول ربيع 2021، قائلا: «أنا أول شخص يعلن ذلك، ولكني سأقولها ببعض الثقة».
وعلى الرغم من أن اختبار اللقاح لم يكتمل بعد وسيستمر حتى ديسمبر 2020، فإن «فيليب أولترمان» يصف في صحيفة «الجارديان» نتائجه الرئيسية بأنها «مؤكدة» إذ تتطلع الهيئات التنظيمية الصحية في جميع أنحاء العالم الآن إلى «إجراء طلب ترخيص الطوارئ بسرعة قياسية». وقد ذكرت هذه الهيئات سابقًا أنه سيتم الموافقة على استخدام أي لقاح يزيد معدل نجاحه على50%، وبالتالي يندرج العلاج الجديد بوضوح ضمن هذه الفئة. وبالفعل، أصبح اللقاح قيد التصنيع على نطاق واسع، ومن المتوقع توافر حوالي 50 مليون جرعة بحلول نهاية عام 2020، وما يصل إلى 1.3 مليار جرعة من المقرر إنتاجها خلال عام 2021.
وفي المملكة المتحدة، أصدر وزير الصحة «مات هانكوك» تعليمات إلى هيئة خدمات الصحة الوطنية بالاستعداد لتوزيع اللقاح اعتبارًا من شهر ديسمبر، مع توصية اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين بأن تكون اللقاحات الأولى موجهة للعاملين والمقيمين في دور الرعاية، يليهم أي شخص يزيد عمره على80 عامًا. وحتى الآن، طلبت «وستمنستر» 40 مليون جرعة. وحيث إن كل شخص يحتاج إلى جرعتين، فستغطي بالتالي 20 مليون شخص في الوقت الحالي. وعندما يصبح إصدار اللقاح متاحًا، سيكون تحديًا رئيسيًا آخر للبنية التحتية من أجل توفيره، وقد أوصت الجمعية الطبية البريطانية بأن يكون اللقاح متاحًا للأفراد من مواقع القيادة التي تعمل 12 ساعة في كل يوم من أيام الأسبوع.
وعلى الرغم من هذا التفاؤل هناك أيضا قدر من الحذر. وأشار «إيرمان وستينهوسن» إلى أن «الاستخدام بشكل جماعي الذي يحتاج إلى موافقة الجهات التنظيمية لن يحدث هذا العام». ولاحظ «بيتر هوربي» من جامعة «أكسفورد» أنه في حين «أن هناك أخبارا إيجابية بشأن هذا اللقاح، إلا أننا بحاجة إلى رؤية مزيد من التفاصيل وانتظار النتائج النهائية»، مشيرا إلى أن هناك «طريقا طويلا جدًا يجب قطعه قبل أن تبدأ اللقاحات في إحداث فرق حقيقي».
وفي حديثه إلى وسائل الإعلام في التاسع من نوفمبر؛ حذر رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» من «الارتكان على هذه الأخبار كحل»، مؤكدا أنه لا يزال «الوقت مبكر جدًا في ظل الاتجاه نحو مستويات الذروة السابقة». من جانبه، دعا «هانكوك»، إلى توخي الحذر، قائلا: «يسعدني أن نرى بعض الضوء في نهاية النفق، لكن من المهم في هذه الأثناء أن نتمسك بعزمنا».
وكتب «بالاب غوش»، من شبكة «بي بي سي»، أن «النتائج الواعدة التي تم إعلانها لا تمثل بداية نهاية الوباء، لكنها بداية رحلة طويلة وصعبة لإعادتنا ببطء إلى حياة طبيعية أكثر». ويتضح هذا في العديد من الصعوبات التي تواجهها اللقاحات المحتملة الأخرى. ففي البرازيل، أوقف اللقاح الذي طورته شركة «سينوفاك» الصينية بعد وفاة أحد المشاركين في تجربة. وبالمثل، فإن التوقف عن اختبار جامعة «أكسفورد» وشركة «أسترا زينيكا» أدى إلى تأخير التجارب على لقاحهما. فيما تم إيقاف اللقاح الذي طورته شركة الأدوية الأمريكية «جونسون آند جونسون» مؤقتًا، لكنه عاد الآن.
ومع ذلك، دعا «سيمون كلارك»، من جامعة «ريدينج»، إلى إظهار الثقة بمطوري اللقاحات، قائلاً: «في غياب أي بيانات من شركة فايزر، وبايونتيك، يتعين علينا أن نأخذ بهذه الادعاءات المثيرة للغاية في ظاهرها، وأن تغضّ شركات الأدوية الكبرى الطرف عن مثل هذه الأخبار الخاطئة». ومع العلم فإن اللقاح الجديد هو واحد فقط من 11 لقاحًا آخر في المراحل النهائية من الاختبار، وهناك احتمال كبير أن تصبح المزيد من اللقاحات متاحة للاستخدام على نطاق أوسع في 2021. ومع وضع هذا في الاعتبار، لاحظ «برندان ورين» أستاذ علم اللقاحات في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة أن هذا اللقاح باعتباره الأول لمواجهة الوباء، فإنه «يمكنك بالتأكيد صنع الكثير منه، أما عن إمكانية توصيله إلى كل من يحتاج إليه فهذه مشكلة أخرى، كما أنه من الجيد أن يكون هناك لقاحات أخرى متاحة».
من ناحية أخرى، كان لإعلان أول لقاح ناجح تأثير ملحوظ خارج نطاق المجال الطبي. وشهدت العديد من الشركات انتعاشا في أسواق الأسهم العالمية. وفي هذا الصدد، أوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن أسواق الأسهم العالمية قد صعدت ردًا على أنباء إنتاج اللقاح، واستعادت أسواق الأصول والأسهم عافيتها لترتفع بالفعل بسبب التفاؤل بشأن فوز «جو بايدن» في الانتخابات الرئاسية الأمريكية». وأضافت أن «شركات الطيران والفنادق وصناعة الطائرات، التي دمرها الانهيار الناجم عن الوباء، كانت من بين أكبر الفائزين اليوم». وفي الواقع، شهدت جميع الشركات مثل «يونايتد إيرلاينز»، و«دلتا إيرلاينز»، و«أمريكان إيرلاينز»، ارتفاع أسعار أسهمها بأكثر من 15%، وشهدت الشركة الأم لشركة الخطوط الجوية البريطانية «IAG» ارتفاعًا أكبر بنسبة 25%. بالإضافة إلى ذلك، شهدت شركة صناعة المحركات النفاثة البريطانية «رولز رويس هولدنجز» ارتفاعًا في أسعار أسهمها بأكثر من 44%، وهو أكبر مكسب لها على الإطلاق.
وفي سوق النفط، شهدت الكثير من الشركات أيضًا انتعاشًا ملحوظًا. وأنهى خام «برنت» قيمته في التاسع من نوفمبر 2020 ليرتفع بنسبة 7.5% أعلى من اليوم السابق عليه ليصل عند 42.40 دولارًا للبرميل، كما شهد عملاقا النفط الأمريكيان؛ «إكسون موبيل» و«شيفرون»، ارتفاعا في أسعار أسهمهما بأكثر من 11% من حيث القيمة. وبشكل عام، ارتفع مؤشر وول ستريت ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.2% في نفس التاريخ. بينما أنهى مؤشر ستوكس500 الأوروبي قيمته مرتفعًا بنسبة 4%، وهو أعلى مستوى له منذ مايو الماضي.
وفي حين شهدت الشركات المذكورة أعلاه بعض التعافي من مشاكلها المالية السابقة، فإن الشركات التي حققت أداءً جيدًا خلال الوباء، مثل شركة «زوم لاتصالات الفيديو» وتطبيقاتها المعنية بعقد مؤتمرات الفيديو عبر الإنترنت، شهدت انخفاضا في قيمة أسهمها، إذ بدأ الكثيرون في الاستعداد لنهاية الوباء. وشهدت الشركة انخفاضا في قيمة أسهمها بنسبة 17% في يوم 9/11 وحده، بينما شهدت شركة «أوكادو» للتسوّق الإلكتروني أيضًا انخفاضًا كبيرًا في سعر أسهمها بنسبة 12%.
وبغضّ النظر عن كل ما سبق، هناك أمر آخر تجدر الإشارة إليه، وهو عملية إدخال صناعة هذا اللقاح عالم السياسة، وهو ما رفضته شركتا «فايزر» و«بيونتيك» كليًا. وفي أعقاب إعلان اللقاح، حاول نائب الرئيس الأمريكي «مايك بنس» أن ينسب بعضًا من الفضل إليه جراء هذا الاختراق غير المسبوق في المجال الطبي، وهو الشيء الذي رفضته شركة «فايزر» رفضًا لا لبس فيه. وعلقت «كاثرين يانسن» رئيسة أبحاث اللقاحات وتطويرها في الشركة: «لم نأخذ أي أموال من حكومة الولايات المتحدة، أو من أي شخص».
بالإضافة إلى ذلك، أفادت «هارييت ألكسندر»، من صحيفة «الإندبندنت»، بأن السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة «نيكي هالي» كانت على ما يبدو غير مدركة لأسباب رفض شركة «فايزر» أموال الحكومة الأمريكية عندما كتبت على تويتر أنه «لو كان الأمر تم على عكس ذلك، كان سيكون أحد الإجراءات التي قامت بها الإدارة الأمريكية للتصدي لهذا الوباء». وأضافت «هارييت» أن قرار الشركة عدم قبول أموال كان بناءً على رغبتها في الحفاظ على استقلاليتها التشغيلية. وفي رسالة مفتوحة في أكتوبر 2020، أعرب «ألبرت بورلا»، رئيس مجلس إدارة «فايزر»، عن أسفه لأن اللقاح «بات يتم مناقشته من منظور سياسي، وليس من منطلق حقائق علمية، وأنه يشعر بالإحباط من مغبة استخدام السياسيين للقاح كسلاح».
على العموم، قوبلت الأخبار المتعلقة بتطوير شركتي «فايزر» و«بيونتيك» لقاحًا مشتركًا ناجحًا بنسبة نجاح 90% ضد فيروس كورونا، بسعادة وراحة كبيرة. ومع ذلك، لا يزال هناك حذر من أنه لا يزال أمامه بعض الوقت في تطويره في ظل استمرار اختباره جنبًا إلى جنب مع حجم الإنتاج الضخم المتوقع لاستخدامه في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، ربما يكون تطوير هذا اللقاح بعد أقل من عام من ظهور الفيروس يخدم معايير الجودة الممتازة للبحوث الطبية والتكنولوجية التي تم عرضها من قبل المتخصصين الطبيين والخبراء في جميع أنحاء العالم.