5/11/2020
جائحة كورونا وأزمة إخفاقات الدول في التعامل معها
أحدثت جائحة كورونا، الذي انتشر بضراوة في ربيع عام 2020, دمارًا للصحة العامة والاقتصاد في جميع أنحاء العالم. وبحلول أشهر الصيف بدا أن أسوأ فترات تفشيه قد ولّت، بل وظهرت الآمال في عودة الأمور إلى طبيعتها في النصف الثاني من العام مع انخفاض عدد الإصابات والوفيات بشكل كبير. لكن مع بداية الخريف والشتاء ظهرت موجة جديدة من الإصابات على مستوى العالم، خاصة في أوروبا الغربية، والولايات المتحدة. ونتيجة لذلك تم تنفيذ عمليات إغلاق وطنية جديدة، في الوقت الذي استمرت فيه استراتيجية الخروج من الأزمة الطويلة تشغل اهتمام الحكومات، كما لا تزال الأسئلة العاجلة الأخرى قائمة، مثل متى سيكون هناك لقاح للفيروس، ولماذا تحجم البلدان عن التعاون على نحو أكثر اتساقًا في استجاباتها للوباء.
وفي بداية نوفمبر2020 تجاوز العدد الإجمالي لحالات الإصابة بالفيروس في العالم 45.500.000. وبلغ عدد الوفيات أكثر من 1.200.000. وسجلت الولايات المتحدة أكبر عدد من الإصابات، وصل إلى 9.000.000. تليها الهند مع أكثر من 8.000.000 إصابة، ثم البرازيل بأكثر من 5.500.000 إصابة. ومع استمرار أشهر الشتاء، فمن المؤكد أن تستمر الإصابات في الزيادة مع تفاقم الوضع في هذه البلدان، بدلاً من التحسن.
ومع تسجيل الولايات المتحدة 230.000 حالة وفاة جراء الفيروس حتى الآن، فإنها تمثل بالتأكيد أكبر حالات سوء الإدارة من قبل الرئيس «ترامب»، للاستجابة للجائحة. ووسط الإهمال في واشنطن، والتوقيت غير المناسب لانتخابات وطنية محددة الموعد؛ عاودت الإصابات اليومية بالفيروس في الزيادة، وفي حقيقة الأمر، فإنها لم تخرج من «الموجة الأولى» في مارس، حيث ارتفع إجمالي عدد الإصابات اليومية أيضًا إلى أكثر من 100.000 حالة يوميًا لأول مرة في 31 أكتوبر 2020, بتسجيل 100.233 حالة. وفي الوقت الذي يصر فيه «ترامب» على أن الولايات المتحدة «تقترب من إنهاء» تفشي الفيروس، وأن اللقاح سيكون متاحًا قريبًا؛ فإن حقيقة الوضع تبدو خطيرة، خاصة أن ما يفعله هو «تقييم يدعو إلى شعور زائف بالأمان».
ومن ثمّ واصل خبراء الصحة العامة التحذير من أن الوضع سيتدهور أكثر ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة. وفي هذا الصدد، حذرت «أماندا سيمانيك»، عالمة الأوبئة بجامعة «ويسكونسن»، من أن «هذه الزيادة أكبر من أي موجة أو ارتفاعات أخرى رأيناها حتى الآن، وأن هذا هو النمط الذي قد يستمر في الحدوث إذا لم نقمع العدوى لتصل إلى مستويات يمكن التحكم فيها». ومع ذلك، كان الرئيس الحالي مترددًا في فرض أول إغلاق على مستوى البلاد، ولم يشر إلى تدابير أخرى في حالة تصاعد الحالات أكثر.
وإضافة إلى المخاوف الحالية، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة تمثل أيضًا خطرًا كبيرًا لزيادة عدد الإصابات. ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة «ستانفورد»، الأمريكية، يمكن أن تُعزى ما يصل إلى 30.000 حالة إصابة بالفيروس إلى تجمعات حملة ترامب الانتخابية، مع وجود ثلاثة فقط من التجمعات الثمانية عشر التي تمت دراستها جرت في الهواء الطلق، مما دفع الكثيرين إلى تسمية هذه التجمعات بأنها أحداث «فائقة الانتشار». واستنتج «بي دوغلاس بيرنهايم»، الباحث الرئيسي في دراسة «ستانفورد»، أن «الأماكن التي نظمت فيها تجمعات ترامب دفعت ثمنًا أعلى من حيث المرض والموت».
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ليست هي البلد الوحيد الذي يعاني مؤخرًا من زيادة حالات الإصابة بالفيروس، فقد تكبدت «المملكة المتحدة» حتى الآن أكثر من مليون حالة إصابة وما يقرب من 47.000 حالة وفاة. وبعد فترة من تراجع الإصابات والوفيات، شهدت نهاية الصيف عودة تدريجية في كلا الرقمين. وفي البداية، تجاهلت حكومة «بوريس جونسون»، نصائح الخبراء للحث على إغلاق وطني آخر، وبدلاً من ذلك فضلت اتباع نهج محلي متدرج. ووجدت دراسة أجرتها جامعة «إمبريال كوليدج»، لندن أن ما يقرب من 100.000 شخص أصيبوا بالفيروس يوميا في نهاية أكتوبر.
وردًا على ذلك، حذر «مايك تيلدسلي» من جامعة «وارويك»، من أنه «إذا لم نتخذ إجراء عاجلاً، فمن المرجح أن نرى -مع اقترابنا من فترة الأعياد- المستوى الثاني على الأقل في كل مكان في البلاد». ومع تزايد عدد الإصابات بشكل كبير وتزايد الضغط السياسي، رضخت الحكومة، وأقرت بأن الإغلاق ضروري، مع استمرار هذه الإجراءات الجديدة لمدة شهر على الأقل بداية من الخامس من نوفمبر. وتعكس العودة إلى الإغلاق، إجراءات الموجة الأولى مع العديد من الاختلافات، بما في ذلك السماح للمؤسسات التعليمية بالبقاء مفتوحة.
ومع فشل «وستمنستر» في التعامل بحرفية أضحى «جونسون» هدفًا لانتقادات كبيرة من المعلقين بشكل واضح. وكتب «توم كيباسي»، من صحيفة «الجارديان»، أنه «تمامًا كما تراجع جونسون في مارس، تراجع مرة أخرى في أكتوبر، عندما تزايدت الإصابات بشكل كبير وكان من الممكن أن تنقذ الإجراءات السريعة الأرواح». وأضافت «فيكتوريا هانيمان»، من جامعة «ليدز»، أن الحكومة البريطانية بدت على مدى الأشهر العشرة الماضية، مُذهلة في إدارتها لتسجيل الأهداف الخاصة وإدارة خوض معارك مع أشخاص لم تكن ضرورية حقًا».
وعبر أوروبا تكافح العديد من البلدان الأخرى لاحتواء الفيروس، حيث تم تسجيل 1.5 مليون حالة إصابة جديدة في الأسبوع الذي يسبق الثاني من نوفمبر، فيما تم الإعلان عن موجة جديدة من عمليات الإغلاق في عدد من البلدان. وعانت فرنسا حتى الآن من أكبر عدد من حالات الإصابة في أوروبا الغربية مع وجود 1.450.000 حالة مؤكدة، وفي غضون ذلك، اعترف الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، بأن فرنسا تعاني حاليًا من حوالي 40.000 إلى 50.000 حالة إصابة جديدة بالفيروس يوميًا. بينما سجلت إسبانيا أيضًا أكثر من 1.100.000 حالة. وفي يوم 31 أكتوبر 2020 وحده، شهدت ألمانيا إصابة 19.059 حالة جديدة أخرى.
واستجابةً لهذه الزيادات الجديدة في أعداد الإصابات؛ أعادت الدول الأوروبية تنفيذ إجراءات إغلاق صارمة. ففي فرنسا، ستستمر القيود حتى الأول من ديسمبر مع السماح للمواطنين بمغادرة منازلهم فقط لمهام التسوق الأساسية وممارسة الرياضة. وبالمثل، فرضت ألمانيا إغلاقًا جزئيًا لمدة أربعة أسابيع، مع فرض قيود على المتاجر بأكملها. ومن بين الدول الأخرى التي اتخذت إجراءات مماثلة بلجيكا، وإيطاليا، وإسبانيا، واليونان. بينما قامت سلوفاكيا مؤخرًا بالكشف على أكثر من ثلثي سكانها وعمل اختبار الفيروس لهم يوم 31 أكتوبر الماضي. ومن بين هؤلاء، وجد أن 1.06% فقط كانت حالتهم إيجابية.
وكما هو الحال في المملكة المتحدة كانت هناك انتقادات لاذعة موجهة إلى سلوك الحكومات الأوروبية، بما في ذلك لندن، تجاه التحذيرات التي أطلقها خبراء الصحة العامة. وفي هذا الصدد، تشير «لورا سبيني»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن هؤلاء الخبراء يعتقدون أن «الاستراتيجية الأوروبية للخروج من عمليات إغلاق الربيع الماضي قد فشلت وأن السياسيين إما «تجاهلوا نصائح الخبراء، أو أنه لم يكن هناك أنظمة لتنفيذها بشكل صحيح على أرض الواقع لتجنب هذا الفشل».
ويكمن القلق الرئيسي في عدم وجود أي استراتيجية للتغلب على الأزمة في المستقبل، خاصة مع عدم توفر لقاح على نطاق واسع. وكتب «ديفي سريدهار»، رئيس قسم الصحة العامة العالمية في جامعة «إدنبرة»، في صحيفة «الجارديان»، أن «الخيار الأفضل، لصحة الناس والاقتصاد، هو إتباع نهج «تنفيذ الحد الأقصى من القيود»، وهو ما سيؤدي إلى دفع أعداد الإصابات إلى مستوى منخفض بما يكفي لتجنب تكرار دورة أخرى من عمليات الإغلاق». بالإضافة إلى ذلك، دعا إلى نسخ الإجراءات الاحترازية الناجحة في أماكن أخرى؛ ولا سيما «تدابير حدودية أقوى لمنع انتقال الفيروس وانتشاره، فضلاً عن توجيه الإرشادات الجيدة للجمهور حول كيفية تجنب الأماكن المزدحمة، والأهم من ذلك، وجود نظام قوي للاختبار والتتبع والعزل».
وفي الأخير، فإنه خلال الموجة الأولى من الوباء حذر خبراء الصحة العامة باستمرار من أن آثار الفيروس ستشعر بها جميع الدول لعدة أشهر قادمة. وعليه، فإن عدم تحسن الوضع الصحي في العديد من البلدان حتى الآن بات سببا رئيسيا للقلق، خاصة مع أشهر الشتاء القادمة. وعلى الرغم من ادعاءات «ترامب» تظل الحقيقة أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تزالان تواجهان حالة طوارئ صحية عامة كبرى لا يبدو أنها أقرب إلى الحل مما كانت عليه في ربيع عام 2020.