top of page
28/10/2020

المناظرة الرئاسية الأمريكية الثانية أكثر تحفظا وأقل تأثيرا

شهدت المناظرة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي، عودة الرئيسين المحتملين للبلاد على مدى السنوات الأربع القادمة إلى خوض معركتهما السياسية بشكل طبيعي، بعد أسابيع مضطربة ماضية. وقد كانت المناظرة الرئاسية الأولى التي عُقدت في 29 سبتمبر فوضوية بطريقة واضحة، حيث لم ينقل ترامب أو بايدن رؤيتهما للسنوات الأربع المقبلة. وبدلاً من تحسن الوضع ازداد سوءًا عندما ألغيت المناظرة الثانية المقررة؛ بسبب رفض ترامب الحضور. وهكذا، فإن المناظرة الرئاسية الثانية أصبحت تمثل الفرصة الوحيدة المتبقية لرؤية المرشحين الجمهوري والديمقراطي يتواجهان بشكل أفضل بشأن القضايا السياسية الرئيسية للناخبين الأمريكيين.

 

في 22 أكتوبر، تحقق ذلك من خلال الإدارة المنسقة للمناظرة، حيث تم وضع قواعد جديدة للنقاش وتغيير في اللهجة من ترامب وبايدن فيما يتعلق بكيفية تصرفهما، بالإضافة إلى تبنّي ترامب على وجه الخصوص نهجًا جديدًا تضمن تدخلا أقل عندما كان خصمه يتحدث، وذلك جراء رد الفعل العنيف بعد المناظرة الأولى.

 

وقد انعكس الهدوء والتحفظ في هذه المناظرة على الملاحظات التحليلية للمعلقين السياسيين؛ إذ أشار مايكل هيرش، من فورين بوليسي، إلى أن المناظرة الرئاسية النهائية لم تحذ حذو المناظرة الأولى، التي أُطلق عليها «مهرجان الصراخ»، ويرجع ذلك جزئيا إلى «القواعد الجديدة التي تنص على قطع ميكروفون كل مرشح في بداية كل سؤال للمرشح الآخر». وعلقت أيضًا لورين فيدور وكورتني ويفر، من صحيفة فاينانشال تايمز، بأنه نظرًا إلى أن كلا من ترامب وبايدن «اتبعا القواعد»، فقد سمح ذلك «بإجراء مناقشة جوهرية أكدت الاختلافات السياسية بين الرجلين».

 

كما لاحظ أنتوني زورشر، من بي بي سي، أن «دونالد ترامب وجو بايدن كانا أكثر صبرًا؛ لأنهما سمحا لبعضهما البعض بالتحدث، واستخدما لهجة محترمة» خلال اختلافهما. واتفاقًا مع هذه التقييمات الإيجابية، أكد ألكسندر بيرنز وجوناثان مارتن، من صحيفة نيويورك تايمز، أن «الصراع في الأمور الجوهرية والرؤية لا يمكن أن يكون أكثر دراماتيكية».

 

وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك مشاكل واضحة من أسلوب ترامب في المناقشة، من ضمنها توجيه اتهامات لا أساس لها وغير مدعومة ضد خصمه، فإن الخبراء رأوا أن الرئيس تبنّى نهجًا جديدًا أكثر هدوءًا لجذب الناخبين. ويوضح زورشر أنه في المناظرة الأولى «ربما تكون مقاطعات ترامب المستمرة قد أفقدته الدعم في استطلاعات الرأي اللاحقة». ونتيجة ذلك، «خفض الرئيس مقاطعاته بشكل واضح للغاية، ما جعله يصبح مُناقِشًا أكثر فاعلية بكثير». وأكد بيرنز ومارتن أن «ترامب مازال يزعج السيد بايدن بالعدوان المتزايد على مدار النقاش، في محاولة واضحة لتصوير خصمه السياسي على أنه سياسي متمرس».

 

وبالإضافة إلى تصرف ترامب وبايدن بمزيد من اللباقة إلى حد ما، فإن عمل منسقة المناظرة «كريستين ويلكر»، من قناة إن بي سي، قد تمت الإشادة به على نطاق واسع؛ إذ يرى هيرش أن «أداءها كان قويًّا ومسيطرًا على النقاش»، بينما يؤكد عمر جيمينيز، من شبكة سي إن إن، أنها «الفائزة في المناظرة»، حتى أن ترامب نفسه أشار خلال المناقشة إلى ويلكر، قائلا: «حتى الآن، أنا أحترم كثيرًا الطريقة التي تتعاملين بها مع هذه المناظرة». وهو أمر يتناقض بشدة مع انتقاده السابق لها على أنها «كانت دائمًا سيئة وغير عادلة، فقط مثل معظم مراسلي الأخبار الكاذبة».

 

وسيطرت جائحة فيروس كورونا مرة أخرى على سير المناظرة، على حساب تغطية أعمق للقضايا الأخرى ذات الصلة، مثل الاقتصاد والسياسة الخارجية. وردًّا على ادعاءات ترامب أن لقاحًا لفيروس كورونا كان قريبًا من التطوير ومتاحًا على نطاق واسع، رد بايدن بأن إدارة ترامب «ليست لديها خطة شاملة حتى الآن»، وأكد أن 200 ألف أمريكي آخرين قد يموتون بسبب الفيروس قبل نهاية العام، وأنه سيكون «شتاءً مظلمًا». بالإضافة إلى ذلك، أحدث ترامب تناقضًا لفظيًّا من خلال قبوله تحمُّل مسؤولية الضرر الناجم عن الفيروس، بينما ألقى باللوم على الصين عندما قال: «أنا أتحمل كامل المسؤولية، انتشار فيروس كورونا ليس خطئي، ولكنه خطأ الصين».

 

ولم يُظهر هذا الجزء من النقاش سوى القليل مما لم تتم مناقشته بالفعل؛ فقد خلص بيرنز ومارتن إلى أن «ترامب تمسك بتقديم رسالة مفادها أن عودة الأيام السعيدة أصبحت وشيكة»، على الرغم من الاستطلاع الذي أظهر «أن غالبية الناخبين يعتقدون أن أسوأ أزمة فيروس كورونا لا تزال في المستقبل».

 

كانت الهجرة من بين القضايا المطروحة الأخرى، التي بنى عليها ترامب حملته الرئاسية لعام 2016، ولكن لم يتم إبرازها بشكل كبير هذه المرة. وأوضح زورشر أن ترامب «حاول التقليل من أهمية بعض الخطوات الأكثر تطرفا التي اتخذها أثناء توليه المنصب»، مدعيًا أن مشكلة مراكز الاحتجاز نشأت خلال إدارة أوباما، وهو الأمر الذي رد عليه بايدن بأن تعامل إدارة ترامب مع القضية جعل أمريكا «أضحوكة».

 

وفيما يتعلق بالعلاقات العرقية في أمريكا، شن ترامب هجومًا على بايدن، منتقدًا دعمه مشروع قانون صارما للجريمة في التسعينيات، وأيضًا سجله في الجريمة والظلم خلال إدارة أوباما، قائلا: «إن ذلك كله كلام، وليست هناك أفعال لدى هؤلاء السياسيين»، ثم سأله: «لماذا لم تنجز ذلك؟ كانت لديك ثماني سنوات لإنجازه». فعلى ما يبدو أنه لم يضع في حسبانه المفارقة من أن رئاسته قد شهدت تأثر العلاقات العرقية في الولايات المتحدة بشكل سلبي. وعندما قارن ترامب سجله في العلاقات العرقية في أمريكا بأبراهام لينكولن، رد بايدن ساخرًا، إن «أبراهام لنكولن هو أكثر الرؤساء عنصرية في التاريخ الحديث».

 

وكما هو الحال في المناظرة الرئاسية الأولى، لم يجر التطرق إلى ملف السياسة الخارجية إلا بشكل طفيف، واكتفيا بكيل الاتهامات لبعضهما بعضا بارتكاب أخطاء. ويوضح هيرش أن «السياسة الخارجية لم تلعب سوى دور صغير في النقاش»، وهو ما كان مفاجئًا، نظرًا إلى أن حملة ترامب كانت تريد أن تحظى قضايا السياسة الخارجية بالقدر الأكبر من الاهتمام في النقاش بشكل كبير. ومع ذلك، كما أوضحت إليزابيث سوندرز، من صحيفة واشنطن بوست، أنه «من النادر رؤية السياسة الخارجية كقضية رئيسية في الحملة الانتخابية، حيث لا يُولي معظم الناخبين اهتمامًا كبيرًا للسياسة الخارجية»، كما يتضح من عقود من البحث حول أنماط تصويت الناخبين الأمريكيين.

 

وكانت إحدى قضايا السياسة الخارجية القليلة التي تمت معالجتها هي تعامل إدارة ترامب مع كوريا الشمالية؛ فقد تفاخر ترامب بأن الولايات المتحدة تتمتع الآن بـ«علاقة جيدة» مع بيونغ يانغ، ورد بايدن بأن كيم جونغ أون «سفاح»، وأن «علاقتنا بهتلر كانت جيدة قبل أن يغزو أوروبا».

 

ومن الأمور الأخرى التي تم التطرق إليها التدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية، بعد أنباء عن وصول كل من روسيا وإيران إلى بيانات الناخبين الأمريكيين قبل الانتخابات. وصرح بايدن بحزم بأن «أي دولة تتدخل في الانتخابات الأمريكية ستدفع الثمن»، بينما ادعى ترامب أنه «لم يكن هناك أحد أكثر صرامة مني مع روسيا»، كما أشار إلى بايدن على أنه «سياسي فاسد»، بناء على مزاعم لا أساس لها من تلقي عائلة بايدن أموالا من الروس.

 

واستمرارًا لذلك، طعن المرشحان في ذمة بعضهما بعضا بشأن مقدار ما تكسباه بشكل شخصي من الخارج، عبر استغلال موقعيهما في السلطة. وزعم ترامب أن بايدن استفاد شخصيًّا أيضًا من الصفقات التي أبرمها مع الصين وأوكرانيا، وهو أمر نفاه نائب الرئيس السابق البالغ 77 عامًا بشكل قاطع. وردًّا على ذلك، هاجم بايدن تعاملات ترامب الشخصية في الصين؛ نقلا عن أن ترامب سدد ضريبة دخل في الصين أكثر مما دفعه في الولايات المتحدة. وهكذا كان بايدن حازمًا في دحضه هجمات ترامب الشخصية، وفيما وصفه هيرش بأنه «إحدى أفضل لحظاته»، التفت بايدن إلى الكاميرا وأعلن أن «الأمر لا يتعلق بأسرتي وعائلتي. يتعلق الأمر بأسرتك وعائلتك التي تتألم».

 

بشكل عام، لم يقتنع المعلقون بفائز حاسم أو خاسر، كما هو الحال مع المناقشات السابقة، فقد عرض المرشحان ما كان متوقعًا وفشل كل منهما في توجيه ضربة قاتلة ضد الآخر. وكتب زورشر أن «بايدن صمد إلى حد كبير تحت الضغط»، وتجنب «نوع الزلات والعثرات التي كان من الممكن أن تصب في مصلحة جهود الجمهوريين للتشكيك في سنه وقدرته العقلية على ممارسة مهامه». كما خلصوا إلى أن المناظرة «أثبتت قدرة ترامب على الانخراط في مبارزة سياسية تقليدية أكثر»، ولكن «لم يكن واضحًا ما إذا كان أداؤه يمكن أن يدفع الأشخاص الذين لا يحبونه إلى إعادة النظر في تصوراتهم الراسخة عنه». وكان البعض الآخر أقل دبلوماسية في تقييماتهم، إذ جادلت سوزان ب. غلاسر، من مجلة نيويوركر، بشدة أن «ترامب أضاع فرصة لا تعوض»؛ لأن النقاش «كان آخر وأفضل فرصة له لإنقاذ رئاسته».

 

وأخيرا، على الرغم من أن المناظرة جاءت أكثر تحضرا من سابقتها فإنها لم تقدم سوى القليل عن صورة جديدة عن المرشحين للناخبين تتجاوز ما هو معروف بالفعل على نطاق واسع، فضلا عن الإدارة الباهتة للمناظرات نفسها، بالإضافة إلى حقيقة أن جزءًا كبيرًا من الناخبين قد أدلوا بأصواتهم بالفعل قبل بدء المناظرة في مدينة «ناشفيل» عاصمة ولاية تينيسي، فمن المنطقي أن نستنتج أن ما كان يُفترض أن تتصف به هذه المناظرة لتخرج في شكل حدث مفصلي سيمر بدون أن يعيره أحد اهتمامًا مُقارنة بالأهمية العامة لنتائج الانتخابات.

{ انتهى  }
bottom of page