top of page
2019/11/16

هل إيران على أعتاب ثورة دستورية؟

طالما كان يتم تجاهل السياسة الداخلية الإيرانية من قبل الغرب، باعتبارها ذات أهمية عابرة، خاصة عندما اندلعت الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، التي كانت تنبئ باحتمالات وقوع ثورة ينتفض من أجلها الشعب الإيراني، وذلك حسبما أوضح عدد من المحللين، وحول هذا الأمر تقول «آريان طبطبائي»: «في الغرب غالبًا يتم تجاهل السياسة الداخلية الإيرانية وسط الكم الهائل من التقارير الإخبارية العالمية».
بسبب هذا التجاهل، عُقدت ندوة بعنوان: «ثورة دستورية على أعتاب إيران»، بتاريخ 23/10/2019. وتحت رعاية جمعية «هنري جاكسون» في مجلس اللوردات، وكان المتحدثان الرئيسيان فيها «أمير عباس فخرآور» مؤسس المؤتمر الوطني الإيراني، و«إيما فوكس» باحثة في جمعية «هنري جاكسون» بهدف مناقشة قدرة المجتمع السياسي الإيراني على التوصل إلى نظام سياسي جديد في البلاد من خلال الإصلاح الدستوري، وحضر هذه الندوة عديد من الصحفيين والأكاديميين وصانعي السياسات.
بدأ «فخرآور» حديثه عن آفاق وقوع ثورة جديدة في إيران، وهو الهدف الذي تقوم عليه منظمته «المؤتمر الوطني الإيراني»، فقد أشار إلى أنه من أجل تحقيق ذلك لا بد من قيام ثورة، والإيرانيون الآن يرغبون في ذلك من أجل بناء جمهورية ديمقراطية جديدة؛ فالعداء للنظام الإيراني في تزايد، والدليل الاحتجاجات التي حدثت في 2017 و2018 حتى يونيو 2019. والتي خرج فيها الآلاف إلى الشوارع، نتيجة لتدهور الظروف الاقتصادية في البلاد، والتي تفاقمت منذ فرض الولايات المتحدة العقوبات عام 2018؛ والاحتجاج على الفساد السياسي المتفشي والسلطوية.
كانت هذه المظاهرات هي الأكبر منذ عام 2009. عندما خرج الملايين في طهران ومدن أخرى كجزء من التحرك الأخضر الإيراني، إذ ساعد في زيادة هذا الاستياء وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت؛ من خلال السماح للمعارضين بنشر رسالتهم أكثر من أي وقت مضى، وفي هذا الموضوع كتب «أوميد ميماريان»، في تقرير لمجلة «فورين أفيرز» يقول: «الخطوات القمعية التي تتخذها الدولة اليوم يمكن تضخيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على عكس الماضي عندما كانت الحكومة تستطيع السيطرة على الأخبار ومعالجتها بسهولة، ما أدى إلى زيادة الوعي المحلي بانتهاكات حقوق الإنسان والحقوق المدنية، وكشف عن زيف روايات الحكومة، وكانت النتيجة إفلات السلطة من مؤسسات الدولة».
فالدولة الآن تكافح للسيطرة على المعارضة دون أي إشارة تذكر عن معالجة الفساد الاقتصادي والسياسي، وهو ما يعزز من احتمالية حدوث انتفاضة كبرى، تنطوي على إمكانية خلع النظام الإيراني في المستقبل، ويؤكد ذلك «ريتشارد سي بافا» - من مؤسسة راند الأمريكية، في تقرير عام 2018- قائلا: «هناك دافع ديمقراطي في التاريخ الإيراني يعود إلى الثورة الدستورية 1905-1911. عندما تحدت حركة سياسية ليبرالية حكم «قاجار» الفاسد وغير الكفء، أيضًا شهدت أوائل الخمسينيات الحكم القصير لمحمد مصدق الذي قاد حكومة منتخبة ديمقراطيا كرئيس للوزراء». ويعتقد «بافا» أن كلتا الحركتين الديمقراطيتين لديهما صدى في إيران الآن، ما يعني استمرار الاضطرابات من أجل تحقيق نظام ديمقراطي ليبرالي بدلا من النظام الاستبدادي غير القادر على الإصلاح.
على الرغم من وجود عناصر الحقيقة في كل من ادعاءات «فخرآور»، إلا أنها تتسم بالمبالغة؛ إذ كان يتضح عليه الغضب الشديد طوال الجلسة النابع من كرهه النظام الإيراني وليس من الحكمة والمنطق والتحليل الأكاديمي؛ فقد سيطر على الحديث وأطلق ادعاءات جزافية، من بينها أن الاتفاق الإيراني النووي لم يتم الالتزام به من الناحية الفنية، وأن الثورة الإيرانية كانت مخططة بالكامل 1979 بواسطة الاستخبارات السوفيتية، وكذلك لم يتح «فخرآور» الفرصة لـ«إيما فوكس» سوى لمدة خمس دقائق فقط للحديث، ولم يتبق لها الوقت لتجيب على أسئلة الجمهور.
إنَّ الثورة في إيران ليست وشيكة، أو حتى محتملة في المستقبل القريب، ورغم اندلاع الاحتجاجات ضد الدولة في عديد من المناسبات منذ عام 1979. إلا أن التنظيم «الأخضر الإيراني» في عام 2009 لم ينجح في تقديم تحدٍ خطير لسلطة النظام، رغم كونه أكثر المعارضين تنظيمًا وشمولية ونجاحا منذ الثورة الإسلامية، وما زال غير قادر على تغيير النظام، فالاحتجاجات الأخيرة التي يستشهد بها «فخرآور» كدليل على أن ثورة جديدة وشيكة، لا تزال تفتقر إلى القوة؛ وهي أقل في حجمها ونطاقها مما شهدته البلاد في 2009.
وفي افتتاحية مجلة (ذا أتلانيك) يرى «آصف بيات»، أن «الاحتجاجات الأخيرة فشلت في حشد تحالف عريض من القوى السياسية والطبقية، فقد غابت عنها الطبقات المتوسطة والإصلاحيون»؛ إذ تنوعت أسباب غيابهم، وكان السبب الأكثر شيوعًا هو الخوف من أن تشهد البلاد سيناريو سوريا، والانسياق نحو حرب أهلية طويلة الأمد، أما بالنسبة إلى الإصلاحيين ففكرة الثورة من حيث المبدأ مرفوضة، رغم إيمانهم بمفهوم الإصلاح، ورغم عرقلة نشاطاتهم، بسبب المقاومة من قِبل مجلس صيانة الدستور؛ وعليه يخلص «بيات» إلى أن «الحركة الثورية مستحيلة إلى حد كبير من دون تحالف بين القوى السياسية، والفقراء العاملين والطبقة الوسطى».
إضافة إلى أنه بات كثيرون- بعد سنوات من الإكراه والترهيب- يخشون من التغيير، ويفضل معظمهم فقط إصلاح النظام الحالي في ظل سلطة المرشد الأعلى ونظام الجمهورية الإسلامية، وما يعزز من هذا التوجه هي التصرفات الأمريكية والعقوبات المُفروضة التي تسعى إلى تحجيم إيران، كتب «جاك جولدستون» -في تقرير للمجلس الأطلسي- قائلا: «إن وجود عقوبات قوية على الجمهورية الإسلامية قد وفر كبش فداء خارجيا مناسبا، ومهما كانت سياسة النظام سيئة، وأن العقوبات وضعت لإلحاق الضرر بالنظام؛ يتأثر الإيرانيون العاديون بشكل حاد ويوجهون الغضب العام إلى الخارج بدلا من توجيه ضربة ضد حكومتهم».
ويوافق «علي فايز» -من مجموعة الأزمات الدولية- على هذا الرأي، فهو يقول لمجلة «ذا أتلانتك» الأمريكية، مشيرًا إلى أن «نهج إدارة ترامب في ممارسة «الضغوط القصوى» ضد إيران هو «هزيمة ذاتية لواشنطن على المدى الطويل». ولا شك أن العقوبات ستقلل من تعاطف الطبقة المتوسطة الإيرانية المؤيدة للدول الغربية، وتحول هذا التأييد إلى حالة من الضيق والاستياء في وقت تقف فيه البلاد أمام تحولات اقتصادية لا قِبل لها على يد القيادة التي تولت مقاليد الحكم في طهران في فترة ما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. وبات واضحًا أن المتشددين داخل النظام الملالي يستفيدون ماليًا من العقوبات الأمريكية من خلال سيطرتهم على السوق السوداء، وسياسيًا من خلال تبرير قمعهم للمعارضة، وبشكل تراكمي، فإن التداعيات تمثلت في وجود «بلد يعاني اقتصاده من الخراب ولكن نظام حكمه مستمر، وينعم بالانتصار السياسي المنبثق من فكي التدهور الاقتصادي».
ولعل الحقيقة تكمن في أن الإيرانيين لا يسعون حاليًا إلى تغيير النظام الحاكم، وإن ما يسعون إليه هو إصلاح هذا النظام فقط، وتم حصر هذه الحقيقة في مجرد النظر في تلبيتها من خلال مناقشات دستورية فعلية داخل إيران، والدعوة إلى إصلاح دستوري واسع النطاق، فقد جاءت أحدث الجهود في هذا الصدد من أحد النواب الإصلاحيين الإيرانيين «مصطفي كافاكيبيان»؛ الذي حاول في وقت سابق من عام 2019 الضغط من أجل التصويت على بعض الإصلاحات المعتدلة في مجال الحريات المدنية والسياسية، وفي النهاية فشلت تلك الجهود في تنفيذ أهدافها من خلال مجلس الشورى الإسلامي، ما يدل على عدم وجود دعم لإصلاح سياسي واسع النطاق في الوقت الحاضر.
وبدوره يوضح «روح الله فقيهي» هذه النقطة من خلال افتتاحيته لموقع «المونيتور» الأمريكي مشيرًا إلى أن: «البرلمانيين الإصلاحيين ينتقدون سلطة مجلس صيانة الدستور على الانتخابات الإيرانية، فضلا عن عدم وجود سيطرة حكومية وبرلمانية على قنوات هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الحكومية، والتي يسيطر عليها المرشد الأعلى «علي خامنئي». علاوة على ذلك، من المرجح أن الحد الأقصى لهؤلاء البرلمانيين وطموحاتهم هو إجبار عدد من هيئات الدولة، بما في ذلك مجلس صيانة الدستور والسلطة القضائية الإيرانية، على أن يكونوا مسؤولين قانونًا أمام البرلمان والشعب، ولا يبغون مع ذلك تغيير النظام الحاكم بأكمله».
ما يعني أن رؤية «أمير عباس فخرآور» بشأن حتمية تغيير النظام في إيران تستند إلى الرغبة العاطفية، وليست انعكاسًا للوضع الحقيقي على الأرض؛ فالطريقة التي يسعى بها إلى تحقيق هدفه من خلال تنظيم المظاهرات وغيرها هي خطأ جوهري، كما أنه لا يخفى أن التشجيع على تطبيق العقوبات، والانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض عزلة سياسية على البلاد قد ثبت أنه يعزز النظام الحاكم، ولعل الفرصة الوحيدة التي سيسمح للإيرانيين فيها بتوجيه غضبهم إلى النظام الإيراني الحاكم بدلا من الدول الغربية هي في حالة التخلص من كل تلك التحديات.
على العموم؛ فإن الإطاحة بالنظام الملالي بالجمهورية الإيرانية، التي تستمد قوتها من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وعداء المجتمع الدولي، هو هدف معقول ومرغوب فيه بالفعل، ومن المرجح أن يؤدي وجود نظام حكم إيراني جديد إلى نمو إيران وتحقيق الاستقرار في المنطقة برمتها، إلا أنه غير مرجح في الوقت الحالي وبخاصة في ظل الوضع الدولي الذي تعاني منه إيران. 

{ انتهى  }
bottom of page