top of page

مقالات رئيس المركز 

د. عمر الحسن

Picture No.3.JPG
25/11/2021

افتراءات بعض النواب الأوروبيين والأمريكيين.. أكاذيب تكشفها الحقائق

لا شك أن من يتابع رسائل قلة من النواب الغربيين -بريطانيا مثالا- إلى وزراء خارجيتهم أو العرائض التي يتقدمون بها إلى برلماناتهم ضد بعض الدول، يجد فيها ليس فقط التحيز الصارخ وعدم اللياقة والتعالي والغرور في المخاطبة والنقد والتجاوز في المسؤولية والصلاحيات والواجبات، والإساءة إلى علاقات دولهم بالدول الأخرى؛ والسطحية والجهل في تناول الموضوعات، بل يُشتم منه رائحة الفساد والإفساد.

 

وفي حقيقة الأمر، ليس من حق أي نائب من أية دولة كانت كبيرة أو صغيرة التدخل في شؤون أي دولة أخرى، أو التطاول على رموزها، أو إملاء ما يُملى عليه من جهات معارضة أو معادية أو منحازة لأغراض سياسية؛ لكنّ مهمته الأساسية هي خدمة ناخبيه في رفع مستوى معيشتهم في التعليم والصحة والسكن والعمل، وتحسين حياتهم وتحقيق رفاهيتهم، والتنسيق والتعاون مع برلمانات دول أخرى في العالم.

 

وتشترط مدونة السلوك التي على النائب في مجلس العموم البريطاني اتباعها، والتي هي نفسها تقريبًا المتبعة في كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا وغيرها من الدول، أو تلك المطبقة في المنظمات متعددة الجنسيات، مثل الاتحاد الأوروبي؛ العمل من أجل المصلحة الوطنية وخدمة المواطنين، والتحلي بالنزاهة والشفافية والمصداقية والمهنية، حيث لا يجوز لأي عضو اتخاذ أي موقف أو إجراء من شأنه أن يتسبب في ضرر لمجلسه أو لسمعة وسلامة بلاده أو مصلحة المواطنين، كما أن عليه أيضا تبني سياسة ومواقف دولته، بعيدا عن المصلحة الشخصية أو المنفعة المادية، وفوق هذا وذاك، أن تكون مرجعيته مؤسساته الوطنية، خاصة وزارة خارجيته أو سفارته أو مركز البحوث والدراسات التابع لمجلسه النيابي.

 

وتبرز الدلالة الأكثر أهمية، في أنه على الرغم من توافر حصانة للنواب من مسؤولية ما يفعلون أو ما يصدر عنهم، فإنه يتعين عليهم الالتزام بمدونة السلوك التي تحثهم على التصرف بمهنية وأمانة. ورغم أنه لا توجد قيود في مدونة السلوك على ما يمكن لأعضاء البرلمان التعليق عليه بشأن الحكومات الأجنبية، إلا أن المتوقع هو تناول قضايا لا تتعارض مع سياسة الدولة ومصلحتها السياسية والاقتصادية والأمنية.

 

 

مناسبة هذا المقال هي الفضيحة التي وقعت في مجلس العموم البريطاني مؤخرا، بتقاضي عضوين هما «ليلى موران» من حزب الديمقراطيين الأحرار 3 آلاف جنيه إسترليني، و«كريسبين بلانت» من حزب المحافظين 6 آلاف جنيه، مقابل استخدام مكتبيهما في مجلس العموم للمشاركة في ندوة تنتقد أوضاع السجون والسجناء وحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية في نوفمبر 2017. رغم أن مدونة السلوك لا تجيز استخدام النواب المرافق البرلمانية في عمل غير برلماني، الأمر الذي وضعهما في موقع المساءلة من قبل لجنة المعايير البرلمانية، وهى مسألة خطيرة وخاصة حينما يكون الدفع تجاه قضايا حساسة مثل حقوق الإنسان، حيث يعطي هذا سمعة سيئة للنواب ولمجلسهم، بحيث إن أي عدو أو معارض لأي بلد يمكن أن يستخدم نائبا إذا كان مستعدا لقبول الثمن. وإدراكا منه لخطورة هذا الأمر، طالب رئيس الوزراء «بوريس جونسون»، في جلسة التحقيق الخاصة بهذه الفضيحة، بتعديل مدونة السلوك البرلمانية لمنع النواب من الحصول على أجور عن عملهم كمستشارين سياسيين في مجال الترويج، ودعاهم إلى عدم التورط في سياسات خارجية مدفوعة الأجر من جماعات الضغط.

 

وبهذه المناسبة، نذكر أن «موران» المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الحزب الديمقراطي الليبرالي، والتي حصلت باعترافها على أموال من شركة محاماة مقابل اشتراكها في الندوة -السابق الإشارة إليها- من أجل مهاجمة السعودية في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان؛ هي نفسها النائبة التي وجهت خلال هذا العام -ومعها نواب ولوردات آخرون- انتقادات واتهامات إلى الملف الحقوقي في البحرين، مستندين إلى ما تقوله المعارضة كمصدر وحيد، متجاهلين الرأي الآخر بما في ذلك ردودنا على جميع تلك الانتقادات والاتهامات، حيث بلغت انتقاداتها خلال العام 8 مرات، ومن حزب العمال، «براندن أوهارا»، 30 مرة، و«أندروا جوين»، 16 مرة، و«بولا باركر»، 7 مرات، ومن حزب الديمقراطيين الأحرار، اللورد «اسكريفن»، 13 مرة، و«اليستر كارميكل»، 7 مرات، و«البارونة بينت» من حزب الخضر 6 مرات. وقد تضمنت هذه الانتقادات والاتهامات خروجا عما نصت عليه قواعد مدونة السلوك، حيث لجأوا في كثير من الحالات إلى التحريف والافتراء والابتعاد عن المهنية؛ بهدف تشويه سمعة البحرين، وشيطنتها، وهو ما قام المركز بتفنيده بالرد المباشر عليهم، وإشعار زعماء أحزابهم ورؤساء برلماناتهم بالحقائق والأرقام، سواء كانوا أوروبيين أو أمريكيين.

 

ولدحض افتراءاتهم ضمنت ردودي العديد من الإشادات الدولية بالبحرين أذكر منها:

 

- إشادة تقرير حقوق الإنسان الصادر عن الخارجية البريطانية، في 7 يوليو 2021. بالإجراءات التي تتبعها المملكة للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، ومصداقية وشفافية وحيادية أجهزتها ومؤسساتها الوطنية المشاركة في التحقيق في مزاعم سوء المعاملة. فضلا عن إشادته أيضا بقانون العقوبات البديلة، وبجهود البحرين في مكافحة فيروس كورونا، وإجراءاتها ومبادراتها الاقتصادية والصحية، والتي كانت موجهة إلى جميع المواطنين والمقيمين في المملكة، وإشادته كذلك بمستوى الرعاية المقدمة للمعتقلين والسجناء وتلبية احتياجاتهم وضمان سلامتهم وحقوقهم. وأخيرا الإشادة، بمبادرة البحرين لوضع خطة عمل وطنية متكاملة لحقوق الإنسان، والتي سيتم مناقشتها من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قريبا.

 

- ترحيب الأمم المتحدة في أغسطس 2021. بقانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة، والذي تم صياغته بمساعدة مكتب الأمم المتحدة وخبراء دوليين في مجال حقوق الإنسان، والذي دخل حيز التنفيذ في 18 أغسطس 2021. حيث وصف المنسق المقيم للأمم المتحدة في البحرين هذا القانون بأنه «خطوة مهمة» لحماية حقوق الإنسان في البلاد، كما أقر الممثل الإقليمي للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بأن الخطوة الإصلاحية هذه «تأخذ في الاعتبار مصالح الأطفال قبل كل شيء».

 

- إشادة السفارة الأمريكية في 17 سبتمبر2021. بالمرسوم الملكي الصادر للتوسع في تطبيق أحكام قانون العقوبات والتدابير البديلة، وتأكيد واشنطن دعم الجهود المستمرة للبحرين لتعزيز إجراءاتها القضائية.

 

- احتلال البحرين للعام الثاني على التوالي المرتبة الأولى عربيًّا في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقا لمؤشر «بازل»، لمكافحة غسل الأموال، لعام 2020.

 

- إشادة تقرير «الخارجية الأمريكية»، «الاتجار بالبشر» لعام 2021. بمملكة البحرين لكونها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي صُنفت ضمن الدول التي حافظت على مركزها في الفئة الأولى (التي تشمل الدول الأكثر التزاما بمكافحة الاتجار بالبشر).

 

- وفقًا لمؤشر «بلومبرج» للدول الأكثر أمانًا لعام 2020. فقد حلت البحرين في المراتب الأولى عربيًّا والمركز 22 عالميًّا في مؤشر الدول الأكثر أمانًا بالعالم في 2020.

 

- تصنيف تقرير التنمية البشرية لعام 2020. الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، البحرين ضمن أكثر دول العالم تقدما (المرتبة 45 عالميًّا).

 

- سجلت البحرين أدنى معدلات الجريمة في العالم وفقًا لمؤشر الجريمة لعام 2020 (NUMBEO) وجاءت في المرتبة الـ22 عالميا.

 

- وفقًا لتصنيف مؤشر «بلومبيرج» لعام 2019. فإن البحرين هي الأكثر تقدما في مجال الصحة في العالم العربي.

 

وكان نسقا متبعا في كل هذه الردود أن أذكر بعض الملاحظات المتعلقة بمنهجيتها ولإثبات مجافاتها للواقع والحقيقة والتي منها:

 

- أن التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى وتوجيه اتهامات باطلة بناء على معلومات متحيزة وعدائية ومضللة، أمر مرفوض ولا يجوز مهنيًّا ولا قانونيًّا ولا أخلاقيًّا.

 

- البحرين تستحق إشادة النواب عند النظر بموضوعية للجهود الحثيثة لها والتي تقرن الأقوال بالأفعال في مجال القوانين والتشريعات الصادرة في مجال تطوير حقوق الإنسان، وبشأن تطبيق الأحكام البديلة، والعدالة الإصلاحية، ومبادرة السجون المفتوحة، ومحاربة الاتجار بالأشخاص والفكر المتطرف، وتعميم مشروع المدرسة المعززة للمواطنة وحقوق الإنسان في كل مدارس البحرين، فضلا عن تدريس منهج حقوق الإنسان في مؤسسات التعليم العالي، وتقدم المنظومة الرقابية والرعاية المسؤولة للسجناء والمحكومين، وما يتوافر إليهم من ضمانات قانونية وحقوقية تحت رعاية من القضاء البحريني الحامي للحقوق والحريات وفقًا للدستور.

 

- وبينت أيضًا أن تدخل دولهم في الشؤون الداخلية في العراق وليبيا وأفغانستان وغيرها أحيانا بدعوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأحيانا أخرى بوجود أسلحة دمار شامل، أضر بقضايا حقوق الإنسان، وصنع دولا فاشلة، وهو ما اعترف به الرئيس الفرنسي، «إيمانويل ماكرون» بعد 10 سنوات من أن بلاده ارتكبت خطأ بتدخلها العسكري في ليبيا عام 2011. فأحالها إلى دولة فاشلة ومقسمة يعاني شعبها القتل والتشريد والتهجير والتدخلات الأجنبية، فيما أصبحت ملاذا للإرهابيين والمهاجرين غير الشرعيين.

 

ومثلما فعلت فرنسا وحلفاؤها في ليبيا، فعلت من قبلها أمريكا وبريطانيا وحلفاؤهما في العراق حينما قاموا بغزوه من دون قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2003 -أي دون شرعية دولية- وهو القرار الذي بُني على أكاذيب وافتراءات بوجود أسلحة دمار شامل، تبين فيما بعد عدم صحتها. ومنذ ذلك التاريخ -أي بعد 18 سنة- مازال الشعب العراقي يعاني من القتل والتدمير والخراب على يد المليشيات الإيرانية المسلحة ويدفع الثمن باهظا، ما تسبب في تشريد 5 ملايين نازح و4 ملايين مهاجر وقتل 150 ألفا، وجرح وإعاقة نحو 3 ملايين، ووقوع 10 ملايين تحت خط الفقر، واعتقال 43 ألفا وممارسة التعذيب بحقهم فيما عُرف بسجن «أبو غريب»، هذا إلى جانب أن العراق يفتقد منذ غزوه وحتى اليوم إلى الماء والكهرباء والدواء والتعليم والأمن.. والسؤال هنا من يحاسب الرئيس الأمريكي، «بوش» الابن، ورئيس الوزراء، «توني بلير» وحكومتيهما على الجرائم التي ارتكبت؟، ومن يعوض هذا الشعب عما حل به من خراب ودمار؟.. ولنتساءل مرة أخرى هل حققت هذه التدخلات في نهاية المطاف الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

 

- وبينت أيضًا أنه كان يفترض أن يتبع النواب الأصول المهنية في الحصول على المعلومة، وذلك باللجوء إلى أجهزة مخابراتهم، أو وحدة الدراسات والبحوث في برلماناتهم، أو إلى وزارة خارجيتهم أو سفاراتهم في البحرين؛ أو الاستشهاد بوجهة نظرنا إذا كانوا يحترمون الرأي والرأي الآخر للتحقق من صحة تقاريرهم؛ ليكون التقييم مهنيًّا وعلميًّا وأخلاقيًّا.

 

- وذكّرت هؤلاء النواب أن البحرين هي مفتاح أمن الخليج، وأن أي زعزعة لأمنها واستقرارها -لا سمح الله- ستكون له تداعيات خطيرة على باقي دول الخليج سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وبالتالي على الاقتصاد العالمي، حيث إن 45% من الطاقة العالمية تأتي من الخليج.

 

على العموم، إن ما تضمنته انتقادات واتهامات النواب، أظهرت جهلا وربما تجاهلا بما حققته البحرين من إنجازات تفخر بها أمام العالم، حيث لا يمكن تصديق أن الأعضاء في مجلسي العموم واللوردات بكوادرهما الإدارية والفنية لا يعرفون حقيقة كل ما حققته البحرين من إنجازات سياسية واجتماعية واقتصادية وحقوقية خلال عقدين من الزمن، ولا أعتقد أيضًا أنهم لا يعرفون حجم التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية التي تواجهها، غير أن اعتماد هؤلاء النواب في تقاريرهم وعرائضهم على منظمات معارضة تنفذ مخططات إيرانية إرهابية وتخريبية؛ يبقى قضية أخرى تقدح في مصداقيتهم ومهنيتهم، ويتسبب في ضرر لمجالسهم أو لسمعة بلادهم.

 

وعليه، أختم بسؤال، هو كيف وصل هذا العمل المنظم المدفوع الأجر لشيطنة البحرين إلى الساحات البرلمانية الأوروبية، والأمريكية بهذا المستوى؟.. وهل يتم تقديم المعارضة في الخارج بوصفها حركة معارضة تتحرك بدوافع ذاتية، أم أنها مجرد دمى تحركها إيران وجهات معادية أخرى؟، وهل هذا الكم من الرسائل والعرائض التي يتم إعدادها ضد البحرين مدفوعة الأجر؟

 

الأيام القادمة ستحمل في طياتها الكثير والكثير بكشف ما يجري في الخفاء.

{ انتهى  }
bottom of page