top of page

مقالات رئيس المركز 

د. عمر الحسن

Picture No.3.JPG
29/6/2021

زيارة سمو الأمير «سلمان بن حمد» للندن.. مراجعة تاريخية ونظرة تحليلية

لا شك أن الزيارة التي قام بها سمو الأمير «سلمان بن حمد آل خليفة»، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء إلى المملكة المتحدة، يوم 17 يونيو2021، كانت ناجحة وفاعلة بكل المقاييس، والتي التقى خلالها بالأمير تشارلز ولي العهد، و«بوريس جونسون»، رئيس الوزراء، و«دومنيك راب»، وزير الخارجية، وناقش خلالها عددًا من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، حيث كان لها دلالات سياسية ومردود إيجابي على مستقبل العلاقات التاريخية القائمة بين البلدين منذ أكثر من قرنين، وقد عكست الحفاوة الكبيرة التي استُقبل بها من قبل رئيس الوزراء جونسون، والمواضيع المهمة السياسية والأمنية والاقتصادية والدفاعية التي تم تناولها؛ الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها البحرين، ومكانتها لدى بريطانيا.

 

وتأتي هذه الزيارة عقب اجتماع في لندن عقده الشيخ «راشد بن عبدالله آل خليفة»، وزير الداخلية، مع وزيرة الداخلية البريطانية، «بريتي باتل» يوم 25 مايو، والتي أكدت خلاله، أهمية تطوير العلاقات بين البلدين والشراكة الوثيقة طويلة الأمد بينهما في مجال العمل الشرطي، والعدالة الجنائية، وتدريب الكوادر الأمنية من قبل خبراء بريطانيين، فضلا عن مكافحة التحديات والتغيرات الأمنية، التي برزت أثناء جائحة كورونا، وما هو متوقع بعدها على الساحتين الإقليمية والدولية.

 

وكان وزير الخارجية البريطاني، «توبايس ألوود»، قد وصف العلاقات بين البلدين، أثناء الاحتفالية بمرور 200 عام على العلاقات البريطانية البحرينية، يوم 12 ديسمبر2016، بأنها «ستشهد خلال الفترة المقبلة، مزيدا من التطور في ظل الفرص الواعدة والإمكانيات الكبيرة المتوافرة، ورغبة القيادة المشتركة في تعميق مجالات التعاون.. مؤكدًا أن البحرين تعتبر شريكا حيويا بالنسبة لبريطانيا التي تلتزم تماما بالعمل معها. ومن جانبه، أعرب وزير خارجية البحرين السابق، الشيخ «خالد بن أحمد آل خليفة»، عن اعتزاز بلاده بالمستوى المتقدم والتطور الملموس، الذي وصلت إليه العلاقات الثنائية المشتركة بعد نحو 200 سنة، مؤكدًا أن التعاون بينهما أسهم في أمن واستقرار المنطقة، وأن البلدين يدركان جيدًا الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها العلاقات الثنائية، ولذلك تتواصل المساعي المشتركة إلى فتح مزيد من آفاق التعاون على الأصعدة كافة.

 

وبصفة عامة، يمكن القول إن العلاقات البحرينية – البريطانية، تعتبر نموذجًا راقيًا للعلاقات بين الدول في ظل تعدد وامتداد مجالاتها إلى كافة فروع العلاقات بين الدول، وارتكازها على أسس وثوابت تاريخية تجعلها تزداد قوة ورسوخًا بمرور الأيام، وفوق هذا وذاك، حرص قيادتي البلدين على تنميتها وتطويرها، بما يحقق أهدافهما المشتركة.

 

وتاريخيا، يؤكد عمق هذه العلاقات، حديث رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق، «مارجريت تاتشر» في مقرها بـ10 داوننج ستريت، لوزير الخارجية البحريني الأسبق، سمو الشيخ «محمد بن مبارك آل خليفة» عام 1982 حين ترأس وفدًا لمجلس جامعة الدول العربية لمقابلتها، ضم في عضويته وزير خارجية تونس –آنذاك- الرئيس التونسي الأسبق المرحوم الباجي قايد السبسي، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأسبق، فاروق القدومي، وممثل الأمين العام للجامعة العربية سفيرها الأسبق في لندن عمر الحسن.. وكان ذلك بهدف تأمين خروج الزعيم المرحوم ياسر عرفات ومعه قادة من منظمة التحرير الفلسطينية وآخرين من بيروت سالمين أثناء احتلالها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية.. فبعد ترحيبها بالوفد تحدثت عن البحرين كبلد صديق آمن ومسالم ونظام سياسي قريب من شعبه وإقليمه له علاقاته المتوازنة والوطيدة مع دول العالم، وأشارت إلى زيارتها للبحرين بدعوة من سمو الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة -طيب الله ثراه- عام 1978، ووصفت شخصية الأمير الراحل بـ«الإنسان الخلوق والمتواضع»، وأنها أحبت البحرين وتحترمه كبلد وكنظام وتسعى دوما إلى تعزيز علاقات بريطانيا مع البحرين، وأكدت أنها ستعمل كل ما بوسعها لإنجاح مهمة الوفد، وقد وفت بوعدها.

 

وأذكر قصة أخرى عام 1981، حين لبى سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة -رحمه الله- دعوة رئيسة الوزراء، «مارجريت تاتشر»، لزيارة بريطانيا، والتي تكللت بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، واختتمت بحفل عشاء كبير أقامته على شرفه بحضور كافة الوزراء وأعضاء من مجلس اللوردات والنواب وسفراء دول الخليج.

 

وفي دلالة أخرى على متانة هذه العلاقات، استقبال المنامة العديد من المسؤولين البريطانيين البارزين. ففي الفترة من 8 إلى 11 نوفمبر 2016، زار وليّ العهد البريطاني، «الأمير تشارلز»، البحرين، وهي الزيارة التي تزامنت مع مرور 200 عام على العلاقات بين البلدين، حضر خلالها احتفال سفارة المملكة المتحدة بهذه المناسبة، وافتتح منشأة الإسناد البحري البريطاني، والتي وُصفت بأنها «أول منشأة تفتتحها البحرية الملكية البريطانية خارج مياهها الإقليمية منذ 50 عاما».. وكان هذا الافتتاح بمثابة تأكيد على عزم بريطانيا تقوية حضورها العسكري والسياسي في المنطقة، كما زار مشروع الإسكان بالمحافظة الجنوبية، الذي تم بالتعاون مع مؤسسة «الأمير تشارلز»، إلى جانب العديد من الأماكن السياحية، والتاريخية. وخلالها عبر الأمير عن عميق شكره وتقديره لجلالة الملك على الحفاوة وكرم الضيافة التي تعكس أصالة البحرين، معربا عن إعجابه بما شاهده من تقدم أثناء زيارته.

 

وفي ترجمة فعلية لهذا التقارب زارت رئيسة الوزراء السابقة، «تيريزا ماي»، البحرين، تلبية لدعوة جلالة الملك في ديسمبر 2016، بمناسبة انعقاد القمة الخليجية في المنامة، ولتكون ضيف الشرف على القمة. وبهذه المناسبة قالت: إن «هذا العام هو ذكرى مرور 200 عام على بدء العلاقات بين البحرين وبريطانيا، بتوقيع الاتفاقيات التي كرست لصداقة طويلة الأمد، مؤكدة أن الدولتين تعاونتا في الكثير من المجالات، وأعربت عن رغبتها في تعزيز العلاقات على كافة الأصعدة واستمرارها في المستقبل».

 

وفي واقع الأمر هناك عدة عوامل ساعدت على توطيد العلاقة البحرينية - البريطانية، أبرزها: المعاهدة العامة للسلام عام 1820، والتي تعززت بالاتفاقيات، التي وقعت في الأعوام 1861 و1880 و1892م، والتي أكدت شخصية البحرين القانونية ومؤسساتها الإدارية، ووفرت لها الحماية، وأقرت استقلاليتها، وعززت من موقعها كمركز تجاري، فضلا عن ضمان ونشر الأمن والاستقرار في ربوع المنطقة.

 

وزاد من تطور ورسوخ هذه العلاقات مع بداية عام 1935، نقل القاعدة البحرية البريطانية الرئيسية في الخليج للبحرين، وترافق ذلك مع اكتشاف النفط، وحتى إعلان الاستقلال وتوقيع معاهدة الصداقة 1971. وفي العصر الحديث، توطدت هذه العلاقات مع حجم الزيارات المتبادلة، وتوقيع العديد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون والتنسيق، مما جعلها من أكثر العلاقات بين الدول ثباتا ورسوخا، وتطورا وازدهارا في تاريخ العلاقات الدولية ككل.

 

ومع ذلك، فإن أهم ما يُميز هذه العلاقة، هو الثقة والمصداقية المتبادلتان تاريخيا، وحجم الإدراك، والتفهم لما تمر به البحرين من تحديات ومخاطر ومطامع، وهو الأمر الذي عكسته تصريحات العديد من الشخصيات البريطانية، السياسية والبرلمانية والإعلامية والدبلوماسية، أخرها تصريحات السفير البريطاني في البحرين، «رودي دارموند»، يوم 3/5/2021، بأن «السلطات البحرينية لكونها الأكثر شفافية نؤيد توجهاتها في مواصلة إصلاح نظاميها القضائي والإصلاح والتأهيل المسؤول عن السجون، بما في ذلك تطبيق العقوبات البديلة»؛ وهو ما يعد أكبر دليل على قدر التفهم البريطاني للمصداقية التي تتمتع بها الحكومة البحرينية.

 

وفي هذا الصدد، ينبغي الإشادة بجهود سفراء البحرين السابقين؛ علي المحروس، والمرحوم عبدالرحمن فارس آل خليفة، وحسين الصباغ، وكريم شكر، والشيخ عبدالعزيز بن مبارك آل خليفة، والشيخ خالد بن أحمد آل خليفة والشيخ خليفة بن علي آل خليفة، وآليس سمعان، والسفير الحالي الشيخ فواز بن محمد آل خليفة، والذي بنى على إنجازات من سبقوه في المنصب، فتكللت جهوده بالنجاح في مهمته الدبلوماسية كسفير في المملكة المتحدة بشكل ملحوظ، حيث تمكن من خلال شخصيته الهادئة والعقلانية والبعيدة عن الانفعال، ونهجه العلمي المدروس في تحركاته ونشاطاته من تحقيق علاقات على أعلى المستويات المختلفة الحكومية، والبرلمانية، والإعلامية، والاقتصادية، والثقافية، ناقلاً رسالة البحرين والمليك المفدى إلى من يلزم في المملكة المتحدة بحكمة واقتدار، هذا إلى جانب تبنيه ورعايته لجمعية الصداقة البحرينية البريطانية, تمامًا مثل النجاح الذي حققه كوزير إعلام لمملكة البحرين أثناء أزمة فبراير 2011 المؤسفة، حيث كان نشاط وحدة الصد والرد التي أنشأها في الوزارة تقوم بواجبها في إيصال رسالة البحرين إلى وسائل الإعلام المختلفة، من خلال توضيح المغالطات أو الرد على ما تنشره الصحف أو الظهور في البرامج الحوارية التليفزيونية والإذاعية من خلال جهاز تم تدريبه وتأهيله.

 

 وعليه، فقد باءت كل محاولات التشكيك فيما تقوم به البحرين من إصلاح وتطوير وتحديث وتعزيز لدولة المؤسسات والقانون من قبل الخارجين على القانون؛ بالفشل، حيث ظن بعضهم أن محاولاتهم قد تنجح في إنهاء وإضعاف هذه العلاقات الراسخة، من خلال محاولات لا قيمة، ولا وزن لها، سواء كانت من قبل أفراد أو جماعات، أو نائبًا في البرلمان، أو قناة تغرد خارج السرب العربي لا تمارس إلا التلفيق والتضخيم بعيدًا عن المهنية والأخلاقية والوطنية.

 

على العموم، ستفشل كل محاولات التشويه لأن العلاقة بين البحرين وبريطانيا تقوم بشكل أساسي على الالتزام بأمن وسلام هذه المنطقة الحيوية، من خلال أسس راسخة ورؤى وأهداف مشتركة جعلتها محل اهتمام وسعي متواصل للبناء عليها وتطويرها والدفع بها نحو آفاق جديدة على كافة الأصعدة، وهو ما عكسته دعوة رئيس الوزراء البريطاني، «بوريس جونسون»، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير «سلمان بن حمد»، للمشاركة في قمة الأمم المتحدة للمناخ التي ستُعقد في نوفمبر 2021 في مدينة جلاسكو، والذي وفق مصادر بريطانية يعتبر أول المدعوين.

 

وأختم بالقول، إن قافلة الخير تسير بقيادة «حمد بن عيسى آل خليفة» الإنسان، ربان السفينة الماهر والذي يقول دائما «إن أغلى ما عندي هو الإنسان»، ومعه ولي عهده الأمين «سلمان بن حمد آل خليفة»، والشعب البحريني بكافة أطيافه ومكوناته.

 

(*) السفير السابق لجامعة الدول العربية في لندن ودبلن

{ انتهى  }
bottom of page