top of page

مقالات رئيس المركز 

د. عمر الحسن

Picture No.3.JPG
23/2/2021

في الرد على مغالطات بيان «منظمة العفو الدولية» عن البحرين

من الثابت أن ممارسة وأداء منظمات حقوق الإنسان دورها وتقديمها لرسالتها والنتائج المترتبة عليها، تحتاج إلى الدقة والحيادية والموضوعية عند تناول هذه القضايا لأي دولة من دول العالم. بعبارة أخرى، إن إطلاع الرأي العام الداخلي والخارجي على المعلومات من دون حجب أو تشويه أو تضليل أو انحياز صوب وجهة نظر على حساب الأخرى، يعد الهدف الرئيسي الذي من أجله تم إنشاء وتأسيس المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، حتى لا تكون هناك أي شبهات خاصة بما تصدره من متابعات وتقارير.. نقول هذا بمناسبة صدور بيان عن «منظمة العفو الدولية»، يوم 11/2/2021 يتناول الأوضاع الحقوقية في البحرين، ومن قراءة ما ورد فيه يتضح أنه يتناول أحداث عام 2011 أي منذ عشر سنوات مضت، وأن هدفه هو التشهير والإضرار ليس إلاّ، حيث استند في معظم اتهاماته وانتقاداته إلى تحريف صارخ لما ورد بتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق الـ«26»، إلى جانب اتهامه للبحرين -بشكل مجاف للحقيقة- بأنها لم تنفذ أيا من توصياتها، رغم إعلان جلالة الملك قبولها بالكامل، والأمر بتنفيذها، وهو ما أكده رئيس اللجنة «شريف بسيوني»، في مؤتمر صحفي، حينما زار البحرين عام 2014.

 

وعلى ضوء ما تقدم، وجدت أنه لا يجوز أن يمر هذا البيان من دون رد على ما تضمنه من تضليل وافتراء حول أوضاع حقوق الإنسان في البحرين لعدة أسباب منها، أولا: لأننا كمركز دراسات نتابع ونرصد وبشكل يومي هذه الحالات منذ تسلم جلالة الملك «حمد بن عيسى»، المسؤولية عام 1999 وحتى اليوم، وعقدنا لذلك الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية أو شاركنا فيها، وأصدرنا عددًا من الكتب والكراسات والأوراق البحثية في هذا المجال، وثانيا: لأننا حضرنا حفل تسليم تقرير لجنة تقصي الحقائق في نوفمبر 2011 إلى جلالة الملك وباحتفالية دولية زاد عدد المشاركين فيها على 600 شخصية حقوقية وسياسة وإعلامية عالمية. ثالثا: فيما تبرز الدلالة الأكثر أهمية، فيما عايشناه من أجواء حقوقية حقيقية في البحرين خلال العقدين الماضيين، فضلا عن أننا أيضًا على دراية تامة بهذه التوصيات والخطوات التي اتخذت لتنفيذها ومتى تمت، الأمر الذي كان موضع استهجان وتعجب أن تُصدر المنظمة مثل هذا البيان المجافي للحقيقة. وعليه، قمت برد موثق بالحقائق والأرقام مكون من 16 صفحة إلى المنظمة المذكورة، يوضح الحقائق ويدحض ما جاء به من مغالطات وافتراءات.

 

وفي ردي على منهجية التقرير ذكرت في ملاحظاتي الختامية أنه تم إعداد البيان بشكل مثير للغموض، حيث تم تحريف كل ما ورد بتقرير لجنة تقصي الحقائق، فقد استشهد خمس مرات زورًا بتوصيات اللجنة التي نفت وجود أي نهج حكومي للتعذيب، وإن كانت قد اكتشفت حالات فردية محدودة، أوصت بمساءلة من قاموا بها، وهو ما تم تنفيذه من قبل الحكومة بمحاكمتهم وتوقيع العقوبة عليهم وإنهاء خدماتهم وتعويض من تضرر من المواطنين من صندوق أنشئ لهذا الغرض إما بالتراضي إذا أراد المتضرر أو من خلال القضاء.

 

وكان الأولى بمنظمة العفو الدولية كمنظمة حقوقية، والتي تتبنى مزاعم وتفسيرات خاطئة في تقاريرها وبياناتها مبنية على معلومات مغلوطة من مصادر مبهمة أو منحازة أو معادية، أن تراجع الجهات المعنية بشأن المعلومات التي تصدر عنها، بدلا من الابتعاد عن المهنية والمصداقية في إعداد بياناتها وتقاريرها، كما أنها تعلم أن التركيز على الجوانب السلبية، وإخفاء الجوانب الإيجابية عن عمد، هو إضرار بقضايا حقوق الإنسان، وهو ما أفقد البيان موضوع البحث مصداقيته، حيث أغفل جهود البحرين المتواصلة في احترام حقوق الإنسان، والذي عكسته ثقة المجتمع الدولي في حصولها على عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ثلاث مرات الأولى في الفترة من (2006-2007)، والثانية من (2009-2011)، والثالثة من (2019 -2021)، والذي هو ثمرة جهود بذلتها في هذا الصدد على مدى العشرين سنة الماضية من حكم جلالة الملك، ورد أيضًا على المنظمة بأن البحرين تحرص على تنفيذ حقوق الإنسان فيها بالتعاون مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

 

ومن الثابت أيضا أنّ لجنة تقصي الحقائق أكدت أنه لا يوجد قمع سياسي في البحرين كما زعم البيان ولا استهداف أي معارض أو رجل دين أو أي منظمة من منظمات المجتمع المدني، وأنه مسموح للمعارضة الإيجابية الوطنية الراشدة التي تخدم كل أطياف المجتمع ولا تهدد مكتسباته وأمنه وحياته وتنبذ الطائفية ولا ترتبط بأجندات خارجية، أن تمارس أنشطتها، وهناك قانون يحدد ما للمواطن من حقوق وما عليه من واجبات يجب الالتزام بها، وهناك قانون للجمعيات الأهلية وقانون للجمعيات السياسية، يسمح لها بممارسة نشاطها بحرية ومن دون قيود وبضوابط، إذا خالفتها توقف، وهذا هو المعمول به في كل دول العالم.

 

غير أن ما يدعو الى الدهشة والتعجب مما قامت به المنظمة في بيانها من ادعاءات باطلة ومزاعم غير حقيقية، هو ما يجعلني أتوجه إليها بالسؤال.. أين ذهبت إشاداتكم بالبحرين وبالوضع الحقوقي فيها والتي كانت بالعشرات منذ تولي جلالة الملك الأمانة عام 1999 واستمرت حتى نوفمبر 2010، والتي تغيرت بشكل مفاجئ وكامل بعد ثلاثة أشهر، أي مع أحداث فبراير ومارس 2011 المؤسفة، حيث كانت تعتبر البحرين «قدوة»، و«مثلا» يحتذى، فيما يتعلق بالأوضاع الحقوقية!!! والتي منها على سبيل المثال لا الحصر، عندما زارت بعثة من المنظمة البحرين عام 2000، صدر عنها تقرير أشاد بما اتخذه جلالة الملك من خطوات إيجابية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وهو ما أكده تقريرها عام 2002، والذي أثنى على خطوات تعزيز حقوق الإنسان متمثلة في إلغاء محاكم أمن الدولة والسماح للمبعدين بالعودة، وتأييد الناخبين لمشروع الميثاق الوطني، وما تضمنه من بنود دعم وتكريس الشفافية السياسية وضمان حقوق الإنسان، وتشكيل المجلس الأعلى للمرأة، وبروز الجمعيات السياسية ذات الاتجاهات المختلفة. فيما تتابعت الإشادات في تقاريرها لعامي 2003 و 2004، حيث أثنى المسؤولان بالقسم الخاص ببرنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، «سعيد بومدوحه»، و«إسماعيل تاج زين»، على التطورات التي تشهدها البحرين في مجال حقوق الإنسان والتنمية البشرية، كما أشاد وفد المنظمة برئاسة «د.العمري شيروف»، بالخطوات المتقدمة التي حققتها المملكة على صعيد حقوق الإنسان.

 

وفي نفس السياق، كانت هناك إشادات متعددة من «عبد السلام سيد أحمد»، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية خلال عام 2005، منها إشادته بخطوات المملكة الإصلاحية التي من شأنها تحقيق المزيد من المكاسب والإنجازات للمرأة». وفي إشادة أخرى بعث بها إلى سمو الشيخ «محمد بن مبارك»، وزير الخارجية الأسبق عبر فيها عن تقديره لمسيرة الإصلاح التي يقودها جلالة الملك والأجواء الديمقراطية التي تعيشها المملكة، مؤكدًا أن هذه المسيرة تحفظ حقوق كل المواطنين وتعزز مكانة المرأة ودورها في المجتمع، معبرًا عن إعجابه بما تشهده المملكة من مظاهر النهضة والتقدم.

 

ولا يفوتنا في هذا الصدد، أن نذكر إشادة رئيسة الفرع الألماني لمنظمة العفو «باربارا لوخبيلر»، يوم 16/12/2005 بالتقدم الذي تحقق في مجال حقوق الإنسان في البحرين، مؤكدة أنه «رغم الصورة القاتمة لوضع حقوق الإنسان في العالم، فإن المملكة حققت إنجازات لافتة للانتباه، وضربت أمثلة لذلك بحصول المرأة البحرينية على حقها في الانتخاب والترشح وقيام مناقشات مكثفة بشأن قضايا حقوق الإنسان وإنشاء هيئة لحماية هذه الحقوق والدعوة لإصلاحات سياسية».

 

وفي تقييمه للأوضاع داخل البحرين عام 2007، أورد تقرير المنظمة نبذة عن مدى التزام المملكة بالاتفاقيات والمواثيق الخاصة بحماية حقوق الإنسان، حيث أشار إلى أنها «صادقت خلال عام 2006 على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأجرت عملية انتخابية حرة لاختيار أعضاء مجلس النواب فازت فيها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي تمثل عماد المعارضة في البرلمان وحصلت على 17 مقعدًا». وفي نوفمبر عام 2010، أشاد تقريرها بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لتعزيز حقوق الإنسان وتحسين ظروف العمال الأجانب، وبالمرسوم الملكي بإنشاء مؤسسة حقوقية وطنية من بين صلاحياتها، تعزيز الوعي بحقوق الإنسان، وتقديم مقترحات بإصلاحات قانونية، لافتًا إلى اعتزام السلطات إجراء بعض الإصلاحات القانونية وتوفير برامج تدريبية في مجال حقوق الإنسان للعاملين في القضاء وغيرهم من المسؤولين، فضلاً عن تعديل نظام الكفيل، بما يسمح بانتقال العامل الأجنبي إلى العمل لدى صاحب عمل آخر من دون الحصول على موافقة صاحب العمل الأصلي، وهو ما تم إقراره بالفعل واقتدت به بعض دول مجلس التعاون.

 

وفي واقع الأمر، إن من تابع هذه الإشادات بإنجازات البحرين في مجال حقوق الإنسان على مدى السنوات العشر الأولى من حكم جلالة الملك يستغرب هذا التحول المفاجئ والسريع من الإشادات إلى الاتهامات والنقد، إذ إن ذلك لا يجوز من الناحية المهنية، وحتى الأخلاقية، فقد كان عليها إذا كانت حريصة على حقوق الإنسان في البحرين- أن تقدم النصح لجمعية الوفاق التي تدافع عنها الآن، والتي كانت تتمتع بعدد كبير من الأعضاء في مجلس النواب (انتخابات عام 2006، عددهم 17، وانتخابات عام 2010 كان عددهم 18)، حيث كان باستطاعة المعارضة تحقيق إنجازات وطنية لصالح الشعب البحريني من تحت قبة البرلمان، وليس النزول للشارع لإحداث الفوضى والتسبب في معاناة الناس، حيث ظن هؤلاء خطأ وبتشجيع من إيران أن بإمكانهم تكرار ما حدث في تونس ومصر.. ناسين أو متناسين أن شعب البحرين بما تحقق له من مكاسب وإنجازات سياسية ومعيشية واجتماعية وأمنية يختلف عن هاتين الدولتين وأن هناك إجماعا على نظام حكمه.

 

يعيدنا هذا الأمر أيضا إلى ما قامت به جمعية الوفاق من تجميد لنشاط أعضائها في مجلس النواب في مارس 2011، ثم اتبعوها باستقالة جماعية، ورفضها كل مبادرات الحوار التي بادر بها جلالة الملك في فبراير ومارس ويوليو 2011، وعامي 2013، 2014، وهو ما ذكرته لجنة تقصي الحقائق في تقريرها بأن رفض جمعية الوفاق للحوار في فبراير ومارس 2011، أوصل البلاد إلى ما آلت إليه عام 2011، وهو ما تجاهله بيان المنظمة.

 

على العموم، على منظمة العفو الدولية إذا كانت تريد النجاح في تحقيق أهدافها في خدمة قضايا حقوق الإنسان أن تبتعد عن صيغة الأوامر وإصدار التعليمات للحكومات عند إصدارها مثل هذه التقارير وبطرق استفزازية ومعادية؛ لأن في ذلك خروجا عن اللياقة والأصول. هذا وعلى ضوء ما تقدم من وقائع وحقائق كان المتوقع من المنظمة أن تشيد بإنجازات البحرين في قضايا حقوق الإنسان وتبني عليها ومطالبة دول أخرى لتحذو حذوها، لا أن تخلط الأوراق السياسية بالحقوقية، وتتجاهل إنجازاتها الإنسانية والحقوقية على مدى العشرين عاما الماضية، والتي لا ينكرها إلا من يكون صاحب غرض، ونأمل أن يأخذ تقريرها القادم هذه الملاحظات في الاعتبار.

 

* رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية – لندن.

{ انتهى  }
bottom of page