10/9/2020
رغم الانتقادات.. هل ينجح ترامب في انتخابات نوفمبر المقبل؟
قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل 2020, يزداد عدد الأصوات المعارضة من داخل الحزب الجمهوري الأمريكي والأعضاء السابقين في إدارة دونالد ترامب، ومن بين أولئك الذين تحدثوا بالسلب عن سلوك الرئيس الحالي وزير الدفاع الأمريكي السابق «جيمس ماتيس»، ومستشار الأمن القومي السابق «جون بولتون»، كدليل على تزايد خيبة الأمل تجاه سياسة وإدارة ترامب.
وقد شهد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي مؤخرًا أيضا ظهور عدد من الجمهوريين الذين وضعوا معارضتهم العلنية لترامب فوق ولاءاتهم الحزبية، ودعموا منافسه جو بايدن في المقابل.
ويعد آخر مسؤول سابق في إدارة ترامب تحدث ضده هو «مايلز تايلور»، كبير الموظفين الأسبق بوزارة الأمن الداخلي، فعلى الرغم من أنه شخصية غير معروفة نسبيا داخل الحكومة مقارنة بأمثال بولتون وماتيس، إلا أن انتقاداته ورواياته تشير إلى الاستياء داخل الإدارة من قِبَل المسؤولين في جميع الوزارات الحكومية، كما أنها تبرز أوجه القصور في إدارته داخل البيت الأبيض.
ويُلخص تايلور رؤيته بشأن حالة البيت الأبيض في عهد ترامب، بما في ذلك نهجه المتخبط تجاه الأمن القومي في مقال نشره بصحيفة واشنطن بوست، حيث يوجه له انتقادات لاذعة، ويشكك في قدراته في التعامل مع قضايا الأمن القومي وغيرها، التي وصفها بالخطرة.
بدأ تايلور مقاله بالاعتراف بأن آماله في أن «يتعامل ترامب بمجرد توليه الرئاسة بشكل واع» كانت في غير محلها، ورأى أن ترامب «لم يرتق إلى مستوى منصبه» ولو لمرة واحدة في المكتب البيضاوي، وفي المقابل، «حكم الرئيس حسب نزواته وحساباته السياسية ومصالحه الشخصية».
ووصف تايلور عملية صنع القرار بأنها «معطلة»، خلال فترة وجوده كجزء من حكومة الولايات المتحدة، حيث كان يعلن أو يؤيد أفكارا سياسية دون الاهتمام أو أخذ رأي مستشاريه، مما أحدث تأثيرات حادة وبلبلة، وانتقد تايلور أيضا «عدم الانضباط» الذي يتبناه ترامب، مما تسبب في إحباط مسؤولي البيت الأبيض.
ومن بين أبرز الأمثلة العديدة التي يستشهد بها تايلور على عيوب ترامب ما حدث في فبراير 2020, عندما كانت الحكومة الأمريكية تعمل على تجنب إغلاق الحكومة الفيدرالية، وطالب ترامب «بمناقشة لون الجدار الذي بدأ بناؤه على الحدود الأمريكية المكسيكية». وبحسب تايلور فإن «مثالا كهذا يحدث أسبوعيا تقريبا».
وكانت جينيفر روبين من صحيفة واشنطن بوست أكثر صخبا في انتقادها لترامب، حيث كتبت: «عندما تتولى مقاليد الحكم، فأنت مكلف بإدارتها بشكل سلس والتغلب على العقبات.. لقد أفلتت زمام الأمور من ترامب، ولم يتحمل مسؤولية ما أحدثه من تدمير».
وأوضح تايلور، فيما يتعلق بمسألة الأمن القومي، حدود القدرات القيادية لترامب؛ فقد كتب: «يمكنني أن أشهد أن البلاد أصبحت أقل أمانا نتيجة لتصرفات الرئيس».
ويدّعي تايلور أنه شاهد إخفاقات ترامب في الأمن القومي الأمريكي «بشكل مباشر»، وأن «ترامب أظهر القليل من الاهتمام بموضوعات ذات أهمية بالغة للأمن القومي، من بينها الأمن السيبراني والإرهاب المحلي والتدخل الأجنبي في الشؤون الأمريكية».
وتتوافق رواية تايلور مع تحليل علاقة ترامب بكبار مسؤولي وكالات المخابرات الأمريكية؛ فقد أشار «روبرت درابر» من صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن هذه الصعوبات تنشأ من «القلق داخل أجهزة الاستخبارات بشأن التدخل الروسي لصالح ترامب في انتخابات عام 2016, وشكوك الرئيس الأمريكي المتبادلة تجاه أجهزة الاستخبارات، مما جعل علاقتهما مختلفة تماما عن علاقة الأجهزة مع الرؤساء السابقين».
نتيجة ذلك، كما يدعي درابر، وُضع مسؤولو المخابرات تحت ضغوط غير عادية؛ لتبرير أهمية عملهم، وحماية زملائهم من الانتقام السياسي وإثبات الولاء للرئيس، ومثل هذه البيئة العدائية للأمن القومي داخل البيت الأبيض تمثل كارثة على تخطيط وأداء السياسة الخارجية.
وانعكست آراء تايلور السابقة بشأن سوء التخطيط على الجنرال الأمريكي المتقاعد «ويسلي كلارك»، الذي كتب في مجلة ناشيونال إنترست: «إن تصرفات إدارة ترامب تتسم بسوء التخطيط وعدم الاتساق وعدم قدرتها على الحل؛ ويتم طرح الأفكار قبل التفكير فيها، وبعض الإجراءات لا يمكن تفسيرها».
هناك أيضًا تعليقات على محاولات ترامب قمع المتظاهرين المناهضين للعنصرية، وهي القضية التي كانت بمثابة مرحلة الانهيار لوزير الدفاع الأمريكي السابق «جيمس ماتيس»، الذي التزم الصمت تجاه انتقاد ترامب علنًا في هذا الصدد. ويشير تايلور إلى أن «الرئيس حاول تحويل وزارة الأمن الداخلي، أكبر وكالة لإنفاذ القانون في البلاد، إلى أداة تستخدم لخدمة مصلحته السياسية، كما تم تحويل مهمة كبار مسؤولي وزارة الأمن الداخلي من التعامل بشكل منتظم مع التهديدات الأمنية الحقيقية إلى الانصياع لأوامر ترامب التنفيذية غير الملائمة في كثير من الأحيان».
وفيما يتعلق بالشؤون الداخلية، يعكس تايلور مشاعر المسؤولين السابقين في إدارة ترامب الذين اتهموا الرئيس الحالي بتشويه سمعة الخطاب السياسي الأمريكي، فقد كتب: «إن ترامب ساعد على تأجيج مشاعر الكراهية والانقسام، وهو ما جعل الأمريكيين أقل أمانًا بشكل كبير».
وانتقد تايلور أيضًا «الاستجابة الفاشلة لوباء جائحة كورونا» قائلا: «إن تجاهل ترامب المتعجرف لخطورة التهديد الذي يمثله الوباء» يعني أن «تخطيط وزارة الأمن الداخلي لمواجهة تهديدات الجائحة قد ذهب سدى».
إن انتقاد تايلور الصريح والعلني لـ«ترامب» ليس الأول، ومن غير المرجح أن يكون الأخير من قِبَل عضو سابق في إدارته؛ فقد كان جيمس ماتيس أول مسؤول بارز في إدارة ترامب ينتقد الرئيس علانية في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية، حيث قال: «إن دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي - ولا يتظاهر حتى بالمحاولة»، كما عارض إعادة انتخابه، قائلا: «يمكننا أن نتّحد بدونه عبر الاستفادة من نقاط القوة الكامنة في مجتمعنا المدني».
وفي يونيو 2020 انتقد جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، ترامب، قائلا: «إنه جعل إعاقة العدالة أسلوب حياة»، وقد وصفت مذكرات بولتون، التي حملت عنوان «الغرفة التي شهدت جميع الأحداث»، كيفية سوء تعامل ترامب مع قضايا السياسة الخارجية المتعلقة بالصين وروسيا.
وفيما يتعلق بادعاءات بولتون المناهضة لـ«ترامب»، أشار تايلور ببساطة إلى أن مستشار الأمن القومي السابق عرض «قضيته وأخطاء ترامب بشكل مقنع للغاية»، وأنه «لا يوجد الكثير لإضافته لمثل هذه المذكرات، وفي النهاية فهم بولتون نقاط ضعف ترامب وخطورته بشكل صحيح».
وعلاوة على ذلك، فإن المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي المنافس، الذي عُقد مؤخرا، ضم عناصر معارضة لترامب ينتمون لحزبه، منهم حاكمة ولاية نيو جيرسي السابقة «كريستين تود ويتمان»، وحاكم ولاية أوهايو السابق «جون كاسيش».
وتلاحظ الكاتبة الأمريكية بصحيفة واشنطن بوست «جينيفر روبين» أن ترامب والجمهوريين «قاموا بعمل قوي في عدم الالتزام بسيادة القانون، وعدم حماية البيئة، واستعداء روسيا والصين، والوقوف أمام الهجرة القانونية، والتجارة الحرة، والديمقراطية.. هؤلاء هم الجمهوريون في النهاية».
وعن تزايد الانتقادات من قِبَل المسؤولين السابقين في البيت الأبيض، تشير جينيفر روبين إلى أن هناك المزيد ما زال عليهم التحدث لانتقاد ترامب، وتساءلت: «أين كبار مستشاري ترامب السابقين؟» أمثال كبير موظفي البيت الأبيض السابق «جون كيلي»، ومستشار الأمن القومي «إتش آر ماكماستر»، وكلاهما تم فصلهما بشكل مثير للجدل من قِبَل ترامب، لكن لم تُصدَر بعد بيانات توضح مبررات عمليات الإقالة.
ومع ذلك، من المرجح أن يتم الكشف عن مزيد من المعلومات في الأشهر المقبلة، وقد علق تايلور على ذلك قائلاً: «سينظر الرئيس لتلك الانتقادات على أنها بمثابة إطلاق نار».
يتضح مما سبق أن كل الانتقادات التي قدمها تايلور عن إدارة ترامب للبيت الأبيض لها دلالات سياسية، نظرًا إلى قرب الانتخابات الأمريكية؛ ففي حديثه في مقطع فيديو لمجموعة الناخبين الجمهوريين المناهضين لـ ترامب، والذي تم بثه في نفس اليوم الذي نُشر فيه مقاله في واشنطن بوست، قال: «على الرغم من أنني لست ديمقراطيا، ولا أتفق مع بعض القضايا الرئيسية للحزب الديمقراطي، إلا أنني واثق من أن جو بايدن سيحمي الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه لن يرتكب نفس أخطاء الرئيس الحالي».
وعندما أصبح جيمس ماتيس أول مسؤول بارز سابق في إدارة ترامب يتحدث علنًا منتقدًا رئيسه بشأن سلوكه خلال الاحتجاجات العارمة حول مناهضة العنصرية في واشنطن في بداية يونيو 2020, كان ذلك بداية لاستعداد عدد من المسؤولين الحكوميين السابقين للتعبير علنًا عن معارضتهم للإدارة الأمريكية الحالية.
وربما تكون مذكرات جون بولتون الحدث الرئيسي الثاني لكشف أخطاء ترامب وإدارته، فضلا عن أن صراحة تايلور بشأن ترامب تعد بداية لتصعيد جديد للانتقادات الداخلية قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم.
في النهاية باتت هذه الانتقادات مؤشرا على الاعتقاد السائد داخل الحياة السياسية الأمريكية بأن تجربة ترامب الرئاسية كانت كارثية لا يمكن تكرارها، فقد قال تايلور في آخر تصريحاته: إنه لمن السخرية أن يقوم ترامب بحملة لولاية ثانية كرئيس يحكم القانون والنظام، فقد كانت ولايته الأولى فوضوية بشكل خطير، ولا يمكن تصور مرور أربع سنوات أخرى من هذا القبيل».