top of page
5/9/2020

قضية «القانون والنظام» تسيطر على الانتخابات الأمريكية

مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2020م أضحت قضية المحافظة على «القانون والنظام» في صدارة المشهد السياسي الأمريكي، وخاصة مع استمرار موجة الاحتجاجات التي اندلعت في مايو في الولايات المتحدة حتى الوقت الحالي. ومع تحول المواجهات إلى عنف بدأ الرئيس الحالي «دونالد ترامب» في استخدامها لصالحه من أجل السعي لإعادة انتخابه، وتحاشي الخوض في قضايا أخرى، مثل السياسة الخارجية والاقتصاد.

 

وكما هو الحال في العديد من جوانب السياسة الأخرى فإن الردود والتفاعلات المقترحة على قضية «القانون والنظام» قد سلطت الضوء على النهج المختلف إلى حد كبير لترامب ومنافسه في الانتخابات نائب الرئيس السابق «جو بايدن». ومع التنافس القوي بين الرجلين -الذي بدا خلال خطاباتهما مؤخرا- رأت صحيفة «واشنطن بوست» أن «التناقض بين ترامب وبايدن، المليء بالعداء، يبدو أنه يدشن حملة الانتخابات العامة بشكل جدي».

 

وفي حديثه إلى حشد خارج البيت الأبيض كجزء من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري وصف «ترامب» نفسه بأنه مرشح «القانون والنظام»، وأعاد تأكيد دعمه غير المشروط لوكالات إنفاذ القانون التي تعرضت لانتقادات شديدة، كما أدان الاحتجاجات الواسعة النطاق واندلاع أعمال العنف في شوارع المدن الأمريكية. وعلى الرغم من أنه يُعد بالفعل شخصية سياسية مثيرة للجدل فيما يتعلق بالقضايا المحلية، إلا أن موقفه «غير مفاجئ»، إذ تم تبنيه بحماس من قبل قاعدة دعمه، باعتباره مضادًا لسياسة بايدن، الذي يتقدم حاليا في استطلاعات الرأي، وفي هذا الصدد كتب «مايكل هيرش» في مجلة «فورين بوليسي» إن «رسالتهم هي.. «إذا كنت تعتقد أن أمريكا مكان خطير الآن فما عليك سوى الانتظار حتى يصبح (بايدن) رئيسًا».

 

ومع ذلك، لم يأت التركيز المُتجدد على «القانون والنظام» كقضية انتخابية من قبيل المصادفة؛ ففي ظل رد الفعل المتخبط على جائحة كورونا، وانتقاد أخطاء السياسة الخارجية، تبقى هذه القضية واحدة من القضايا القليلة المتبقية التي قد يحتفظ فيها «ترامب» بالسيطرة على منافسه في الانتخابات. وكما أوضح «مات فيسر» و«آشلي باركر» في صحيفة «واشنطن بوست» أنه «في سياق التركيز على الاضطرابات يأمل ترامب كشف التوترات بين ائتلاف بايدن من الناخبين البيض في الضواحي في أعالي الغرب الأوسط، والمتظاهرين من حركة (حياة السود ذات أهمية) في المناطق الحضرية».

 

وفي الواقع، وفقًا لاستطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث بين الناخبين الأمريكيين لانتخابات عام 2020 تحتل قضية جرائم العنف المرتبة الخامسة من حيث الأهمية؛ وهذا يعني أنها تأتي خلف ملف الاقتصاد، والرعاية الصحية، وجائحة الفيروس التاجي، والمحكمة العليا الأمريكية، وتحتل مكانة فوق قضايا أخرى، مثل السياسة الخارجية، والعلاقات العرقية، والهجرة.

 

واستمرارًا لهجماته على منافسه الانتخابي استهدف «ترامب» مرة أخرى «بايدن» في مؤتمر صحفي في 31 أغسطس، متهمًا إياه بالإتيان بـ«أكاذيب فظيعة»، حول ما إذا كانت هناك «احتجاجات سلمية». وعلى الرغم من افتقار مزاعمه إلى الأدلة الداعمة فإنها تمثل «إشكالية بالنسبة إلى حملة بايدن». وبالفعل بدأت تثير قلق كبار الشخصيات الديمقراطية، وفي هذا الصدد قال الحاكم الديمقراطي السابق لولاية بنسلفانيا «إد ريندل»: «أنا قلق لأنني أعتقد أن ترامب لا يمكنه الفوز في الانتخابات بناءً على أدائه كرئيس.. لذلك عليه أن يجد طريقة ما لجعل معارضته هي القضية».

 

وانطلاقًا من قضية «القانون والنظام» المثيرة للجدل حاول «ترامب» في خطابه تقديم منافسه على أنه «زعيم الحركة التي تهدد أمريكا»، ووصفه بأنه «مدمر العظمة الأمريكية»، ولديه سجل من «الخيانات والأخطاء الفادحة». كما قال أمام مؤيديه إن «كل ما تم تحقيقه أصبح الآن في خطر، وأن هذه الانتخابات ستقرر ما إذا كنا سندافع عن أسلوب الحياة الأمريكي أو نسمح لحركة راديكالية بتفكيكها وتدميرها تمامًا». وبالإضافة إلى ذلك سأل: «كيف يمكن للحزب الديمقراطي أن يطلب قيادة بلدنا، بينما يقضي الكثير من الوقت في هدمها؟».

 

من جهة أخرى، حاولت حملة «ترامب» أيضًا ربط «بايدن» بالعناصر التقدمية في الحزب الديمقراطي. وكتب «مايكل هيرش» أن «أكثر من متحدث في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، بما في ذلك دونالد ترامب جونيور نجل الرئيس الأمريكي، أعلن أن بايدن الوسطي يتبنى نهج السيناتور بيرني ساندرز»، الذي تشجع سياساته «اليسارية الراديكالية» على العنف في أكبر المدن الأمريكية، التي يديرها الديمقراطيون». وأضاف «آني كارني» و«أستيد هيرندون» في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الجمهوريين أوضحوا أن بايدن سيكون بوابة لأطراف أكثر راديكالية من اليسار الديمقراطي، وأن سياسته الداخلية ستجعل الأمريكيين غير آمنين».

 

وفي مقابل هذه الاتهامات -التي وصفتها صحيفة «نيويورك تايمز» بالخطاب «الحاد»- ألقى «بايدن» خطابا قويا يوم 30 أغسطس في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا، اختار فيه عدم الكشف عن أي مواقف أو إعلانات سياسية جديدة، لكنه رد على هجمات وتعليقات ترامب السابقة، ووصفه بأنه «وجود سام».. وتساءل: «هل سنتخلص من هذا السم؟.. أم سنجعله جزءًا دائمًا من شخصية أمتنا؟».

 

وبينما يصور الرئيس الحالي نفسه على أنه القادر على حفظ «القانون والنظام» أوضح «بايدن» أنه «افتقد منذ توليه الرئاسة القيادة والروح الأخلاقية في إدارة العديد من القضايا والتحديات»، مضيفا أن «اعتقاد ترامب أن نطق كلمات مثل القانون والنظام ستجعله قويا ومؤيدًا من قبل الكثيرين هو اعتقاد خاطئ جراء ما يفعله مؤيدوه من أعمال متطرفة اتسمت بالتشدد، ولعل هذا هو ما يظهر مدى ضعفه».

 

وفي السياق ذاته سأل نائب الرئيس الأمريكي السابق سؤالا مفاده «هل يعتقد أي مواطن أنه سيكون هناك عنف أقل في الولايات المتحدة إذا أعيد انتخاب ترامب؟» وتابع بالقول: «نحن بحاجة إلى العدالة والأمان، كما أصبحنا نواجه أزمات متعددة، والتي استمرت في التكاثر في ظل الإدارة الحالية». كما رد أيضا على مزاعم الرئيس الحالي بأنه وحده قادر على جعل الأمريكيين آمنين، قائلا: «سيستمر في إخبارنا أنه إذا ما استمر رئيسا سنشعر بالأمان.. حسنًا، إنه الآن رئيس، وسواء كان رئيسًا أو لا مازالنا لا نشعر بالأمان».

 

وعلى الرغم من ذلك ذهب بعض المحللين إلى أن التركيز على قضية «القانون والنظام» كعنصر رئيسي في التأثير على الانتخابات الرئاسية، من غير المرجح أن يفيد «بايدن» بنفس الطريقة التي يحاول بها «ترامب» الاستفادة. ويرجع السبب في ذلك إلى الانتقادات المتزايدة للعناصر التقدمية في الحزب الديمقراطي إلى جانب الحركة الناشطة «حياة السود ذات أهمية» لوكالات إنفاذ القانون، ومن ثم اضطر «بايدن» إلى عدم إثارة حفيظة أي من التقدميين المعتدلين الذين يحتاج إلى دعمهم في الانتخابات الرئاسية.

 

وتماشيًا مع ذلك الأمر، وأثناء انتقاد «بايدن» قيادة «ترامب» للشؤون الأمنية في البلاد، اتخذ أيضًا خطوات لفصل أي ارتباط أو علاقة بين الديمقراطيين وحالات الخروج على القانون. وفي خطابه السابق الإشارة إليه في أغسطس أوضح أن «حالات الشغب ليست احتجاجًا، وأن قضايا النهب ليست احتجاجًا، وإشعال الحرائق ليست احتجاجًا، وأن هذه الأمور خروج على القانون ويجب محاكمة من يفعل ذلك».

 

وبالإضافة إلى ذلك، وخلال موجة الاحتجاجات الأخيرة أوائل يونيو 2020، رفض الالتزام بإلغاء تمويل أقسام الشرطة، و«دعم الحاجة الملحة إلى الإصلاح». وفي هذا الصدد أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنه «على الرغم من عدم وجود أدلة أو مبررات واقعية لدعم الخطاب والاستراتيجية التي تبناها ترامب أثناء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، فإنه ترك لبايدن عدة خيارات حول كيفية استغلال الموقف». وبناء عليه قال «جريج سارجنت» في صحيفة «واشنطن بوست»: إن «بايدن بالفعل أظهر نفسه على أنه يدعم تخفيض حجم الإنفاق على ميزانيات الشرطة الأمريكية.

 

ومع ذلك، لا تزال تنديدات «بايدن» العلنية «تدبيرًا ضروريا»؛ بسبب تصريحات ترامب القوية. ويشير العضو الديمقراطي في مجلس النواب عن ولاية أوهايو «تيم رايان» إلى أن خطاب نائب الرئيس السابق في أواخر أغسطس الماضي جاء «لجذب تأييد الكثير من الطبقة العاملة من الولايات الأمريكية بشكل واضح». ودعا «جورج باكر» في «ذي أتلانتيك» «بايدن» إلى ضرورة «التحدث عن قضايا العدالة والسلامة، وعن الإصلاح، ومناهضة أعمال الشغب، وعن الحاجة الماسة إلى توحيد البلاد، فقد تضر هذه الاستراتيجية إذا لم يؤمن بها بايدن بآماله الانتخابية».

 

في الوقت ذاته تشير المواجهات العنيفة التي لا تزال تحدث في شوارع المدن الأمريكية إلى نوع الخطاب السياسي المحرض للعنف والكراهية الذي بات يهيمن على الانتخابات الأمريكية، وخير دليل على ذلك دفاع ترامب علنًا عن شاب يبلغ من العمر 17 عامًا، متهم بقتل اثنين من المتظاهرين المناهضين للعنصرية في احتجاجات مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن الأمريكية. وبدلاً من إدانة العنف دافع ترامب عنه.

 

على العموم، سيطر الخلاف حول قضية الالتزام بالقانون والنظام والقدرة على المحافظة عليه من قبل المرشحين في الولايات المتحدة على الخطاب السياسي في الفترة الأخيرة بشكل حاسم. ومع تأخر «ترامب» في نتائج استطلاعات الرأي الانتخابية فإن تلك القضية يمكن أن تكسبه مزيدا من الدعم والتأييد، ما يجعل من غير المفاجئ أن تسعى حملته الانتخابية إلى الاستفادة منها بشكل كبير. ومع إدراك «بايدن» خطورة هذه الاستراتيجية في جذب انتباه الناخبين يبدو أنها ستظل قضية سائدة في الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر القادمة.

{ انتهى  }
bottom of page