top of page
15/7/2020

السياسة الخارجية المرتقبة للمرشح "جو بايدن".. وجهة نظر غربية 

تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2020 واحدة من أكثر الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة الحديث إثارة للجدل في ظل وجود تنافس قوي بين مرشحين بارزين، هما الرئيس الحالي «دونالد ترامب»، الذي تسبب في خلق توترات وصراعات عالمية على نحو لم يسبقه فيه أي رئيس آخر، و«جو بايدن» نائب الرئيس السابق «باراك أوباما»، وذلك بما لديهما من سياسات خارجية ومحلية متناقضة. وبالإضافة إلى اختيار زعيم أقوى دولة في العالم، سيقرر الناخبون أيضا من سيتولى قيادة نظام الدفاع والأمن في العالم الغربي.

ومنذ توليه منصبه في يناير2017 واجه الرئيس «ترامب» انتقادات واسعة حول سياساته الداخلية والخارجية وطريقة إدارته، التي عملت على تقويض مكانة أمريكا كقوة ليبرالية عالمية، حيث دفعته أيديولوجيته وشخصيته المتقلبة إلى انتهاج أهداف عدائية، فعمد إلى التنصل من المنظمات الدولية التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والحرية الليبرالية. وبدلا من ذلك سمح لأنظمة استبدادية مثل الصين – كما يقول المعلقون- بزيادة قوتها ونفوذها في الشؤون العالمية، وهاجم حلفاء واشنطن، ودعم الحكام الشعبويين وأجج النزاعات، بل خلق توترات جديدة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ الأمر الذي ألحق أضرارا جسيمة بمكانة أمريكا العالمية وتأثيرها في الشؤون الدولية. 

وفي الوقت الحالي، سعى العديد من الساسة والخبراء ومراكز الفكر لتوقع شكل السياسة المحتملة خلال رئاسة «بايدن»، حيث توقعوا أن تتشابه مع طريقة إدارة «أوباما» لعمله بها من قبل، والتي من المرجح أن تركز معظم اهتمامها على القضايا الداخلية، مع اتخاذ السياسة الخارجية انحرافا كبيرا عن نهج الإدارة الحالية؛ من خلال العمل على دعم المنظمات الدولية، والعلاقات الشخصية الودية مع قادة العالم، جنبا إلى جنب مع الالتزام المستمر بالإنفاق الدفاعي العالي المستوى واتخاذ موقف حذر تجاه خصوم أمريكا. 

ووفقا لـ«كولوم لينش» من مجلة «فورين بوليسي»، يبقى بايدن «بطل أسلوب الاستثناء الأمريكي (النهج التقليدي القديم)، والذي يلتزم بشن حرب عالمية مفتوحة على الإرهاب بطائرات بدون طيار وقوات خاصة، ويُظهر القليل من الاهتمام في كبح ميزانية الدفاع، التي تضخمت لتصبح أكثر من 100 مليار دولار حاليا». ومن المحتمل أن يتعارض دعمه لاستراتيجية أمريكا الحازمة في الشؤون الدولية مع الفصائل اليسارية والتقدمية في الحزب الديمقراطي، الذين يعتقدون أن زيادة دعمهم في السنوات الأخيرة تُمثل علامة واضحة على موافقتهم على تقليص حجم الجيش واتباع سياسة خارجية تعتمد على ضبط النفس. ويعلق «ستيفين ويرثيم» من معهد «كوينسي للحكم الرشيد»، قائلا: «هناك شعور حقيقي بأن التقدميين قد فازوا، أو على الأقل يسيطرون على النقاش حول السياسة الخارجية خلال الانتخابات التمهيدية».

وبحسب «لينش»، فإن «بايدن»، زعيم «يرى الجيش الأمريكي قوة خير في العالم»، وقد دعم استخدامه في الصراعات السابقة، لكنه أيضا بعد حالات، مثل حرب العراق عام 2003، «أصبح أكثر حذرا بشأن مخاطر التدخلات العسكرية.. ودعا إلى تقليص القوات بشكل كبير في أفغانستان.. وعارض التدخل الأمريكي في ليبيا». وعلى الرغم من ذلك تقول «ليسي هيلي»، من «مركز الفكر الأمني»، إن رئاسته ستُبقي ميزانية الدفاع مرتفعة للغاية، بسبب أنه «ليس هناك ما يوحي بأن إدارته ستتخذ مسارا مختلفا عن الإدارات السابقة». 

وعليه، من الواضح أن غالبية السياسة الخارجية المحتملة لرئاسته ستكون مناقضة للعديد من القرارات التي اتخذها «ترامب». يقول «بيتر مولرين»، المسؤول السابق في «الخارجية الأمريكية»: «سيكون الهدف الأسمى لإدارته هو إثبات المصداقية والمكانة التي كانت تتمتع بها واشنطن قبل عام 2017». وترى «كوري شاك»، من معهد «أمريكان إنتربرايز»، أن بايدن وحملته أذكياء بما يكفي للحصول على المكاسب السهلة التي تتحملها السياسات الخارجية الكارثية للرئيس ترامب.. سيعمل مع الحلفاء، ومن خلال المؤسسات المتعددة الأطراف، وسيعود إلى الاتفاقيات الدولية، التي تخدم الولايات المتحدة».

وبالتالي، فإن الالتزام تجاه «المنظمات الدولية»، سيكون اختلافا واضحا في السياسة الخارجية بين «ترامب»، و«بايدن». وكان الأخير مؤيدا منذ فترة طويلة لمثل هذا النهج في إدارة الشؤون الدولية. ومن بين الاتفاقات الرئيسية لإدارة أوباما التي شارك فيها، «اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ»، و«الاتفاق النووي الإيراني» السيئ الذكر، كما التزم أيضا بإعادة الانضمام إلى «منظمة الصحة العالمية»، بقوله يوم 7 يوليو2020: «الأمريكيون أكثر أمانا عندما تشارك واشنطن في تعزيز الصحة العالمية.. في يومي الأول كرئيس، سأعود للانضمام إلى المنظمة وسأستعيد قيادتنا على المسرح العالمي».

ويعكس الالتزام بالتعاون الدولي أيضا فكر السياسة الخارجية الحالي داخل الحزب الديمقراطي. وبالنسبة الى «توماس رايت» من «معهد بروكنجز»، تَحَرك الخطاب داخل الحزب نحو «التعاون الدولي وسياسة خارجية قائمة على القيم، حيث أصبح الديمقراطيون أكثر واقعية وأقل تفاؤلا بشأن مكانة أمريكا في العالم.. هؤلاء لا يعتقدون أن نجاح أمريكا مضمون، ولا يعتقدون أن العالم الحر مضمون للبقاء حرا أو مؤثرا كما كان لعدة عقود».

وعلى الرغم من أن التزام «بايدن»، بالتعاون العسكري والدولي قد لا يكون موضع شك؛ فإن الأدلة على سياسة خارجية متطورة وذات نطاق أوسع يعد «أقل واقعية»؛ نظرا الى قلة خبرته في الشؤون الخارجية، وعلاقة عمله الوثيقة مع أوباما بين عامي 2009 و2017. وفي ظل هذه الإدارة، «حافظت السياسة الخارجية إلى حد كبير على الإجماع الليبرالي الجديد بعد الحرب الباردة تجاه العولمة». علاوة على ذلك، «سعى أوباما للابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على آسيا. ومع قضائه فترة أطول خلال رئاسته، قلل من مستوى علاقاته واتصالاته بالصين وروسيا». 

فيما انتقد «جوناثان غوير»، بموقع «أمريكان بروسبيكت»، استراتيجية «بايدن» لمكافحة الإرهاب. وزعم أن هذا النهج -الذي استخدمه أوباما أيضًا في مكافحة الإرهاب- «لا يستثمر أو ينتج أي علاقات سياسية بناءة مع دول، مثل أفغانستان، والعراق التي لديها بالفعل حكومات هشة ومتقلبة وغير مستقرة». وبدلاً من ذلك يعتمد هذا النهج على «توجيه ضربات جوية بدون طيار واستخدام القوات الخاصة للوصول إلى البلدان واختراقها وقتل الأشخاص الذين تخاف الولايات المتحدة من تطرفهم». ويصف هذا النهج بأنه، لا يتبعه إلا «دول فاشلة تستخدم تدخلها الأجنبي بالدول الأخرى لإظهار هيمنتها وطموحاتها».

أما ما يتعلق برفض «بايدن» دعم واشنطن المطلق لإسرائيل، فهو أحد الموضوعات التي قد تسبب مشاكل داخل الحزب الديمقراطي. فعلى الرغم من انتقاده للقرار الإسرائيلي بمواصلة ضم أراضٍ بالضفة الغربية المحتلة، فقد أكد أيضًا التزامه «الثابت تمامًا» لإسرائيل معربًا في الوقت ذاته أنه صديق مقرب لرئيس الوزراء، «نتنياهو». وفي هذا الصدد، علق «مولرين» بأن «بايدن هو نتاج للتيار الديمقراطي وسياسته الخارجية السائدة طوال السنوات الأربعين الماضية، والتي لم تزل داعمة لإسرائيل على نحو متزايد فحسب، بل أصبحت تكره حقًا استجوابها علنًا وانتقادها صراحة».

وفيما يتعلق بالشؤون الخارجية، فإن الجزء الرئيسي لنهجه يستند على تكوين علاقات شخصية قوية مع قادة العالم الآخرين. ورفضت المستشارة السياسية للقيادة العسكرية الأمريكية في العراق ما بين 2007 و2010، «ايما سكاي»، هذا النهج، قائلة: «إنه ليس رجلا يعرف التاريخ حقًا.. لا يستهويه الفكر والأيديولوجيات.. الأمر كله يتعلق بالعلاقات الشخصية». ويضيف «مايكل كراولي»، بصحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «من الصعب تقييم مدى فعالية الأسلوب الدبلوماسي الذي يتبناه، ومدى جدواه حال وصوله إلى الرئاسة.. وعندما كان عضوًا بمجلس الشيوخ، لم يصدر منه أي تشريع تاريخي متعلق بملف السياسة الخارجية أو غيره من الملفات المهمة.. وبصفته نائبا للرئيس، كان إلى حد كبير مستشارا له في الكثير من القضايا، وكثيرا ما قلص دوره وزراء الخارجية «هيلاري كلينتون»، ثم «جون كيري».

وفي حال تم انتخابه رئيسًا، ستكون أحد التحديات المهمة أمام «بايدن»، هو طريقة معالجته للإجراءات الجيوسياسية العدوانية من قبل بكين. وربما تنفعه علاقته الشخصية وتفاعلاته السابقة مع رئيس الوزراء الصيني، «شي جين بينغ». وخلال إدارة أوباما، لطالما تم إرساله إلى بكين لتحسين العلاقات بين الحكومتين. وخلال ثماني مرات على الأقل، التقى كل من «شي» و«بايدن» خلال اجتماعات ناجحة في الفترة ما بين عامي 2011 و 2012. ووفقًا لـ«مايكل كرولي»، بصحيفة «نيويورك تايمز»، «لقد التقوا رسميا، وسارا سويًا، وقضيا أكثر من 25 ساعة طيلة علاقاتهما في تناول الطعام والعشاء، ولم ينضم إليهما سوى المترجمين». وفي هذا السياق، أكد مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق، «دانييل راسل»، «أن بايدن كان جيدًا بشكل ملحوظ في تكوين علاقة شخصية بصورة سريعة وجعل شي يهوى الانفتاح».

وعلى الرغم من توقع حدوث دفعة قوية محتملة في العلاقات مع الصين، إذا أصبح بايدن رئيسًا، إلا أن تقاربه مع رئيس الوزراء الصيني يمكن اعتباره في الوقت نفسه نقطة ضعف انتخابية. وقد استغلها الرئيس الحالي كدليل على احتمال عدم فعاليته في مواجهة بكين، فيما يُنظر إليه على أنه «نهج ناعم لمحاربتها». ورد «بايدن» على ذلك بالادعاء بأن «ترامب» كان «لينًا للغاية في تعامله مع الصين خلال بداية جائحة كورونا.. وأشاد بالصينيين 15 مرة في شهري يناير وفبراير مع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم».

وعند النظر في جميع التغييرات المحتملة في ظل إدارة «بايدن»، فمن المرجح أن تعطي الأولوية للقضايا المحلية والداخلية بصورة أكثر تركيزًا من القضايا الدولية. ومع وجود الولايات المتحدة في حالة اضطراب داخلي بسبب جائحة كورونا، والاحتجاجات المناهضة للعنصرية؛ ستواجه الإدارة القادمة العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي يصعب مواجهتها. ويمكن رؤية قبول واعتراف «بايدن» بأهمية الشؤون الداخلية، من خلال تعاونه مع العناصر الأكثر تقدمية في الحزب الديمقراطي حول السياسات المحلية وطرق تناولها. 

وفي مايو 2020، شّكل سلسلة من مجموعات عمل ضمت شخصيات بارزة في الحزب، مثل «بيرني ساندرز»، ووزير الخارجية السابق «جون كيري». وكان من بين القضايا التي تم النظر فيها؛ (تغير المناخ، والتعليم، والاقتصاد، والرعاية الصحية، وإصلاح العدالة الجنائية). ومع ذلك، لم تكن السياسة الخارجية واحدة من القضايا التي نُوقشت فيما بينهم، ولعل هذا ما قد يثبت الأولويات المستقبلية للإدارة المرتقبة بقيادته. وعلى نطاق واسع، لوحظ أنه لم يبد أولوية قصوى تجاه الشؤون الدولية في الماضي. وكتبت «كوري شاك»: أنه «نادرا ما كان لديه القوة في إدارة ملف السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية خلال أكثر من ثلاثة عقود في مجلس الشيوخ على الرغم من أنه شغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية».

ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه قد لا يكون لديه خلفية في تطوير السياسة الخارجية، فقد استطاع أن يجمع من خلال عمله كنائب للرئيس في الماضي خبرة لا يستهان بها في الدبلوماسية والشؤون الدولية. علاوة على ذلك، لا يخلو الحزب الديمقراطي من عناصر بارزة أثرت في السياسة الخارجية.

على العموم، سيخوض «بايدن» السباق الرئاسي بخبرة عملية في مجال الشؤون الخارجية أكبر بكثير مما كان عليه «ترامب» في عام 2017. لذلك، على الرغم من وجود بعض نقاط الضعف في خططه السياسية الخارجية المستقبلية، فمن الصعب القول بأنه -حال فوزه- لن يقدم للسياسة الخارجية الأمريكية نهجًا أكثر جدوى من المسار الذي حددته الإدارة الحالية، والتي فشلت في تعزيز المصالح الأمريكية.
 

{ انتهى  }
bottom of page