top of page
13/6/2020

عالم الاتصالات وتبادل المعلومات الخاطئة ونظرية المؤامرة

في المشهدِ الجيوسياسي الفوضوي اليوم، أصبحت جهودُ التضليلِ المتعمدِ واستخدام نظريات المؤامرة شائعةً؛ إذ تكمنُ أهميتها في أنها أصبحت دعائمَ سياسية قوية يمكن استخدامها، كما أنها تعزز الروايات التي تستند إليها معتقدات السياسة. ويمثل انتشار مثل هذه التكتيكات منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 تحديًا أمنيًّا واستراتيجيًّا كبيرًا للدول الغربية؛ غير أنها في عام 2020 قد وصلت إلى مستويات جديدة، بعد أن أدت إلى تعميق قضايا الانقسام في المجتمعات. وتلقي كلٌّ من الولاياتِ المتحدة والصين اللومَ على الأخرى في جائحة كورونا، كما يلقي الرئيسُ الأمريكي، «ترامب»، اللومَ على نشطاء الحركة اليسارية المناهضة للفاشية «أنتيفا»؛ لإثارة الاحتجاجات وأعمال الشغب في جميع أنحاء أمريكا.

 

في ضوء هذه المخاوف، عقد «المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الأمنية والدفاعية «RUSI» ندوة عبر الإنترنت يوم3 يونيو بعنوان «عالم الاتصالات وتبادل المعلومات الخاطئة ونظرية المؤامرة»؛ بهدف مناقشة المخاطر الأمنية الحالية التي تقدمها المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة، ترأستها، «إيتين تاننام»، المتخصصة في دراسات السلام بكلية ترينيتي في دبلن، وتحدث فيها «دونالد هولبروك»، من قسم الأمن وعلم الجريمة في كلية لندن الجامعية، و«هارورو إنجرام»، كبير الباحثين في برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن، و«كلير يورك»، المتخصصة في دراسات الأمن الدولي بجامعة ييل.

 

ومنذ البداية، عرض «هولبروك» نتائج مقالته، «تحدي نظريات المؤامرة للاتصالات الاستراتيجية»، بهدف تسليط الضوء على الانتشار المتزايد لهذه النظريات كجزء من الإجراءات التي تتخذها الجهات الحكومية وغير الحكومية ضد المخاوف الأمنية الغربية، إذ وصفها بأنها «تسمم الخطاب العام من خلال تعميم الأفكار المتطرفة»، والتي يمكن أن تلقى قبولا كبيرا لدى الشعوب الغربية. وحدد «مكونات» هذه النظريات للحصول على قوة الجذب للشعوب مثل، القدرة على إلقاء اللوم على شخص أو مجموعة على فعل ما «سواء فعلوا ذلك أم لا»، والحفاظ على افتراض أن الحكومات هي كيانات قوية، وتعمل وفقا لمفهوم السرية والخداع لشعوبها، وأن هناك تواطؤا واسع النطاق في ذلك.

 

وانطلاقا من هذا، يمكن أن تكونَ الأسبابُ وراء اكتساب هذه النظريات زخما، هي عدم الثقة في المؤسسات، والشعور العام بالتعاسة أو اللامبالاة، والوصول المحدود إلى المعلومات والاعتقاد في بيئة من السرية والروايات المتطرفة. ويصر «هولبروك» على أن الاعتقاد في مثل هذه النظريات «يظل عملية عقلانية لأنها تمتلك قوة تفسيرية»، بالإضافة إلى القدرة على تبديد بدائل أكثر منطقية بشكل مرضٍ. ومن المرجح أن تحدث في وقت الأزمات، عندما تخضع الإجراءات الحكومية لتدقيق مكثف، وبالتالي تكون الحكومات أكثر عرضة للشك.

 

ومع ذلك، فإن تفسيره لمؤامرات التهديد الموجودة ينقصه وجود سلسلة من الأمثلة البارزة. وفي حين أن مصطلح «نظريات المؤامرة» قد يستدعي تساؤلات حول أمور معروفة مثل، ما إذا كان الإنسان قد هبط بالفعل على القمر عام 1969. أو ما إذا كان إلفيس بريسلي ميتا حقا، إلا أن النظريات الحديثة لها تأثير جيوسياسي أكبر بكثير وتتعلق بمسائل تتضمن سلوك حكومة الولايات المتحدة في عمليات سرية والفكرة الشعبوية بوجود «دولة عميقة»، إذ يستطيع الأعضاء المؤثرون في المجتمع والحكومة التلاعب بالسياسات والأحداث العالمية لمصلحتهم الخاصة.

 

وفي حين أنه قد تم تبديد مثل هذه الأفكار بسهولة في العقود الماضية، فقد اكتسبت الآن زخما سياسيا كبيرا؛ وذلك لوجود قضايا مثيرة للقلق بشكل خاص في الولايات المتحدة، خاصة منذ أعلن «ترامب» عام 2016 ترشحه للرئاسة، وإعلانه أنه سوف «يجفف المستنقع»، في إشارة إلى إصلاح شامل لمؤسسات واشنطن ونظرية «الدولة العميقة». وهكذا، فإن ما بدأ كنظرية مؤامرة وُجد أنه تم تبنيه كحجر زاوية رئيسي لمحاولة انتخابية رئاسية ناجحة، وبالتالي فهو بمثابة دليل دامغ على أن مثل هذه النظريات لديها القدرة على أن تصبح «التيار الرئيسي» في الدولة وتقوض العملية الديمقراطية الغربية.

 

وعندما سُئل «هولبروك»، عن كيفية تأثير العولمة على هذه النظريات، جادل بأنها تمكنت من إحداث «صدى»، إذ يمكن لها أن تنتشر وتنمو شعبيتها. وعلى وجه التحديد، سمح الإنترنت بالحصول على معلومات حولها؛ ما أدى إلى وصولها إلى جمهور أكبر بكثير مما كان ممكنا في السابق. وفي الوقت نفسه وافق على أن صياغة رد على تهديدها «محفوف بالمصاعب»؛ لأن محتواها غالبا ما يتضمن ردا على الحجج المضادة. فعلى سبيل المثال، النظريات التي تنص على أن الأحداث يتم تحديدها بواسطة عملاء سريين يمكن أن يرفضها المؤمنون بهذه النظرية من خلال إجابات قوية على أن وجهة النظر هذه تفرض فقط وجود شخصيات «الدولة العميقة».

 

وتعدُّ وسائل الإعلام بشكل عام أيضا جزءا من «التستر» عليها، ولذلك فهي محدودة الاستخدام في مكافحة النظريات من خلال البحث والتحقيق. وفي ضوء هذه القيود في مواجهتها، يوصي بتخصيص مزيد من الوقت للتفكير في العواقب الاستراتيجية للدور الذي يمكن أن تلعبه في الاعتبارات الأمنية، بدلا من صياغة رد عليها.

 

وخلال حديثه عن العوامل التي «تؤثر على أنشطة» الجهات الحكومية وغير الحكومية في تقوض الأمن الغربي. لاحظ «إنجرام» أن التنسيق بين هذه الجهات في حملات التضليل المتعمد يمكن أن يختلف اختلافا كبيرا، وأن مثل هذه الإجراءات تحدث عبر مجموعة واسعة من الأهداف؛ أبرزها عند الإشارة إلى الاتصالات الاستراتيجية، وهي «الأنشطة المعادية للديمقراطية المصممة لتقويض تأثير الديمقراطية في الدول الغربية». وعليه، يهدف استخدام المعلومات الخاطئة إلى تقويض ما يسميه «إنجرام»، «ثالوث ثقة» أي الثقة الاجتماعية والثقة في السلطات والثقة في العملية الديمقراطية، لتقويض الروابط بين الحكومات والناخبين. ومن الأمثلة البارزة التي يبرزها الإجراءات الروسية المناهضة للديمقراطية خلال العمليات الانتخابية وحركة «مكافحة استخدام اللقاح»، والتي تتحدى الأدلة العلمية التي تحمي اللقاحات ضد الأمراض المعدية.

 

وفي كلتا الحالتين، تعتمد المعلومات الخاطئة على استخدام «بوتات الإنترنت» الحسابات المزيفة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر المعلومات الخاطئة عمدا للمستخدمين الحقيقيين في محاولة لتمزيق الخطاب السياسي الغربي. وتعد هذه الإجراءات شائعة على منصات التواصل الاجتماعي الغربية بما في ذلك فيسبوك وتويتر.

 

وفي حالة جائحة كورونا، فإن انتشار المعلومات الخاطئة قد نتج عنه أيضًا مخاطر صحية جمة. فوفقًا لاستطلاع «مركز بيو» للأبحاث في مارس 2020. ذكر 48% من الأمريكيين أنهم اطلعوا على شكل من أشكال المعلومات الخاطئة حول الفيروس. وفي ذات الوقت، يعتقد 37% أن وسائل الإعلام الأمريكية بالغت في مخاطر العنف. ومع تأكيد الدولة وجود أكثر من مليون حالة مؤكدة من الإصابة بالفيروس وكذلك وفاة ما يربو على 100.000 حالة بحلول الأول من يونيو، فإن عواقب مثل هذه المعلومات المضللة يمكن أن تكون وخيمة على المواطنين الذين يختارون عدم أخذ تقارير إعلامية وعلمية الأدلة بجدية كما يجب.

 

ومع ذلك، فإن تأثير مثل هذه المعلومات المضللة يظل محدودا كما يقول «إنجرام»، بمعنى أنه: «لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل القائمة». ويذكر أن «أكبر جروح الديمقراطية تميل إلى أن تكون ذاتية»، وأن ذلك يؤثر على الأنشطة التي تقوم بها الجهات المعادية التي تستهدف عمدا قضايا الخلاف الاجتماعي؛ بدلا من محاولة فتح مناطق جديدة من الصراع. وبالنسبة إليه، فإن هذا التحدي من تكتيكات التضليل من قبل خصوم الدول الغربية هو أيضًا جزء من «ركود ديمقراطي طويل». وبحجة أن عدد الديمقراطيات في العالم قد انخفض تدريجيًّا في السنوات الأخيرة بعد الطفرة من 1975 إلى 2005. يسلط الضوء على أن ارتفاع المرشحين الشعبويين في الانتخابات بالديمقراطيات الغربية في العقد الماضي كدليل على أن تكتيكات المعلومات الخاطئة أثبتت أنها طريقة فعالة لكسب الدعم وتحدي المنافسين السياسيين.

 

وفيما يتعلق بالاستجابة الضعيفة للوكالات الأمنية الغربية لمثل هذه التهديدات، يشير «إنجرام»، إلى «الميل إلى التهديدات المنعزلة» كونها عزلا للموارد وفهمَ التهديدات الفردية، بدلا من خطة متماسكة لمواجهة سلسلة واسعة من التهديدات الأمنية. ويعني هذا النهج الضيق أن القضايا المحتملة الأخرى لم يتم تناولها بشكل ملائم كما أنها تعرض مشكلات تتعلق بالاستخدام الفعال للوكالات الأمنية لمواجهة التهديدات الخارجية. ويشير إلى المثال الذي مفاده أن التركيز على التهديدات الإرهابية من قبل جماعات مثل، «داعش» و«القاعدة» قد صرف الانتباه عن ما تشكله دول مثل، روسيا والصين من تهديدات استراتيجية؛ تقوض الأمن السياسي الغربي من خلال جهودهم المضللة.

 

وعندما استفسر «تانام» عن فائدة أجهزة التحقق من الحقائق أثناء الانتخابات، بدا «إنجرام»، متحمسا لاستخدامها في مكافحة المعلومات الخاطئة، لكنه حذر من أن هذه الآليات غالبًا ما تستخدم بشكل دفاعي جدًا وقابلة للإغراق من قبل «تسونامي» من سوء المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، أصر على أنها توفر فرصة لتحديد ومكافحة المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة عند ظهورها. وبالنسبة إلى المستقبل، لم يتنبأ بتراجع الأهمية المتزايدة للمعلومات الخاطئة في العملية الديمقراطية الغربية، وبدلا من ذلك تنبأ باستمرار استفادة الدول والجماعات المناهضة للديمقراطية من نقاط الضعف؛ لتعزيز أهدافها الاستراتيجية الخاصة.

 

من ناحية أخرى، أشارت «يورك»، إلى أهمية ردود الفعل العامة لمكافحة سياسات الإرهاب، كما شددت على الحاجة إلى النظر في الجوانب العاطفية، بدلا من البيانات والأرقام فقط لفهم ردود الفعل على الإرهاب بشكل أفضل وكذا تدابير مكافحته. وجادلت بأنه في حين أن العواطف تجاه الإرهاب غالبًا ما تعدُّ وجهات نظر غير عقلانية للغاية، بحيث لا يمكن اعتبارها مقاييس تستند إليها السياسات والاستراتيجيات، فإن سرد عواطف السكان بعد الأحداث الكبرى يقدم طريقة أخرى لفهم المواقف تجاه الإرهاب. كما زعمت أن المزاج العام لا يتم تحديده بسمات ثابتة، بل يتطور ويتغير باستمرار، وبالتالي هناك حاجة مستمرة لفهمها.

 

وعندما سُئلت عن دور تعزيز الثقة الاجتماعية في مكافحة المعلومات الخاطئة، شددت على أهمية حفاظ القادة السياسيين على النزاهة في تصرفاتهم لتفويت الفرصة على الجهات المعادية لتقسيم المجتمع الغربي. وضربت مثالا برد رئيسة الوزراء النيوزيلندية، «جاسيندا أرديرن» على الهجمات الإرهابية على بلادها، وبالأخص في رفضها تسمية المهاجمين وإعطائهم الاهتمام الذي سعوا إليه، كمخطط لما يجب أن يتخذه قادة العالم ووسائل الإعلام مُستقبلا؛ لمكافحة الخوف المنشود بثه بين الناس من خلال الهجمات الإرهابية. كما شددت على ضرورة مراعاة الاستجابات الانفعالية في مكافحة تهديد المعلومات الخاطئة للمجتمعات الديمقراطية. وجادلت بأن القادة الذين ينتبهون لردود فعل ناخبيهم هم الأنسب للتعامل مع هذه القضايا. بالنسبة إلى «يورك»، في تشكيل السياسة، لا يوجد بديل أكبر «للخروج والتحدث مع الناس لفهم ما يشعرون به». ويوفر هذا النهج معلومات حول مخاوف المواطنين وانزعاجهم، كما يوفر أيضًا وسيلة لفهم انتشار المعلومات الخاطئة في الخطاب العام. ومع ذلك، تعترف بأنه «لا توجد إجابة محددة على أي من المخاوف التي أثارتها المعلومات الخاطئة، معترفةً بأن بحثها يعمل أكثر كنقطة بداية للنقاش الأكاديمي للمستقبل».

 

على العموم، وفرت الندوة قدرًا كبيرًا من الفكر الأكاديمي حول تهديد المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة الموجودة لأمن الديمقراطيات الغربية الليبرالية. وعلى الرغم من أن أمثلة مثل هذا النشاط لم تتم مناقشتها بإسهاب، فإنها قدمت وصفًا شاملاً للمشاكل التي تطرحها هذه الإجراءات. وبدلا من ذلك، أكد كل متحدث الحاجة إلى التدقيق في آثار مثل هذه التكتيكات على الاستراتيجية الغربية، وكيفية الرد على هذه التهديدات من الجهات الحكومية وغير الحكومية ومواجهتها.

{ انتهى  }
bottom of page