3/4/2020
الأمن السيبراني في دول مجلس التعاون الخليجي
يحمل الأمن السيبراني بالنسبة إلى للدول المتقدمة أولوية قصوى في مقابل الأشكال التقليدية للأمن، مثل الدفاع العسكري والشرطة الداخلية، فالعالم الحالي متصل بالإنترنت، أو مزود بتقنيات مثل شبكات الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي. وتدرك الدول أن ذلك قد يفتح ثغرات أمام الأعداء لتقويض استقرارها وأمنها القومي، ومن ثمّ فإنه في السنوات الأخيرة زادت من تقييمها لحاجتها إلى «المرونة السيبرانية». ويشير المصطلح إلى «قدرة الحكومات على التغلب على الهجمات السيبرانية من قبل جماعة أو منظمة أو دولة معادية وتقليل الأثر الناجم عنها على كفاءة الاقتصاد والمجتمع والسياسة». وبحسب «فريدريك بجورك»، من «جامعة ستوكهولوم»، فإنه يشير إلى «القدرة على استمرار تقديم النتائج المرجوة بالرغم من التهديدات السيبرانية». وبالفعل، تم إجراء العديد من التقييمات من قبل بعض الحكومات فيما يتعلق بمرونتها السيبرانية؛ غير أن تركيزهم انصب فقط في سياق مجال الأعمال التجارية والمالية.
ولعل هذا النهج، هو ما جعل كلا من «جيمس شايرس»، و«جويس حكمة»، من «مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية»، استثناء ملحوظا، بسعيهما لاكتشاف المرونة السيبرانية المحتملة لدول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة الهجمات القائمة ضد البنية التحتية والمجتمع والدولة، في تقريرهما الصادر في مارس2020، عن «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، (تشاتام هاوس)، بعنوان «هل تتسم سيبرانية دول الخليج بالمرونة؟»، حيث أثبتا أنه بالرغم من أن هذه الدول خطت خطوات كبيرة في الأمن والدفاع السيبراني في السنوات الأخيرة، إلا أن الطبيعة المركزية لشبكتهم جعلتهم عرضة للأعمال العدائية التي تقوم بها دول مثل إيران.
وركز «شايرس» و«حكمة» على فرضية أن تُبقي «الأنظمة المركزية للمرونة على قوة عمليات صنع القرار في موقع أو هيئة واحدة»، بينما تتصف «الأنظمة الموزعة» بتقسيم القوة والعمليات على العديد من المواقع. وفي الواقع، كلاهما له مميزات وعيوب. وتمتاز «الأنظمة المركزية»، بأنها أكثر قدرة على مكافحة تهديدات المعلومات الاستراتيجية الخاصة بالدولة، مثل حملات التضليل الأجنبية غير المعروفة، بينما الأخيرة أكثر ملاءمة لمواجهة التدخلات المتكررة وفي ذات الوقت المتباينة في الشبكات، والتي تستهدف البنية التحتية والحكومة والمجتمع. ويرجع ذلك إلى أن «الأنظمة المركزية لديها قابلية كبيرة للتعرض للهجمات الإلكترونية، بالنظر إلى أنه في حالة اختراق المهاجم مركز النظام وتهديد استقراره فإن الدفاعات السيبرانية في البلاد والبنية التحتية الأوسع يمكن أن تضعف». وفي المقابل، «تفتقر الأنظمة الموزعة إلى وجود نقطة ضعف رئيسية».
وعلى النقيض من ذلك، يكون «النظام المركزي» أكثر قدرة للرد على الهجمات والتهديدات ذات المستوى المنخفض؛ لأن اتخاذ القرار يكون أسهل ويمكن توجيه الجهود من خلال مصدر واحد، بدلا من محاولة تنسيق استجابات متعددة. ويعد هذا السبب في أن وجود وسائل الإعلام الاجتماعية لدول الخليج التي تُستخدم لمهاجمة وإزالة جهود التضليل، أكثر نجاحا بكثير في الوصول إلى الجمهور المستهدف من المواطنين، منه في أمريكا على سبيل المثال؛ حيث يمكن للجهات الفاعلة المعادية، مثل روسيا أو الصين أو إيران نشر معلومات مغلوطة عبر قسم واسع من مستخدمي الإنترنت من دون خوف من مواجهة رد قوي ومنسق بشكل جيد وشامل من السلطات الأمريكية، وقد خدم وجود نظام سيبراني مركزي حتى الآن دول مجلس التعاون بشكل جيد.
وينشأ التهديد الأقوى في الوقت الحالي للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين على وجه الخصوص من حملة التضليل التي أطلقتها قطر في أعقاب أزمة 2017، فقد نجحت أنظمتهم الإلكترونية المركزية حتى الآن في ضوء فرضية «شايرس وحكمة»، في الحد من الضرر الناجم عن جهود الدوحة.
ومع ذلك، يؤكد التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال تواجه مجموعة أوسع من التهديدات التي إذا حدثت فستكون أكثر ضررا بكثير على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد أُثبت ذلك بالفعل عندما هاجمت إيران -والتي تعتبر التهديد السيبراني الرئيسي لدول مجلس التعاون- البنية التحتية السعودية للطاقة في أوائل العقد الثاني من الألفية الثالثة. فيما يعد الهجوم الإلكتروني لفيروس «شمعون» لحذف بيانات شركتي «أرامكو» السعودية، و«راس غاز» القطرية عام 2012 هو المثال الأول. وتكرر الهجوم عامي 2016 و2017، عندما اشتبه في أن طهران قد ارتكبت هجمات ضد شبكات الحكومة السعودية. وعلى الرغم من أن الضرر الذي حدث تمت معالجته بسرعة، فقد كان بمثابة تحذير لكيفية نجاح إيران في زعزعة استقرار هذه الدول في حالة حدوث هجوم مفتوح بين الجانبين.
ويشير تقييم أجرته «وحدة الاستخبارات الاقتصادية» التابعة لمجلة «ذي إيكونوميست» عام 2018، إلى أنه «مع ظهور التحول إلى النظام الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي، مصحوبا بسلسلة مهمة من السياسات الاقتصادية؛ أصبحت الشركات والخدمات الحكومية عبر الإنترنت في المنطقة أكثر عرضة للهجمات السيبرانية. وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون استثمرت في الأمن السيبراني فإن تلك الاستعدادات في معظم هذه الدول لم تكن كافية لمعالجة العدد المتزايد من الهجمات السيبرانية وتواترها، والتي تستهدف المؤسسات العامة والخاصة، أو الدولة».
وفي السنوات الأخيرة بذلت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الكثير من الجهد لتعزيز مرونتها السيبرانية، حيث استثمرت بشكل كبير في الأمن السيبراني وخطت خطوات كبيرة في حماية الحكومات والشركات والأفراد من التهديدات السيبرانية. غير أن التقرير يشير إلى أنه من «الضروري الحفاظ على هذا الزخم في ظل الاستراتيجيات الوطنية الطموحة، والتي تعتمد بشكل كبير على التقنيات الرقمية المتقدمة، وهو ما سيقدم رؤى مستقبلية لقادة هذه الدول وسكانها».
وعلى الرغم من أن الأمن السيبراني بشكل عام في الخليج يتسم بالإيجابية بالمقارنة بدول أخرى في المنطقة، فإن الطبيعة المركزية لهيكل بلدان الخليج تجعله عرضة للتهديدات بغض النظر عن مقدار ما تستثمره حكوماتها من أموال في الدفاع السيبراني. ومن المرجح أن يتفاقم هذا الأمر في المستقبل المنظور، مع اللجوء إلى دمج تكنولوجيا غير مؤمنة بشكل كاف في الاقتصاد والمجتمع والذي ينطبق بشكل خاص على تقنية G5، ومخاطر الوصول من قبل الحكومات المعادية.
ومن أجل القضاء على تلك الفجوة يقترح «شايرس وحكمة»، أن إعادة التوازن ضرورية نحو نظام جيد التوزيع في تلك الدول، والذي يُمكن تحقيقه من خلال منح تفويض السيطرة على بعض جوانب الشبكة للقطاع الخاص؛ مما يضمن عدم تعثر الشبكة بأكملها في آن واحد في حال وقوع هجوم إلكتروني. غير أنه، يغيب بشكل ملحوظ عن التقرير النظر في حقيقة أنه في هذه الحالة من المحتمل أن الحكومات الغربية التي تدير أنظمة موزعة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ستكون على الأرجح مستعدة لتقديم الدعم لحلفائها في الخليج. وفي النهاية، كما أكد محللون آخرون، فمن مصلحة تلك الدول عزل دول مجلس التعاون الخليجي بمنأى عن الهجمات الإلكترونية الإيرانية.
يقول «نير كشيتيري»، الأستاذ في جامعة نورث كارولينا في تقرير لـ«جورج تاون جورنال اوف انترناشيونال أفيرز»: إن «اهتمام الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بمبادرات الأمن السيبراني لدول مجلس التعاون الخليجي آخذ في الازدياد مع تزايد أهمية خدماتها في جمع المعلومات الاستخباراتية وتبادل المعلومات، وهو ما ينطبق بشكل خاص على الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، بما في ذلك تطورات الأسلحة الإيرانية، مشيرًا إلى أن عبء تحرك دول المجلس نحو نظام أكثر توازنا سيتم تقاسمه مع حلفائها.
على العموم، قدم «شايرس وحكمة»، تحليلا مهمًّا لموضوع المرونة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي. ومع استمرار التوترات بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، فإن الوقت الحالي هو الأنسب للنظر في إمكانية شن هجوم إلكتروني ضخم من قبل طهران ضد حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وحتى مع الحد الأدنى من استعداد دول الخليج؛ إلا أنه بمقدورها تعزيز قدرتها على الصمود من خلال تعظيم شبكتها، والحفاظ على المزايا التي تتمتع بها كدول مركزية في الوقت الذي تدافع فيه ضد اختراقات العدو المحتملة.