3/3/2020
تداعيات انتشار «كورونا» في الشرق الأوسط
أصبح الموضوع المسيطر على اهتمامات العالم في الأسابيع الأخيرة، هو الانتشار الوبائي لفيروس كورونا المعروف باسم «كوفيد19»، والذي اندلع من مدينة «ووهان»، الصينية في ديسمبر الماضي، ومنذ ذلك الحين وحتى قبل الأيام الأخيرة من فبراير، بلغت الإصابات أكثر من 82 ألف إصابة، فيما بلغت الوفيات 2788 حالة في الصين وحدها، وأخذ الفيروس في الانتشار خارجها مثيرًا حالة من الذعر حول إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وما له من تأثيرات اقتصادية خطيرة.
وعلى الرغم من أن تركيز الاهتمام قائم على الصين وجيرانها، وغدت بلدان كاليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام أكثر قابلية للاختراق لقربها المكاني من مركز اندلاع الوباء؛ فإن الأيام الأخيرة شهدت مزيدًا من الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط لاعتبارات كثافة الانتقال البشري بينها وبين منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، وانكشافها للإصابة من ناحية، ومدى جاهزيتها للتعامل مع هذا الوباء من ناحية أخرى، الأمر الذي جعلها منطقة محتملة للإصابة بالفيروس. دعم هذا الاهتمام ما تم تسجيله من إصابات في إيران، والتي قدرت أعداد الوفيات فيها نتيجة الإصابة بالفيروس بنحو 50 حالة في مدينة «قم» وحدها، فيما أنكرت الحكومة الإيرانية ذلك وصرحت أن عددها 26 فقط، بينما الإصابات المؤكدة أكثر من 245 حتى 28 فبراير 2020، وبغض النظر عن اختلاف التقديرات الحكومية وما صرحت به منظمة الصحة العالمية، فإنه لا يمكن إنكار أن إيران غدت معرضة أكثر من أي دولة أخرى في الشرق الأوسط للإصابة بالفيروس، حتى إن هذه الإصابة قد طالت «إيراج هاريرشي» وكيل وزارة الصحة نفسه.
وازدادت الأحداث تعقيدا، بإخفاق إيران في السيطرة على الفيروس، ومحاولتها التعمية على مدى الإصابة به، فيما تقتضي المواجهة أعلى درجات الشفافية، وقيام الدول بتبادل المعلومات سواء داخليًا بين مواطنيها أو خارجيا بينها وبين الدول الأخرى؛ ومع ذلك اختارت إيران العكس، وأحجمت عن تبادل المعلومات، والذي من شأنه الحد من انتشار الوباء. ويقف وراء هذا التصرف أوضاعها الداخلية المتأزمة، واندلاع أعمال الشغب والمظاهرات، وكارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية بضحايا 178 شخصا. وإضافة إلى غياب الشفافية، فإن ضعف البنية التحتية للرعاية الصحية يعد سببا رئيسيا مسؤولاً عن ارتفاع أعداد المصابين، حيث تفتقر المدن الإيرانية إلى التسهيلات الطبية والكوادر والأطقم المدربة القادرة على التعامل مع الفيروس، فضلا عن أن العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وقفت حائلا دون حصولها على المعدات الطبية المتطورة، والإجراءات الضرورية لمحاربة انتشار الفيروس وغيره.
وعلى خلفية ضعف قدرة إيران في السيطرة على الفيروس غذى ذلك الانتشار له في الدول المجاورة لها، حيث سجلت البحرين 47 حالة مؤكدة، و43 في الكويت، و19 في الإمارات، و7 في العراق، و5 في سلطنة عُمان، وحالة واحدة في كل من لبنان ومصر والجزائر، ورغم أنه لم يبلغ بعد عن حالات وفيات، فإننا لا نستطيع استبعاد أن هناك مجالاً لتداعيات أكثر في المنطقة في الأسابيع القادمة إذا لم يتم السيطرة على هذا الوباء.
ويشير كثير من المحللين في المجال الصحي، إلى أن من بين هذه التداعيات احتمالية أن يتحول الشرق الأوسط إلى حاضنة لهذا الفيروس، بسبب الانتقالات البشرية الواسعة التي تتم في هذا الإقليم، وعلى رأسها الانتقالات لأداء فريضة الحج أو العمرة -والتي أعلنت المملكة العربية السعودية وقفها مؤقتا- أو زيارة الأماكن المقدسة في إيران والعراق لدى الطائفة الشيعية، وهو ما بينه الانتشار الكبير لهذا الوباء في مدينة «قم» المقدسة لدى هذه الطائفة، والحالات التي تم اكتشافها في مدينة النجف العراقية.
وبناء عليه، يصبح العراق الذي لديه العديد من مسالك مرور الحجيج وزوار الأماكن المقدسة، أكثر قابلية لانتشار الوباء. ويدعم هذا التوقع، النظام الصحي الشديد الضعف به. وطبقًا للدكتور «آدم كوتز» المتخصص في الصحة العامة لمنطقة الشرق الأوسط بجامعة «كمبريدج»، فإن هذا الوباء قد يصيب الآلاف، إذا ما وصل إلى معسكرات النزوح واللجوء، التي نشأت عن الأوضاع السياسية المتأزمة وأعمال التنظيمات الإرهابية، وفي هذا الاتجاه تمتد الإصابات المتوقعة في العراق وسوريا، وخاصة أن هذه المعسكرات تفتقر إلى نظم الرعاية الصحية.
ويبقى واضحًا، أن هذا الانتشار قد ترتب عليه اتخاذ إجراءات حظر شاملة على السفر عبر منطقة الشرق الأوسط من قبل عدد من البلدان. في الوقت الذي تتبنى العديد منها نظما صحية متقدمة وأكثر قدرة للقضاء على تهديد الإصابة بالفيروس مثل مملكة البحرين وعُمان والكويت. ويؤكد هذا النجاح الذي حققته السعودية عام 2012 في مواجهة تهديد مماثل، وهو ما جعل هذه البلدان منذ ذلك الوقت تتبنى نظما تحوطية تجعلها محصنة، وقادرة على السيطرة على انتشار مثل هذه الأوبئة، كما صرح بذلك رئيس المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية.
وبينما يظل احتمال انتشار الإصابة بالفيروس قائمًا في منطقة الشرق الأوسط، فإن لهذا الاحتمال تداعياته الاقتصادية التي لا يمكن التغاضي عنها، في منطقة شديدة الاندماج في الاقتصاد العالمي، وفي مناطق أخرى من العالم كأوروبا وشرق آسيا، حيث شكل انتشاره محددًا لعلاقات التجارة والاستثمار مع الصين، وخفض العديد من البلدان من النشاط الاقتصادي معها، لتشهد نتيجة لذلك تباطؤا لمعدل نموها الاقتصادي لعام 2020، دون مستواه العام الماضي. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن معدل النمو الاقتصادي المتوقع للصين لعام 2020 هو 5.6% ما يعد الأقل منذ 1990.
وبهذا المعنى، تسبب توقف عمليات الإنشاء، والصناعة، وتقديم الخدمات، وغير ذلك من أوجه النشاط الاقتصادي في خسائر كبيرة للدول في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، لأن الصين قد غدت مصنع العالم، وحلقة عالمية شديدة الأهمية في سلسلة الإمدادات والتوزيع المسؤولة عن الإنتاج في أماكن كثيرة من العالم، ولهذا فإن مصدري السلع من استراليا إلى إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط، قد تضرروا، لأن بكين قد غدت عميلهم الرئيسي، كما أنها تعد بالفعل واحدًا من أكبر المستثمرين في الشرق الأوسط، وخاصة مع مبادرتها العالمية الاستراتيجية «الحزام والطريق».
وفوق كل هذا يأتي النفط -أكبر صادرات دول الخليج والشرق الأوسط- في مقدمة المتضررين، وهو مؤشر يفيد بأن تأثير الوباء لا يخص الصين وحدها، ولكنه يمتد إلى العالم كله، بانخفاض أسعار النفط والغاز. وفي الأيام الأخيرة انخفض سعر خام برنت بنسبة 3.8% ليصل إلى 56.3 دولارا للبرميل، نتيجة لانخفاض الاستهلاك العالمي بمعدل 400 ألف برميل يوميًا، محققًا أقل معدل استهلاك في10 سنوات، فالأسواق النفطية تحتاج الى الصين، محرك نمو الاستهلاك العالمي، حتى تشتري هذه الكمية التي تم تخفيضها، والبديل أن تقوم الدول النفطية بتخفيض إنتاجها بهذا المقدار على الأقل.
وفي العام الماضي -قبل انتشار الفيروس- كانت الصين أكبر مستورد عالمي للنفط، وبلغت مشترياتها نحو 11 مليون برميل يوميا، ومع هبوط الاستهلاك، فإن إجمالي الطلب على النفط في العالم حاليًا يشهد تراجعًا، وغدت بلدان مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية عرضة لتأثير هذا التراجع بسبب مبيعاتها الضخمة من النفط للصين، مع ما لتأثير تراجع أسعار النفط على الإيرادات ومن ثم على برامج التنمية الاقتصادية ومشروعاتها وأوضاع الميزانيات العامة.
ومن المعلوم، أن السعودية تعد أكبر شريك تجاري للصين من منطقة غرب آسيا وإفريقيا لـ18 عامًا متتالية، بحجم تبادل تجاري بلغ 63 مليار دولار في 2018. وكان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، قد أوضح في أعقاب انتهاء اجتماعات وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين التي عقدت مؤخرًا، صعوبة قياس الأثر المحلي في الاقتصاد الوطني السعودي الناجم عن انتشار فيروس كورونا، إلا أنه أكد أن التأثيرات قد بدأت تطال الاقتصاد العالمي وأثرت على معدلات السياحة والنقل الجوي، وسلسلة الإمدادات، وأسعار النفط، الذي يعتمد عليه الناتج المحلي الإجمالي السعودي، الأمر الذي يقتضي ضرورة زيادة الاعتماد على الناتج المحلي غير النفطي ودور القطاع الخاص فيه.
على العموم، بينما يعتمد مدى انتشار الإصابة بالفيروس في الشرق الأوسط كثيرًا على مدى جاهزية بلدانه وقدرتها على التحكم في هذا الانتشار، فمن الواضح أنه قد أصبح له تداعياته الاقتصادية على عدد من بلدان الإقليم، والتي تمثلت في تراجع النشاط الاقتصادي مع الصين منذ ديسمبر 2019، وتأثيرات ذلك على أسعار النفط، وعمليات التمويل، والأعمال، التي تشكل محركات النمو في الشرق الأوسط؛ وهو ما أعاد إلى أذهان المستثمرين في الشرق الأوسط والعالم ذكرى انتشار فيروس «سارس» الذي دمر اقتصادات عدة حين انتشر في الماضي.