العدد (63) خريف 2010
يتضمن هذا العدد الكثير من القضايا الخليجية والعربية والدولية الهامة، التي طرحها وناقشها في أبوابه المختلفة، فتحت عنوان "حل السلطة هو الحل.. والبديل المقاومة" أكدت الافتتاحية بقلم رئيس التحرير د.عمر الحسن أن المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لن تقود إلى أي نجاح بعد الشروط التعجيزية التي وضعتها الأخيرة، وفي مقدمتها اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل؛ مشيرة إلى أن التفاوض مع تل أبيب بلغ مرحلة خطيرة تستوجب الانتقال من الارتجال والتكتيك إلى التخطيط الاستراتيجي، لا التوسل للولايات المتحدة لإقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان شهرين أو ثلاثة، لأن ما تمارسه من مناورات للهروب من استحقاقات السلام هدفه استهلاك الوقت لاستكمال الاستيلاء على ما بقي من الأرض الفلسطينية وتهويد القدس وطرد السكان، حتى لا يبقى للفلسطينيين شيء يطالبون به، وذلك بالتزامن مع قيام الدول الغربية، هي الأخرى، بإنشاء مشاريع وهمية في الضفة الغربية لإلهاء الفلسطينيين وإبعادهم عن مقاومة الاحتلال واستحقاقاته.
ودعت الافتتاحية "عباس" لأن يقف وقفة تليق بالشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي، بحل السلطة لتصبح الأراضي الفلسطينية أراضي محتلة يحميها القانون الدولي ومرجعيتها قرارات الأمم المتحدة، شريطة أن تلتزم به كافة القيادات الفلسطينية ممن تغريهم المناصب.
وتضمن باب الدراسات دراستين، الأولى: "تنامي العلاقات الخارجية والتوجه الانفصالي لكردستان العراق" وخلصت إلى أن إقليم كردستان اندفع- منذ حيازته استقلالاً بحكم الأمر الواقع أو تأمينه لوضعية "شبه دولة" - إلى تكثيف علاقاته الخارجية، سواء بالتنسيق أو التعارض مع الحكومة المركزية في بغداد، وسواء توافق ذلك أم تنافر مع المصالح الوطنية للدولة العراقية.
ورغم أن ذلك لا يشكل إشكالية كبيرة، بعد أن أصبح انخراط الأقاليم أو الكيانات دون المستوى القومي في العلاقات الدولية حقيقة سياسية غير قابلة للتحجيم أو الارتداد بسهولة، بل إن هناك عددًا من الدول، وربما العراق منها، أصبح متكيفًا مع الدبلوماسية ـ الموازية للأقاليم، ومنها من طور ميكانزمات تشريعية ومؤسسية وسياسية من أجل التوافق مع هذه الظاهرة، والتنسيق بين السلوك الدبلوماسي الموازي والسياسة الخارجية للدولة المركزية ـ إلا أن الإشكالية تتمثل فيما إذا كان القادة الأكراد يستخدمون علاقاتهم الدولية سبيلاً إلى الانفصال عن لحمة الدولة العراقية، وتشكيل دولتهم المستقلة.
وخلصت الدراسة إلى عدم وجود إجابة قاطعة لهذا التساؤل؛ فثمة تفسيرات عديدة لتنامي العلاقات الخارجية لكردستان ـ العراق، بعضها يظاهر شكوك بغداد في تزايد التوجه الانفصالي للإقليم، فيما ينظر البعض الآخر إلى تطور علاقات كردستان الخارجية على أنها تندرج ـ إلى حد كبيرـ في إطار تأسيس وتعزيز الهوية الكردية، وتركز طائفة ثالثة على اعتبار الدبلوماسية ـ الموازية استراتيجية كردية لنيل الاعتراف الدولي بادعاءات الإقليم أو تطلعاته السياسية المتعلقة بـ "الأمة" (أن الإقليم يشكل أمة، وإن كانت بلا دولة، مختلفة عن الدولة العراقية)، كما أن هناك من يرى أنه ولج إلى الساحة الدولية من أجل الدفاع عن مصالحه أو لتحقيق أهداف سياسية داخلية.
وجاءت الدراسة الثانية تحت عنوان "المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية رؤية مستقبلية"، حيث انتهت إلى أن تلك المفاوضات عبثية ومحكومة بالفشل، لاسيما وأن الإدارة الأمريكية المفترض بها ممارسة دور الوسيط النزيه والمحايد وممارسة ضغوط متوازنة على أطراف الصراع، لم تُصدر أي احتجاج رسمي أو مواقف يُعتد بها على الشروط الإسرائيلية التعجيزية حول المفاوضات والتسوية، ولا على مواصلة الاستيطان.
وفي هذا دلالة واضحة على أن هذه المفاوضات قد جرى الإعداد لها لتحقيق أهداف أخرى لا تتصل بالضرورة بعملية السلام بقدر ما هي متصلة بتحقيق سياسة أمريكية وإسرائيلية تتعلق بإعداد شروط خاصة للعملية السلمية تُسهّل فرض شروط الاحتلال، سواء ما كان منها متصلاً بمواصفات الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح والاعتراف بيهودية إسرائيل وعدم أحقية هذه الدولة بإبرام اتفاقات أمنية مع أي دولة أخرى، وبسط الاحتلال سيطرته على حدودها مع الأردن ومصر، وإسقاط حق العودة والانفراد بالقدس، أو ما كان متصلاً بربط تمديد فترة التجميد الجزئي للاستيطان ثلاثة أشهر أخرى بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وليس الإيقاف الكامل كما يطالب المفاوض الفلسطيني، أو ما كان متصلاً بإصرار الاحتلال على جعل الأولوية لحسم إشكالية الترتيبات الأمنية قبل الانتقال إلى مناقشة ترسيم حدود الدولة، وتوقيع الاتفاقية الإطارية للسلام.
أما ملف العدد الذي جاء تحت عنوان "القسام" ونهج المقاومة الفلسطينية .. نحو إطار للمراجعة" إعداد مجموعة من المؤرخين الباحثين في تاريخ الثورة الفلسطينية، فأشار إلى أن إعادة طرح سيرة الشهيد "عز الدين القسام" ـ سوري الأصل الذي تهل في العشرين من شهر نوفمبر 2010، الذكرى الخامسة والسبعون لاستشهاده ـ يهدف إلى استجلاء حقائق قد تكون قد غابت عن فكر البعض في الوقت الراهن الذي يشهد سجالاً عربيًا ودوليًا عن قضية المقاومة الفلسطينية وأزمة السلام مع إسرائيل، موضحًا أن "القسام" لم يكن عالمًا جليلاً ومناضلاً رائدًا في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ومقاومة المشروع الصهيوني، فحسب، بل كان صاحب مشروع قوي متفرد، حاز إجماعًا وطنيًا لم يتحقق لغيره، وتحول إلى رمز للجهاد ضد المحتل، وكانت حركته هي البداية الحقيقية لثورة عام 1936، التي امتدت لأكثر من ثلاث سنوات متصلة، وسطر فيها الشعب الفلسطيني فصولاً من التضحية والفداء.
وخلص عبر سبعة محاور إلى أن "القسام" استطاع في فترة غير طويلة وفي وقت مبكر، أن يحول مشروعه إلى حركة مقاومة سياسية وعسكرية رائدة بمرجعيات إسلامية ووطنية أعادت إحياء تيار الجامعة الإسلامية، الذي كان قد تراجع في إطار الفكر السياسي العربي بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية.
وناقش باب "قضايا ومتابعات" العديد من القضايا، أهمها: التوازن العسكري في منطقة الخليج.. رؤية إسرائيلية"، و"بان كي مون".. الحاضر الغائب في الأمم المتحدة، و"دول مجلس التعاون في تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات والديمقراطية لعام 2010"، و"الاجتماع السابع لوزراء داخلية دول جوار العراق في المنامة، و"هل تحولت رومانيا إلى فناء خلفي للمناورات الإسرائيلية؟" و"أزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة"، وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. لماذا تركز على إيران وتتجاهل إسرائيل؟ و"دول مجلس التعاون في تقرير الخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام 2010".
كما تضمن العدد عروض كتب حديثة وبابًا للندوات والمؤتمرات وبانوراما خليجية تضمنت عرضًا لأهم الأحداث في منطقة الخليج.
العدد (62) صيف 2010
بعد مرور سبع سنوات على الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي جاء تحت مبررات ووعود بالديمقراطية والرفاهية والدولة المدنية الحديثة لم يتحقق منها شئ، مازال هذا البلد يئن تحت وطأة ضغوط أمنية واقتصادية واجتماعية بالغة السوء والتعقيد، وأصبح التساؤل الذي يشغل بال الكثيرين: هل كان النظام الديكتاتوري السابق الحل الملائم لبلد ذي تركيبة طائفية واجتماعية معقدة؟
ذلك أن الواقع على الأرض الآن، يظهر أن حال الشعب تحت حكم "صدام" كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، فلم يعد محرومًا من حقوقه السياسية فحسب، بل وأيضًا من سيادته الوطنية وأمنه القومي، وأبسط ضروريات الحياة من مياه وكهرباء وخدمات صحية وتعليمية...إلخ، وتحول إلى بلد ممزق تنهشه الصراعات الطائفية والانقسامات السياسية بتأثير سياسات الاحتلال التي دفعت بأوضاعه نحو الأسوأ؛ أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، على النحو الذي أظهره تصنيف معهد "الاقتصاديات والسلام" الصادر عام 2009، له كأخطر بلد في العالم من الناحية الأمنية، فقد قتل نحو 2 مليون و350 ألف شخص، يتجاوزون حسب تقرير لمؤسسة "ORB" البريطانية، مجازر القتل الجماعي في رواندا عام 1994، والمذبحة الكمبودية المعروفة بـ "حقول الموت" في عهد "الخمير الحمر" السبعينيات، إضافة إلى 400 ألف معتقل منهم 6500 طفل و10 آلاف امرأة، معظمهم لم يقدموا للمحاكمة وتعرضوا للتعذيب، وهجرة نحو 2.77 مليون شخص إلى داخل العراق، و3 ملايين إلى خارجه، وفقًا لتقديرات منظمة "العفو الدولية"، وهو ما يعني أن خُمس العراقيين أصبحوا لاجئين داخل بلادهم وخارجها، وهو العدد الأعلى في العالم.
كما خلفت تلك الأوضاع طبقًا لمنظمة "اليونيسيف"، 5 ملايين يتيم، و500 ألف مشرد، ودخول نحو المليون طفل ميادين العمل، ومعاناة طفل من بين كل ثلاثة من سوء التغذية، كما بات وضع المرأة مأساويًا على أكثر من صورة، منها وجود نحو 3 ملايين أرملة، وارتفاع نسبة الطلاق إلى60%، حسب تقديرات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية عام 2008.
وصاحبت تلك الأوضاع تدهور الخدمات والبنى التحتية، وتفشي الفساد، وخسائر مالية تقدر بثلاثة آلاف مليار دولار، لدرجة أصبحت معها بغداد أسوأ مدينة على مستوى العالم من حيث جودة ومستوى المعيشة عام 2010، حسب دراسة ناقشها البرلمان الأوروبي في مارس 2009، وأصبح العراق الرابع بين الدول الأكثر فسادًا في العالم، بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2009، في الوقت الذي يعاني 8 ملايين شخص يمثلون ثلث السكان من الفقر في دولة لو كان فيها حكم رشيد لكانت الأغنى والأعلى دخلاً في المنطقة وربما في العالم.
كما شهد الوضع الصحي والبيئي تدهورًا غير مسبوق، حيث يعاني أكثر من أربعين منطقة مختلفة من مستويات تلوث عالية، مما أدى إلى وجود 140 ألف إصابة بمرض السرطان، وفقًا لتقديرات وزارة البيئة العراقية عام 2007، كما تُسجل ما بين 7 و8 آلاف إصابة جديدة كل عام.. وتخلف العراق عن الركب مقارنة بمعظم دول المنطقة في مجال التعليم، إذ انخفضت معدلات الالتحاق بالدراسة إلى نحو 30% فقط، وبلغ أعداد الأميين، طبقًا لتقديرات وزارة التربية، نحو 5 ملايين شخص، أي ما يقرب من ربع عدد السكان. كما تعرض هذا البلد لكارثة ثقافية، وصفها كتاب "التطهير الثقافي في العراق"، الذي صدر عن دار نشر "بلوتو برس" في لندن ونيويورك عام 2010 بأنها "عملية تدمير مبرمج للمتاحف وحرق المكتبات واغتيال الأكاديميين"، وشملت سرقة 15000 قطعة أثرية من المتحف الوطني، وإحراق وتدمير ونهب 84% من المؤسسات التعليمية والأثرية.
وفي الحقيقة.. إن ذلك المشهد يبدو ترجمة عادلة للسياسات التي اتبعتها قوات الاحتلال في إدارة هذا البلد منذ احتلاله، فإذا كان اختياره كهدف سهل في المخططات الأمريكية، قد تعزز كونه مستنزفًا بالحرب والحصار، ويعاني علاقات متردية من دول الجوار التي كانت بعضها تسعى إلى إسقاطه، ولكن ليس بهدف الوصول به إلى ما وصل إليه من تدهور وفوضى لا تتوقف آثارها عليه، بل امتدت إلى جيرانه وفي مقدمتهم دول الخليج التي دفعت وستدفع ثمنًا باهظًا نتيجة لذلك، وهو ما حذر منه، وباستمرار، الأمير "خليفة بن سلمان" رئيس وزراء مملكة البحرين قبل احتلال العراق.. يضاف إلى ذلك أنه ساد الاعتقاد بأنه بلد موفور الغنى، عكس أفغانستان، وقادر على دفع "تكاليف عملية تدميره"، و"إعادة تعميره" ـ فقد خططت واشنطن لإنهاء وضع العراق وتصفية مقوماته الأساسية كدولة، لإعادة صياغته بشكل يُمكنها من إحكام السيطرة الكاملة عليه، وخضعت سياستها في هذا الشأن لمؤثرين مترابطين، أولهما: إنهاء الحكم البعثي بمؤسساته وقوانينه، وعلى رأسها الدستور، تمهيدًا لبناء دولة جديدة على أسس مغايرة، تحقق بالأساس الأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة، وثانيهما: كارثة الطائفية التي استهدفت تحقيق نوع من "توازن الضعف" بين مختلف العرقيات والطوائف، بما يضمن للاحتلال البقاء في البلاد أطول فترة ممكنة، مما وضع العراق في مأزق تتضاعف خطورته، لاسيما في ظل الحساسية التي تتسم بها العلاقات بين هذه العرقيات بسبب طموحات كل منها في لعب دور أكبر يتناسب مع ما تعتقده حقًا لها.
وقد ظهرت تلك التوجهات بصورة واضحة من اللحظة الأولى لحقبة الاحتلال الذي قام بتفكيك مؤسسات الدولة السابقة وتسريح عشرات الآلاف من موظفيها، خصوصًا أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والإعلامية وغيرها، كما جرى التفريط في الاستقلال الوطني، وإلغاء دستور عام 1970، وهو الإجراء الذي أدى إلى وجود فراغ دستوري، ُملئ أولاً بسلطة الاحتلال بقيادة "بول بريمر" التي شكلها المحتل في إبريل 2003، واستطاعت أن تحكم قبضتها على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلى أن تم استبدالها بمجلس الحكم الانتقالي الذي لم يكن سوى واجهة لسلطة الاحتلال في صياغة دستور جديد "غير دستوري"، قيل إن "نوح فيلدمان" المنسوب إلى اليهودية الأرثوذكسية المتعصبة هو الذي وضع مسودته، وشرع لولادة حكومات طائفية متصارعة، انتقل العراق في ظلها من نظام حكم سياسي غير متوازن وقاهر لشعبه، إلى نظام سياسي ضعيف ورخو غير محدد المعالم، يفتقد إمكانيات السيطرة، بحيث شكل ذلك مدخلاً لانتشار العنف والجريمة والفوضي في طول البلاد وعرضها.
وقادت تلك السياسات إلى خلق حالة من الفوضى السياسية تتشابك فيها الخيوط والمصالح والتوجهات والأيديولوجيات، إلى جانب البروز الواضح لدور طبقة رجال الدين في الحياة السياسية، وتعميق النزعة الطائفية بين مختلف فئات الشعب التي بدأت في معظمها ترتد إلى انتماءاتها الأولية والقبلية، حيث وصل عدد الكيانات السياسية إلى: 550 كيانًا وحزبًا، و11 ألف منظمة مدنية، و126 شركة أمنية، بجانب 43 جهاز ميليشيا تابعًا للأحزاب السياسية والدينية، و220 صحيفة و45 قناة تلفزيونية، و67 محطة راديو، القسم الأكبر منها ينفق عليه من قبل أجهزة استخبارات ودول أجنبية، وجهات حكومية وشخصيات سياسية ودينية ورجال أعمال وإعلاميين.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد عملت على وضع العراق على طريق تمزيق وحدته الأساسية، وإضعاف سيطرة الدولة على المجتمع، ما أدى إلى تآكل مفهوم وعواطف المواطنة لصالح الانتماءات الإثنية والطائفية، فإن هذا التحول السريع نحو الفوضى نتج عن سببين آخرين ارتبطا بسياسات الاحتلال وبالتالي انفجار نتائجهما، أولهما: اضمحلال فكرة السيادة خلال العقود الأخيرة، بمعنى تحلل فكرة الدولة ومرجعيتها لدى النخب السياسية وأحزابها السياسية؛ فقد تآكل "مفهوم الدولة" في مجرى "الجمهوريات الثلاث 1958، 1963، 1969"، وأدى إلى تحول "فكرة الدولة" إلى جزء من السلطة، والسلطة إلى أداة بيد الحزب، والحزب إلى أداة بيد "القادة" و"الزعماء".. ولذا، فإن سقوط "صدام أدى إلى ظهور إمكانيات جديدة واحتمالات عديدة لتجريب فكرة الشرعية، أي لتحقيق فكرة الدولة وسيادتها الذاتية، وقد يتمحور الالتقاء بين الصراع الدامي الدائر الآن حول بروز إمكانية قيام الجمهورية العراقية، وواقعها كمشروع سياسي ونموذج لفكرة السيادة الفعلية للدولة.
ثانيهما: أن المجتمع العراقي مجتمع فسيفسائي لغويًا وعرقيًا ودينيًا، حتى التقسيمات الأساسية "شيعة ـ سنة ـ أكراد" تحوي تقسيمات فرعية أخرى، وفي الفترة التي سبقت الحرب كانت قوة النظام السياسي هي الحزام الذي ربط كل هذه التكوينات الجزئية بشكل عام، وبعد الاحتلال انفرط هذا العقد، وبدأ الجميع يعود إلى مرجعيته الإثنية، سواء الطائفة أو العشيرة، وبالتالي بدأ الارتداد عن مفهوم المواطنة المؤرخ بالقوة إلى انقسامات فرعية من الصعب تجميعها مرة أخرى.
ورغم تفاؤل العراقيين المتطلعين للاستقرار بإمكانية أن تكون الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 7 مارس 2010، خطوة على طريق إعادة الوحدة الوطنية المفقودة وتحقيق الأمن، في ضوء ما أفضت إليه من تغيرات لافتة في الخريطة السياسية، منها: فوز القائمة العراقية بزعامة "إياد علاوي" بـ (91 مقعدًا) متقدمة على ائتلاف "دولة القانون" بقيادة "نوري المالكي" (89 مقعدًا)، والائتلاف الوطني الشيعي "75" مقعدًا، وما يعنيه ذلك من إمكانية ظهور صيغة تختلف عن الصيغة الطائفية التي أفرزتها انتخابات عام 2005، إلا أن السلوك السياسي للقوى المهيمنة على الحكم وممارساتها في الإقصاء وانتهاك الدستور وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات والتحايل عليها لاحقًا بتحالفات طائفية ترتبط بقوى خارجية لتفويت الفرصة على "إياد علاوي" ـ الذي كان فوز قائمته تعبيرًا واضحًا عن نبذ الشعب للطائفية ـ لتشكيل الحكومة الجديدة، أكد أن العراق مازال بعيدًا عن الاستقرار السياسي والأمني.
ولم يتوقف التدهور الذي شهده العراق على داخله، فقد كان للاحتلال تأثير سلبي على علاقاته بجيرانه، حيث فرض تحديات رئيسية على أكثر من جانب، تتعلق ـ أولاً ـ بتداعيات صعود بعض القوى فيه على جيرانه الخليجيين؛ وثانيًا بامتداد نشاط تنظيم "القاعدة" إلى داخل بعض تلك الدول، بما يمثل تهديدًا شديد الخطورة على أمنها القومي، وترتبط ـ ثالثًا ـ بتأثير النفوذ السياسي الإيراني المتزايد داخل العراق على توازن القوى الإقليمي؛ ورابعًا ضرب نظرية الأمن القومي العربي، والإخلال بتوازن القوى لصالح إسرائيل التي استغلت هذه الأوضاع في التغلغل داخل العراق والمنطقة، بدعم أمريكي، إضافة إلى ضياع حليف استراتيجي، أسهم غيابه في إضعاف الموقف العربي العام تجاه مختلف قضايا الأمة، ومنها القضية الفسطينية، وأدى إلى تمزيق هذا الموقف بين أقطاب ومراكز القوى الإقليمية.
والثابت.. أن جانبًا كبيرًا من أزمة العراق يكمن في سياسات الاحتلال التي أضعفت، أو سلخت ـ كما يقول البعض ـ عنه انتماءه العربي؛ إذ لم يرد في مواد دستوره، وبنوده، وخاصة في ديباجته، أنه جزء من الوطن العربي، أو الأمة العربية، أو ذكر لكلمة عرب أو عروبة، سوى في الفقرة "ب" من المادة السابعة التي نصت على أن: "العراق بلد متعدد القوميات، والشعب
العدد (61) ربيع 2010
صدر عن مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية العدد الجديد من مجلته الفصلية "شؤون خليجية" متضمنًا العديد من القضايا الخليجية والعربية والدولية، التي طرحها وناقشها في أبوابه المختلفة، فتحت عنوان "قمة سرت .. وحقيقة المأزق العربي"، أكدت افتتاحية العدد أن إخفاق القمة العربية الاخيرة التي عقدت في مدينة "سرت" الليبية في التوافق على أية خيارات حقيقية، فيما يخص التفاعل بالبيئات الإقليمية والدولية، وما تطرحه من تحديات واستحقاقات، يعكس هشاشة الإدراك العربي لطبيعة علاقات التعاون وعلاقات الصراع؛ وتزايد قوة الأطراف الخارجية وقدرتها على التغلغل والتأثير في هياكل صنع القرار العربي، ومعاناة النظام العربي من مأزق وجودي واضح، يعمق الخلافات والانقطاع عن المبادرة والفعل، وهو ما يشير إلى أن العرب بحاجة إلى قراءة استراتيجية مغايرة على غرار مشروع "رابطة دول الجوار" التي طرحه "عمرو موسى"، وحينها لن تخرج القرارات الصادرة عن قممهم على هذا النحو من الضعف والاختزال.
وتضمن "باب الدراسات" ثلاثة دراسات، حملت الأولى عنوان "استراتيجيات الإقناع السياسي.. قراءة تحليلية لخطاب الأمير سعود الفيصل"، رصدت المحددات التي تتحكم في مسار وشكل وطبيعة الخطاب السياسي لوزير الخارجية السعودي، والعوامل التي حددت شكل وطبيعة وسائل الإقناع التي عمد إلى استخدامها في السياق، وما يتضمنه هذا الخطاب من استراتيجيات وتكتيكات للإقناع تتوافق مع الأهداف والرؤى التي تقوم عليها السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية بدوائرها الخليجية والعربية والاسلامية والدولية.
وحول العلاقات التركية ـ الخليجية، توصلت الدراسة الثانية التي حملت عنوان "البعد الاقتصادي في العلاقات الخليجية – التركية" إلى أن تنمية علاقات المصالح المتبادلة اقتصاديًا تصنع جذورًا ومنافع يصعب على أي من الطرفين التخلي عنها، ويزيد من قوة الموقف التفاوضي التركي في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك الموقف التفاوضي الخليجي في توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، كما يقلل من المخاوف الايرانية من فقدان فرص التجارة والاستثمار في الخليج، الأمر الذي يسهم في تحويل المنطقة إلى منطقة تعاون بدلاً من ساحة صراع.
وتستعرض الدراسة الثالثة المعنونة "مفهوم ووظيفة الطابع القومي العربي" مفهوم الطابع القومي العربي، مرورًا بأهم مراحله ومحطاته التي هدفت للوصول إلى علاج يقضي على الفشل المرافق للقومية العربية، حتى تخوض في ميادين التطور مضاهية بذلك القومية الغربية في تقدمها، ولو بشكل أقل نسبيًا، من خلال طابعها الذي لا بد أن يرسم لنفسه صورة مغايرة عن الصورة المتخذة عنه حاليًا.
ويشير "ملف العدد" الذي جاء تحت عنوان "الأزمة اليمنية.. قراءة في الأسباب والتداعيات الداخلية والإقليمية" إلى تعدد الآراء بصدد الأزمة اليمنية، فثمة من ينظر إليها من الزاوية السياسية، مركزًا على جوانب الإخفاق التي أفرزت هذا الوضع الذي يقترب بالدولة إلى مرتبة الفشل، بينما يرى فريق ثانٍ أن العامل الاقتصادي هو الحاكم لها، ويربط فريق آخر بين التطورات الإقليمية والدولية وتفجر الأزمة الراهنة، حيث يعتقد أنها قامت بتحريك العوامل الكامنة في البيئة اليمنية لتصل إلى هذه المرحلة، ويقدم أزمة "الحوثيين" كنموذج واضح في هذا الشأن.
ويقدم الملف ـ عبر خمسة محاور ـ معالجة متكاملة للأزمة من مختلف أبعادها، حيث يؤكد الأول أن الأحداث الأخيرة التي شهدها اليمن كشفت، رغم توصل الحكومة و"الحوثيين" إلى اتفاق وقف إطلاق النار في فبراير 2010، عن عمق التباين بين الأطراف المتنازعة، ووجود اختلافات جذرية في تقييم المحللين بشأن الدوافع وراء قبول "الحوثيين" للاتفاق.
وطبقًا لما انتهى إليه المحور، فقد واجه الاتفاق مصيرًا غامضًا وسيناريوهين لكل منهما ما يعزز حدوثه، أولهما: استمرار الالتزام به في ظل وصول طرفي المواجهة إلى حالة من الإنهاك الشديد دون أن تلوح بوادر حسم نهائي للصراع، ودون أن تظهر ملامح انتصار واضحة لأي من طرفيها، وثانيهما: اعتباره استراحة حرب يهدف طرفاها إلى إعادة ترتيب أوضاعهما، وأنه سرعان ما سيعودان إلى الاقتتال في حرب سابعة، ربما تكون أكثر حدة وأوسع امتدادًا من الحروب السابقة.
وتوقف المحور الثاني أمام التداعيات التي ترتبت على الأزمة محليًا وإقليميًا ودوليًا، تلك التداعيات التي دفعت البعض إلى تصنيفه في خانة "الدول الفاشلة"، وناقش المحور الثالث الجهود المحلية والإقليمية والدولية لحل الأزمة، مشيرًا إلى أنها شابتها أوجه قصور عديدة، وأن التعاطي معها لم يراعِ أنها معقدة تتعدد عناصرها وأبعادها، بينما ثمة تجاهل لأزمة الحراك الجنوبي رغم خطورتها وأهميتها بالنسبة لمستقبل اليمن، مؤكدًا أن تجربة التعامل مع الأزمة محليًا وخليجيًا ودوليًا، أثبتت أن الحل الأكثر ملاءمة لها، من الممكن أن يكون حلاً يمنيًًا ـ خليجيًا، بمعنى أن تقوم دول الخليج مجتمعة بتبني مبادرة بالتعاون مع اليمن لحلها بعيدًا عن التدويل.
وبينما اهتم المحور الرابع بالأبعاد الاقتصادية لتلك الأزمة، موضحًا أنه كان هناك إدراك مبكر بأن التحدي الرئيسي لبلوغ الأهداف الاقتصادية في اليمن هو التمويل، وأن حله يكمن في القطاع النفطي من ناحية والمساعدات الخارجية خاصة الخليجية من ناحية أخرى، تناول المحور الخامس تأثير جماعات الإرهاب الدولي على العلاقات بين الدول، بالتطبيق على العلاقات الخليجية ـ اليمنية، بالإشارة إلى أن إرهاصات هذا التأثير ظهرت في عدة متغيرات، منها: تدعيم التعاون الأمني بين الجانبين، ومساعدة اليمن في تعزيز قدراته العسكرية لتمكينه من حماية مدخل ومخرج البحر الأحمر.
وخلص الملف إلى أن الأزمة اليمنية الراهنة هي نتاج لمجمل التطورات التي شهدها المجتمع اليمني طوال ما يزيد على نصف قرن، وظروف البيئتين، الإقليمية والدولية، المحيطتين به خلال هذه الفترة، وما نراه الآن من تجليات لها، سواء في الشمال أو الوسط أو الجنوب، هو بمثابة أعراض وليس أسبابًا حقيقية لها.. وبطبيعة الحال، فإن التعامل مع مظاهرها، وإن كان من الأمور المنطقية في الأمد القصير للتخفيف من حدتها، لا يقود إلى الاستراتيجية الملائمة لإدارتها وحلها، فثمة جهد مطلوب لتحديد بؤرة الأزمة المركزية التي يُطلق عليها "البؤرة الخبيثة" التي تتمثل في وجود شبكة من المصالح الداخلية والإقليمية والدولية ترى أن عدم استقرار هذا البلد وإعادة إنتاج دورات العنف فيه هو المدخل الذي يمكن من خلاله التوصل إلى الصيغة الملائمة للتعامل مع الأزمة التي يعيشها.
وتضمن باب "قضايا ومتابعات" العديد من الموضوعات منها: حصاد "أوباما".. أداء لا يتناسب مع التوقعات، ولجنة "شيلكوت" وفرص محاكمة "توني بلير"، و"التعاون الخليجي ـ الأوروبي في مجال مكافحة غسل الأموال، و"دوافع توجه دول الخليج نحو الطاقة المتجددة"، و"التأصيل الديني للقتل الإسرائيلي.. كتاب "شريعة الملك" نموذجًا"، والجديد الذي انطوت عليه عملية اغتيال "محمود المبحوح" في دبي، فيما قدم باب "ندوات ومؤتمرات" عرضًا وتعقيبًا على مؤتمرات "التطهير الثقافي في العراق" و"العدوان على غزة.. المؤامرة العربية ـ الإسرائيلية"، و"العمالة اليمنية ومتطلبات سوق العمل الخليجية"، و"تطور أجيال "القاعدة". ومخاطر الانتشار الإقليمي لقواعد الإرهاب في المنطقة.
العدد (60) شتاء 2010
صدر عن مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية العدد الجديد من مجلته الفصلية (شؤون خليجية)، متضمنًا جملة قضايا طرحها وناقشها عبر أبوابه المختلفة.
فتحت عنوان "العرب.. إلى أين؟" جاءت افتتاحية العدد، لتؤكد أن الواقع العربي الراهن وصل بالفعل إلى مرحلة "تهدد بغرق السفينة العربية" ولم يعد يحتمل الآراء والاجتهادات التقليدية التي تدور في حلقة مغلقة تعيد إنتاج أشكال وقوالب جامدة لواقع يحتاج إلى تيار قوي من الآراء الجديدة. مشيرة إلى أن الأمثلة على المأزق العربي الراهن كثيرة، والشلل الذي أصاب الجسد العربي له أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية بدءًا من: العجز عن مجابهة التحديات الخارجية وفي مقدمتها المشروع الصهيوني، ومرورًا بالأزمات التي تهز أمن واستقرار دول عربية كثيرة، وحالة الانقسام العربي ـ العربي التي لا تستطيع الكلمات واللقاءات الدبلوماسية أن تخفي حقيقتها، وما ارتبط بها من صراعات وصلت إلى حد تبادل الاتهامات والتواطؤ مع الخارج والاستقواء به ...إلخ.
وانتهت الافتتاحية بالدعوة إلى ضرورة إطلاق مشروع حضاري عربي قائم على ثوابت وأسس راسخة تلتزم بها كل الأطراف، لافتة إلى أن الحال الراهنة هي حصيلة غياب هذا المشروع الذي استبدله البعض بأطر قطرية محدودة، داعيًة العرب إلى مراجعة علاقاتهم بالولايات المتحدة التي لم تتخذ قرارًا واحدًا في صالح القضايا العربية على مر التاريخ.
وأفرد باب الدراسات صفحاته لثلاث دراسات، حملت الأولى عنوان "إسرائيل والدائرة الخليجية.. حتميات الأيديولوجيات وبرجماتيات المصالح"، حيث ترصد الجوانب الاستراتيجية والاقتصادية للعلاقة ما بين إيران والسعودية والعراق من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى، بالتركيز على دور كل منهما في الصراع / التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية في محاولة لاستجلاء التجاذب الذي مازال قائمًا حول العوامل التي تواجه العلاقات الخليجية ـ الإسرائيلية، وهل هي الحتميات الأيديولوجية المتمثلة في المد العربي والقومي الإسلام السياسي، أم الإملاءات البرجماتية الاقتصادية والاستراتيجية المحفزة؟
وحول التداعيات المترتبة على اندلاع صراع مسلح بين الولايات المتحدة أو إسرائيل وإيران، على دول مجلس التعاون الخليجي، توصلت الدراسة الثانية المعنونة "آثار حيازة إيران السلاح النووي على دول الخليج العربي" إلى عدة نتائج أهمها: أن الصراع الأمريكي - الإيراني هو في جوهره صراع توازن قوى، وأن طهران لجأت إلى الخيار النووي لشعورها بالتهديد إقليميًا ودوليًا، وهناك عدة تحولات على كافة المستويات تعوق توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد إيران، لكن هذه التحولات – كما ذهبت الدراسة - لن تقف في وجه إسرائيل المتحفزة للغاية والداعية للحيلولة دون حيازة طهران للسلاح النووي، ويدعمها في ذلك اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
وخلصت الدراسة الثالثة التي جاءت تحت عنوان "دور الصحافة المحلية في تفعيل العمل البرلماني بمملكة البحرين" إلى أن الصحافة المحلية أسهمت بشكل جيد في نقل رسالة البرلمان إلى الجمهور في البحرين وأنها ـ رغم حداثة تجربتها في التعاطي مع العمل البرلماني - استطاعت أن تقوم بدور مؤثر وضاغط على البرلمان، وأن تدفعه إلى الاهتمام بقضايا ذات أولوية لدى المواطن، وانتهت الدراسة إلى أن هناك حالة من عدم الرضا لدى أعضاء مجلسي النواب والشورى تجاه مستوى حيادية وموضوعية تغطيتها لأخبار البرلمان بشكل عام.
أما ملف العدد الذي جاء تحت عنوان "الأبعاد الإقليمية والدولية لقضية القدس" فيتناول قضية القدس من مختلف اتجاهاتها السياسية والتاريخية، وذلك عبر تسعة محاور تبدأ بتفنيد الادعاءات الإسرائيلية بيهودية فلسطين بالأدلة التاريخية، ثم يتناول المحور الثاني بالرصد والتحليل قرارات جامعة الدول العربية وقممها إزاء المدينة، والتي راوحت مكانها وافتقدت فعالياتها لغياب استراتيجية عربية بعيدة المدى للتعاطي مع الخطر الصهيوني، ويناقش المحور الثالث موقف منظمة المؤتمر الإسلامي بالإشارة إلى غياب أي دور ملموس لها تجاه القدس، ويستعرض المحور الرابع قرارات الأمم المتحدة تجاه القدس، سواء من خلال جهازها التشريعي "الجمعية العامة" أو جهازها التنفيذي "مجلس الأمن"، ويتطرق المحور الخامس إلى الموقف الأوروبي الذي اتسم بالانحياز لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتأثر تاريخيًا بالضغوط الأمريكية رغم المصالح المتعاظمة مع الدول العربية، وهو ما يؤكد أن الجماعة الأوروبية لن تهتم بتسوية القضية الفلسطينية إلا في حالة شعورها بقدرة الجانب العربي على تهديد مصالحها في المنطقة، أما المحور السادس فيناقش الموقف الروسي "إبان العهد الشيوعي وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي"، الذي اتسم – طبقًا لما انتهى إليه المحور - بالتناقض والتردد والضعف، والميل إلى ما يطلق عليه الحل الجغرافي والقانوني لمسألة القدس.
ويخلص المحور السابع الذي تناول "حركة المقاومة الوطنية في القدس"، إلى وجود وعي فلسطيني مبكر بخطورة المشروع الصهيوني وتدرج مقاومة هذا المشروع منذ عام 1886 حسب ازدياد خطورته العملية من هجرة واستيطان وبناء مؤسسات، أما المحور الثامن فيرصد في شكل يوميات الاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن المقدسة بالمدينة، ويقدم المحور التاسع رؤية استشرافية تؤكد أنه لا مستقبل للقدس بغير تحرير فلسطين، وأن المدينة التي تتعرض لمؤامرة إسرائيلية متواصلة تستهدف طمس هويتها العربية والإسلامية في ظل غياب عربي وإسلامي ووسط جهود دولية وإقليمية لتصفية القضية الفلسطينية، كانت آخر مدن فلسطين احتلالاً وستكون آخرها تحريرًا.
وتضمن باب "قضايا ومتابعات" عدة موضوعات، منها: "الأزمة اليمنية.. قراءة في جوهر الصراع وتداعياته، و"القمة الخليجية بالكويت.. الأجواء والنتائج"، و"دول مجلس التعاون في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي"، و"دول مجلس التعاون في تقرير مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة 2009" ، بينما عرض باب "عالم الكتب" للعديد من الكتب العربية والأجنبية الحديثة، أهمها: "الأقليات في إيران..الواقع والمستقبل"، "إيران والولايات المتحدة .. قضايا هامة من منظور أمريكي"، و"دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. قراءة في عناصر التجديد والحداثة .. وغيرها. فيما قدم باب "ندوات ومؤتمرات" عرضًا وتعقيبًا على مؤتمري "التحركات الإيرانية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي وانعكاساتها على الأمن الإقليمي" و "ودور المشروعات المتوسطة والصغيرة في التنمية الاقتصادية العربية".