العدد 55 خريف 2008
صدر عن مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد الجديد من مجلته الفصلية "شؤون خليجية"، وتضمنت جملة من الموضوعات والقضايا التي تركز على المنطقة العربية عامة ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص.
وجاء ملف العدد هذه المرة تحت عنوان "المحاكمات الدولية لجرائم الحرب والإبادة.. الأبعاد القانونية والسياسية" ليبحث في مراحل تطور نظام المساءلة الجنائية الدولية، وأشكاله القائمة حاليًا، مشيرًا في مقدمته إلى أنه من الأهمية بمكان التعرف على هذا النظام؛ لأنه بات محل اهتمام العالم العربي في الآونة الأخيرة، خاصة بعدما صار السودان هو أحد عناوينه البارزة.
وتضمن الملف أربعة محاور، تناول الأول برؤية مقارنة أشكال القضاء الجنائي الدولي من محكمة "نورمبرج" إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، وماهية الجرائم التي ترتب المسؤولية الجنائية، وانشغل المحور الثاني بأزمة الرئيس السوداني كدراسة حالة في ضوء الطلب الذي تقدم به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 14/7/2008 بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس "عمر البشير"، متهمًا إياه بارتكاب جرائم تستوجب الملاحقة القانونية.
وتوقف المحور الثالث أمام الجرائم التي ارتكبها المسئولون الأمريكيون والإسرائيليون في كل من العراق وفلسطين ولبنان، مستكشفًا القنوات التي يمكن الركون إليها لمحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية أو حتى غيرها، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية السياسية.
وتعرض المحور الرابع للآليات التي تملكها المنظمات غير الحكومية، سواء في العالم العربي أو في غيره، والتي يمكن اللجوء إليها لتحريك الدعاوى القانونية بحق المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية، مركزة على الأدوار التي قامت بها منظمتا "العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" بشأن قضية سجن "أبو غريب".
وتحت عنوان "حوار الفصائل الفلسطينية.. هل يتجدد الفشل؟"، جاءت افتتاحية العدد لتؤكد أن الداخل الفلسطيني لن يتصالح ويتآلف من جديد إلا بالرجوع لأسلوب الرئيس الراحل "ياسر عرفات" والذي كان يتحرك وفق نهج جمع حوله وخلفه الجميع، مشيرة إلى أن الفلسطينيين الآن بحاجة إلى زعيم وحوله رجال ينتصرون للعقل ولا يغلبهم الهوى.
وأفرد باب الدراسات صفحاته لدراستين الأولى بعنوان "التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق "هرمز".. قراءة في الدوافع والتداعيات"، وتضمنت المفهوم القانوني للمضايق وللمجالات البحرية المختلفة، وأسباب الأهمية التي يتمتع بها مضيق "هرمز" على خلفية التهديدات الإيرانية بإغلاقه، والتداعيات التي يمكن أن تترتب على ذلك، أمنياً واقتصاديًا، والبدائل التي يقترحها البعض للمضيق في حال إغلاقه أو تعطيل الملاحة به. أما الثانية فجاءت بعنوان: "نحو منهج جديد لحل أزمة العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي"، وتناولت تطورات استقدام العمالة في المنطقة وحقيقة المخاطر التي قد تمثلها، اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، ومدى إمكانية تبني آلية جديدة "إعلامية - ثقافية" للحد من الظاهرة ومخاطرها.
وعرض باب "قضايا ومتابعات" لعدة موضوعات، منها: "الأزمة المالية العالمية ومخاطر استنزاف فوائض الأموال العربية" و"مشكلة البدون.. المعالجة الحكومية والتداعيات والحلول المقترحة (الكويت والإمارات نموذجًا)"، و"إنعاش القطاع الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي..الآلية والدور"، هذا بالإضافة إلى الأبواب الثابتة في المجلة، مثل شخصية العدد والتي كانت الدكتور "جمال الدين مختار"، المدير العام السابق للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.
العدد 54 صيف 2008
صدر عن مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد الجديد من مجلته الفصلية "شؤون خليجية"، والذي يتضمن جملة من الموضوعات والقضايا التي تركز على المنطقة العربية عامة ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص.
وجاء ملف العدد هذه المرة تحت عنوان "الأمن الغذائي في العالم العربي" ليبحث في أسباب أزمة الغذاء التي تتصدر الآن، وربما لسنوات قادمة، لائحة اهتمامات العالم بصفة عامة، والدول العربية ومعها كل الدول النامية بصفة خاصة.
وقد تضمن الملف ستة محاور تناول الأول الأوضاع الغذائية في العالم العربي كخلفية للأزمة، واجتهد في تشخيص جذورها وتحليل حزمة عواملها الكامنة، وتطرق الثاني إلى واقع أزمة الغذاء في دول مجلس التعاون الخليجي، راصدًا مؤشراتها ومحللاً العوامل الخارجية والداخلية وراءها، وفي المحور الثالث كان الاهتمام بالسودان تجسيدًا لمشروع "سلة الغذاء العربي" وضرورة إحيائه، مبرزًا مقومات هذا المشروع ومميزاته التفضيلية وكيفية تفعيله وجذب الاستثمارات إليه.
واهتم المحور الرابع بتبادلية العلاقات ومردودية الأسباب بين أزمات الغذاء والطاقة والمياه، وانسحب اهتمامه إلى الوقود الحيوي، وإلى قرار الولايات المتحدة مضاعفة إنتاجها منه، وكذلك إلى قرار الاتحاد الأوروبي تقليص استخدام النفط بنسبة 1% وتعويضه بالوقود الحيوي، وأثر كل ذلك على المعروض الغذائي العالمي.
ثم جاء المحوران الخامس والسادس ليضيفا أبعادًا تحليلية جديدة إلى منظور الأزمة، وهما: الفجوة العلمية الزراعية باعتبارها موازية للفجوة الغذائية في العالم العربي، وتجربة الهند في مجال الاكتفاء الذاتي من الغذاء والإجراءات المتخذة في هذا الشأن وكيفية الاستفادة منها.
وتحت عنوان "القضية الفلسطينية وخطايا "بوش" السبع"، جاءت افتتاحية العدد لتؤكد أن القضية الفلسطينية صارت في نهاية ولاية الرئيس "بوش" في أسوأ حالاتها، وذلك في إشارة إلى مسلسل خطايا الرئيس الأمريكي إزاء القضية منذ أن وعد عام 2002 بإقامة دولة فلسطينية قبل نهاية فترة ولايته الأولى عام 2004، وهو ما لم يتحقق إلى الآن، وحتى خطابه أمام الكنيست في مايو 2008، والذي عُد من أكثر خطابات الإدارات الأمريكية المتعاقبة تأييدًا لإسرائيل في تاريخها.
وأفرد باب الدراسات صفحاته لدراستين، الأولى بعنوان "تأثير التحالف المسيحي المحافظ الجديد على السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط"، وتضمنت بنية تشكيل التحالف المسيحي المحافظ كجماعة ضغط، ومدى تأثيره على ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، ونتائج التحول الذي طرأ على ثوابت هذه السياسة، والثانية جاءت بعنوان "تقييم أداء حكومة "نوري المالكي" بعد عامين من توليه المسؤولية في العراق"، وتناولت الظروف والتحديات التي صاحبت تشكيل هذه الحكومة، وأبرز القضايا التي طولبت بموقف واضح إزاءها من قبيل: قوانين الانتخابات والمحافظات والنفط والمصالحة الوطنية والوضع الأمني وقضايا الديون والتعويضات.
وعرض باب "قضايا ومتابعات" لعدة موضوعات، أبرزها: "قمة الدمام التشاورية.. ومستقبل العمل الخليجي المشترك"، "الديمقراطية الكويتية وقراءة في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية"، و"الاستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب"..الخ
وتضمن باب "عالم الكتب" و"ندوات ومؤتمرات" عدة قضايا، منها: "رسالتان علميتان تناقشان التحول الديمقراطي والمشروع الإصلاحي لعاهل البحرين"، "السيناريوهات المحتملة للأزمة النووية الإيرانية".. وغيرها.
العدد 53 ربيع 2008
افتتاحية العدد: مفاوضات ما بعد "أنابوليس" .. الحرث في البحر
عقب ما يقارب الخمسة شهور من إطلاق مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية في مؤتمر "أنابوليس" للسلام الذي استضافته الأراضي الأمريكية في 27/11/2007، تطل علينا علامات الاستفهام بشأن ما أنجزته تلك المفاوضات التي يرى "محمود عباس" أنها الأمل الوحيد للفلسطينيين، بعدما طال مداها دون أن تبدو في الأفق أي إرهاصات لإحياء عملية التسوية التي كادت أن تحتضر.
فقد
تم الاتفاق في ذلك المؤتمر ـ الذي شارك فيه ما يربو على خمسين دولة ومنظمة ـ على الإطلاق "الفوري" للمفاوضات، على أساس سيئة الذكر "خارطة الطريق"، واستتبعه عقد مؤتمر باريس في السابع عشر من ديسمبر الماضي بحضور 90 دولة ومنظمة رسمية، والذي اختتم أعماله بالاتفاق على منح السلطة الفلسطينية مبلغ 7.4 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، والتي من المقرر أن يتسلموا منها 3.4 مليار خلال عام 2008، على الرغم من الشكوك التي تحيط بتلك الوعود بفعل التجارب السابقة، بيد أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني يؤكد أن تعهدات هذين المؤتمرين ليست سوى حرث في البحر.. على عكس رهانات "محمود عباس" التي ذكرها في مقابلة له بإحدى القنوات التلفزيونية يوم 17/4/2008.
فمنذ انعقاد مؤتمر "أنابوليس" وحتى 16/4/2008 قتلت قوات الاحتلال حوالي 376 وأصابت ما يقارب 876 من الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وإذا كان مبررها في القطاع هو الصواريخ التي تطلقها "حماس"، فما هو مبررها في الضفة.. هل هناك صواريخ يطلقها أحد من نابلس أو من الخليل أو من جنين أو رام الله؟ فلقد قامت القوات الإسرائيلية بحوالي 810 عمليات توغل في الأراضي الفلسطينية خلال الفترة التي أعقبت "أنابوليس" وحتى الآن، وكان من بينها حوالي 756 عملية بالضفة وحدها، وهو ما يدعونا ـ مجددًا ـ إلى استعادة السؤال: هل هناك صواريخ يطلقها أحد من الضفة؟!، ولم يكن التوغل ـ فقط ـ هو ما شهدته الضفة التي لم ينطلق منها صاروخ واحد .. ولكنها شهدت أيضًا اعتقال العشرات من أبنائها حتى بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية نحو 12 ألفًا، لدرجة أنه لم يخل بيت إسرائيلي من أسير أو أكثر، فضلاً عن الاستمرار في أعمال المصادرة والتجريف لصالح جدار الفصل العنصري والاستمرار ـ كذلك ـ في التوسع الاستيطاني والذي لم يحل المؤتمر دونه.
فقبل أن تبدأ الجولة الأولى من المفاوضات في 12/12/2007، قررت الحكومة الإسرائيلية المضي قدمًا في توسيع مستعمرة "أبو غنيم" الملقبة إسرائيليًا بـ"هار حوما" في القدس الشرقية المحتلة، وطرحت عروضًا لبناء 307 وحدات سكنية إضافية بها، وقبل بدء الجولة الثانية بيوم واحد (23/12/2007) أعلنت وزارة الإسكان الإسرائيلية خطة لبناء 750 وحدة سكنية بالقدس الشرقية، 500 منها بمستعمرة "أبو غنيم"، و250 وحدة بمستعمرة "معاليه أدوميم" خلال عام 2008 بميزانية قدرها 100 مليون شيكل.
وفي الحاصل.. فمنذ انعقاد المؤتمر في 27/11/2007 وحتى يوم 6/4/2008، بدأ العمل في بناء 11332 وحدة استعمارية جديدة، علاوةً على آلاف الوحدات السكنية التي لا زالت تحت الإنشاء بينها 1307 في جبل أبو غنيم، و630 في جبل المكبر، و440 في تل البيوت، و3000 في جيلو، و1700 في بسغات زئيف، و400 في النبي يعقوب، و1200 في راموت، و750 في جبعات زئيف، وهو ما أعلنته إسرائيل دون خوف أو خجل.
ولم يقتصر الأمر على القتل والاستيطان، وإنما امتد لعشرات التصريحات الاستفزازية التي تنفي أي احتمال للتوصل إلى حل يحقق المصلحة الفلسطينية، فقد أعلن رئيس الوزراء "إيهود أولمرت" أن بلاده غير ملتزمة بجدول زمني في التفاوض مع الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق سلام بنهاية عام 2008، وأن أهم عنصر في البيان الإسرائيلي ـ الفلسطيني المشترك الصادر عن المؤتمر هو ضمان أمن الدولة العبرية بتنفيذ خارطة الطريق بجميع مراحلها. وهو ما أكده أيضًا نائبه "حاييم رامون"، الذي أشار إلى أن الدولة الفلسطينية لن يتم إعلانها خلال عام 2008، كما أعلنت وزيرة خارجيته "تسيبي ليفني" أن بناء المستعمرات لا يتنافى وشروط خارطة الطريق ورسالة الضمانات التي قدمها الرئيس الأمريكي "جورج بوش" إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "آرئيل شارون" عام 2004، والتي تؤكد أن المستعمرات القائمة في الكتل الاستعمارية الكبرى ستكون ضمن حدود إسرائيل في التسوية الدائمة، مشيرة إلى أن البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية، سيتم إضفاء الشرعية عليها من خلال ضمها إلى مستعمرات قائمة منذ عشرات السنين وتعتبرها بلادها قانونية.
كما كتب وزير دفاعه "إيهود باراك" مقالاً بصحيفة "هاآرتس" بعنوان "السلام: حقيقي أم وهمي؟" أكد فيه أن توقيع دولته اتفاق سلام دائم مع شريك "ضعيف" مثل الرئيس الفلسطيني هو خطر كبير عليها وعلى أمنها، وأن الاتفاق الدائم يشبه بناء مبنى متعدد الطوابق بلا أسس، وسينهار إن عاجلا أو آجلاً، ولأنه بالفعل شريك ضعيف، فإنهم ـ في إسرائيل ـ يسعون الآن لتأهيل شريك أكثر ضعفًا وانبطاحًا وهو "سلام فياض" ليحل بديلاً له، فهم يرغبون في تنازلات أكثر مما قدمها "محمود عباس" الذي استنزفوه، أو كما يقول المثل المصري "أخذوه لحمًا ورموه عظمًا".
وزاد على ذلك إعلان زعيم حزب "الليكود" المعارض "بنيامين نتنياهو"، المرشح الأقوى لخلافة "أولمرت" في رئاسة الحكومة، يوم 18/4/2008 أنه لن يلتزم بأي اتفاق سلام تتوصل إليه الحكومة الحالية مع السلطة الفلسطينية، بما يرجعنا إلى نقطة الصفر التي لم نتخطها في حقيقة الأمر.
وعلى الرغم من تلك الانتهاكات والتصريحات.. مازالت السلطة الفلسطينية تواصل عقد الاجتماعات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلي، والتي تحوطها عدسات الكاميرات وحشود المهللين بالتقدم المزعوم لما سموه بـ"المفاوضات"، فقد عقد الشريكان نحو 16 اجتماعًا، فضلاً عن عقد "قريع" و"ليفني" أكثر من خمسين اجتماعًا سريًا، وفق التقارير الإسرائيلية، وهي اللقاءات التي انعقدت بالتوازي معها اجتماعات على أربعة مستويات، الأول بين مستشاري رئيسي الوفدين، والثاني اجتماعات موسعة بين طواقم المفاوضات، والثالث بين خبراء ومسؤولين أمنيين، وهو الأكثر نجاحًا لأنه يحقق الكثير لإسرائيل، أما الرابع فشمل خبراء في المسائل المدنية مثل المياه والاقتصاد وجودة البيئة.
وإلى جانب تلك الاجتماعات شهدت المنطقة عدة زيارات لدفع عملية السلام المتعثرة، يأتي على رأسها: زيارة الرئيس الأمريكي "جورج بوش" التي بدأها يوم 9/1/2008، وصرح خلالها "بأن التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي يسهم في ضمان أمن إسرائيل كدولة يهودية"، ودعا فيها العرب إلى التطبيع المسبق معها مطالبًا إياهم بـ"مد أيديهم إليها لتوفير الدعم لعملية السلام"، وأعقبتها زيارة وزيرة خارجيته "كونداليزا رايس" يومي 4ـ5/3/2008، وفي الفترة من 29-31/3/2008، كما قام نائبه "ديك تشيني" بزيارة لإسرائيل والأراضي الفلسطينية يومي 22ـ23/3/2008، وسبقتها زيارة "جون ماكين" المرشح الجمهوري للرئاسة في 18/3/2008 والذي أعرب خلالها ـ صراحةً ـ عن تأييده الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ثم جاءت زيارات السيناتور "دانيال إينوي"، ومنسق عملية السلام وخارطة الطريق "وليام فرازر"، ووزير الأمن الداخلي "مايكل شيرتوف"، أيام 25 و26 و27/3/2008 على التوالي، وزيارة المبعوث الأمني الأمريكي الخاص للشرق الأوسط الجنرال "جيمس جونز" يوم 13/4/2008.. هذا بالإضافة إلى زيارتي المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" ووزير الخارجية الروسي"سيرجي لافروف" لتل أبيب في 17/3/2008 و19-21/3/2008.. وكل هؤلاء القادة والمسؤولين أطلقوا تصريحات خلال زياراتهم تلك لا تخدم سوى إسرائيل وتنحاز لمصالحها، مما ينفي أي أمل في أن يكون لأي من تلك الدول دور في إنصاف الحقوق الفلسطينية، على الرغم من اللقاءات الحارة التي جمعت بين ممثليها و"محمود عباس" وأعضاء حكومته.
ولكن كل ذلك لم يسفر عن شئ.. فالفشل يكمن في أن مؤتمر "أنابوليس" لم يطلق أي مفاوضات بالفعل، فبدهيات التفاوض تفترض وجود طرفين متنازعين ارتضى كل منهما اللجوء للتفاوض من أجل حل ذلك التنازع، وقد يتوسط بينهما طرف ثالث، يتفق عليه الطرفان، شريطة أن يتمتع بالحيدة والنزاهة، ليبدآ التفاوض وفق ضوابط ومرجعيات.. بينما يحمل كلاهما مطالب، كما يمتلكان أوراقًا للضغط والمساومة، إلى أن يتوصلا إلى حل يصالح بين إرادتيهما المتصارعة، وتسفر تلك الجولات عن التزامات يتعهدا بتطبيقها.
وبمطابقة ذلك على ما يسمى مفاوضات ما بعد أنابوليس، أو حتى ما قبلها، نجد أنها لا تنطبق بأي حال من الأحوال عليها بما يمنحها وصف "مفاوضات". فهاهما طرفا التفاوض، الطرف الأول (الإسرائيلي) يمد يده بالسلام وهي ملوثة بالدماء الفلسطينية، وينتهج دبلوماسية قائمة على استغلال تحالفاته الدولية المسبقة والضعف السياسي لشريكه الفلسطيني.. والطرف الثاني (الفلسطيني) يشارك برأسين متناحرتين، الأولى ممثلة في "فتح" التي تحمل شرعية الرئاسة وتسيطر على سلطة منقوصة السيادة، تفرض إرادتها على الضفة دون القطاع، وتتمتع بمساندة دولية هي في الأساس مساندة لما باتت تقدمه من تنازلات ظنت أنها ستدعم موقفها في صراعها مع الرأس الثانية "حماس" التي تحمل شرعية الانتخاب الشعبي لأغلبية البرلمان وتشكيل الحكومة، غير أنها تفتقد المساندة الدولية ظلمًا في قضية بات اختيار شعبها غير محل اعتراف.
ومرة أخرى.. ليست مفاوضات، ليس فقط لطبيعة طرفيها .. الأول والثاني، ولكن أيضًا لطبيعة طرفها الثالث (الولايات المتحدة)، فالوسيط الأمريكي لا يألو جهدًا في إقصاء أي دور للأمم المتحدة أو الشركاء العرب ذوي المواقف السلبية، في وقت يلتزم بحماية المصلحة الإسرائيلية دون أي اعتبار للمصالح الفلسطينية التي تخلى عنها الطرف الفلسطيني نفسه ليحصل على شرعية الاعتراف الدولي.
أما مرجعيات التفاوض في أوسلو وجنيف وغيرها من المؤتمرات والوثائق التي دفع من أجلها الشعب الفلسطيني الكثير من دماء أبنائه، رغم أنها لم تحقق الحد الأدنى من مطالبه، فقد شيعها "بوش" في خطابه بـ"أنابوليس" إلى مثواها الأخير معلنًا رؤيته التي تضمنتها تفاهمات المؤتمر الهزيلة.. كمرجع أحادي لعملية السلام وليستبدل ـ هكذا ـ مفاوضات خمسة عشر عامًا بمفاوضات خمسة شهور لم تغن ولم تسمن من جوع.
وعلاوةً على ذلك.. دعونا نتساءل: هل يمتلك الطرف الفلسطيني أوراقًا للضغط والمساومة؟! إن الإجابة عن ذلك تقول.. نعم، فهو يمتلك حق المقاومة والقدرة على المقاومة، ولكن ـ للأسف ـ فهذه المقاومة التي كان لها أن تستمر كأداة للضغط بات "عباس" يرى فيها إرهابًا ومعوقًا للسلام، ويصفها بالعبثية، بل ويقف إلى جانب جهود تل أبيب وواشنطن للقضاء على نشطائها، ويناقض ـ بذلك ـ حقيقة هامة مفادها أن إسرائيل لن تستجيب لأي مطالب فلسطينية دون الضغط عليها ودفعها بالقوة من أجل الاستجابة لها، وهي الحقيقة التي كان في انسحابها جنوب لبنان تحت وطأة هجمات "حزب الله" نموذجًا حيًا لها، وكذلك من غزة.
لم يصف "عباس" المقاومة بأنها إرهاب.. فقط، ليسلب شعبه إحدى أوراق الضغط، بل ذهب إلى الاستقواء بالطرفين الإسرائيلي والأمريكي في صراعه مع "حماس" وهو استقواء لن يحصل عليه دون تقديم المزيد من التنازلات التي يسقط بها حقوق شعبه التاريخية، تنازلات تعبر عنها اقتراحات – هنا وهناك – عن استبدال حق العودة بتعويضات مالية واعتراف فلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية...إلخ، وهي اقتراحات لاقت اعتراضًا ضحلاً من جانب سلطة استكانت دون ضغط واستجابت لتجاذبات الأهواء والأغراض السياسية، رغم تجريدها الفلسطينيين من حقوقهم ووجودهم.
كما صدرت تقارير إعلامية إسرائيلية تتحدث عن اقتراح أمريكي يقضي بالتوصل إلى اتفاق مؤقت لمدة خمس سنوات يتم التوقيع عليه بنهاية العام الحالي، وفقًا لتفاهمات "أنابوليس"، ويرجئ البحث في قضايا القدس واللاجئين والاستيطان، وهو ما يكشف عن هشاشة مفاوضات ما بعد المؤتمر ورغبة "بوش" في حفظ ماء وجه إدارته قبل رحيلها إلى الجحيم بالتوصل إلى مجرد ورقة تسمى "اتفاق".
إن معطيات المشهد الآن تعكس مخاطر استمرار الانقسام الفلسطيني ومخاطر الاستمرار في هذه العملية المسماة بـ" التفاوض"، فهي في النهاية ليست سوى تنازلات تقدمها السلطة للدولة العبرية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.. تنازلات تختزل القضية الفلسطينية في البعد الإنساني فقط، وكأنها أصبحت دواء وغذاء ومعابر ووظائف لعاطلين وليس قضية حرية شعب وتقرير مصير.. فنحن أمام أزمة سياسية، تقتضي عملاً سياسيًا، من أجل شعب لا يجد من يبالي بحقوقه السياسية والتاريخية حتى رئاسته التي ترفض دعوات الحوار مع من اختاره في انتخابات تشريعية نزيهة، بينما لا تتوانى عن مد يدها إلى من يقتله ويقتل أطفاله دون أن تذرف له دمعة واحدة.
العدد 52 شتاء 2008
افتتاحية العدد: "محمود عباس".. ماذا تنوي أن تفعل؟
المأزق الذي يعيشه الفلسطينيون الآن.. لا يعود فقط إلى سلطة الاحتلال الإسرائيلية وممارساتها الإجرامية اليومية بحقهم، وإنما يرجع أيضًا إلى المواقف والسياسات التي يتبناها رئيس السلطة الوطنية "محمود عباس" ورئيس وزرائه "سلام فياض" ومن معهما بحق قضايا الوطن والأمة كلها، والتي تعكس خللاً في رؤيتهم الاستراتيجية للأمور وتشوهًا لمدركاتهم الخاصة بكيفية حل الصراع مع الطرف الإسرائيلي من جهة، وإزالة الخلافات مع الفرقاء الفلسطينيين من جهة أخرى.
ففي الوقت الذي تتواصل فيه الجرائم الإسرائيلية في عمليات اغتيال واستهداف يومي منظم، راح ضحيتها 435 فلسطينيًا (من بينهم 55 طفلاً) خلال عام 2007، وإصابة 1192 فلسطينيًا بجراح مختلفة، واعتقال 3480 مواطنًا آخرين، وكذلك هدم وتخريب 120 منزلاً، ومصادرة 3143 دونمًا لصالح ما يطلق عليه الجدار العازل، وتجريف آلاف الدونمات من الأراضي، ففي هذا الوقت وعلى الرغم من كل ذلك، نرى رئيس السلطة الفلسطينية في اجتماعات حميمية متواصلة برئيس الوزراء الإسرائيلي بعضها في منزله بالقدس(!!) مؤكدًا على ضرورة استئناف "المفاوضات" بصورة منتظمة وعبر لجان وبرامج مكتملة، ونتساءل: هل المنازل هي مقار رسمية لمفاوضات يتعلق بها مصير شعب؟ أم إنه في المنازل تتم الإطاحة بمصير شعب والعبث بمستقبله وضرب قضيته؟
ففي لقاءاته مع "أولمرت"، لم يكن "محمود عباس" يعني سوى إسباغ الشرعية على سلطته، وفي كل مرة كانت تعقد فيها مثل هذه اللقاءات كانت يد الغدر الإسرائيلية خلالها تقتل وتبطش في غزة وفي نابلس وفي جنين والخليل وغيرها.
لقد كانت هذه اللقاءات تجرى.. بينما لم تمر إلا أسابيع قليلة على انتهاء مؤتمر "أنابوليس" للسلام المزعوم.. ولم ترسل إسرائيل خلالها إشارة واحدة تبرهن بها على احترامها للالتزامات الواهية التي انتهى إليها المؤتمر، فلم تتراجع عن تخصيص حوالي 25 مليون دولار للبدء في إنشاء حوالي740 وحدة سكنية كمرحلة أولى لتوسيع مستوطنة "معالية أدوميم"، فضلاً عن نحو 307 وحدات أخرى بجبل أبو غنيم بالقدس الشرقية، كما أنها مازالت تواصل سياسة القتل خارج القانون وحصار القرى والمدن وتدميرها وجرف مزارعها وتجويع المدنيين؛ بل إنها وفي تحد غريب للجميع، فتحت النار وبكثافة على الحجاج العائدين من بيت الله الحرام، عبر معبر بيت حانون، فقتلت سيدة وأصابت أربعة، وبينما كل هذا يجري على الأرض.. نرى "محمود عباس" وأتباعه يعقدون اللقاءات ويتبادلون التحيات والقبلات مع "أولمرت" وزمرته.
لقد انتهك جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأسابيع التالية على مؤتمر "أنابوليس" وحتى الآن، أي في غضون 45 يومًا على الأكثر، أي التزام أو تعهد يعتقد أنه يرغم "تل أبيب" على الرضوخ له مستقبلاً.. فقد قامت بنحو 135 عملية توغل في الضفة والقطاع قتلت فيها نحو 80، معظمهم من المدنيين، وأصابت نحو 258.. هذا فضلاً عن اعتقالها لـ 345 من بينهم أطفال.
وإذا ما أضيف إلى ذلك، تدمير المنازل وتجريف الأراضي ومواصلة فرض إجراءات الحصار وارتفاع عدد الضحايا من المرضى الممنوعين من العلاج بالخارج إلى نحو 15 حالة.. لتأكد لنا أن السلطة ومن يدير الأمر بها لا يعنيهم سوى رضا قوات الاحتلال التي تضمن لهم البقاء أطول فترة ممكنة في الحكم.
وهنا يثار التساؤل: ألم يتعلم "محمود عباس" من حنث الحكومة الإسرائيلية بوعودها وعدم وفائها لتعهداتها؟! وما هو شعوره وشعور أتباعه من الحل التفاوضي منذ مؤتمر مدريد، وحتى مؤتمر "أنابوليس" حينما يتنامى إلى أسماعهم أن "أولمرت" و"باراك" و"ليفني" الذين يجلسون معهم على موائد المفاوضات لم يتوانوا مؤخرًا عن منع سيدة مسنة من مغادرة قطاع غزة لتلقي العلاج اللازم في الخارج، مما أسفر عن وفاتها؟، علمًا بأن عدد الذين ماتوا بسبب منعهم من تلقي العلاج في خارج قطاع غزة أو في إسرائيل نفسها تجاوز 50 مريضًا منذ يونيو الماضي.
كيف تصور "محمود عباس" ورفاقه من المتعاطفين مع أوهام السلام المزعوم أنه يمكن الوصول بالمفاوضات مع الإسرائيليين إلى شيء يذكر؟ ألم تخبرهم التجارب السابقة أن تل أبيب لن تعطي إلا الفتات.. هذا في حال تجاوبت وأعطت شيئًا أو تنازلت عن شيء!، والدليل على ذلك خبرة المؤتمرات والمفاوضات السابقة التي بعثت الأمل في نفوس البعض قبل وأثناء انعقادها، ثم ما لبث أن تبخر على صخرة التعنت الإسرائيلي والدعم الأمريكي؟.. هذا الدعم الذي بدا أوضح ما يكون خلال زيارة الرئيس "بوش" الأخيرة للقدس ورام الله؛ حيث أكد على ضمان أولوية الأمن الإسرائيلي ويهودية الدولة، الأمر الذي يعني استمرار الضغط على السلطة لمزيد ومزيد من التنازلات اللامشروطة.
وما هو شعوره عندما يتلقى نبأ وفاة أحد مواطنيه الأسرى (لا يزيد عمره على 19 عامًا)، والذي وصل عددهم في عهده إلى 16 ألف أسير، نتيجة الإهمال الطبي بالسجون الإسرائيلية؟ وكيف يمكن أن يبرر لنفسه ولشعبه ما قامت به أجهزته الأمنية مؤخرًا عندما ألقت القبض على إسرائيلي مسلح قرب كنيسة "المهد"، ثم قامت – فيما بعد- بتسليمه إلى الجيش الإسرائيلي دون أن يحاكم قانونًا بتهمة الإرهاب.. وهي التهمة التي تعتقل بها إسرائيل رجال المقاومة وتحاكمهم بها في الوقت الذي شنت فيه أجهزة أمن السلطة حملة شعواء لاعتقال عناصر من المقاومة الوطنية بدعوى تورطها في عملية استهدفت جنديين إسرائيليين.
وأيضًا ما هو شعوره عندما يفقد بسياساته كل أوراق الضغط التي بحوزته، وأولها ورقة المقاومة؟. في حقيقة الأمر.. إن خيارات "عباس" قد حولت عملية التفاوض الفلسطيني- الإسرائيلي إلى تنازل فلسطيني- إسرائيلي ليس إلا، فالجانب المفاوض الفلسطيني الذي يقوده "أبو مازن" هو وأتباعه يذهب في كل مرة خالي الوفاض من أي أوراق للضغط أو القوة، وبالتالي لا يمكن وصف الأمر بأنه تفاوض.
ولا أدل على ذلك من إلقاء نظرة فاحصة على نتائج ما أسفرت عنه ما يسمى بعملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ انطلاقها عقب تفاهمات مدريد عام 1991، ثم اتفاق أوسلو 1993 سيء الذكر، والذي كان "محمود عباس" و"أحمد قريع" على رأس مهندسيه، إذ لا زالت هذه العملية تراوح مكانها منذ 14 عامًا، وربما عادت خطوات إلى الوراء دون إحراز أي تقدم حقيقي في مسيرتها، رغم المبادرات والاتفاقيات المرحلية التي كانت تطرح بين الحين والآخر لإعادة دفع هذه العملية وتنشيطها، مثل: اتفاقية طابا عام 1995، واي ريفر 1998، شرم الشيخ عام 1999، غزة ـ بيت لحم أولاً عام 2000، خارطة الطريق 2002، خطة فك الارتباط 2005، وأخيرًا وليس آخرًا مؤتمر "أنابوليس" 2007.
لقد كانت هذه العملية منذ انطلاقها وحتى الآن برهانًا على جدية إسرائيل بعدم الالتزام بها؛ إذ قامت بقتل حوالي 5852 فلسطينيًا وإصابة حوالي 24750 آخرين واعتقال حوالي 16000 والاستيلاء على أراض بالضفة والقدس والقطاع لتوطين حوالي 500000 مستوطن إسرائيلي.. لقد أتاحت هذه الاتفاقية والترتيبات التي تلتها لإسرائيل قتل معظم خيرة شباب فلسطين من الذين عادوا من المنفى.. وغيرهم.
وفي حاصل التسوية أيضًا.. ازداد انقسام الساحة الفلسطينية في عهد "محمود عباس"، ووصل الاستقطاب فيها إلى حد التهديد بالحرب الأهلية.. فالسلطة التي شكلها اتفاق أوسلو وتورطت في كل الترتيبات التالية له، لم تحصل إلا على حكم ذاتي محدود ومرتبط بالاحتلال على رقعة من الأرض لا تزيد على 8% من مساحة الضفة (أي أقل من 2% من مساحة فلسطين التاريخية)، وحتى تلك الرقعة باتت أشبه بجزر منعزلة عن بعضها البعض وسط بحر من المستعمرات بلغ عددها حوالي 207، وتزداد الجزر انعزالاً في ظل نقاط التفتيش التي أقامتها إسرائيل على طول طرق الاتصال وبلغ عددها في الضفة وحدها حوالي(527).
وفي واقع الأمر، فإن "محمود عباس" باعتباره مهندس هذه الاتفاقيات ورئيس السلطة المنقسمة، مطالب الآن وقبل أي وقت آخر بأن يسأل نفسه: ألم تكن اتفاقات أوسلو وما تلاها هي السبب في إضاعة الحق الفلسطيني كله وليس فقط إضعاف دور المقاومة الفلسطينية.. حتى صارت المقاومة إرهابًا؟، وكلنا يذكر تصريحه الشهير في القضية عندما وصم المقاومة بالإرهاب قائلاً: "لا يوجد حل عسكري لصراعنا، ونكرر إدانتنا للإرهاب والعنف ضد الإسرائيليين أينما كانوا"، وجاء الرد عليه سريعًا من المرحوم "ياسر عرفات" آنذاك حينما قال له: "لم أكن أعرف أن لدى الفلسطينيين كرزاي آخر".
كما عليه أن يسأل نفسه: إلام ترمي تصريحاته ومواقفه العديدة التي لا تخدم القضية، وإنما الأهداف الإسرائيلية؟.. بدليل:
1ـ تقديم التزامات وتعهدات، أو على وجه التحديد تنازلات، تضر القضية الوطنية برمتها، وليس بعض الفصائل والقوى الوطنية الأخرى.
2ـ إعطاء المبرر للإسرائيليين بمواصلة جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، فحديثه مثلاً عن يهودية إسرائيل وإرهاب الفلسطينيين، لم يقابله حديث آخر وبنفس القوة عن كيفية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وجرائم سلطة الاحتلال.
3ـ عدم التمسك ببرنامج إجماع وطني واضح يقوم على ضمان حق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس.. بل إن ما يقوله فيه الكثير من الغموض ويحتمل التأويل، ولا أدل على ذلك من تصريحاته الملتبسة بشأن اللاجئين.
لقد كان مؤتمر باريس ذاته بمثابة أداة للضغط عليه، حيث تم رفع المخصصات المنتظر تقديمها للسلطة ولرئيس وزرائه، من ثلاثة بلايين دولار إلى أكثر من سبعة بلايين رهنًا بالتسهيلات التي سوف تقدمها السلطة لتسيير عملية التفاوض الفلسطيني– الإسرائيلي، وبما ستقوم به من القضاء على المقاومة التي تسميها إسرائيل وأوروبا والدول المانحة بالإرهاب. ونتساءل بدورنا: منذ متى كانت تعهدات المانحين يقايَض بها على مصير شعب؟ ولماذا حوَّل "عباس" القضية الفلسطينية من قضية شعب يريد الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال إلى قضية بشر يطلبون فيها مجرد المساعدة الإنسانية؟
وفي كل الأحوال.. فلقد أعلن مؤتمر "أنابوليس" أن عام 2008 هو عام التسوية، والتي لا تبدو لها أفق في خلفية شواهد تصريحات راعي عملية السلام – كما يقولون- الرئيس "بوش" أثناء زيارته الأخيرة للأراضي الفلسطينية أو الممارسات الإسرائيلية وخيارات وتوجهات "محمود عباس".. ولذلك فنحن نقترب الآن من حافة المنعطف وبلا عودة، فإذا انتهى عام 2008 دون الوصول إلى تسوية تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه على كل أراضي الضفة والقطاع.. وإعلان دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا هو المطلوب حدوثه، فإن على "محمود عباس" أن يعلن فشل أوسلو وإنهاء السلطة ويواجه إسرائيل والمجتمع الدولي بأحد مطلبين لا ثالث لهما.. إما وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تحت السيادة الدولية تمهيدًا لإعلان الدولة الفلسطينية بكامل الحقوق.. 0 من مجلس الأمن ووفقًا للشرعية الدولية، أو إقامة دولة واحدة.. ثنائية القومية ومتعددة الديانات.. تضم الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي معًا على كامل تراب فلسطين التاريخية، وإلا فإن عليه أن يعلمنا نحن الفلسطينيين ماذا يريد أو ينوي أن يفعل؟.