top of page
18/1/2020

وفاة السلطان قابوس بن سعيد.. ردود فعل غربية

أثارت وفاة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، جدلا على مستوى صناع القرار والأكاديميين الغربيين، حول مستقبل عمان؛ فهو الرجل الذي حكم عمان لأكثر من 50 عاما، كأطول فترة لحاكم في منطقة الشرق الأوسط، بعد توليه العرش عام 1970، واستطاع خلالها أن يحول بلاده من إقطاعية صغيرة تابعة لبريطانيا إلى دولة حديثة متمدنة سلمية، فضلا عن دوره في الحفاظ على دور إقليمي محايد لعمان في كافة النزاعات المحيطة؛ وبالتالي فإن وفاته يوم10 يناير2020، تمثل تحولا كبيرا في السياسة الوطنية والإقليمية.
احتفظ السلطان قابوس بعلاقات وثيقة مع الغرب، خاصة مع أمريكا وبريطانيا، لذلك نشطت وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث في هذين البلدين لتحديد مستقبل ومصير عمان من دون سلطانها الراحل. وذهب كثير منها إلى أن تعيين السلطان قابوس لابن عمه هيثم بن طارق آل سعيد، وزير التراث والثقافة، ذي الخبرة في إدارة شؤون الحكومة، والمعروف بولائه له والمؤيد لرؤيته، جعل هناك استشرافا بأن مستقبل عمان سوف يتسم بالاستمرارية أكثر من التغيير، في حين شكك آخرون في قدرة السلطان الجديد على الاستمرار على نفس وتيرة سلفه في ظل ما يشهده المناخ الحالي من اضطراب في الشرق الأوسط، وبالتالي صعوبة الاستمرار في مسيرة الازدهار والاستقرار المحلي والسلام الخارجي.
وعلى الرغم من الاختلاف بشأن تحديد مستقبل عمان، فقد اتفق المحللون في التعبير عن أسفهم لموت السلطان قابوس. تقول «إليزابيس ديكنسون» في «مجلة فورين بوليسي»، إن «السلطان الراحل يعتبر في الحقيقة من الشخصيات البارزة في التاريخ سواء في تاريخ عمان، أو في تاريخ المنطقة في ظل ما شهدته من تغيير كبير».
ويعد توجه السلطان قابوس تجاه الدبلوماسية أمرًا بناءً في الشرق الأوسط، حيث سعى للوساطة في حل الصراعات والتوفيق بين أطراف النزاع، وهو ما أعطاه سمعة راسخة لدى الغرب كحاكم كفء، فضلا عن احتفاظه بعلاقات طيبة مع الدول الأوروبية ودول أمريكا الشمالية؛ وفي ذلك يقول «بن هوبارد» في صحيفة «نيويورك تايمز»، إنه «في منطقة تعج بالطائفية والانقسامات السياسية والتدخل الأجنبي، دافع قابوس مستخدما أبلغ الكلمات عن سياسة خارجية تتمثل في الاستقلال وعدم الانحياز»؛ وهو ما يتضح من خلال سياسة الحياد التي انتهجها فيما يتعلق بموازنة العلاقات مع كل من إيران والغرب، وهو مشروع توّج باستضافة مسقط لمندوبي طهران وواشنطن للتفاوض على إنشاء خطة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النووي الإيراني. أما «مارك جي. سيفرز»، السفير الأمريكي السابق لدى عُمان، فقد قال عنه إنه: «رجل بارز كرس نفسه لبناء دولة حديثة ووضع عُمان على خريطة العالم كمركز دولي للحوار والعقل»، مشيرًا إلى الدعم المستمر لعُمان من بريطانيا والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
ويرى محللون أن السلطان قابوس قد ساعد في إبقاء بريطانيا كقوة ذات نفوذ في الشرق الأوسط حتى بعد نهاية الإمبراطورية، من خلال استضافة قواتها والحفاظ على روابط عسكرية واقتصادية ودبلوماسية قوية معها، علاوة على أن العلاقات العمانية مع الولايات المتحدة ذات أهمية كبرى، ويوضح «سيفرز» أنه «حتى في سنواته الأخيرة، وجد القوة لإطلاق مبادرات جديدة استفادت منها المصالح الأمريكية، بما في ذلك تعليماته لجهاز المخابرات العُماني بتأمين الإفراج عن نحو عشرة أمريكيين احتجزهم الحوثيون في اليمن وإعادتهم إلى الوطن عبر عُمان»، مضيفا أنه «بذل جهده لإقناع إيران بالمشاركة في الحوار مع إدارة ترامب دبلوماسيا حتى في الوقت الذي فرضت فيه عُمان العقوبات المالية والتجارية الأمريكية على إيران واستضافت فرقة عمل حاملة الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية المكلفة لردع العدوان الإيراني».
ونظرًا إلى دور السلطان «قابوس» المركزي بالنسبة للاستقرار العُماني وفاعلية السياسة الخارجية خلال فترة حكمه، ذهب كثير من المحللين إلى أن اختياره لـ«هيثم بن طارق» يعد اختيارا موفقا، حيث توقعوا قدرته على تكرار نجاحاته؛ ومال معظمهم إلى أن خبرة السلطان الجديد وشخصيته يدلان على أنه سيحقق بالفعل نجاحا يُضاهي سياسات وممارسات السلطان الراحل. يقول «بدر موسى»، من «مركز كارنيغي»، إن «السلطان قابوس اختار شخصًا يشبهه؛ فهيثم بن طارق رجل هادئ، ومسؤول مُحنك، خدم في عدة مناصب حكومية، ويولي اهتمامًا كبيرًا بالقضايا الاقتصادية، ولا سيما رؤية عمان2040؛ علاوة على كونه سياسيا ذا قدرة عالية وحاكما مُرتقبا، وبالتالي فإن السلطان قابوس بعث رسالة طمأنة أنه من خلال اختياره ابن عمه الذي يعمل في الخارجية منذ ستة عشر عامًا، أن سياسته ستبقى كما هي من دون تغيير». 
ومع ذلك، فإن بعض الباحثين يعتقدون أن التحديات المحلية والإقليمية قد تدفع السلطان الجديد في اتجاهات قد تسفر عن حدوث تغييرات جذرية قد تكون إلى الأفضل أو الأسوأ، وذلك بحسب معايير السياسة الداخلية والخارجية العمانية التي انتهجتها مسقط نحو أمريكا والدول الأوروبية لعقود، وفي ذلك يرى «كريستين سميث»، من «معهد دول الخليج العربي»، بواشنطن، إن عمان «نجحت في أول اختبار لها، وذلك من خلال الانتقال إلى مرحلة نقل السلطة وإرث السلطان قابوس إلى خليفته، بيد أن هناك الكثير مما يواجهه السلطان الجديد من تحديات، مثل المنافسة الإقليمية على بسط النفوذ ومواجهة المطالب الملحة للإصلاح الاقتصادي». أما «بروس ريدل»، من «معهد بروكنجز»، فيرى أن «الاضطراب في المنطقة بسبب الأزمة المتعلقة بمقتل «قاسم سليماني»، قائد الحرس الثوري الإيراني، يضاف إلى المخاوف بشأن مستقبل السلطنة؛ ففي حالة تصاعد التوترات بين أمريكا وحلفائها من جهة، وإيران من ناحية أخرى، فإن عمان ستجد أن موقفها القائم على الحياد لا يمكن التقيد به؛ وسيكونون مُجبرين حينها على التكيّف بشكل أوثق مع الغرب أو مع إيران». ومن ثمّ، يبقى هناك احتمال لتقويض موقف عمان المتمثل في الحفاظ على علاقات مع كلا الجانبين المتعارضين في المنطقة، حتى إذا لم تزدد حدة الأعمال العدائية بينهما مستقبلاً، وذلك في حال إذا قرر السلطان الجديد نفسه الوقوف بجانب طرف ما دون الآخر. 
أما «كريستيان كوتس»، من «معهد بيكر للسياسات العامة»، فاعتبرت أن «المخاطر الأساسية تكمن فيما إذا كان أي من الدول الإقليمية  قد تحاول الضغط على السلطان الجديد أثناء محاولته التشبث بمقاليد السلطة وإحكام قبضته على الحكم، وبالتالي ربما تنجح في إقناعه بإنهاء حياد عمان التقليدي». وفي حالة ما حدث وأنهت عمان حيادها، فإن ذلك من شأنه أن يلحق الضرر أو ينتقص بشكل كبير من مكانتها كوسيط محتمل بين خصوم أمثال إسرائيل وفلسطين، أو الولايات المتحدة وإيران.
وعلى النقيض، تطرقت وسائل الإعلام بصورة أقل إلى القضايا الداخلية ومشاكلها التي قد تواجه السلطان الجديد وتقوض قوته. ونشرت مجلة «الا يكونوميست»، البريطانية، أن «السلطان هيثم بن طارق، قد يواجه تحديات في الداخل، تتمثل في الخوف من افتقاره إلى القوة اللازمة لإحداث التغييرات الضرورية وإسناد مهامها إلى مسؤولين أصغر سنًا، وذلك لمعالجة سلسلة من المشكلات السياسية المرتبطة بالبطالة  وعدم تكافؤ الفرص، والحد من معارضة بعض القبائل العمانية، بالنظر إلى أن السلطان قابوس كان شخصية فريدة تتسم بالقدرة على إبقاء هذه القوى الداخلية المعارضة لديه تحت السيطرة، ومن ثم فإن السلطان الجديد، في حال افتقاره إلى القدرة ذاتها، قد يواجه تحديات أكثر صعوبة». 
على العموم، بالرغم من بعض المخاوف على مستقبل سلطنة عمان بعد رحيل قابوس، وتوقع العديد من التحديات؛ يبقى واضحا أن السلطنة التي طالما لعبت دور الوسيط في منطقة الشرق الأوسط، وحافظت على علاقات متوازنة مع كل من الدول الغربية وخصومها مثل إيران، واستطاعت من خلال ذلك، التواصل الدبلوماسي بين كلا الطرفين المتنازعين في العديد من المناقشات والاجتماعات، وقامت بعدد من الإصلاحات الداخلية، نالت من خلالها ثناء الدول الغربية للدرجة التي رثت فيها وفاة السلطان قابوس بشيء من الأسف والحزن؛ فإن سلطنة عمان ستكون في النهاية قادرة على القيام بالدور نفسه، وسيثبت السلطان الجديد، هيثم بن طارق أنه جدير بخلافة ابن عمه.

{ انتهى  }
bottom of page