top of page
16/1/2020

التداعيات السياسية الأمريكية لمقتل سليماني... وجهات نظر غربية

ركزت معظم المقالات والتقارير المتناولة لمقتل قاسم سليماني-قائد الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس- بغارة جوية أمريكية في العراق يوم3 يناير2020, على التأثير الإقليمي لها، حيث توقع الكثيرون تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، واحتمالية قيام حرب تقليدية واسعة النطاق بين الطرفين. ومع ذلك، لم يتم التطرق للدوافع التي جعلت الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» يقوم بمثل هذا الهجوم، أو للآثار السياسية للضربة على الداخل الأمريكي، والتأثير الذي سيحدث للرئيس قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
وفقا للعديد من المحللين فإن رغبة «ترامب» في الفوز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات 2020 هي أحد أهم دوافعه السياسية لهذه الضربة، تقول «مديحة أفضل»، من «معهد بروكنجز»، إن «هناك علاقة واضحة بين مقتل سليماني وبين الانتخابات الأمريكية القادمة، وذلك تأثرا بباراك أوباما الذي قتل أسامة بن لادن عام 2011 مما أدى إلى دق طبول الحرب لشحذ المشاعر القومية الأمريكية، وتشتيت الانتباه عن مشاكله الداخلية». 
ويسعى الرئيس الأمريكي إلى تعزيز قاعدته الانتخابية، من خلال إظهاره الاستعداد لمواجهة الخصوم؛ مما يعزز ادعاءه بأنه يجعل «أمريكا قوية». علاوة على ذلك؛ فإنه يسعى إلى تقليل فرص عزله في مجلس الشيوخ، وهو ما تؤكده «مديحة أفضل»، بقولها إنه «يعمل على صرف انتباه الناخبين عن عملية عزله التي يتم التفاوض عليها حاليا، ومن هنا يمكن أن يستغل الأزمة مع إيران بغض النظر عن مدى صغرها وقلة أهميتها لجذب الانتباه لنفسه بدلا من منتقديه، مما سيقلل من أهمية قضية عزله بين الناخبين في نوفمبر».
وعلى الرغم من وجود فوائد لمقتل سليماني من وجهة نظر ترامب قبل الانتخابات، فإن لها آثار غير مرغوبة، سواء على الصعيد المحلي، أو الأوروبي، أو حتى في الداخل الإيراني، وذلك على النحو التالي:
فعلى الصعيد المحلي؛ أدان المرشحون للرئاسة من الحزب الجمهوري، الهجوم، بسبب تعزيزه لفرص الديمقراطيين في الانتخابات القادمة. يقول «بورزو دراغي»، من برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، إن: «الديمقراطيين قد هاجموا على الفور مقتل سليماني، مما قد يزيد من معاناة ترامب». وكتب «جيمس ليندسي»، نائب رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» في تقرير حديث إنه: «على الرغم من تنديد معظم المرشحين للرئاسة بخطايا سليماني، واصفين إياه بأنه شخص سيئ وقاتل وشرير ويمثل خطرا كبيرا على القوات الأمريكية، فإنهم يسلطون الضوء أيضا على خطر التصعيد؛ حيث يتفقون بشكل أو بآخر مع تقييم «جو بايدن»، نائب الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الرئاسي بانتخابات 2020 للوضع بأن ترامب ألقى عصا من الديناميت في صندوق صغير». ويضيف «ليندسي» أن «عملية الاغتيال قد دفعت السياسة الخارجية إلى قمة جدول أعمال جميع المنافسين الرئاسيين مؤقتا على الأقل»، وهو ما يوفر للمرشحين فرصة لتعزيز هجماتهم ضد ترامب، من خلال القول بأنه متهور ونهجه غير مدروس ومتقلب في صنع سياسته الخارجية، مما يعرض الأمن القومي الأمريكي والدولي للخطر. 
ويعد اهتمام ترامب بالسياسة الخارجية في الفترة الرئاسية الأولى أمرا غير مألوف بالنسبة لرؤساء الولايات المتحدة، وبالتالي فإن فشله على الصعيد الخارجي سيضعف فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية. يشير «أندرو هاموند»، من «كلية لندن للاقتصاد» في صحيفة «جلف نيوز» إلى أن: «ترامب عرض نفسه لمثل هذه الهجمات، بالنظر إلى أنه على عكس العديد من الرؤساء في العصر الحديث، قد ركز بدرجة كبيرة على السياسة الخارجية في السنوات الثلاث الأولى من رئاسته، وبالتالي إذا نجح الديمقراطيون في الانتخابات، فسوف يتمكنون من إضعاف نهج ترامب في السياسة الخارجية».
أما الشعب الأمريكي، فعلى الرغم من إمكانية إقناعهم بمساوئ سليماني، فإنهم يرفضون جر البلاد لحرب جديدة، ويرى «شبلي تلحمي»، من «معهد بروكنجز»، أنه: «من السهل على ترامب أن يوضح للأمريكيين أن سليماني ملطخة يداه بالدماء الأمريكية، لكن هذا لا يعني أن الشعب يعتقد أنه من مصلحة بلدهم أن يذهب إلى الحرب»؛ وبالتالي إذا أدى مقتل سليماني إلى تصعيد كبير بين الولايات المتحدة وإيران، وربما قيام الحرب، من المرجح أن يعاقب الناخبون ترامب في عملية التصويت في نوفمبر». ووفقا لاستطلاعات رأي جمعتها «جامعة ماريلاند» في سبتمبر 2019, هناك 37% من الجمهوريين يؤيدون فكرة مشاركة الولايات المتحدة في حرب مع إيران؛ بينما أيدها 24% فقط من المستقلين، مما يعني أن ترامب قد يعاني من أجل الحصول على المزيد من الأصوات في عام 2020 إذا استمر التصعيد.
علاوة على ذلك؛ فإن أحد الآثار السلبية للضربة هو النقاش الدستوري الذي يثيره هذا القرار؛ حيث اتخذ ترامب هذه الخطوة دون استشارة الجمهوريين أو الديمقراطيين في الكونجرس مسبقًا، وفقًا لما تنص عليه الصلاحيات، وفي ذلك يرى «جاك جولدسميث»، أستاذ القانون بجامعة هارفارد، أن: «ما شاب العملية من سرية يثير مسألة القيود القانونية على سلطة الرئيس في استخدام القوة من جانب واحد، لأن البعض يرى أن هذا القرار غير دستوري، نظرًا إلى أن الضربة قد تبلغ مستوى الحرب، وهو ما يتطلب إقرار الكونجرس لها لكي تكون قانونية»؛ ووفقًا لقانون صلاحيات الحرب فإن: «أي إجراء يتخذه الرئيس والذي قد يكون من شأنه أن يكون سببًا في اندلاع نزاع يجب أن يقره الكونغرس أولا».
ومع ذلك، فإن احتمال محاسبة ترامب على هذا الانتهاك المحتمل لتشريعات الكونغرس تبدو ضئيلة، نظرًا إلى استناد دفاعه عن هذه الخطوة باعتباره «عملاً فرديًا ودفاعًا عن النفس»؛ وذلك بالنظر إلى الادعاء بأن سليماني كان يخطط لشن هجمات ضد القوات الأمريكية في المستقبل القريب، وهو نفس الغطاء القانوني الذي اتخذه «جورج بوش» الابن، أثناء غزو أفغانستان عام 2001, بحجة أنه كان يتصرف كقائد عام على أساس دفاعي، لذلك فمن المحتمل أن يتهرب ترامب من الإجراءات القانونية أو السياسية. لكنّ قد يشجع ذلك الديمقراطيين وبعض الجمهوريين المناهضين للحرب في الكونغرس لمحاولة تعزيز نطاق قانون صلاحيات الحرب لمنع وقوع سيناريوهات مماثلة في المستقبل.
وبالتالي فإن: «احتمال نشوب صراع جديد وطويل الأمد في الخارج، يمكن أن يُعيد تشكيل شكل الانتخابات العامة الأمريكية القادمة، حتى خارج السباق الديمقراطي، وكما كتب «ألكسندر بيرنز»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد «جاء ترشح ترامب للرئاسة بتعهد منه بسحب الولايات المتحدة من الخوض في الحروب الخارجية، وحصل على دعم من أوساط الجمهوريين بسبب التصور بأنه سوف ينتهج مبدأه السياسي «أمريكا أولاً» المتمثل في الانعزالية النسبية وإعلاء المصلحة الوطنية الذاتية، لكن في حال ما قام بحرب أو تورط عسكري أكبر في الشرق الأوسط، فقد يشهد الرئيس انفضاض العديد من مؤيديه الأساسيين من حوله». 
أما على الصعيد الأوروبي؛ فقد كان للضربة تأثير في زيادة غضب عدد من الحلفاء الأوروبيين، خاصة أن البيت الأبيض لم يخبرهم أو يحذرهم منها. يوضح «جون روبرتس»، من «مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي» أنه: «لم يتم استشارة حلفاء الولايات المتحدة أو إبلاغهم بالهجوم الوشيك على القائد الإيراني، وبات الكثير منهم قلقون بشأن العواقب الفورية وطويلة الأجل للهجوم، حيث تمتلك العديد من الدول الأوروبية أصولاً عسكرية ومدنية في منطقة الشرق الأوسط، والتي قد تصبح أهدافًا للأعمال الانتقامية الإيرانية».
ومع ذلك، وبدلاً من انتقاد الرئيس الأمريكي مباشرة بسبب افتقاره إلى العقلانية والمنطق؛ يتمسك معظم حلفاء واشنطن الأوروبيين بالدعوة إلى وقف التصعيد حتى لا تتوتر علاقاتها عبر الأطلسي ومع الولايات المتحدة تحديدًا، وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية البريطاني، «دومينيك راب»، يوم 3 يناير إن: «الصراع مع إيران لا يخدم مصالحنا، لذا فعلى جميع الأطراف العمل على وقف التصعيد»، وذهبت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الخارجية والأوروبية، «أميلى دى مونتشالين»، إلى أبعد من ذلك مستغلة الاستياء الفرنسي من عدم التشاور قبل القيام بالهجوم كذريعة للدفع لمزيد من التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي، قائلة: «على المستوى الأوروبي، علينا العمل والتعاون ضمن أطر جماعية متعددة الأطراف ومنع أي دولة مهما كانت من أن تمارس قوتها ضد الأخرى وأن تستهدفها بطريقة فجائية غير متوقعة».
أما في الداخل الإيراني؛ ترى «سنام فاكيل»، من «معهد تشاتام هاوس»، بلندن، أن: «اغتيال سليماني يعد مكافأة غير متوقعة لإيران في وقت كانت توازن فيه بين العديد من الضغوط الاقتصادية والمحلية والإقليمية الناجمة عن حملة الضغط القصوى لإدارة ترامب»؛ فلقد توحدت الفصائل السياسية المنقسمة في إيران في مواجهة هذه الأزمة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في فبراير، ومن المتوقع أن تستخدم المؤسسة السياسية هذه الأزمة لتعبئة الناخبين لصالح المرشحين المحافظين، خاصة وأن الصواريخ المطلقة على القاعدتين الأمريكيتين كانت استعراضية ولم تصب أهدافا جوهرية للولايات المتحدة.
على العموم؛ إذا كانت هناك العديد من العوامل السياسية التي تقف وراء قرار ترامب باستهداف سليماني، فإنه قد يؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية على المدى الطويل قد تضر بمكانته السياسية وتقلل فرص إعادة انتخابه في ضوء رفض كل من الناخبين والمرشحين الديمقراطيين للرئاسة للقرار ووصفه بأنه «متهور»، ويعرض المصالح الأمريكية للخطر، وقد يؤدي إلى التورط في حرب مع طهران، فضلا عن إثارة التساؤلات حول الشرعية الدستورية للقرار، وما إذا كانت هناك محاولات جدية من جانب الكونجرس لتقييد قدرة الرئيس على التصرف بطريقة أحادية.

{ انتهى  }
bottom of page