28/12/2019
دولة واحدة أم دولتان فلسطينية وإسرائيلية؟
بعد تعثر المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ووصول السعي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 إلى طريق مسدود؛ بسبب رفض إسرائيل الالتزام بما نصت عليه اتفاقيات أوسلو عام 1993. وبقرارات الأمم المتحدة والتي جميعها تلزمها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. وبدلا من ذلك اتجهت إلى ترسيخ وجودها ومصادرة الأراضي الفلسطينية واحتلالها وتهويد القدس، بهدف فرض أمر واقع جعل من حل الدولتين أمرًا مستحيلا.
ولهذا أثار العديد من صانعي السياسات خيارات أخرى غير حل الدولتين، بسبب أن الظروف الحالية وبجميع جوانبها تبدو أكثر ملاءمة للمطالبة بحقوق متساوية في دولة ديمقراطية واحدة باعتباره الحل الأمثل، خاصة وأن عدد المستوطنات التي تم بناؤها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، تجاوز الـ«265» مستوطنة فضلا عن «324» بؤرة استيطانية تمثل جميعها عقبة أمام تطبيق حل الدولتين، الذي بموجبه سيكون من الصعب رؤية دولة فلسطينية ذات سيادة متجانسة وفعالة، وتعلم إسرائيل أن «الاستيطان الإحلالي»، الذي تقوم به لن ينجح؛ لأن عدد الفلسطينيين يبلغ ستة ملايين ونصف المليون، وهو ما يعادل أو يزيد على عدد الإسرائيليين، ولن تتمكن من إبادة السكان الفلسطينيين الأصليين مثلما جرى في أمريكا وأستراليا أو تهجيرهم، يعزز ذلك، الكفاح والنضال الفلسطيني الذي يزيد على 70 عامًا، إلى جانب أن الفلسطينيين ليسوا عددًا فقط، بل مجتمعا متعلما ومدربا، استفاد كثيرًا من المحنة التي تعرض لها.
وقد اكتسبت قضية المستوطنات الإسرائيلية قوة إضافية، بعد وعود «بنيامين نتنياهو»، الانتخابية، بأنه في حال فوزه ستضم حكومته المستوطنات في الضفة الغربية. وهو يهدف من ذلك إلى كسب أصوات الناخبين اليهود المتدينين واليمينيين والمتشددين، ويعني هذا التعهد في حالة تنفيذه أن الحكومة الإسرائيلية تكون قد طبقت «حل الدولة الواحدة» من جانب واحد، في سيناريو سيؤدي إلى فشل ليس فقط حل الدولتين، ولكن فشل يهودية الدولة التي تعمل الجماعات اليمينية على تطبيقها من خلال الترويج للقوانين العنصرية آخرها قانون القومية العنصري.
وفي فبراير 2017. قال الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»: «أنا أنظر إلى حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وأفضّل الحل الذي يؤيده الطرفان، حتى وإن كان هو حل الدولة الواحدة». وفي دراسة مهمة للمدير التنفيذي للحملة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين «يوسف منير»، نشرتها مجلة «فورين أفيرز»، واستعرضتها صحيفة الغد الأردنية، إن «قول ترامب يشير إلى حدوث تحول صارخ وخطير في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، فمنذ التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 93 التزم جميع رؤساء الولايات المتحدة بتنفيذ حل الدولتين ولم يسبق لأي رئيس أمريكي أن اقترح حل الدولة الواحدة»، باستثناء الرئيس «ترامب» الذي يقوم بتنفيذ طلبات إسرائيلية يمينية كلها تقود إلى حل الدولة الواحدة»، نذكر منها:
ضم القدس لإسرائيل والاعتراف بها عاصمة موحدة ونقل سفارتها إليها وقطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والادعاء بشرعية المستوطنات في الضفة والقدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ما يعني عمليا ضما نهائيا للضفة بكاملها وإنهاء أي مسعى للوصول إلى ما يسمي بحل الدولتين. وكان نائب الرئيس الأمريكي السابق، «جو بايدن»، قد حذر في أبريل عام 2016. من أنه «بسبب سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي، «نتنياهو» الاستيطانية المتمثلة في بناء العديد منها والتوسع فيما هو قائم فإن حقيقة الدولة الواحدة هي النتيجة المحتملة إذ لا يعود اليهود يشكلون أغلبية سكانية»، أما «جون كيري»، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، فقد حذر قبل مغادرته منصبه أن «أمام حل الدولتين سنتين قبل أن يصبح غير قابل للتطبيق».. هذا إلى جانب قرار لمجلس الأمن رقم «2334» في أواخر عام 2016 دعا إلى إنقاذ حل الدولتين، والذي رفضته إسرائيل.
ويرى العديد من الخبراء أن حل الدولة الواحدة أصبح يلاقي التأييد.. باعتبار أن الوضع الراهن غير قابل للاستدامة، كما أن عملية تقسيم الأراضي لن تنجح؛ لأن الطريق الوحيد هو الاعتراف بدولة واحدة ديمقراطية يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون.. عندها ستكسب إسرائيل الأمن والاستقرار وتنجو من العزلة الدولية، من جهة أخرى ستوحد الدولة الواحدة الفلسطينيين وتنصفهم، هذا إذا تم الاقتداء بنموذج جنوب إفريقيا في تفكيك النظام الاستعماري العنصري الصهيوني.
وفي هذا الإطار، تقول «إليزابيث مارتيو»، المستشارة بـ«المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، «إن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017 أرسل إشارة إلى أن حل الدولتين لم يعد قابلا للنقاش». ودفعت قرارات ترامب المحللين – بما في ذلك المؤيدين لحل الدولتين- إلى افتراض أن صفقة القرن، التي يتبناها ترامب، ستوفر عند كشف تفاصيلها إطارا سياسيا لحل النزاع يدعمه حل الدولة الواحدة، والذي يتحقق من خلال ضم إسرائيل للأراضي المحتلة.
وفي ظل هذه الظروف، خلص العديد من المحللين، بما في ذلك المؤيدون لحل الدولتين، إلى أن حل الدولة الواحدة فقط هو الخيار القابل لتحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين. منهم اللورد «بيتر هين»، الوزير الأسبق لشؤون الشرق الأوسط في حكومة حزب العمال، والذي قال: «إن حل الدولتين يبدو أنه تبدد، ودعا إلى دولة مشتركة تستطيع حل حالة الجمود الحالي».
وعلى الرغم من أن حل الدولة الواحدة هو الأكثر واقعية الآن، إلا أنه ليس الحل الأمثل للنزاع، إذ تشوبه عدة عيوب منها؛ تعارضه مع مصالح كل من الفلسطينيين والإسرائيليين. بداية فهو يتجاهل الحقوق التي يناضل الفلسطينيون من أجلها منذ عام 1948. يقول «آرون ديفيد ميلر»، من مؤسسة «كارنيغي»: «إن المطلوب في حل النزاع ليس الزواج، بل الطلاق عن طريق الانفصال الودي، وحل الدولة الواحدة يوحي بالزواج، ودمج الهويات الإسرائيلية والفلسطينية، من خلال مفهوم كيان الدولة الواحدة، الذي من شأنه أن يوفق بين الاحتياجات الإسرائيلية والفلسطينية ويستوعبها بطريقة أو بأخرى». كما لا يُمكن تلبية المطالب الأساسية التي عززت النضال الفلسطيني لأكثر من 70 عامًا، والمتمثلة في الحق المجتمعي في وطن ذي سيادة، وأيضا لا يُمكن الوفاء بعودة اللاجئين النازحين أثناء النكبة عن طريق حل الدولة الواحدة. ولن تسمح إسرائيل بعودة لاجئي 1948. ومن غير المرجح أن تمنح إسرائيل الفلسطينيين أي سيادة ذات معنى في مثل هذا الترتيب.
علاوة على ذلك، حتى لو تمت تنحية هذه المطالب المجتمعية جانبا، فإن الفلسطينيين في أي ترتيبات لدولة واحدة سيكونون عُرضة للتلاعب أو سوء المعاملة أو التمييز من قِبَل الدولة الإسرائيلية المهيمنة حتما. يقول اللورد «هين» إنه: «على الرغم من أن نموذج الدولة الواحدة القائمة على نظام الفيدرالية أو الكونفيدرالية يحتوي على العديد من الخيارات المختلفة، إلا أن الأصوات البارزة داخل قيادة إسرائيل تدعم دولة مشتركة، مع حقوق محدودة ومشروطة للفلسطينيين فقط، كما أن هناك قطاعات مهمة من الطبقة السياسية الإسرائيلية تتبنى علانية النهج التمييزي وشبه الفصل العنصري»، ولهذا فإن الفلسطينيين يعارضون مثل هذا الحل».
وعلى الجانب الآخر، يتخوف الإسرائيليون من المخاطر الديمغرافية والأمنية لحل الدولة الواحدة. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وفي أراضي عام 48 قُدر بـ6.5 ملايين نسمة. وعلى الرغم من تساوي هذا العدد بعدد الإسرائيليين الذي بلغ حوالي 6.74 ملايين، إلا أنه مع مرور الوقت سيتفوق عدد السكان العرب بشكل كبير على عدد السكان الإسرائيليين في الدولة الواحدة وهو ما تؤكده دراسة إحصائيات معدل المواليد في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، إذ إن عدد السكان الفلسطينيين في فلسطين ينمو بمعدل 2.4% سنويًّا، وهو أعلى بنسبة 33% من معدل النمو السكاني في إسرائيل.
وبالنسبة إلى الإسرائيليين، فإن هذا الأمر يثير قلقًا وتخوفًا أمنيًّا في الوقت الراهن. يقول المحلل المعني بالشؤون الإقليمية بالشرق الأوسط، «يوهانس لانغ» في مجلة «هارفارد بوليتيكال ريفيو»: «إن الإسرائيليين قلقون من القضايا الأمنية، وهنا لن يقبل الإسرائيليون بأن يصبحوا أقلية داخل بلادهم؛ خاصة أن معظمهم ينظرون إلى الفلسطينيين والجماعات المسلحة التي تمثلهم؛ مثل حماس والجهاد الإسلامي، باعتبارهم تهديدات قصوى للأمن القومي الإسرائيلي».
وختامًا، أوضح كل من «إدوارد جيريجيان»، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، و«مروان المعشر» وزير الخارجية الأردني الأسبق، في تقرير لهما لمؤسسة كارنيغي، أنه «لا ينبغي التخلي عن خيار حل الدولتين؛ لأنه يوفر الإطار الأكثر تماسكًا لدولة إسرائيلية ديمقراطية قادرة على العيش في سلام وأمن بجوار دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وذات سيادة». لذا ينبغي الضغط؛ من أجل تبني إطار صحيح للسلام، يتمثل في حل الدولتين، بدلا من حل الدولة الواحدة، والذي قال عنه الدكتور «ناصر القدوة»، وزير الخارجية الفلسطيني السابق في صحيفة «الإندبندنت»، إنه «غير منطقي ومستحيل تطبيقه قبل تفكيك المشروع الصهيوني فهو يخدم فكرة إسرائيل الكبرى ويجرد الفلسطينيين من منظومة قانونية متكاملة تدين الاحتلال». يقول «غسان الخطيب»، الأستاذ في جامعة «بيرزيت»، إن «إسرائيل تدفع الأمور باتجاه دولة واحدة بحكم عنصري أو تهجيري أو حكم ذاتي وهي لم تعد تشعر بالحاجة إلى حل الدولتين؛ لأنه يجبرها على الانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية». وأخيرا وليس آخرًا نشير إلى ما أكده عضو الكنيسيت اليهودي «عوفر كسيف» أنها دولة احتلال أسوأ من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (الأبارتهايد).